سفر أيوب

سفر أيوب | 32 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

في ص ٣٢ – ٣٧ خطب أليهو وهو متكلم جديد. والظاهر أنه أحد الذين سمعوا المحاورة بين أيوب وأصحابه الثلاثة وهو سكت أولاً لأنه أصغر منهم سناً ولكنه بالآخر لم يقدر أن يضبط نفسه فتكلم وفي كلامه تكرار الكلام السابق مع بعض فوائد جديدة.

ويقول أكثر المفسرين المحدثين إن خطب أليهو لم تكن جزءاً أصلياً من سفر أيوب بل جزءاً آخر أدرجه فيه كاتب السفر أو كاتب آخر وغاية الكاتب إصلاح الغلط وتكملة الكلام. ومما يؤيد هذا الرأي (١) إن النفَس ليس كنفس باقي السفر إذ فيه كثير من ألفاظ واصطلاحات آرامية (٢) إن أليهو لم يُذكر في مقدمة السفر مع الأصحاب الثلاثة ولا في خاتمة السفر (٣) إن نهاية كلام ص ٣١ متعلقة بأول الأصحاح ٣٨ ( «تمت أقوال أيوب… فأجاب الرب أيوب الخ») وإذا تُركت خطب أليهو لا يظهر نقص في سياق الكلام وعلى كل وجه بقيت خطب أليهو كما هي.

١ – ٥ «١ فَكَفَّ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارّاً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. ٢ فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ بْنِ بَرَخْئِيلَ ٱلْبُوزِيِّ مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ. عَلَى أَيُّوبَ حَمِيَ غَضَبُهُ لأنَّهُ حَسَبَ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ ٱللّٰهِ. ٣ وَعَلَى أَصْحَابِهِ ٱلثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جَوَاباً وَٱسْتَذْنَبُوا أَيُّوبَ. ٤ وَكَانَ أَلِيهُو قَدْ صَبِرَ عَلَى أَيُّوبَ بِٱلْكَلاَمِ لأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَيَّاماً. ٥ فَلَمَّا رَأَى أَلِيهُو أَنَّهُ لاَ جَوَابَ فِي أَفْوَاهِ ٱلرِّجَالِ ٱلثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ».

ص ١٠: ٧ و١٣: ١٨ و٢٧: ٢ و٣١: ٦ ص ٢٧: ٥ و٦ انظر ص ٣٠: ٢١

كَفَّ هٰؤُلاَءِ لأنهم لم يقتنعوا منه ولم يقتنع هو منهم ورأوا أن الكلام عبث.

فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ (ع ٢) معنى الاسم أليهو إلهي هو ومعنى الاسم برخئيل بركة الله وهذه الأسماء تدل على أن أبويه عرفا الله وخافاه. وكان بوز ابن ناحور أخي إبراهيم (انظر تكوين ٢٢: ٢٠) وكان بوز من قبائل بلاد العرب (انظر إرميا ٢٥: ٢٣) ورام ليس آرام (انظر تكوين ٢٢: ٢١). وحمي غضب أليهو على أيوب لأنه اعترض على الله (٩: ١٣ الخ) كإنه أبرّ من الله وغضب على أصحاب أيوب لضعف حججهم ولم يبرر أيوب مما كانوا نسبوه إليه فتقدم أليهو ليصلح غلطات الفريقين.

٦ – ١٤ «٦ فَقَالَ أَلِيهُو بْنُ بَرَخْئِيلَ ٱلْبُوزِيُّ: أَنَا صَغِيرٌ فِي ٱلأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذٰلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِي. ٧ قُلْتُ: ٱلأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ ٱلسِّنِينِ تُظْهِرُ حِكْمَةً. ٨ وَلٰكِنَّ فِي ٱلنَّاسِ رُوحاً وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ. ٩ لَيْسَ ٱلْكَثِيرُو ٱلأَيَّامِ حُكَمَاءَ وَلاَ ٱلشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ ٱلْحَقَّ. ١٠ لِذٰلِكَ قُلْتُ ٱسْمَعُونِي. أَنَا أَيْضاً أُبْدِي رَأْيِي. ١١ هَئَنَذَا قَدْ صَبِرْتُ لِكَلاَمِكُمْ. أَصْغَيْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حَتَّى فَحَصْتُمُ ٱلأَقْوَالَ. ١٢ فَتَأَمَّلْتُ فِيكُمْ وَإِذْ لَيْسَ مَنْ حَجَّ أَيُّوبَ، وَلاَ جَوَابَ مِنْكُمْ لِكَلاَمِهِ. ١٣ فَلاَ تَقُولُوا: قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً. اَللّٰهُ يَغْلِبُهُ لاَ ٱلإِنْسَانُ. ١٤ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَجِّهْ إِلَيَّ كَلاَمَهُ وَلاَ أَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَا بِكَلاَمِكُمْ».

ص ١٥: ١٠ ص ٣٣: ٤ ص ٣٨: ٣٦ ع ٧

فِي ٱلنَّاسِ رُوحاً (ع ٨) لم يشر إلى الوحي كوحي الأنبياء بل أشار إلى نسمة الحياة التي من الله (انظر تكوين ٢: ٧) وهي نسمة الحكمة وليست فقط نسمة حياة الجسد. والحكمة من الله يعطيها لمن يشاء فلا تكون بالضرورة من خصائص الشيوخ.

لاَ جَوَابَ مِنْكُمْ (ع ١٢) لعل الحق معهم ولكن حججهم ضعيفة.

قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً (ع ١٣) ليس لهم أن يعتذروا بقولهم إنهم وجدوا في أيوب حكمة لا يقدر أحدٌ إن يقاومها إلا الله وحده لأن عدم نجاحهم في المحاورة ليس من قوة حجج أيوب بل من ضعف حججهم. وقال أليهو إنه يقدر أن يجاوب ولكنه لا يجاوبه بحجج الأصحاب الثلاثة بل بحجج أقوى من حججهم.

١٥ – ٢٢ «١٥ تَحَيَّرُوا. لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. ٱنْتَزَعَ عَنْهُمُ ٱلْكَلاَمُ. ١٦ فَٱنْتَظَرْتُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُمْ وَقَفُوا، لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. ١٧ فَأُجِيبُ أَنَا أَيْضاً حِصَّتِي، وَأُبْدِي أَنَا أَيْضاً رَأْيِي. ١٨ لأَنِّي مَلآنٌ أَقْوَالاً. رُوحُ بَاطِنِي تُضَايِقُنِي. ١٩ هُوَذَا بَطْنِي كَخَمْرٍ لَمْ تُفْتَحْ. كَٱلزِّقَاقِ ٱلْجَدِيدَةِ يَكَادُ يَنْشَقُّ. ٢٠ أَتَكَلَّمُ فَأُفْرَجُ. أَفْتَحُ شَفَتَيَّ وَأُجِيبُ. ٢١ لاَ أُحَابِيَنَّ وَجْهَ رَجُلٍ وَلاَ أَتَمَلَّقُ إِنْسَاناً. ٢٢ لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ ٱلتَّمَلُّقُ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَأْخُذُنِي صَانِعِي».

ص ١٣: ٨ و١٠ و٣٤: ١٩ ولاويين ١٩: ١٥

تَحَيَّرُوا غيّر كلامه من صيغة المخاطبين إلى صيغة الغائبين ولعله وجّه كلامه إلى جميع السامعين من أهل القرية وذلك احتقاراً للأصحاب الثلاثة (انظر إشعياء ٢٢: ١٦) أو خاطب نفسه كأنه يتأمل بأي كلام يعبّر عن أفكاره.

فَأُجِيبُ أَنَا (ع ١٧) سكتوا من عجزهم وهو ملآن أقوالاً يرغب في الكلام والزقاق الجديدة (ع ١٩) عرضة للانشقاق اكثر من العتيقة لأن أليهو شبّه أفكاره بخمر جديدة توضع في زقاق جديدة (انظر متّى ٩: ١٧). وقول أليهو يدل على التكبّر ولكن الغيرة واجبة في المحاماة عن الحق وعلى كل مبشر أن يكون كأليهو ملآناً أقوالاً وكإرميا (انظر إرميا ٢٠: ٩) الذي كان كلام الله كنار محرقة محصورة في عظامه فملّ من الإمساك ولم يستطع.

قصد أليهو (ع ٢١ و٢٢) أن يقول الحق ولا يحابي الذين هم أكبر منه سناً ولا يملث وشعر بأنه واقف أمام الله وليس أمام الناس فقط وشعر أيضاً بأنه عن قريب سيقف أمام عرش الله ليعطي حساباً عن كل ما عمل وكل ما تركه من الواجبات فكان بذلك مثالاً لكل واعظ.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى