سفر أيوب

سفر أيوب | 41 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ

١ «أَتَصْطَادُ لوياثان (ٱلتِّمسَاحَ) بِشِصٍّ، أَوْ تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟».

لوياثان (ٱلتِّمسَاحَ) كلمة عبرانية ومعناها الملتوي أو الملتف والكلمة المترجمة «تنين» في ٣: ٨ وعدم ترجمة الكلمة هنا هو لأن المترجمين لم يعرفوا معناها ولكن أكثر المفسرين متفقون على أن المشار إليه هو التمساح (اطلب في قاموس الكتاب المقدس «لوياثان» و «تمساح») ويوجد التمساح في أنهر أفريقية وجنوبي أميركة الشمالية وأميركة الجنوبية. وطوله عشرون قدماً وأحياناً ثلاثون قدماً وكل جسمه مغطى بحراشف قرنية تمنع دخول الرماح والسهام فيه. وفمه كبير جداً وأسنانه كثيرة وحادة يأكل الحيات ولكنه يبلعها كما هي بلا مضغ. ويتنفس كحيوانات اليابسة ولكنه غالباً يطفو على وجه الماء ولا يُرى فوق الماء إلا خرطومه ويقدر أن يبقى تحت وجه الماء زماناً.

بِشِصٍّ الشصّ لصيد الأسماك الصغيرة ولا ينفع في صيد التمساح.

تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ إما حبل الشصّ أو حبل يوضع في فمه وفوق لسانه كلجام لإذلاله.

٢ – ٥ «٢ أَتَضَعُ أَسَلَةً فِي خَطْمِهِ، أَمْ تَثْقُبُ فَكَّهُ بِخِزَامَةٍ؟ ٣ أَيُكْثِرُ ٱلتَّضَرُّعَاتِ إِلَيْكَ، أَمْ يَتَكَلَّمُ مَعَكَ بِٱللِّينِ؟ ٤ هَلْ يَقْطَعُ مَعَكَ عَهْداً فَتَتَّخِذَهُ عَبْداً مُؤَبَّداً؟ ٥ أَتَلْعَبُ مَعَهُ كَٱلْعُصْفُورِ، أَوْ تَرْبِطُهُ لأَجْلِ فَتَيَاتِكَ؟».

(ص ٤٠: ٢٥ في العبراني) ص ٣: ٨ ومزمور ٧٤: ١٤ و١٠٤: ٢٦ وإشعياء ٢٧: ١٠ ٢ملوك ١٩: ٢٨ وإشعياء ٣٧: ٢٩

أَسَلَةً الأسل عيدان تنبت بلا ورق تُعمل منها الحصر في مصر واحدها أسلة وهي حبل من العيدان كعيدان الحصر والمعنى أن الإنسان لا يقدر أن يضع حبلاً في خطم التمساح أو خزامة في فكه فيقوده كغيره من البهائم.

هَلْ يَقْطَعُ مَعَكَ عَهْداً (ع ٤) كالعهد مع العبد العبراني (انظر تثنية ١٥: ١٦ و١٧) ومن المستحيل ان الفتيات (ع ٥) يلعبن معه كما مع العصفور.

٦ – ١١ «٦ هَلْ تَحْفُرُ جَمَاعَةُ ٱلصَّيَّادِينَ لأَجْلِهِ حُفْرَةً، أَوْ يَقْسِمُونَهُ بَيْنَ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ؟ ٧ أَتَمْلأُ جِلْدَهُ حِرَاباً وَرَأْسَهُ بِإِلاَلِ ٱلسَّمَكِ؟ ٨ ضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ. لاَ تَعُدْ تَذْكُرُ ٱلْقِتَالَ! ٩ هُوَذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ كَاذِبٌ. أَلاَ يُكَبُّ أَيْضاً بِرُؤْيَتِهِ. ١٠ لَيْسَ مِنْ شُجَاعٍ يُوقِظُهُ فَمَنْ يَقِفُ إِذاً بِوَجْهِي؟ ١١ مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ؟ مَا تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ لِي».

(ص ٤١: ١ في العبراني) ص ٣: ٨ ص ٩: ٥ – ١٠ و٢٦: ٦ – ١٤ و٢٨: ٢٤ وخروج ١٩: ٥ وتثنية ١٠: ١٤ ومزمور ٢٤: ١ و٥٠: ١٢ و١كورنثوس ١٠: ٢٦

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ أهل كنعان وبما أن كثيرين منهم نزلوا إلى مصر وذهبوا إلى بلاد العرب لأجل التجارة أطلق الاسم «كنعانيون» على جميع التجار. وأما التمساح فلا يصطاد ولا يُقسم للبيع.

إِلاَلِ ٱلسَّمَكِ (ع ٧) الحراب الصغيرة المستعملة في صيده. ومن وضع يده عليه (ع ٨) يهلك فلا يذكر القتال بعدُ.

يُكَبُّ (ع ٩) أي يُقلب على وجهه ويسقط إلى الأرض من يراه فقط.

فَمَنْ يَقِفُ إِذاً بِوَجْهِي (ع ١٠) ونتيجة الكلام كله إذا كان الإنسان لا يقدر أن يقف أمام التمساح فكيف يقف أمام خالقه.

مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ لا يقدر أحد أن يقاوم الله (ع ١٠) وليس لأحد دعوى عليه كدعوى الدائن على المدين لأن كل شيء للرب ولا يقدر أحد أن يعطيه إلا مما له (انظر مزمور ٥٠: ١٠ – ١٢).

١٢ – ١٤ «١٢ لاَ أَسْكُتُ عَنْ أَعْضَائِهِ وَخَبَرِ قُوَّتِهِ وَبَهْجَةِ عُدَّتِهِ. ١٣ مَنْ يَكْشِفُ وَجْهَ لِبْسِهِ وَمَنْ يَدْنُو مِنْ مَثْنَى لَجَمَتِهِ؟ ١٤ مَنْ يَفْتَحُ مِصْرَاعَيْ فَمِهِ؟ دَائِرَةُ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ».

من هنا بدأ يوصف التمساح بالتفصيل. وبهجة عدته حراشفه وهي بهجته لأنها توافق الحاجة. ترد الضربة كأنها من نحاس ومع ذلك هي خفيفة ولينة فلا تمنع التمساح عن الدوران والسير في الماء بسرعة عجيبة.

لِبْسِهِ (ع ١٣) حراشفه ومعنى السؤال أن لا أحد كشف وجه لبسه أي خلعه وذلك لمتانته وإتقان تركيبه (انظر ع ١٥ – ١٧).

مَثْنَى لَجَمَتِهِ للتمساح صفان من الأضراس ٣٦ من فوق و٣٠ من تحت وبعضها كأسنان المنشار وحينما يغلق فمه تشتبك الأسنان بعضها ببعض فلا يمكن الخلاص منه.

١٥ – ١٧ «١٥ فَخْرُهُ مَجَانُّ مَانِعَةٌ مُحَكَّمَةٌ مَضْغُوطَةٌ بِخَاتِمٍ. ١٦ ٱلْوَاحِدُ يَمَسُّ ٱلآخَرَ، فَٱلرِّيحُ لاَ تَدْخُلُ بَيْنَهَا. ١٧ كُلٌّ مِنْهَا مُلْتَصِقٌ بِصَاحِبِهِ مُتَجَمِّدَةً لاَ تَنْفَصِلُ».

وصف حراشفه أن كلا منها كمجنّ وهي محكمة كأنها مضغوطة بعضها على بعض ومختومة فلا تدخل الريح بينها.

١٨ – ٢١ «١٨ عِطَاسُهُ يَبْعَثُ نُوراً، وَعَيْنَاهُ كَهُدْبِ ٱلصُّبْحِ. ١٩ مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَصَابِيحُ. شَرَارُ نَارٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُ. ٢٠ مِنْ مِنْخَرَيْهِ يَخْرُجُ دُخَانٌ كَأَنَّهُ مِنْ قِدْرٍ مَنْفُوخٍ أَوْ مِنْ مِرْجَلٍ. ٢١ نَفَسُهُ يُشْعِلُ جَمْراً وَلَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ».

ص ٣: ٩

عظامه قيل أن التمساح يتنفس ويمسك نفَسه حتى ينتفخ فيغطس في الماء ثم يطلع ويُخرج نفَسَه من منخريه مع الماء فيظهر بالشمس كنور ومصابيح وشرار نار ودخان وفي الكتابات المصرية القديمة أن عين التمساح كناية عن الصبح.

٢٢ – ٢٨ «٢٢ فِي عُنُقِهِ تَبِيتُ ٱلْقُوَّةُ وَأَمَامَهُ يَدُوسُ ٱلْهَوْلُ. ٢٣ مَطَاوِي لَحْمِهِ مُتَلاَصِقَةٌ مَسْبُوكَةٌ عَلَيْهِ لاَ تَتَحَرَّكُ. ٢٤ قَلْبُهُ صُلْبٌ كَٱلْحَجَرِ وَقَاسٍ كَٱلرَّحَى. ٢٥ عِنْدَ نُهُوضِهِ تَفْزَعُ ٱلأَقْوِيَاءُ. مِنَ ٱلْمَخَاوِفِ يَتِيهُونَ. ٢٦ سَيْفُ ٱلَّذِي يَلْحَقُهُ لاَ يَقُومُ، وَلاَ رُمْحٌ وَلاَ حَرْبَةٌ وَلاَ دِرْعٌ. ٢٧ يَحْسِبُ ٱلْحَدِيدَ كَٱلتِّبْنِ وَٱلنُّحَاسَ كَٱلْعُودِ ٱلنَّخِرِ. ٢٨ لاَ يَسْتَفِزُّهُ نُبْلُ ٱلْقَوْسِ. حِجَارَةُ ٱلْمِقْلاَعِ تَرْجِعُ عَنْهُ كَٱلْقَشِّ».

ٱلْهَوْلُ الهول الخوف وهو مشبه بخادم يمشي أمام التمساح فيهرب منه كل حي.

مَطَاوِي لَحْمِهِ (ع ٢٣) ما تحت عنقه وبطنه وهي ليست طرية كما في غيره من الحيوانات ولا تتحرك عند مشيه.

كَٱلرَّحَى (ع ٢٤) الرحى الطاحون والمقصود هنا الحجر السفلي من حجري البطن (اطلب «طحن» في قاموس الكتاب) وهو صلب جداً ويظن بعضهم أن المراد هو القلب الحقيقي والأرجح أنه شجاعته.

يَتِيهُونَ (ع ٢٥) يدهشون ويتيهون لاضطراب أفكارهم من الخوف.

لاَ يَقُومُ (ع ٢٦) بالترجمة اليسوعية (لا يثبت أي لا يخرق السيف حراشفه. فلا ينفع السيف والرمح والمزراق في ضربه ولا ينفع الدِرع في مقاومته.

نُبْلُ ٱلْقَوْسِ (ع ٢٨) السهام.

٢٩ – ٣٤ «٢٩ يَحْسِبُ المقمعة (ٱلْمِطْرَقَةَ) كَقَشٍّ وَيَضْحَكُ عَلَى ٱهْتِزَازِ ٱلرُّمْحِ. ٣٠ تَحْتَهُ قُطَعُ خَزَفٍ حَادَّةٌ. يُمَدِّدُ نَوْرَجاً عَلَى ٱلطِّينِ. ٣١ يَجْعَلُ ٱلْعُمْقَ يَغْلِي كَٱلْقِدْرِ، وَيَجْعَلُ ٱلْبَحْرَ كَقِدْرِ عِطَارَةٍ. ٣٢ يُضِيءُ ٱلسَّبِيلُ وَرَاءَهُ فَيُحْسَبُ ٱللُّجُّ أَشْيَبَ. ٣٣ لَيْسَ لَهُ فِي ٱلأَرْضِ نَظِيرٌ. صُنِعَ لِعَدَمِ ٱلْخَوْفِ. ٣٤ يُشْرِفُ عَلَى كُلِّ مُتَعَالٍ. هُوَ مَلِكٌ عَلَى كُلِّ بَنِي ٱلْكِبْرِيَاءِ».

ص ٤٠: ١٩ ص ٢٨: ٨

المقمعة (ٱلْمِطْرَقَةَ) خشبة يضربه بها الإنسان على رأسه ليذلّه ويهينه.

قُطَعُ خَزَفٍ (ع ٣٠) حراشفه الحادة وأثرها في الطين كأثر نورج.

ٱلْعُمْقَ… ٱلْبَحْرَ (ع ٣١) هما مياه النهر وكما يحرك العطّار العطر في القِدر هكذا التمساح يحرك مياه النهر وفي سيره و «يُحسب اللج أشيب» من رغوة الماء.

و «بني الكبريا» الوحوش القوية وهو ملك عليها أي هو أقوى منها ولا يخافها.

ومن العلوم الطبيعية الحديثة علم الحيوانات الصغيرة أي الجراثيم التي لا تُرى إلا بالمجهر (المكرسكوب) وهي عجيبة في عددها وتكوينها وحركاتها وتظهر فيها حكمة الله وقدرته كما في الحيوانات الكبيرة.

انتهى كلام الرب وفي كلامه لم يوضح لأيوب وأصحابه الأمور التي أقلقتهم ولعل ذلك للأسباب الآتي ذكرها.

  1. إنهم لا يقدرون أن يفهموا هذه الأمور مهما سمعوا من الإيضاح عنها كما أن الفيلسوف لا يقدر أن يوضح لولد صغير القضايا الهندسية.
  2. إن للتعليم درجات ولكل درجة وقتاً فأعلن الله للقدماء بعض قضايا روحية وأبقى غيرها لجيل آخر فالتعليم بالقيامة والحياة بعد الموت ومجازاة الصالحين والأشرار في الآخرة والفداء وعمل الروح القدس ورد في العهد الجديد بعد تجسد المسيح في ملء الأزمنة.
  3. إنه لعدم وجود الكتاب المقدس وقتئذ أوضح الله للقدماء قدرته وحكمته ومحبته لكل خلائقه من كتاب الطبيعة.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى