سفر يشوع | 03 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر يشوع
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
عبور الأردن ع ١ إلى ٤
١ «فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ وَٱرْتَحَلُوا مِنْ شِطِّيمَ وَأَتَوْا إِلَى ٱلأُرْدُنِّ، هُوَ وَكُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَاتُوا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ عَبَرُوا».
ص ٢: ١
فَبَكَّرَ يَشُوعُ فِي ٱلْغَدِ المرجّح أن ترتيب الحوادث كما يأتي:
- في ٣ نيسان أرسل يشوع الجاسوسين (ص ٢: ١).
- في ٦ منه رجعا إلى شطيم.
- في ٧ منه أمر يشوع عرفاء الشعب أن يأمروا الشعب أن يستعدوا لعبور الأردن (ص ١: ١٠).
- في ٩ منه ارتحلوا من شطيم وباتوا عند الأردن (ص ٣: ١) وفي ذات النهار قال يشوع للشعب «تَقَدَّسُوا لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْمَلُ غَداً فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ» وقال للكهنة «ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَٱعْبُرُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ» (ص ٣: ٥ و٦).
- في ١٠ منه أي بعد الأمر للشعب أن يستعدّوا لعبور الأردن (ص ١: ١٠) بثلاثة أيام اجتاز العرفاء في وسط الشعب قائلين لهم أن يرتحلوا ويسيروا وراء تابوت العهد (ص ٣: ٢ – ٤).
فنرى أن كتّاب الأخبار التاريخية في العهد القديم كثيراً ما يذكرون نهاية حادثة ثم يرجعون ويذكرون بالتفصيل ما حدث بين أولها وآخرها.
ونهوض يشوع باكراً مما يدل على رغبته ونشاطه في إتمام الواجب عليه.
ٱرْتَحَلُوا مِنْ شِطِّيمَ (انظر ص ٢: ١ والتفسير). كان هذا الارتحال أول ارتحال بأمر يشوع في خلافته.
بَاتُوا هُنَاكَ قَبْلَ أَنْ عَبَرُوا أي باتوا ليلة واحدة وأُبقي العبور إلى النهار لتظهر المعجزة للعيان فيكونوا على يقين منها ولكي يكون الهول شديداً على الكنعانيين. ولم يدرك أن الإسرائيليين كانوا عارفين أسلوب العبور قبل أن يعبروا النهر بل تقدموا إليه بالإيمان بلا سؤال لأنهم تيقنوا أنهم يعبرونه (ص ١: ١١). إن الواجبات تحملنا على أن نشرع في القيام بها ونخطو الخطوة الأولى ونحن لا نعلم كيف نخطو الثانية على أن لنا أن نسعى ونتخذ الوسائل إلى القيام بها ما استطعنا مع التوكل على الله. ونحن عبيد الله فعلى العبد أن يفعل ما يأمره سيّده به.
٢ «وَكَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ ٱلْعُرَفَاءَ جَازُوا فِي وَسَطِ ٱلْمَحَلَّةِ».
ص ١: ١٠ و١١
وَكَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ من وقت الأمر المذكور في (ص ١: ١٠ و١١).
٣ «وَأَمَرُوا ٱلشَّعْبَ: عِنْدَمَا تَرَوْنَ تَابُوتَ عَهْدِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ وَٱلْكَهَنَةَ ٱللاَّوِيِّينَ حَامِلِينَ إِيَّاهُ، فَٱرْتَحِلُوا مِنْ أَمَاكِنِكُمْ وَسِيرُوا وَرَاءَهُ».
عدد ١٠: ٣٣ تثنية ٣١: ٩ و٢٥
أَمَرُوا ٱلشَّعْبَ بأمر يشوع وسلطانه لا بأمرهم.
تَابُوتَ عَهْدِ ٱلرَّبِّ أي الصندوق الذي فيه لوحا وصايا الله العشر التي كتبها بإصبعه تعالى (خروج ٣٤: ١ و٢٨ وتثنية ١٠: ١ – ٥). والتابوت صُنع للشريعة لا الشريعة للتابوت وكان فوقه مقرّ الرحمة أو الغفران يغطّي الشريعة.
وَٱلْكَهَنَةَ ٱللاَّوِيِّينَ قُرئ في بعض النسخ الكهنة واللاويين. ومعنى ما في المتن عندنا أن حاملي التابوت هم «الكهنة الذين هم من سبط لاوي» فالتفت لمجرد البيان والتأكيد. وعلى القراءة المذكورة أن الكهنة واللاويين القهاتيين اشتركوا في حمل التابوت. كان حمل التابوت مما يجب على اللاويين القهاتيين (عدد ٤: ١٥) ولكن هنا حمله الكهنة لأن التابوت الذي هو علامة وجود الله سيعبر أمام بني إسرائيل وينزل في الأردن فتنفلق مياهه أمامه ليعبر الشعب ثم ترجع المياه إلى مكانها عندما يصعد التابوت من الأردن وهذه الأمور ذات أهمية غير اعتيادية فكان من اللياقة أن يحمل التابوت الكهنة بنو هارون لا القهاتيون. والفرق بين الكهنة واللاويين أن الكهنة هم اللاويون من نسل هارون وإن اللاويين كل بني لاوي أو سائر بني لاوي فصار معنى اللاويين عند الإطلاق بني لاوي ما عدا بني هارون. وقد يُذكر اللاويون نعتاً للكهنة كما هنا وفي (تثنية ١٧: ٨) لمجرد البيان والتأكيد كما ذكرنا.
٤ «وَلٰكِنْ يَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ نَحْوُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ بِٱلْقِيَاسِ. لاَ تَقْرَبُوا مِنْهُ لِكَيْ تَعْرِفُوا ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي تَسِيرُونَ فِيهِ. لأَنَّكُمْ لَمْ تَعْبُرُوا هٰذَا ٱلطَّرِيقَ مِنْ قَبْلُ».
خروج ١٩: ١٢
نَحْوُ أَلْفَيْ ذِرَاعٍ هذه الذراع عبرانية وهي نحو ثلثي ذراعنا المعروفة فتكون هذه المسافة نحو ١٣٣٣ ذراعاً من ذراعنا. وعلة جعل هذه المسافة ٢٠٠٠ ذراع ذكر بعضها في الآية وهو أن يعرفوا الطريق إذ يكون التابوت وحاملوه دليلاً لهم. ومنها أن يتقوا مسّ التابوت احتراماً له لأنه بمنزلة مسكن الله. فنُهوا بذلك التزاماً عن القرب منه وعن مسكه كما نُهوا عن القرب من سيناء ومسّه يوم حلّ به الرب وخاطبهم بكلمات الشريعة الأدبية (خروج ١٩: ١٢) ومنها أن يتمكنوا كلهم من رؤية التابوت.
لأَنَّكُمْ لَمْ تَعْبُرُوا هٰذَا ٱلطَّرِيقَ مِنْ قَبْلُ أي إنكم ستقطعون أرضاً لم تُوطأ أو إنكم لم تسلكوا هذا المسلك قبلاً.
٥ «وَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: تَقَدَّسُوا لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْمَلُ غَداً فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ».
خروج ١٩: ١٠ و١٤ و١٥ ولاويين ٢٠: ٧ وعدد ١١: ١٨ وص ٧: ١٣ و١صموئيل ١٦: ٥ ويوئيل ٢: ١٦
وَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: تَقَدَّسُوا أي اغسلوا أجسادكم وثيابكم وقلوبكم. وهذه الوصية مثل وصية موسى للإسرائيليين يوم إعطاء الله الشريعة على طور سيناء في الأهمية (خروج ١٩: ١٠ – ١٤) فكان عليهم أن يغسلوا أجسادهم وثيابهم ويعتزلوا كل ما لا يليق بما يسمعونه ويشاهدونه. وكانت الوصية بالتطهر أو التقدس تتقدم كل أمر ذي شأن وعظمة واحترام (لاويين ٢٠: ٧ و٨ وعدد ١١: ١٨ و١صموئيل ١٦: ٥ ويوئيل ٢: ١٦). وكان الأحرى بشعب الله أن يدنوا من حضرته تعالى بالتواضع والتوبة والصلاة وتطهير النفس من كل الأقذار الجسدية والروحية.
وكان الإسرائيليون هنا على وشك أن يشاهدوا حضور الله على الأردن وصنعه المعجزة وكانوا وراء تابوت الشريعة المقدسة التي فوقها مجلس الرحمة أو الغفران الذي يغطّيها. كان يشوع مثل موسى في أمور كثيرة ولكن موسى كان يقودهم بالسحابة ويشوع بالشريعة المكتوبة. وهذه الشريعة هي التي حُملت حول أسوار أريحا فكانت حجة الانتقام من الكنعانيين. وهذه الشريعة عينها هي التي كانت حجة الانتقام من الإسرائيليين كما كانت حجة الانتقام من الأمة الكنعانية (١صموئيل ص ٤) ومن الفلسطينيين (١صموئيل ص ٥).
٦ «وَقَالَ يَشُوعُ لِلْكَهَنَةِ: ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَٱعْبُرُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ. فَحَمَلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَسَارُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ».
عدد ٤: ١٥
ٱحْمِلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ لم يكن الأمر بحمل تابوت العهد باختيار يشوع ومجرد سلطانه بل بأن كان يشوع يخشى أن يغيّر عادة الحمل على الأعداء بدون أمر الرب. فما كان إلا مبلغاً إرادة الرب للشعب في هذا الحادث فكان مطيعاً لأوامر رب السماء كما كان الكهنة كذلك. والعهد هنا الشريعة لأنها عهد بين الله والناس.
فَحَمَلُوا تَابُوتَ ٱلْعَهْدِ وَسَارُوا أَمَامَ ٱلشَّعْبِ حملوه على أكتافهم (كما يُعرف من عدد ٧: ٩).
٧ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ: ٱلْيَوْمَ أَبْتَدِئُ أُعَظِّمُكَ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ لِيَعْلَمُوا أَنِّي كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ».
ص ٤: ١٤ و١أيام ٢٩: ٢٥ و٢أيام ١: ١ ص ١: ٥
فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِيَشُوعَ أي لذلك قال الخ أي لأن يشوع أمر الشعب بمقتضى مشيئة الرب قال له الرب ما يأتي كما يظهر من أمثال كثيرة لهذا القول.
ٱلْيَوْمَ أَبْتَدِئُ أُعَظِّمُكَ الخ (انظر ص ٤: ١٤) أي أجعلك عظيماً وأرفع مقامك وأثبت سلطانك وأُلبسك الكرامة فيحترمك الإسرائيليون ويهابونك. وقد أكرم الرب يشوع وعظمه في عدة أوقات (خروج ٢٤: ١٣ وتثنية ٣١: ٧) لكنه لم يكرمه كما أكرمه اليوم إذ عظمه أمام الجميع وأثبت له سلطاناً كسلطان موسى وسلطه على بني إسرائيل وإن الوسيلة إلى صنع الله المعجزة في مشهد كل الشعب إذ انفلقت مياه الأردن المنحدرة ووقفت نداً واحداً حينما استقرت بطون أقدام الكهنة حاملي تابوت الرب في مياه الأردن (ع ١٣).
٨ «وَأَمَّا أَنْتَ فَأْمُرِ ٱلْكَهَنَةَ حَامِلِي تَابُوتِ ٱلْعَهْدِ قَائِلاً: عِنْدَمَا تَأْتُونَ إِلَى ضَفَّةِ مِيَاهِ ٱلأُرْدُنِّ تَقِفُونَ فِي ٱلأُرْدُنِّ».
ع ٣ ع ١٧
تَقِفُونَ فِي ٱلأُرْدُنِّ أي ضيفة الأردن حتى ينفلق الماء وتنكشف الأرض التي تحته. والظاهر أنهم بعد أن انكشفت الأرض وجفت وقفوا في وسط الأرض وبقوا واقفين إلى أن عبر الشعب على غاية ألفي ذراع عبرانية من التابوت.
٩ «فَقَالَ يَشُوعُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: تَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا وَٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ».
تَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا الخ أي تعالوا إلى حيث يمكنكم أن تفهموا كلامي الذي أنقله إليكم عن الرب.
١٠ «ثُمَّ قَالَ يَشُوعُ: بِهٰذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ، وَطَرْداً يَطْرُدُ مِنْ أَمَامِكُمُ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْحِثِّيِّينَ وَٱلْحِوِّيِّينَ وَٱلْفِرِزِّيِّينَ وَٱلْجِرْجَاشِيِّينَ وَٱلأَمُورِيِّينَ وَٱلْيَبُوسِيِّينَ».
تثنية ٥: ٢٦ و١صموئيل ١٧: ٢٦ و٢ملوك ١٩: ٤ وهوشع ١: ١٠ ومتّى ١٦: ١٦ و١تسالونيكي ١: ٩ خروج ٢٣: ٢ وتثنية ٧: ١ ومزمور ٤٤: ٢
ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ فِي وَسَطِكُمْ الخ نعته «بالحي» تمييزا له تعالى عن آلهة الأمم التي لا حس لها ولا حياة وبياناً لحياة الله وقدرته على نصرهم ودفع أعدائهم من الأمم التي ذكرها وإنها هو رب الجميع لا رب الإسرائيليين فقط كما يتوهم الأمم الذين يعددون الآلهة ويخصصون كلاً منها بمكان أو ببعض أعمال العناية كما يتبين من الآية الآتية.
ٱلْكَنْعَانِيِّينَ من نسل حام (تكوين ٩: ١٨) والمراد بالكلمة أهل السواحل فالظاهر أن الكنعانيين كانوا ساكنين سواحل الأردن والبحر المتوسط (عدد ١٣: ٢٩ ويشوع ٥: ١) وكانت لغتهم اللغة العبرانية كما يظهر من الكلام الذي جرى بينهم وبين إبراهيم وبني إسرائيل.
وَٱلْحِثِّيِّينَ (انظر ص ١: ٤).
وَٱلْحِوِّيِّينَ من نسل حام (تكوين ١٠: ١٧) وكان شكيم رئيس مدينة شكيم منهم (تكوين ٣٤: ٢). وكان طبعهم كراهة الحرب كما ظهر من حادثة شكيم ومن حادثة الجبعونيين (ص ٩) وسكنوا المدن ومارسوا التجارة ولم يكونوا من أهل البادية.
وَٱلْفِرِزِّيِّينَ كما يظهر من معنى الكملة الأصلية سكنوا القرى والبادية ومارسوا الفلاحة ورعي المواشي.
وَٱلْجِرْجَاشِيِّينَ قبيلة قطنوا البلاد شرقي بحر الجليل ومنهم أُخذ اسم كورة الجرجسيين (متّى ٨: ٢٨). وكان الأموريون أقوى جسماً من الكنعانيين (عاموس ٢: ٩) فسكنوا الجبال (عدد ١٣: ٢٩) وبلاد شرقي الأردن (عدد ٢١: ١٣ و٢٤ و٢٦). ومعنى الأمم الأصلي جبليون فأُطلق على الجبليين بالإجمال.
وَٱلْيَبُوسِيِّينَ سكنوا أورشليم وما حواليها.
١١ «هُوَذَا تَابُوتُ عَهْدِ سَيِّدِ كُلِّ ٱلأَرْضِ عَابِرٌ أَمَامَكُمْ فِي ٱلأُرْدُنِّ».
ع ١٣ وميخا ٤: ١٣ وزكريا ٤: ١٤ و٦: ٥
تَابُوتُ عَهْدِ الخ أي تابوت الوصايا العشر. وهذا تفسير الكتاب المقدس عينه (انظر خروج ٣٤: ٢٩ وتثنية ٤: ١٣). تقدُّم الوصايا العشر أمام الشعب إشارة إلى وجوب أنهم يسلكون بمقتضاها في أرض ميراثهم أرض الميعاد. ويجب أن يُذكر هنا أن مقدمة ذلك العهد أو الوصايا العشر «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ» فالذي أخرجهم من مصر بقدرته العظمى هو الذي أدخلهم أرض الميعاد بتلك القدرة. فتخصيص الله بأنه هو الواجب الأزلي وحده ركن الدين في العهدين وأساس الشريعة كلها.
١٢ «فَٱلآنَ ٱنْتَخِبُوا ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ».
ص ٤: ٢
ٱنْتَخِبُوا ٱثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً علة أن المُنتخبين اثني عشر ليكونوا نواباً عن أسباط إسرائيل الاثني عشر. وذُكر عملهم الذي اختيروا له في (ص ٤: ٤ و٥) وانتُخبوا هنا ليكونوا مستعدّين لما يدعون إليه من العمل لئلا يُعاقوا عنه.
١٣ «وَيَكُونُ حِينَمَا تَسْتَقِرُّ بُطُونُ أَقْدَامِ ٱلْكَهَنَةِ حَامِلِي تَابُوتِ ٱلرَّبِّ سَيِّدِ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا فِي مِيَاهِ ٱلأُرْدُنِّ، أَنَّ مِيَاهَ ٱلأُرْدُنِّ ٱلْمُنْحَدِرَةَ مِنْ فَوْقُ تَنْفَلِقُ وَتَقِفُ نَدّاً وَاحِداً».
ع ١٥ و١٦ ع ١١ مزمور ٧٨: ١٣ و١١٤: ٣
حِينَمَا تَسْتَقِرُّ بُطُونُ أَقْدَامِ ٱلْكَهَنَةِ… فِي مِيَاهِ ٱلأُرْدُنِّ الظاهر أنهم كانوا حفاة وأول ما لمست بطون أقدامهم مياه الأردن لمستها عند الضفة أي الشاطئ في الماء الرقيق (ع ١٥) فلم يقفوا في أول الأمر في وسط النهر. وما كان من الضرورة أن يتوسطوا النهر قبل انفلاق الماء وجفاف القرار.
ٱلْمُنْحَدِرَةَ مِنْ فَوْقُ أي من الشمال ووُصفت الجهة التي يجري منها ماء النهر بأنها فوق لارتفاع الينبوع عن المجرى.
نَدّاً أي تلاً مرتفعاً فكان الماء الجاري من الينبوع في الشمال يقف عن الجري عن جهة النبع أي جهة الجنوب والذي يجري إلى الجنوب يذهب إذ لا حاجة إلى وقوفه بل ذهابه أحسن لأنه يطيل المعبر ليعبر ذلك الجمع العظيم.
١٤ «وَلَمَّا ٱرْتَحَلَ ٱلشَّعْبُ مِنْ خِيَامِهِمْ لِيَعْبُرُوا ٱلأُرْدُنَّ، وَٱلْكَهَنَةُ حَامِلُو تَابُوتِ ٱلْعَهْدِ أَمَامَ ٱلشَّعْبِ».
أعمال ٧: ٤٥
ٱرْتَحَلَ ٱلشَّعْبُ مِنْ خِيَامِهِمْ الشعب باعتبار اللفظ مفرد وباعتبار المعنى جمع فراعى في قوله «خيامهم» المعنى.
ٱلْكَهَنَةُ… أَمَامَ ٱلشَّعْبِ كالأدلة له وكانوا بذلك هداة ومشجعين.
١٥ «فَعِنْدَ إِتْيَانِ حَامِلِي ٱلتَّابُوتِ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ وَٱنْغِمَاسِ أَرْجُلِ ٱلْكَهَنَةِ حَامِلِي ٱلتَّابُوتِ فِي ضَفَّةِ ٱلْمِيَاهِ وَٱلأُرْدُنُّ مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ كُلَّ أَيَّامِ ٱلْحَصَادِ».
ع ١٣ ١وأيام ١٢: ١٥ وإرميا ٢: ٥ و٤٩: ١٩ ص ٤: ١٨ و٥: ١٠ و١٢
مُمْتَلِئٌ إِلَى جَمِيعِ شُطُوطِهِ إذ كان في نهاية أشهر المطر وأول ذوبان الثلج على الجبال.
كُلَّ أَيَّامِ ٱلْحَصَادِ أي حصاد الشعير وكانت بداءة حصاده في تلك الأرض في نيسان (انظر ١أيام ١٢: ١٥). (انظر ما قيل في خروج ٩: ٣١) إن حصاد الكتان كان مع حصاد الشعير (وانظر ما قيل في ص ٢: ٦) إن راحاب وارت الجاسوسين بين عيدان الكتان. فإن الوقت المشار إليه في القول الواحد يطابق تماماً المشار إليه في الآخر.
١٦ «وَقَفَتِ ٱلْمِيَاهُ ٱلْمُنْحَدِرَةُ مِنْ فَوْقُ وَقَامَتْ نَدّاً وَاحِداً بَعِيداً جِدّاً عَنْ «أَدَامَ» ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي إِلَى جَانِبِ صَرْتَانَ، وَٱلْمُنْحَدِرَةُ إِلَى بَحْرِ ٱلْعَرَبَةِ «بَحْرِ ٱلْمِلْحِ» ٱنْقَطَعَتْ تَمَاماً، وَعَبَرَ ٱلشَّعْبُ مُقَابِلَ أَرِيحَا».
١ملوك ٤: ١٢ و٧: ٤٦ تثنية ٣: ١٧ تكوين ١٤: ٣ وعدد ٣٤: ٣
أَدَامَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي إِلَى جَانِبِ صَرْتَانَ يصعب تعيين موقع هاتين المدينتين والأولى لم يُذكر هنا من أمرها غير أنها إلى جانب صرتان ولم يعرف الباحثون من أمرها على التحقيق غير هذا. وظن بعضهم أن موقعها عند الدامية. وآخر أنها خربة الحمراء على غاية نحو ميل من تل حارم بناءً على أن معنى «أدام» أرض حمراء. ولكن ذُكر في ١ملوك ٤: ١٢ إن «صرتان» كانت تحت يزرعيل قرب بيت شان على مقربة من سكوت. وسكوت على ما يظهر من (تكوين ٣٣: ١٧ ويشوع ١٣: ٢٧) كانت شرقي الأردن على القرب من بحيرة طبريا ولا ريب في أن هناك كان موقع أدام. ورسم أدام في العبرانية «أدم» أي تراب أحمر أو تربة حمراء كما مرّ في أول الكلام عليها.
بَحْرِ ٱلْعَرَبَةِ بَحْرِ ٱلْمِلْحِ بحر الملح بيان لبحر العربة وهو بحر لوط وله أسماء أُخر هي البحر الشرقي (حزقيال ٤٧: ١٨ ويوئيل ٢: ٢٠ وزكريا ١٤: ٨). وعمق السديم (تكوين ١٤: ٣). وبحر سدوم على ما في التلمود. والبحيرة الزفتية. والبحيرة السدومية على ما في يوسيفوس. والبحر الميت على ما في بعض الكتب اليونانية. وهو على غاية ١٦ ميلاً من أورشليم طوله ٤٦ ميلاً ومعظم عرضه عشرة أميال ومساحته تقرب من ثلاثة مئة ميل مربع.
والعربة اسم للوادي من حرمون أي جبل الشيخ إلى العقبة وطوله ٢٥٠ ميلاً وفيه الحولة وبحر الجليل أي بحر طبرية وبحر الملح المذكور وقد يقصر هذا الاسم على الغور بين بحر الملح والبحر الأحمر وعلى الغور الذي شمالي بحر الملح والمقصود به هنا ما فيه بحر لوط (انظر تفسير تثنية ٣: ١٧).
وَعَبَرَ ٱلشَّعْبُ مُقَابِلَ أَرِيحَا والمرجّح أن عبورهم النهر كان عند المكان الذي سمي بعد ذلك بيت عبرة أي بيت العبر أو العبور وإن علة هذا الاسم في هذه الحادثة أي عبور الأردن. وهناك كان يوحنا المعمدان يعمّد (يوحنا ١: ٢٨) وهنالك عُظّم يسوع ومُجّد كما عُظّم يشوع ومُجّد.
١٧ «فَوَقَفَ ٱلْكَهَنَةُ حَامِلُو تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ ٱلأُرْدُنِّ رَاسِخِينَ، وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ عَابِرُونَ عَلَى ٱلْيَابِسَةِ حَتَّى ٱنْتَهَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ مِنْ عُبُورِ ٱلأُرْدُنِّ».
خروج ١٤: ٢٩
وَقَفَ ٱلْكَهَنَةُ… عَلَى ٱلْيَابِسَةِ يبس قرار النهر فكان يبسه سريعاً جزءاً من المعجزة.
رَاسِخِينَ الخ المرجّح أنهم لم يتحركوا من موقفهم والتابوت على أكتافهم منذ أول عابر من الإسرائيليين إلى آخر عابر منهم.
وهذه المعجزة على ما رأى بعضهم أعظم من معجزة عبور البحر الأحمر من بعض الوجوه فإنه لا يمكن تعليل وقوف الماء نداً من جهة مجراه بعلّة طبيعية والله على كل شيء قدير.
فوائد
- إن يشوع كان مثال الجد والاجتهاد والاستعداد للعمل في المصالح الجسدية والروحية فأعماله على وفق المبدأ الإلهي وهو قول الله بلسان الحكيم «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ» (جامعة ٩: ١٠) وهذا هو مبدأ عبيد الله في كل زمان ومكان.
- إن الإسرائيليين كانوا عند الاستعداد لعبور الأردن مثالاً للإيمان والطاعة فإنهم آمنوا بقول الله بلسان يشوع وأطاعوا أمره بالاستعداد لقطع الأردن مع أن النهر كان طامياً لا يمكن عبوره بلا وسائل ولم يكن لهم شيء منها فساورا للعبور بلا جدال ولا سؤال. فعلينا نحن أن نطيع يشوعنا (أي يسوعنا) ونقوم بأمره ولو ظهر لنا أن القيام به متعذر وأنه لا يُرجى النجاح بالاجتهاد فعلينا أن نقوم بما أوجب علينا ونترك العاقبة لله ولا نلتفت إلى الموانع لنتخذها عذراً على إهمال الواجب وحينئذ نرى القوة الإلهية منعت العوائق كما منعت مياه الأردن.
- إن تابوت عهد الله أي آية حضوره يجب أن يكون أمامنا في كل أحوال حياتنا. إنه يشتمل على شريعة الله والمنّ أي كلمة الله وأسراره ورسومه. وفوق الشريعة مجلس الرحمة أي آية حضور المسيح الذي التقت فيه الخطيئة والمغفرة فليس لنا إلا أن نتبع هذا التابوت لأن كلمة الله سراج لأرجلنا ونور لسبلنا. إن حياته الأرضية كانت مثالاً لنا فإن كنا مسيحيين وجب أن نحيا مثل حياته ونسير مثل سيرته. والخلاصة أنه يجب علينا أن نحفظ كلام الله ونعمل بحسبه ونقتدي بالفادي الذي حمل عنا العقاب ومهّد لنا السبيل إلى عبور نهر الموت إلى كنعان السماوية.
- إنه يجب علينا أن نبذل الجهد في الاقتداء بالمسيح وإن كنا لا نستطيع أن نكون مثله كما يجب فإنه كان مسافة بعيدة بين الشعب وتابوت عهد الله فعلينا أن نتقدم وإن لم ندركه (فيلبي ٣: ١٣ و١٤) إننا نحن خطأة عاجزون والمسيح بارّ قدير.
- إنه على خادم الدين أن يرشد إلى الطريق المستقيم كما أرشد الكهنة حاملو تابوت عهد الله إليه فإن لم يسيروا في ذلك الطريق وجب على الشعب أن لا يتبعهم لئلا يضلوه. وعلى هذا قال متى هنري في خدم الدين أنه ما علينا أن نتبعهم إلا حين يتبعون المسيح. ونعرف اتّباعهم للمسيح وعدمه بأن نقرأ كلمة الله فيه التي تكشف لنا الحقيقة وتقدّرنا على الحكم الصحيح فالعمدة تابوت العهد لا حَمَلَته.
-
إن العمل الخاص يقتضي استعداداً خاصاً. إن يشوع أمر الإسرائيليين أن يتقدسوا لأن الله كان على وشك أن يصنع المعجزات بينهم فإذا كان علينا عمل ذو شأن وجب أن نتقدس قبل الشروع فيه ونتوقع وقته بالصلاة وطلب الروح القدس الهادي ودرس كلام الله. فإن سيدنا يسوع المسيح أحيا الليل بالصلاة قبل أن اختار تلاميذه الرسل. والرسل انتظروا ساكتين في أورشليم حلول الروح القدس ولما قبلوه شرعوا يعظون ويعلّمون. وبولس الرسول شغل ثلاث سنين في العربية يصلي لله ويتأمل في كلامه قبل أن شرع في خدمته العظيمة الطويلة العهد.
السابق |
التالي |