سفر أيوب

سفر أيوب | 39 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

«١ أَتَعْرِفُ وَقْتَ وَلاَدَةِ وُعُولِ ٱلصُّخُورِ، أَوْ تُلاَحِظُ مَخَاضَ ٱلأَيَائِلِ؟ ٢ أَتَحْسِبُ ٱلشُّهُورَ ٱلَّتِي تُكَمِّلُهَا، أَوْ تَعْلَمُ مِيعَادَ وَلاَدَتِهِنَّ؟ ٣ يَبْرُكْنَ وَيَضَعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ. يَدْفَعْنَ أَوْجَاعَهُنَّ. ٤ تَبْلُغُ أَوْلاَدُهُنَّ. تَرْبُو فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. تَخْرُجُ وَلاَ تَعُودُ إِلَيْهِنَّ».

تثنية ١٤: ٥ و١صموئيل ٢٤: ٢ ومزمور ١٠٤: ١٨ مزمور ٢٩: ٩

انظر قاموس الكتاب المقدس في وصف الوعول وغيرها من الحيوانات المذكورة. وتأوي الوعول والأيائل إلى الصخور في الجبال العالية البعيدة عن مساكن الناس فيصعب على الإنسان أن يعرف طباعها وعاداتها. وأما الرب فلا يعرفها فقط بل يدبرها أيضاً لأن الكل منه ومن عجائب عناية الله أنه أعطى هذه الحيوانات كبيرها وصغيرها غريزة بها تقدر أن تدبر ذواتها بخلاف صغار الإنسان الذين يحتاجون إلى خدمة والديهم عدة سنين.

٥ – ٨ «٥ مَنْ سَرَّحَ ٱلْفَرَاءَ حُرّاً، وَمَنْ فَكَّ رُبُطَ حِمَارِ ٱلْوَحْشِ؟ ٦ ٱلَّذِي جَعَلْتُ ٱلْبَرِّيَّةَ بَيْتَهُ وَٱلسِّبَاخَ مَسْكَنَهُ. ٧ يَضْحَكُ عَلَى جُمْهُورِ ٱلْقَرْيَةِ. لاَ يَسْمَعُ زَجْرَ ٱلسَّائِقِ. ٨ دَائِرَةُ ٱلْجِبَالِ مَرْعَاهُ، وَعَلَى كُلِّ خُضْرَةٍ يُفَتِّشُ».

ص ٦: ٥ و١١: ١٢ و٢٤: ٥ ومزمور ١٠٤: ١١ ص ٢٤: ٥ وإرميا ٢: ٢٤ وهوشع ٨: ٩

ٱلْفَرَاءَ إن الحمار الأليف كان حماراً وحشياً والفراء فتي حمار الوحش أجمل وأسرع من الحمار الأليف ولا يدجن. قال أحد المفسرين إنه رأى فراء اصطاده أناس حياً ولكنهم لم يقدروا أن يذللوه وبعد تربيته ثلاث سنين ظل كما كان في الأول. فنتعلم مما ذكر (١) محبة الله للحيوانات (انظر تكوين ١: ٢٥) إنه يجب على الإنسان أيضاً أن يحب الحيوانات ولا يقسو عليها (٢) عناية الله بالوحوش فكم بالحري يعتني بالإنسان (انظر متّى ٦: ٢٦ و١٠: ٢٩) (٣) إنه يجب على الإنسان أن يخضع لله بإرادته وليس كالبهائم بالغصب والخوف (انظر مزمور ٣٢: ٨ و٩) ونرى في وصف الفراء والثور الوحشي والنعامة والفرس شيئاً من المبالغة مما هو جائز في الشعر.

٩ – ١٢ «٩ أَيَرْضَى ٱلثَّوْرُ ٱلْوَحْشِيُّ أَنْ يَخْدِمَكَ، أَمْ يَبِيتُ عِنْدَ مِعْلَفِكَ؟ ١٠ أَتَرْبِطُ ٱلثَّوْرَ ٱلْوَحْشِيَّ بِحَبْلٍ إِلَى خَطِّ ٱلْمِحْرَاثِ أَمْ يُمَهِّدُ ٱلأَوْدِيَةَ وَرَاءَكَ؟ ١١ أَتَثِقُ بِهِ لأَنَّ قُوَّتَهُ عَظِيمَةٌ، أَوْ تَتْرُكُ لَهُ تَعَبَكَ؟ ١٢ أَتَأْتَمِنُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِزَرْعِكَ وَيُجْمَعُ إِلَى بَيْدَرِكَ؟.

عدد ٢٣: ٢٢ وتثنية ٣٣: ١٧ ومزمور ٢٢: ٢١ و٢٩: ٦ و٩٢: ١٠ وإشعياء ٣٤: ٧

الثور الوحشي أكبر وأقوى من الثور الأليف ومغزى الكلام هنا أن الثور الوحشي لا يدجن فتظهر فيه قدرة الخالق وضعف الإنسان. والمظنون أن الثور الوحشي كان في فلسطين قديماً غير أنه لا وجود له هناك اليوم.

١٣ – ١٨ «١٣ جَنَاحُ ٱلنَّعَامَةِ يُرَفْرِفُ. أَفَهُوَ مَنْكِبٌ رَؤُوفٌ، أَمْ رِيشٌ؟ ١٤ لأَنَّهَا تَتْرُكُ بَيْضَهَا وَتُحْمِيهِ فِي ٱلتُّرَابِ، ١٥ وَتَنْسَى أَنَّ ٱلرِّجْلَ تَضْغَطُهُ، أَوْ حَيَوَانَ ٱلْبَرِّ يَدُوسُهُ! ١٦ تَقْسُو عَلَى أَوْلاَدِهَا كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا. بَاطِلٌ تَعَبُهَا بِلاَ أَسَفٍ. ١٧ لأَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَنْسَاهَا ٱلْحِكْمَةَ وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَهْماً. ١٨ عِنْدَمَا تُحْوِذُ نَفْسَهَا إِلَى ٱلْعَلاَءِ تَضْحَكُ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَعَلَى رَاكِبِهِ».

مراثي ٤: ٣

توجد النعامة في بلاد العرب وفي أفريقية الجنوبية وأماكن أُخر ويربونها لأجل ريشها الجميل والثمين. وتعلو قامة النعامة سبع أقدام ولا يمكنها الطيران لأن جناحيها صغيران بالنسبة إلى حجمها ولكنهما يساعدانها في الركض وهي سريعة جداً فلا تلحقها سوابق الخيل. قال ليفنستون إنها تركض نحو ٢٦ ميلاً في الساعة وطول خطوتها (فشختها) نحو ٢٥ قدماً. والقول «تُحْوِذُ نَفْسَهَا إِلَى ٱلْعَلاَءِ» (ع ١٨) يشير إلى رفع رأسها حينما تركض. وتعمل أفحوصها في الرمل وتحضن بيضها وأحياناً تتركه حين يشتد الحر فشاع أن النعامة جائرة الطبع وقليلة المحبة لفراخها وبلا حكمة (ع ١٣ و١٦ و١٧) وفراخها سريعة في الركض ولونها مثل لون الرمل ويهرب كل واحد منها إلى جهة فإذا أتاها الصياد لا يراها أو إذا رآها لا يقدر أن يصطادها (انظر قاموس الكتاب).

١٩ – ٢٥ «١٩ هَلْ أَنْتَ تُعْطِي ٱلْفَرَسَ قُوَّتَهُ وَتَكْسُو عُنُقَهُ عُرْفاً؟ ٢٠ أَتُوثِبُهُ كَجَرَادَةٍ؟ نَفْخُ مِنْخَرِهِ مُرْعِبٌ. ٢١ يَبْحَثُ فِي ٱلْوَادِي وَينفز (يَقْفِزُ) بِبَأْسٍ. يَخْرُجُ لِلِقَاءِ ٱلأَسْلِحَةِ. ٢٢ يَضْحَكُ عَلَى ٱلْخَوْفِ وَلاَ يَرْتَاعُ وَلاَ يَرْجِعُ عَنِ ٱلسَّيْفِ. ٢٣ عَلَيْهِ تَصِلُّ ٱلسِّهَامُ وَسِنَانُ ٱلرُّمْحِ وَٱلْحَرْبَةِ. ٢٤ فِي وَثْبِهِ وَغَضَبِهِ يَلْتَهِمُ ٱلأَرْضَ وَلاَ يُؤْمِنُ أَنَّهُ صَوْتُ ٱلْبُوقِ. ٢٥ عِنْدَ نَفْخِ ٱلْبُوقِ يَقُولُ: هَهْ! وَمِنْ بَعِيدٍ يَسْتَرْوِحُ ٱلْقِتَالَ صِيَاحَ ٱلْقُوَّادِ وَٱلْهُتَافَ».

يوئيل ٢: ٥ إرميا ٨: ١٦ إرميا ٨: ٦

ٱلْفَرَسَ أُستعملت الخيل في القديم للحرب وللصيد فقط كما يظهر من الصور الأشورية ولم تُذكر بين مقتنيات أيوب.

عُرْفاً الكلمة الأصلية العبرانية مترجمة في (٣٧: ٤) «يُرعد» وفي الترجمة اليسوعية «رعداً» والقول يشير إلى منظر الفرس الجميل والمخيف وهو ذاهب إلى القتال.

كَجَرَادَةٍ (ع ٢٠) (يوئيل ٢: ٤ و٥) «كَمَنْظَرِ ٱلْخَيْلِ مَنْظَرُهُ، وَمِثْلَ ٱلأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. كَصَرِيفِ ٱلْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ يَثِبُونَ» و(رؤيا ٩: ٧) «وَشَكْلُ ٱلْجَرَادِ شِبْهُ خَيْلٍ مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ».

وَينفز (يَقْفِزُ) بِبَأْسٍ (ع ٢١) أي يثب أو يطفر بقوائمه جميعاً ويضعهن معاً من غير تفريق بينهنّ.

تَصِلُّ ٱلسِّهَامُ (ع ٢٣) معنى السهام الكلمة الأصلية «جعبة» ويفهم بعضهم من الجملة أن السهام تصوّت في الجعبة وهذا ما تعنيه الترجمة الإنكليزية والترجمة اليسوعية العربية ويعتقد غيرهم أن الجعبة كناية عن السهام فالمعنى أن السهام تصلّ على الفرس حيت تُرمى عليه في القتال و «سنان الرمح» حديده.

يَلْتَهِمُ ٱلأَرْضَ يحفر فيها ويثير غبارها أو لعل الإشارة إلى السرعة في الركض فيرى الراكب الطريق أمامه كأن فرسه يلتهمه (يبلعه).

لاَ يُؤْمِنُ أَنَّهُ صَوْتُ ٱلْبُوقِ أي إنه مشتاق إلى القتال ولا يقدر أن يصبر. وحينما يسمع صوت البوق ولا يصدق من فرحه أنه البوق. والرب سأل أيوب هل أنت تعطي الفرس قوته.

٢٦ – ٣٠ «٢٦ أَمِنْ فَهْمِكَ يَسْتَقِلُّ ٱلْعُقَابُ وَيَنْشُرُ جَنَاحَيْهِ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ؟ ٢٧ أَوْ بِأَمْرِكَ يُحَلِّقُ ٱلنَّسْرُ وَيُعَلِّي وَكْرَهُ؟ ٢٨ يَسْكُنُ ٱلصَّخْرَ وَيَبِيتُ عَلَى سِنِّ ٱلصَّخْرِ وَٱلْمَعْقَلِ. ٢٩ مِنْ هُنَاكَ يَتَحَسَّسُ قُوتَهُ. تُبْصِرُهُ عَيْنَاهُ مِنْ بَعِيدٍ. ٣٠ فِرَاخُهُ تَحْسُو ٱلدَّمَ وَحَيْثُمَا تَكُنِ ٱلْقَتْلَى فَهُنَاكَ هُوَ».

إرميا ٤٩: ١٦ وعوبديا ٤ ص ٩: ٢٦ متى ٢٤: ٢٨ ولوقا ١٧: ٣٧

يَسْتَقِلُّ أي يرتفع بطيرانه والعقاب والنسر يمتازان بقوتهما في الطيران.

نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ تنتقل بعض الطيور إلى الأقاليم الحارة في أول فصل الشتاء ولها إدراك غزيزي به تعرف وقت المهاجرة وتطير على خط مستقيم ليلاً ونهاراً حتى تصل إلى مكانها ومن العجائب أنها تعرف الجنوب حق المعرفة.

يُحَلِّقُ ٱلنَّسْرُ (ع ٢٧) يرتفع في طيرانه ويستدير كالحلقة ويمتاز النسر عن غيره من الطيور بطيرانه وبعلو وكره وبحدة نظره وبشراهته في أكل اللحم والدم. يرى الجيفة طائراً في البرية وهو على بُعدٍ شاسع عنها لا تراه العين.

ونلاحظ أن ما قيل في هذه الأصحاحات عن الحيوانات والطيور وإن كُتب منذ نحو ٢٥٠٠ سنة فهو لا يخالف علم الحيوان كما هو معروف اليوم.

والفائدة لأيوب هي أن الحيوانات غير الناطقة تعرف بالغريزة ما لزمها للحصول على قوتها وتربية أولادها فكم بالحري الإنسان الذي له عقل ونفس يجب أن يعرف الله ويتكل عليه. والله يعتني بخلائقه الدنيا فكم بالحري يعتني بالإنسان وهو أعظم خلائقه. وكان أيوب في ظلمة الأحزان والآلام والشكوك وقصد الرب أن يرفع نظره عن هذه لينظر إلى أعمال الله العظيمة التي تحدّث بمجده وحكمته ومحبته فبنوره يرى نوراً (انظر مزمور ٣٦: ٩) ولم يعامل أيوب معاملة عبد فسكّته بأمر قاسٍ بل أوضح له الأمر بكلام مطول وبالصبر لكي يفهم ويقتنع ويسلم للرب عن طيب خاطر لا عن خوف وغصب.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى