سفر أيوب

سفر أيوب | 29 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

انتهت الخطب المتبادلة وفي (ص ٢٩: ٣١) يتكلم أيوب وحده ففي (ص ٢٩) تذكر أيامه السعيدة وما كان له من الاعتبار وذكر عدله وإحسانه للمحتاجين ورجاءه بالراحة والسلام إلى آخر حياته وفي (ص ٣٠) ذكر حالته الحاضرة وهي تاعسة جداً بالنسبة إلى ما كان عليه وفي (ص ٣١) رفض تهمة أصحابه أنه أخطأ خطايا تستوجب ما أصابه واستأنف دعواه إلى الله.

١ – ٦ «١ وَعَادَ أَيُّوبُ يَنْطِقُ بِمَثَلِهِ فَقَالَ: ٢ يَا لَيْتَنِي كَمَا فِي ٱلشُّهُورِ ٱلسَّالِفَةِ وَكَالأَيَّامِ ٱلَّتِي حَفِظَنِي ٱللّٰهُ فِيهَا، ٣ حِينَ أَضَاءَ سِرَاجَهُ عَلَى رَأْسِي وَبِنُورِهِ سَلَكْتُ ٱلظُّلْمَةَ. ٤ كَمَا كُنْتُ فِي أَيَّامِ خَرِيفِي وَرِضَا ٱللّٰهِ عَلَى خَيْمَتِي، ٥ وَٱلْقَدِيرُ بَعْدُ مَعِي وَحَوْلِي غِلْمَانِي، ٦ إِذْ غَسَلْتُ خُطُوَاتِي بِٱللَّبَنِ، وَٱلصَّخْرُ سَكَبَ لِي جَدَاوِلَ زَيْتٍ».

ص ١٣: ١٢ و٢٧: ١ وعدد ٢٣: ٧ و٢٤: ٣ إرميا ٣١: ٢٨ ص ١١: ١٧ ص ١٥: ٨ ومزمور ٢٥: ١٤ وأمثال ٣: ٣٢ ص ٢٠: ١٧ وتثنية ٣٢: ١٤ تثنية ٣٢: ١٣

ٱلَّتِي حَفِظَنِي ٱللّٰهُ فِيهَا شعر بأن كل الخير الذي كان له هو من الله ومن رعايته المترفقة.

أَضَاءَ سِرَاجَهُ (ع ٣) (إشعياء ٤٢: ١٦) «أَجْعَلُ ٱلظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُوراً» وسراج الله كناية عن رضاه.

أَيَّامِ خَرِيفِي أيام نجاحه وأفراحه لأن الخريف وقت جني الأثمار وبالترجمة اليسوعية «عنفواني» أي عزّ قوتي.

وَحَوْلِي غِلْمَانِي (ع ٥) كان فرحه أولاً برضا الله ثم بوجود أولاده معه وبكثرة خيراته فكان عنده اللبن بالكثرة كالماء الفائض على كل وجه الأرض والزيت كجداول ماء والصخر سكب له زيتاً أي نضرت أشجار الزيتون في التربة الحجرية. ويفسر بعضهم الصخر هنا بالمعصرة (انظر تثنية ٣٢: ١٣).

٧ – ١٧ «٧ حِينَ كُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى ٱلْبَابِ فِي ٱلْقَرْيَةِ وَأُهَيِّئُ فِي ٱلسَّاحَةِ مَجْلِسِي. ٨ رَآنِي ٱلْغِلْمَانُ فَٱخْتَبَأُوا، وَٱلأَشْيَاخُ قَامُوا وَوَقَفُوا. ٩ ٱلْعُظَمَاءُ أَمْسَكُوا عَنِ ٱلْكَلاَمِ وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ. ١٠ صَوْتُ ٱلشُّرَفَاءِ ٱخْتَفَى وَلَصِقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِأَحْنَاكِهِمْ. ١١ لأَنَّ ٱلأُذُنَ سَمِعَتْ فَطَوَّبَتْنِي، وَٱلْعَيْنَ رَأَتْ فَشَهِدَتْ لِي. ١٢ لأَنِّي أَنْقَذْتُ ٱلْمِسْكِينَ ٱلْمُسْتَغِيثَ وَٱلْيَتِيمَ وَلاَ مُعِينَ لَهُ. ١٣ بَرَكَةُ ٱلْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ ٱلأَرْمَلَةِ يُسَرُّ. ١٤ لَبِسْتُ ٱلْبِرَّ فَكَسَانِي. كَجُبَّةٍ وَعَمَامَةٍ كَانَ عَدْلِي. ١٥ كُنْتُ عُيُوناً لِلْعُمْيِ وَأَرْجُلاً لِلْعُرْجِ. ١٦ أَبٌ أَنَا لِلْفُقَرَاءِ، وَدَعْوَى لَمْ أَعْرِفْهَا فَحَصْتُ عَنْهَا. ١٧ هَشَّمْتُ أَضْرَاسَ ٱلظَّالِمِ وَمِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ خَطَفْتُ ٱلْفَرِيسَةَ».

ص ٣١: ٢١ ع ٢١ ص ١: ٥٢ ع ٢٢ ص ٤: ٣ و٤ ص ٢٤: ٤ و٩ و٣٤: ٢٨ ص ٣١: ١٧ و٢١ ص ٣١: ١٩ انظر ص ٢٢: ٩ ص ٢٧: ٥ و٦ ومزمور ١٣٢: ٩ وإشعياء ٥٩: ١٧ و٦١: ١٠ وأفسس ٦: ١٤ انظر ص ٢٤: ٤ مزمور ٣: ٧

من أعظم أسباب فرحه اعتبار الناس إياه. كان باب القرية مكان الاجتماع (انظر راعوث ٤: ١ و١٠) والظاهر من الكلام إن أيوب كان أحد شيوخ القرية وكبيرهم وكان بيته في القرية وكان يخرج منها إلى البرية ليرى أملاكه ومواشيه. اختبأ الغلمان (ع ٨) لأنهم خجلوا منه كأنهم غير مستحقين أن يجالسوه والشيوخ قاموا له علامة الاعتبار. وتوقف الجميع عن الكلام الذي كانوا يتجاذبونه (ع ٩) ليسمعوا كلامه ولم يقدر أحد أن يعترض على كلامه أو يزيد عليه. وطوبته الأذن (ع ١١) لأن كلامه كان بالعدل والإنصاف والذين رأوا أعماله وسيرته شهدوا له.

لأَنِّي أَنْقَذْتُ الخ (ع ١٢) علة اعتبار الناس له هي عدله ورحمته للمحتاجين.

لَبِسْتُ ٱلْبِرَّ (ع ١٤) كما يفتخر الناس بلباسهم كالجبة والعمامة افتخر أيوب ببره وعدله (انظر إشعياء ١١: ٥ و٥٩: ١٧) والكلمة الأصلية تفيد أيضاً أن البرّ لبس أيوب أي كان البر فيه كما في (قضاة ٦: ٣٤) «لَبِسَ رُوحُ ٱلرَّبِّ جِدْعُونَ» أي دخله روح الله وتكلم وعمل بواسطته.

عُيُوناً لِلْعُمْيِ (ع ١٥) كان يساعد بمعرفته الذين ليس لهم معرفة وهم كعمي نظراً لبساطتهم وكان يساعد الذين ليس لهم قوة وهم كعرج لضعفهم.

دَعْوَى لَمْ أَعْرِفْهَا (ع ١٦) لم يساعد القريبين منه فقط كأنسبائه وأتباعه بل ساعد أيضاً الغريب. وبمعنى آخر إنه لم يحكم في دعوى إلا بعد الفحص والمعرفة.

هَشَّمْتُ أَضْرَاسَ ٱلظَّالِمِ (ع ١٧) شبّه نفسه بشخص قوي غلب الظالم وكسر أسنانه وخلّص الفريسة من بين فكيه مشفقاً على الضعيف.

١٨ – ٢٠ «١٨ فَقُلْتُ: إِنِّي فِي وَكْرِي أُسَلِّمُ ٱلرُّوحَ، وَمِثْلَ ٱلسَّمَنْدَلِ أُكَثِّرُ أَيَّاماً. ١٩ أَصْلِي كَانَ مُنْبَسِطاً إِلَى ٱلْمِيَاهِ، وَٱلطَّلُّ بَاتَ عَلَى أَغْصَانِي. ٢٠ كَرَامَتِي بَقِيَتْ حَدِيثَةً عِنْدِي، وَقَوْسِي تَجَدَّدَتْ فِي يَدِي».

إرميا ١٧: ٨ هوشع ١٤: ٥ تكوين ٤٩: ٢٤ ومزمور ١٨: ٣٤

فِي وَكْرِي في بيته وحوله أسرته وأملاكه وأصدقاؤه الكثيرون.

ٱلسَّمَنْدَلِ طائر وهمي بالهند كانوا يعتقدون أنه يأكل البيش وهو نبات فيه سم قاتل ويستلذ النار ولا يحترق بها وقيل إنه يعيش ٥٠٠ سنة (أو ألف سنة) ثم يحرق نفسه وعشه ومن الرماد ينهض ويعيش ثانية ٥٠٠ سنة ثم يحرق نفسه وهلم جراً.

أُكَثِّرُ أَيَّاماً وبالترجمة الإنكليزية «كالرمل» وهكذا الترجمة اليسوعية. وبالترجمة اللاتينية وبالترجمة العربية القديمة «كالنخل» والمعنى واحد أي يعيش حياة طويلة.

كَرَامَتِي بَقِيَتْ حَدِيثَةً (ع ٢٠) أي لم تتدنس وما قلّت والقوس كناية عن القوة.

٢١ – ٢٣ «٢١ لِي سَمِعُوا وَٱنْتَظَرُوا، وَنَصَتُوا عِنْدَ مَشُورَتِي. ٢٢ بَعْدَ كَلاَمِي لَمْ يُثَنُّوا وَقَوْلِي قَطَرَ عَلَيْهِمْ. ٢٣ وَٱنْتَظَرُونِي مِثْلَ ٱلْمَطَرِ، وَفَغَرُوا أَفْوَاهَهُمْ كَمَا لِلْمَطَرِ ٱلْمُتَأَخِّرِ».

ع ٩ وص ٤: ٣ ع ١٠ تثنية ٣٢: ٢

رجع أيوب إلى موضوعه في (ع ٧ – ١١).

لَمْ يُثَنُّوا لم يروا نقصاً فيكمّلونه ولا غلطاً فيعترضون عليه وذلك كله بخلاف ما أتاه من أصحابه الثلاثة.

٢٤، ٢٥ «٢٤ إِنْ ضَحِكْتُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُصَدِّقُوا وَنُورَ وَجْهِي لَمْ يُعَبِّسُوا. ٢٥ كُنْتُ أَخْتَارُ طَرِيقَهُمْ وَأَجْلِسُ رَأْساً وَأَسْكُنُ كَمَلِكٍ فِي جَيْشٍ كَمَنْ يُعَزِّي ٱلنَّائِحِينَ».

ص ١: ٣ و٣١: ٣٧ ص ٤: ٤ و١٦: ٥

لَمْ يُصَدِّقُوا (ع ٢٤) إن ذلك الشيخ الكبير يتنازل ويضحك ويصير كواحد منهم ويترجم بعضهم قوله بما يأتي «ضحكت عليهم حين لم يكن لهم رجاء» أي حينما كانوا متضايقين ومتحيرين وحملهم أيوب على الطمأنينة وشجعهم وضحك ليعلموا أنه لا سبب للخوف. ولم يعبسوا وجهه أي لم يكدّروه بعدم الاعتبار أو عدم الطاعة.

كُنْتُ أَخْتَارُ طَرِيقَهُمْ (ع ٢٥) كانت تلذّ له معاشرتهم فيذهب إليهم أو كان يحكم في مشاكلهم ويقول لهم ما يجب أن يعملوه فكان لهم كقائد في جيشه.

كَمَنْ يُعَزِّي ٱلنَّائِحِينَ فلم يكن كملك قاس وظالم بل كصديق وخصص لخدمتهم كل ما كان عنده من الحكمة والاقتدار. إننا نرى في كلام أيوب شيئاً من المبالغة وذلك أولاً لأن الكلام كلام شعري والشاعر ليس مدققاً كالمؤرخ وثانياً لأن الخيرات الماضية كلما قدمت تزداد قيمتها.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى