سفر أيوب | 20 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
مضمونه خطاب صوفر الثاني والأخير مع أن أليفاز وبلدد قدم كل منهما ثلاث خُطب. وفي خطابه هذا ذكر هيجانه (ع ٢ و٣) وسببه توبيخ أيوب لأصحابه وجهله أن نجاح الأشرار إلى حين فقط (ع ٤ – ١١) وذكر أيضاً عقوبة الخطيئة ومرارتها وإن كان لها لذة وقتية (ع ١٢ – ٢٢) وذكر حمو غضب الله المخيف (ع ٢٣ – ٢٩).
١ – ٣ «١ فَأَجَابَ صُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ: ٢ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي، وَلِهٰذَا هَيَجَانِي فِيَّ. ٣ تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ. وَرُوحٌ مِنْ فَهْمِي يُجِيبُنِي».
ص ١٩: ٣
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ (ع ٢) أشار إلى ما أتى في (ع ٣) «تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ» فإن أيوب قال (١٩: ٢٢) إن أصحابه طاردوه فاستأنف دعواه إلى الأجيال القادمة وهددهم بالسيف والغيظ (١٩: ٢٩) وفوق ذلك كان أيوب في خطابه السابق نسب الظلم إلى الله إذ قال (١٩: ٧ – ١٢) «هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْماً الخ» غير أنه بعد ذلك تشجع وتجدد رجاؤه (١٩: ٢٥).
هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي أي إن هواجسه خاطبته فميز نفسه عن هواجسه ولمّح إلى أن أيوب تكلم بلا فطنة وأما هو فبالفهم وجواب هواجسه وفهمه ما أتى في (ع ٤ الخ).
٤ – ٧ «٤ أَمَا عَلِمْتَ هٰذَا مِنَ ٱلْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ ٱلإِنْسَانُ عَلَى ٱلأَرْضِ: ٥ أَنَّ هُتَافَ ٱلأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ وَفَرَحَ ٱلْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ! ٦ وَلَوْ بَلَغَ ٱلسَّمَاوَاتِ طُولُهُ وَمَسَّ رَأْسُهُ ٱلسَّحَابَ ٧ كَجُلَّتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ يَبِيدُ. ٱلَّذِينَ رَأَوْهُ يَقُولُونَ: أَيْنَ هُوَ؟».
ص ٨: ٨ ص ٨: ١٢ و١٣ ومزمور ٣٧: ٣٥ و٣٦ انظر ص ٨: ١٣ إشعياء ١٤: ١٣ و١٤ وعوبديا ٣ و٤ ص ٤: ٢٠ و١٤: ٢٠ ص ٧: ١٠ و٨: ١٨
من القديم يجب تقديم الاعتبار للقدماء ونيل الإرشاد والفائدة من اختبارهم لأن وجود الأشرار ليس بأمر جديد بل كان من أول ما خلق الإنسان على الأرض.
هُتَافَ ٱلأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ (ع ٥) هنا خلاصة كلام صوفر أي إن فرح الأشرار لا يكون إلا إلى لحظة فقط.
كَجُلَّتِهِ الخ (ع ٧) جلّة الإنسان خرؤه وهو أنجس شيء (حزقيال ٤: ١٢ – ١٥) وسقوط الشرير عظيم يسقط من العلى إلى الحضيض ومن السموات إلى الجلّة (إشعياء ١٤: ١٢ – ٢١).
٨ «كَٱلْحُلْمِ يَطِيرُ فَلاَ يُوجَدُ، وَيُطْرَدُ كَطَيْفِ ٱللَّيْلِ».
مزمور ٧٣: ٢٠ و٩٠: ٥ ص ١٨: ١٨ و٢٧: ٢١ – ٢٣
كَٱلْحُلْمِ يَطِيرُ (إشعياء ٢٩: ٧ و٨) والطيف هو الخيال.
٩، ١٠ «٩ عَيْنٌ أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ، وَمَكَانُهُ لَنْ يَرَاهُ بَعْدُ. ١٠ بَنُوهُ يَتَرَضَّوْنَ ٱلْفُقَرَاءَ، وَيَدَاهُ تَرُدَّانِ ثَرْوَتَهُ».
ص ٧: ٨ و٨: ١٨ انظر ص ٧: ١٠ ص ٥: ٤ و٢٧: ١٤ ع ١٨ وص ٢٧: ١٦ و١٧
بَنُوهُ الخ بعد موته.
يَتَرَضَّوْنَ ٱلْفُقَرَاءَ أي يكونون أفقر الفقراء أو أن أولاده سيسقطون من الذين أخذ أبوهم مالهم ظلماً.
وَيَدَاهُ الخ قبل موته يرد ثروته إلى أصحابها الأولين.
١١ «عِظَامُهُ مَلآنَةٌ قُوَّةً، وَمَعَهُ فِي ٱلتُّرَابِ تَضْطَجِعُ».
ص ٢١: ٢٣ و٢٤
عِظَامُهُ مَلآنَةٌ قُوَّةً (شبيبة) ينزل إلى القبر وهو شاب قبل ما يكمل أيامه (٢١: ٢٤ وأمثال ٣: ٨) وكان مخ العظام معتبراً قديماً كمركز القوة والصحة.
١٢ – ١٥ «١٢ إِنْ حَلاَ فِي فَمِهِ ٱلشَّرُّ، وَأَخْفَاهُ تَحْتَ لِسَانِهِ، ١٣ أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ، بَلْ حَبَسَهُ وَسَطَ حَنَكِهِ، ١٤ فَخُبْزُهُ فِي أَمْعَائِهِ يَتَحَوَّلُ! مَرَارَةُ أَصْلاَلٍ فِي بَطْنِهِ. ١٥ قَدْ بَلَعَ ثَرْوَةً فَيَتَقَيَّأُهَا. ٱللّٰهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ».
ص ١٥: ١٦ ع ٢٣ وعدد ١١: ٢٠ و٣٣ وع ١٠ و٢٠ و٢١
أشار إلى لذة الخطيئة عند الخاطي وشبهها بلقمة طيبة يجب الآكل أن يبقيها في فيه ليتلذذ بها ولكن اللقمة اللذيذة تتحول مرارة في بطنه فيتقيأها لأن الله يأخذ منه ثروته. وكما ذاق اللذة في اقتناءها هكذا ذاق المرارة في خسارتها.
١٦ «سُمَّ ٱلأَصْلاَلِ يَرْضَعُ. يَقْتُلُهُ لِسَانُ ٱلأَفْعَى».
تثنية ٣٢: ٢٤ و٣٣
ما رضعه أي ثروته تصير كسمّ الأصلال وتقتله.
١٧ «لاَ يَرَى ٱلْجَدَاوِلَ أَنْهَارَ سَوَاقِيَ عَسَلٍ وَلَبَنٍ».
ص ٢٩: ٦ وتثنية ٣٢: ١٣ و١٤
لاَ يَرَى كان الخاطي يَعِدُ نفسه بخيرات ولذات فلا يأتيه (لوقا ١٢: ١٩ و٢٠) «لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ… هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ». والعسل واللبن كناية عن أفضل الخيرات.
١٨، ١٩ «١٨ يَرُدُّ تَعَبَهُ وَلاَ يَبْلَعُهُ. وَبِمَكْسَبِ تِجَارَتِهِ لاَ يَفْرَحُ. ١٩ لأَنَّهُ رَضَّضَ ٱلْمَسَاكِينَ وَتَرَكَهُمْ وَٱغْتَصَبَ بَيْتاً وَلَمْ يَبْنِهِ».
ع ١٠ و١٥ ص ٢٤: ٢ – ٤ و٣٥: ٩
يأخذ الله ثروته قبلما يفرح بها.
بِمَكْسَبِ تِجَارَتِهِ (كمالٍ تحت رجعٍ) ليس كمُلك مسجل باسمه يتصرف فيه كما يريد ويتمتع به كل أيامه ويتركه لأولاده بل كأمانة ترجع لصاحبها عند الطلب.
وَتَرَكَهُمْ بعدما أخذ بيوتهم وأملاكهم اغتصاباً فافتقروا واحتاجوا وهو لم يهتم بهم.
لأَنَّهُ (ع ١٩) أي لم تأته تلك المصائب المخيفة بلا سبب والسبب هو خطاياه في ترضيض المساكين واغتصاب بيوتهم. وفي قول صوفر صواب وخطأ فالصواب أن الله يحب الحق ويكره الشر وهو الديان العادل ولا يحدث شيء إلا بعلمه وإرادته وهو يجازي كل إنسان حسب أعماله. والخطأ أن المجازاة الكاملة لا تكون في الأمور الجسدية فقط بل أيضاً في الابتعاد عن الله وفقد الحياة الروحية والأفراح الأبدية. فمن المحتمل أن الشرير يتمتع بهذه الخيرات الجسدية كل أيامه مع فقد الخيرات الأفضل ومن المحتمل أيضاً أن الصالح يخسر الخيرات الجسدية ويربح الخيرات الأفضل والباقية. وأخطأ صوفر كما أخطأ أليفاز وبلدد بظنه أن مصائب أيوب العظيمة كانت برهاناً على أنه ارتكب خطايا عظيمة.
وَٱغْتَصَبَ بَيْتاً (ع ١٩) (إشعياء ٥: ٨ و٩).
٢٠، ٢١ «٢٠ لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً لاَ يَنْجُو بِمُشْتَهَاهُ. ٢١ لَيْسَتْ مِنْ أَكْلِهِ بَقِيَّةٌ، لأَجْلِ ذٰلِكَ لاَ يَدُومُ خَيْرُهُ».
جامعة ٥: ١٣ – ١٥ ص ١٥: ٢٩
لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً لم يشبع من الظلم مهما أخذ من مال المساكين لذلك تكون عقوبته بلا شفقة وبلا نهاية.
٢٢ – ٢٤ «٢٢ مَعَ مِلْءِ رَغْدِهِ يَتَضَايَقُ. تَأْتِي عَلَيْهِ يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ. ٢٣ يَكُونُ عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ أَنَّ ٱللّٰهَ يُرْسِلُ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ، وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَعَامِهِ. ٢٤ يَفِرُّ مِنْ سِلاَحِ حَدِيدٍ. تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ».
ص ١٥: ٢١ ص ٥: ٥ ع ١٣ و١٤ عدد ١١: ٢٠ و٣٣ ومزمور ٧٨: ٣٠ و٣١
أشار إلى أيوب لأن أيوب كان بملء رغده أي عيشته الواسعة والطيبة حينما أتته يد الغزاة. ولكن أيوب لم يظلم الفقراء (انظر ٢٩: ١٢ – ١٧ و٣١: ١٦ – ٢٣).
يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ الذين كان ظلمهم وكانوا سكتوا من الخوف ولكنهم سيقومون عليه إذا سقط.
عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ (ع ٢٣) لم يشبع من مال الظلم ولكنه شيسبع من حمو غضب الله.
سِلاَحِ حَدِيدٍ (ع ٢٤) أي يفرّ من شرٍ ويقع في شر أعظم كما أن قوس النحاس أقوى من سلاح الحديد (مزمور ١٨: ٣٤ وعاموس ٥: ١٩).
٢٥ «جَذَبَهُ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهِ، وَٱلْبَارِقُ مِنْ مَرَارَتِهِ مَرَقَ. عَلَيْهِ رُعُوبٌ».
ص ١٦: ١٣ ص ١٨: ١١ و١٤
جَذَبَهُ أي السهم الذي دخل في بطنه وجذبه هذا هو للموت وليس للشفاء.
٢٦ «كُلُّ ظُلْمَةٍ مُخْتَبَأَةٌ لِذَخَائِرِهِ. تَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ. تَرْعَى ٱلْبَقِيَّةَ فِي خَيْمَتِهِ».
ص ١٨: ١٨ انظر ص ١٥: ٣٠
ظُلْمَةٍ كناية عن كل بلية.
نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ لم ينفخها إنسان بل فم الله أو نار شُعلت من نفسها (١٥: ٣٤ و٣٥) إشارة إلى أن هلاك الخاطئ من نفسه.
تَرْعَى ٱلْبَقِيَّةَ أي لا تبقى بقية لكنوزه.
٢٧ «ٱلسَّمَاوَاتُ تُعْلِنُ إِثْمَهُ وَٱلأَرْضُ تَنْهَضُ عَلَيْهِ».
تثنية ٣١: ٢٨
أشار إلى قول أيوب (١٦: ١٨) «يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي» و(١٦: ١٩) «فِي ٱلسَّمَاوَاتِ شَهِيدِي» وأما قول صوفر فهو أن شهادة السماوات والأرض تكون على الشرير أي على أيوب وليس عليه كما ظن أيوب وأشار إلى ما قيل في (١: ١٦) «نَارُ ٱللّٰهِ سَقَطَتْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ».
السابق |
التالي |