سفر أيوب | 37 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
١ – ٤ «١ فَلِهٰذَا ٱضْطَرَبَ قَلْبِي وَخَفَقَ مِنْ مَوْضِعِهِ. ٢ ٱسْمَعُوا سَمَاعاً رَعْدَ صَوْتِهِ وَٱلدَّوِيَّ ٱلْخَارِجَ مِنْ فَمِهِ. ٣ تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاوَاتِ يُطْلِقُهَا، كَذَا نُورُهُ إِلَى أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ. ٤ بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ، يُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلاَلِهِ، وَلاَ يُؤَخِّرُهَا إِذْ سُمِعَ صَوْتُهُ».
ع ٤ و٥ وص ٣٦: ٣٣ ومزمور ٢٩: ٣ – ٩ ع ١٢ وص ٢٨: ٢٤ و٣٨: ١٣ ص ٢٦: ١٤
ٱضْطَرَبَ قلبه من الرعد الذي تصوّر حدوثه أو من عاصفة حقيقية شعر بها قادمة من بعيد. عاصفة سيتكلم الله منها (٣٨: ١) وتصور الرعد كأنه صوت الله. ونوره (ع ٣) أي نور الله هو البرق وأكناف الأرض أطرافها وأقاصيها.
بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ (ع ٤) يحدث البرق والرعد في وقت واحد ولكن يُسمع الرعد بعدما يُرى البرق والزمان بين ما يُرى البرق ويُسمع الرعد منه يُعرف البعد بين أحدهما وبين الناظر فإذا سمعت الصوت بعد رؤية البرق بثلاث ثوانٍ اضرب ٣ في ١١٢٥ قدماً سرعة الصوت في الجو المعتدل فالحاصل يكون البعد بينك وبين مصدر الصوت. ولا يؤخرها أي يأتي بها بالقوة و «يأمرها على العدو» (٣٦: ٣٢).
٥ – ٨ «٥ اَللّٰهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ عَجَباً. يَصْنَعُ عَظَائِمَ لاَ نُدْرِكُهَا. ٦ لأَنَّهُ يَقُولُ لِلثَّلْجِ: ٱسْقُطْ عَلَى ٱلأَرْضِ. كَذَا لِوَابِلِ ٱلْمَطَرِ، وَابِلِ أَمْطَارِ عِزِّهِ. ٧ يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ لِيَعْلَمَ كُلُّ ٱلنَّاسِ خَالِقَهُمْ، ٨ فَتَدْخُلُ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلْمَآوِيَ وَتَسْتَقِرُّ فِي أَوْجِرَتِهَا».
ع ١٤ و١٦ و٢٣ وص ٥: ٩ ص ٣٨: ٢٢ انظر ص ٣٦: ٢٧ ص ١٢: ١٤ ص ٣٨: ٤٠ ومزمور ١٠٤: ٢٢
لاَ نُدْرِكُهَا حتى اليوم لا يدرك العلماء عظائم الله في الطبيعة فإنهم لا يعرفون ما هي الكهربائية ولا يعرفون تمام المعرفة نواميس المطر فيجب أن يقولوا كما قال القدماء إن الله في الطبيعة كل ما يحدث فهو منه. والوابل (ع ٦) هو المطر الشديد الضخم القطر.
يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ (ع ٧) من الثلج والمطر الشديد لا يقدر الإنسان أن يمد يده لعمله العادي فتكون يده كأنها مختوم عليها ويتعلم الإنسان أنه هو بيد الله ولا يقدر أن يعمل شيئاً دونه وأيام توقفه عن العمل فرصة لتأمله في الله وإتمام واجباته له.
٩ – ١٣ «٩ مِنَ ٱلْجَنُوبِ تَأْتِي ٱلأَعْصَارُ وَمِنَ ٱلشِّمَالِ ٱلْبَرَدُ. ١٠ مِنْ نَسَمَةِ ٱللّٰهِ يُجْعَلُ ٱلْجَمَدُ، وَتَتَضَيَّقُ سِعَةُ ٱلْمِيَاهِ. ١١ أَيْضاً بِرِيٍّ يَطْرَحُ ٱلْغَيْمَ. يُبَدِّدُ سَحَابَ نُورِهِ. ١٢ فَهِيَ مُدَوَّرَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ بِإِدَارَتِهِ، لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ ٱلْمَسْكُونَةِ، ١٣ سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّأْدِيبِ، أَوْ لأَرْضِهِ، أَوْ لِلرَّحْمَةِ يُرْسِلُهَا».
ص ٩: ٩ ص ٣٨: ٢٩ ومزمور ١٤٧: ١٧ ص ٣٦: ٢٧ ص ٣٦: ٢٩ ع ١٥ ص ٣٦: ٣٢ ومزمور ١٤٨: ٨ إشعياء ١٤: ٢١ و٢٧: ٦ خروج ٩: ١٨ و٢٣ و١صموئيل ١٢: ١٨ و١٩ ص ٣٨: ٢٦ و٢٧ ١ملوك ١٨: ٤٥
مِنَ ٱلْجَنُوبِ معنى الكلمة الأصلية المترجمة «الجنوب» هو «أخادير» كما في الترجمة اليسوعية فمثّل اليهود مكان الأعصار وهو في أقصى الجنوب (٩: ٩) بمكان النساء وراء الخدر في ناحية من البيت فتخرج الأعصار منه بأمر الله.
نَسَمَةِ ٱللّٰهِ (ع ١٠) الريح الشمالية الباردة التي يرسلها الله. وتضيق سعة المياه حينما تجمد.
بِرِيٍّ يَطْرَحُ ٱلْغَيْمَ (ع ١١) يُنزل إلى الأرض الرطوبة التي يتكون الغيم منها فتُروي الأرض وسحاب نوره هو السحاب ومنه البرق وبعدما ينتهي المطر يتبدد والسُحب بيد الله فهو يدورّها (ع ١٢) وينقلها من مكان إلى آخر كما يشاء ويرسلها أحياناً للتأديب (ع ١٣) كما للكنعانيين (انظر يشوع ١٠: ١١) وللأشوريين (انظر إشعياء ٣٠: ٣٠) وأحياناً للرحمة إذ تسقي الأرض. والله يعمل بموجب النواميس الطبيعية التي سنّها غير أنه أحياناً يوقف هذه النواميس أو يُدخل ناموساً خاصاً كما في أيام إيليا (انظر يعقوب ٥: ١٧ و١٨) وعلى الإنسان أن يدرس هذه النواميس ويسلك بموجبها.
١٤ – ٢٠ «١٤ اُنْصُتْ إِلَى هٰذَا يَا أَيُّوبُ، وَقِفْ وَتَأَمَّلْ بِعَجَائِبِ ٱللّٰهِ. ١٥ أَتُدْرِكُ ٱنْتِبَاهَ ٱللّٰهِ إِلَيْهَا أَوْ إِضَاءَةَ نُورِ سَحَابِهِ. ١٦ أَتُدْرِكُ مُوازَنَةَ ٱلسَّحَابِ، مُعْجِزَاتِ ٱلْكَامِلِ ٱلْمَعَارِفِ. ١٧ كَيْفَ تَسْخُنُ ثِيَابُكَ إِذَا سَكَنَتِ ٱلأَرْضُ مِنْ رِيحِ ٱلْجَنُوبِ. ١٨ هَلْ صَفَّحْتَ مَعَهُ ٱلْجَلَدَ ٱلْمُمَكَّنَ كَٱلْمِرْآةِ ٱلْمَسْبُوكَةِ؟ ١٩ عَلِّمْنَا مَا نَقُولُ لَهُ. إِنَّنَا لاَ نُحْسِنُ ٱلْكَلاَمَ بِسَبَبِ ٱلظُّلْمَةِ! ٢٠ هَلْ يُقَصُّ عَلَيْهِ كَلاَمِي إِذَا تَكَلَّمْتُ؟ هَلْ يَنْطِقُ ٱلإِنْسَانُ لِكَيْ يَبْتَلِعَ؟».
ع ٥ و١٤ و٢٣ ص ٣٦: ٤ ص ٩: ٨ ومزمور ١٠٤: ٢ وإشعياء ٤٥: ١٢ وإرميا ١٠: ١٢ وزكريا ١٢: ١ ص ٩: ١٤ ورومية ٨: ٢٦
إن غاية أليهو بذكره أعمال الله العجيبة إنذار أيوب ليتعلم ضعفه وجهله فيسلم لله.
مُوازَنَةَ ٱلسَّحَابِ (ع ١٦) (انظر ٢٦: ٨ وتفسيره).
كَيْفَ تَسْخُنُ ثِيَابُكَ (ع ١٧) تتغير حال الهواء من البرد إلى الحر ومن الحر إلى البرد ولا يقدر أيوب ولا غيره أن يعلّل هذه الأمور البسيطة العادية. فإننا نرى حدوثها ولكننا لا نقدر أن ندركها تمام الإدراك.
ٱلْمُمَكَّنَ كَٱلْمِرْآةِ (ع ١٨) كانت المرايا القديمة من النحاس المصقول والإشارة هنا إلى منظر الجلد الصافي وهو كمنظر قبة ممكنة راكزة على أطراف الأرض والشعراء اليوم يستعملون هذه التشبيهات نفسها مع أنهم تقدموا في علم الفلك أكثر من القدماء.
عَلِّمْنَا مَا نَقُولُ لَهُ (ع ١٩) لم يقدر أليهو وأصحابه أن يُحسنوا الكلام لدى الله. و «الظلمة» هي ظلمة عقول الناس وقلة معرفتهم في أمور الله.
هَلْ يَنْطِقُ ٱلإِنْسَانُ لِكَيْ يَبْتَلِعَ (ع ٢٠) إذا تجاسر المرء وكلم الله يستحق الغضب والهلاك. ولعل أليهو قصد توبيخ أيوب فإنه كان طلب أن يبسط دعواه أمام الله (١٣: ٣ و٢٣: ٣ و٤).
٢١ – ٢٤ «٢١ وَٱلآنَ لاَ يُرَى ٱلنُّورُ ٱلْبَاهِرُ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلْجَلَدِ، ثُمَّ تَعْبُرُ ٱلرِّيحُ فَتُنَقِّيهِ. ٢٢ مِنَ ٱلشِّمَالِ يَأْتِي ذَهَبٌ. عِنْدَ ٱللّٰهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ. ٢٣ ٱلْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ. عَظِيمُ ٱلْقُوَّةِ وَٱلْحَقِّ وَكَثِيرُ ٱلْبِرِّ. لاَ يُجَاوِبُ. ٢٤ لِذٰلِكَ فَلْتَخَفْهُ ٱلنَّاسُ. كُلَّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ لاَ يُرَاعِي».
رومية ١١: ٣٣ و١تيموثاوس ٦: ١٦ انظر ص ١١: ٧ و٨ ص ٩: ٤ و٣٦: ٥ انظر ص ٨: ٣ إشعياء ٦٣: ٩ وناحوم ١: ١٢ ومراثي ٣: ٣٣ ص ٥: ١٣ و١كورنثوس ١: ٢٦
وَٱلآنَ بعدما عبرت الريح ونقي الجلد وطُرد الغيم يظهر نور الشمس الباهر ولكن الإنسان من ضعف عينيه لا يقدر أن ينظر إلى ذلك النور. لعل أليهو أشار إلى قول أيوب (٢٣: ٣) «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ» وبيّن له أن الإنسان لا يقدر أن يرى الله كما أن العين لا تحتمل نور الشمس الباهر. ويرى بعضهم فائدة هذا إن الإنسان لا يفهم مقاصد الله وأحياناً يظن أن الله لا يهتم بالعالم ولا بالناس أفراداً ولكن كل من ينتظره بالإيمان سيرى النور أخيراً «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ ٱلآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلٰكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا ١٣: ٧).
مِنَ ٱلشِّمَالِ يَأْتِي ذَهَبٌ (ع ٢٢) يفهم بعضهم هذا القول حرفياً أي إن الذهب يأتي من الشمال والناس يأتون به بعدما يقاسون الأتعاب والمخاطر. وأما جلال الله المرهب فلا يدركه الإنسان. والأرجح أن الذهب هنا هو نور الله الذهبي وقيل إنه من الشمال لأن الريح التي تنقي الجلد (ع ٢١) هي من الشمال (أمثال ٢٥: ٢٣) «رِيحُ ٱلشِّمَالِ تَطْرُدُ ٱلْمَطَرَ».
ٱلْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ (ع ٢٣) فيجب على الناس أن لا يحكموا على الله بل أن يخافوه ويسلموا له. وهو لا يجاوب لأنهم لا يقدرون أن يفهموا كل ما يعمله وليس لهم أن يحكموا في ما لا يعلمونه.
كُلَّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ (ع ٢٤) أي الحكيم عند نفسه أو المتكبر. فلا يراعيه الله بل يراعي المتواضع.
السابق |
التالي |