سفر أيوب

سفر أيوب | 19 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

مضمونه جواب أيوب لبلدد.

صوّر بلدد في خطابه الشرير وعاقبة شروره وجعل كلامه على هيئة توافق أيوب ولم يقل صريحاً إن أيوب هو الشرير (انظر قوله في ١٨: ١٣) «يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ» أي مرض البرص. والكبريت (١٨: ١٥) هو نار الله التي سقطت وأحرقت الغنم. وقع الشجرة من تحت ومن فوق إشارة إلى موت أولاده وخراب بيته. واقشعرار الأقدمين (١٨: ٢٠) عبارة عن ما أصاب أيوب من الكراهة من جميع الناس.

وأيوب في أول خطابه في الأصحاح التاسع عشر رفض كلام بلدد وذكر ضجره من كلام أصحابه وبعدئذ (ع ٧) وجه أفكاره إلى الله الذي كان غضب عليه وتركه وأبعد عنه إخوته ومعارفه ثم (ع ٢٣) نظر إلى المستقبل وطلب كتابة كلامه وذكر أيضاً رجاءه اليقيني بأن الله يبرره وفي الختام حذّر أصحابه من عقاب كلامهم.

١ – ٦ «١ فَقَالَ أَيُّوبُ ٢ حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِٱلْكَلاَمِ. ٣ هٰذِهِ عَشَرَ مَرَّاتٍ أَخْزَيْتُمُونِي. لَمْ تَخْجَلُوا مِنْ أَنْ تُعَنِّفُونِي. ٤ وَهَبْنِي ضَلَلْتُ حَقّاً. عَلَيَّ تَسْتَقِرُّ ضَلاَلَتِي! ٥ إِنْ كُنْتُمْ بِٱلْحَقِّ تَسْتَكْبِرُونَ عَلَيَّ، فَثَبِّتُوا عَلَيَّ عَارِي. ٦ فَٱعْلَمُوا إِذاً أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ عَوَّجَنِي وَلَفَّ عَلَيَّ أُحْبُولَتَهُ».

مزمور ٣٥: ٢٦ و٣٨: ١٦ ص ١٦: ١١ و٢٧: ٢ ص ١٨: ٨ – ١٠ ومزمور ٦٦: ١١ ومراثي ١: ١٣

تَسْحَقُونَنِي أشار إلى كثرة كلامهم وشدته وتأثيره فيه.

عَشَرَ مَرَّاتٍ (ع ٣) مرات كثيرة (تكوين ٣١: ٧ وعدد ١٤: ٢٢).

وَهَبْنِي ضَلَلْتُ (ع ٤) ليس لأصحابه المداخلة في أمره (١) لأن ضلاله عليه إذا كان هنالك ضلال (٢) لأنه بريء ولم يثبت عليه عار (ع ٥). (٣) لأن مصائبه من الله (ع ٦) إنها ليست نتيجة خطاياه فإن الله لفّه بأحبولته أي شبكته ولم يمشٍ هو إلى الشبكة كما قال بلدد (١٨: ٨).

٧ – ١٢ «٧ هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْماً فَلاَ أُسْتَجَابُ. أَدْعُو وَلَيْسَ حُكْمٌ. ٨ قَدْ حَوَّطَ طَرِيقِي فَلاَ أَعْبُرُ، وَعَلَى سُبُلِي جَعَلَ ظَلاَماً. ٩ أَزَالَ عَنِّي كَرَامَتِي وَنَزَعَ تَاجَ رَأْسِي. ١٠ هَدَمَنِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَذَهَبْتُ، وَقَلَعَ مِثْلَ شَجَرَةٍ رَجَائِي، ١١ وَأَضْرَمَ عَلَيَّ غَضَبَهُ وَحَسِبَنِي كَأَعْدَائِهِ. ١٢ مَعاً جَاءَتْ غُزَاتُهُ وَأَعَدُّوا عَلَيَّ طَرِيقَهُمْ وَحَلُّوا حَوْلَ خَيْمَتِي».

ص ٩: ٢٤ و٣٠: ٢٠ و٢٤ وحبقوق ١: ٢ ص ٣: ٢٣ ومراثي ٣: ٧ و٩ ص ٣٠: ٢٦ ص ١٢: ١٧ و١٩ ومزمور ٨٩: ٤٤ ص ١٦: ١٥ ومزمور ٨٩: ٣٩ ومراثي ٥: ١٦ ص ١٢: ١٤ ص ٢٤: ٢٠ انظر ٧: ٦ ص ١٦: ٩ ص ١٣: ٢٤ و٣٣: ١٠ ص ١٦: ١٣ ص ٣٠: ١٢

بعد كلامه الوجيز لأصحابه وجّه كلامه إلى الله ورفع شكواه إليه خلاصتها (١) إنه قد صرخ إلى الله فلم يستجبه (حبقوق ١: ٢) (٢) حوّط الله طريقه (مراثي ٣: ٥ و٦) (٣) على سبله جعل ظلاماً (٤) أزال عنه كرامته (٥) نزع تاج رأسه أي تاج البر (٢٩: ١٤) (٦) هدمه كهدم بيت من كل جهة أي خدمه تماماً فذهب أي مات من مرضه وقوله «ذهبت» بالماضي لأنه قد انقطع رجاؤه بالحياة وانقلع كشجرة.

مَعاً جَاءَتْ غُزَاتُهُ (ع ١٢) شبّه نفسه وخيمته بمدينة محصورة ومصائبه بغزاة الله وهؤلاء الغزاة أي جيش الله حلوا حول خيمة أيوب الحقيرة كأنها مدينة محصنة.

١٣ – ٢٠ «١٣ قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي. وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي. ١٤ أَقَارِبِي قَدْ خَذَلُونِي وَٱلَّذِينَ عَرَفُونِي نَسَوْنِي. ١٥ نُزَلاَءُ بَيْتِي وَإِمَائِي يَحْسِبُونَنِي أَجْنَبِيّاً. صِرْتُ فِي أَعْيُنِهِمْ غَرِيباً. ١٦ عَبْدِي دَعَوْتُ فَلَمْ يُجِبْ. بِفَمِي تَضَرَّعْتُ إِلَيْهِ. ١٧ نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ ٱمْرَأَتِي، وَمُنْتِنَةٌ عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي. ١٨ اَلأَوْلاَدُ أَيْضاً قَدْ رَذَلُونِي. إِذَا قُمْتُ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ. ١٩ كَرِهَنِي كُلُّ رِجَالِي، وَٱلَّذِينَ أَحْبَبْتُهُمُ ٱنْقَلَبُوا عَلَيَّ. ٢٠ عَظْمِي قَدْ لَصِقَ بِجِلْدِي وَلَحْمِي، وَنَجَوْتُ بِجِلْدِ أَسْنَانِي».

ص ١٦: ٧ ومزمور ٦٩: ٨ ص ١٦: ٢٠ ومزمور ٨٩: ٨ و١٨ ع ١٩ انظر ص ١٢: ٤ مزمور ٣٨: ١١ و٥٥: ١٣ ص ١٦: ٨ و٣٣: ٢١ ومزمور ١٠٢: ٥ ومرقس ٤: ٨

قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي كان يمكنه أن يحتمل الآلام الجسدية وخسارة الأملاك ولكن ابتعاد إخوته ومعارفه وأقاربه وجميع الناس عنه كان من أعظم مصائبه ولا سيما لأنه شعر ببراءته.

نُزَلاَءُ بَيْتِي (ع ١٥) الضيوف الذين نزلوا عليه وأكلوا من خيراته.

عَبْدِي دَعَوْتُ (ع ١٦) كانت عيون عبيده نحو يده (مزمور ١٢٣: ٢) وهم منتظرون الأمر منه ولكنهم داروا الآن له قفاهم فالتزم أن يتضرع إليهم.

أَبْنَاءِ أَحْشَائِي (ع ١٧) كان أولاد أيوب قد ماتوا فيُظن أنه عنى «بأحشائي» أحشاء أمه وأبناء أحشائه هم إخوته.

إِذَا قُمْتُ (ع ١٨) من تأثير مرضه كان لا يقدر أن يقوم إلا بالصعوبة فكان الأولاد يرذلونه.

كُلُّ رِجَالِي (ع ١٩) وبالترجمة اليسوعية «أمناء سرّي» هؤلاء هم أصدقاؤه الأعزاء أي أصحابه الثلاثة الذين كرهوه لأنهم حكموا عليه كمذنب وتكلموا عليه بالقساوة (مزمور ٥٥: ١٤) «ٱلَّذِي مَعَهُ كَانَتْ تَحْلُو لَنَا ٱلْعِشْرَةُ».

بِجِلْدِ أَسْنَانِي (ع ٢٠) الظاهر أن القول مَثَلٌ معناه شيء زهيد جداً لأن الأسنان ليس لها جلد مطلقاً والمقصود أنه نجا ولكنه نجا بحياته فقط بعدما خسر كل شيء (عاموس ٣: ١٢) يقول بعضهم إن جلد الأسنان هو اللِّثة وقول أيوب أن لثة أسنانه بقيت بعدما فقد أسنانه من المرض.

٢١، ٢٢ «٢١ تَرَاءَفُوا! تَرَاءَفُوا أَنْتُمْ عَلَيَّ يَا أَصْحَابِي، لأَنَّ يَدَ ٱللّٰهِ قَدْ مَسَّتْنِي. ٢٢ لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا ٱللّٰهُ، وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي؟».

ص ١: ١١ ومزمور ٣٨: ٢ ع ٦ وص ١٣: ٢٤ و٢٥ ومزمور ١٦: ١١ و٦٩: ٢٦

شعر بأنه مطرود من الله فعاد إلى الالتجاء إلى أصحابه لعلهم يترأفون عليه ومن لا يتأثر من كلام كهذا.

كَمَا ٱللّٰهُ (ع ٢٢) كان الله طارده (٩: ١٧) فقال لأصحابه لماذا تزيدون على ما كان الله عمله أو لماذا تجعلون أنفسكم في مكان الله إذ تحكمون عليّ.

وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي أكل لحم الإنسان مجاز معناه النميمة فإن النمام يُتلف صيت خصمه كوحش يفترس لحمه. وله معنى آخر أي انظروا إلى هزالي فإن لحمي فني. ألا يكفيكم ما احتملته من الآلام.

٢٣، ٢٤ «٢٣ لَيْتَ كَلِمَاتِي ٱلآنَ تُكْتَبُ. يَا لَيْتَهَا رُسِمَتْ فِي سِفْرٍ ٢٤ وَنُقِرَتْ إِلَى ٱلأَبَدِ فِي ٱلصَّخْرِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَبِرَصَاصٍ».

إشعياء ٣٠: ٨ وإرميا ٣٦: ٢

لَيْتَ كَلِمَاتِي الكلمات التي أراد أن تُكتب هي إثبات براءته وأراد أنها تُكتب أملاً أن الأجيال القادمة يصدقونه ويبررونه. كانت الكتابات الأولى تنقش على الحجر أو القرميد. وربما كانوا يصبون رصاصاً مصهوراً على الحروف المنقوشة على الحجر أو يكتبون على ألواح الرصاص بقلم حديد واستعملوا أيضاً الرقوق وورق البردي للكتابة وطلب أيوب أن كلماته تنقش على الحجر أو الرصاص لكي تبقى إلى الأبد.

٢٥ – ٢٧ «٢٥ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَٱلآخِرَ عَلَى ٱلأَرْضِ يَقُومُ ٢٦ وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هٰذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى ٱللّٰهَ. ٢٧ ٱلَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذٰلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي».

ص ١٦: ١٩ ومزمور ٧٨: ٣٥ وأمثال ٢٣: ١١ وإشعياء ٤٣: ١٤ وإرميا ٥٠: ٣٤ مزمور ١٧: ١٥ ومتّى ٥: ٨ و١كورنثوس ١٣: ١٢ و١يوحنا ٣: ٢ مزمور ٧٣: ٢٦

أَمَّا أَنَا أصحابه الثلاثة لم يبرروه ولم يصدقوا أن الله يبرره وأما أيوب فتمسك برجائه بالتبرير من الله ولو بعد موته وقال بالتشديد «أما أنا».

فَقَدْ عَلِمْتُ امتحنه الله بمصائب عظيمة حتى ظهر له أن الله قد تركه وأصحابه كانوا له معزين مُتعبين وليس له رجاء بالحياة ولا بِذكر طيب بعد الموت وليس أمامه إلا الظلام ومع ذلك ظل إيمانه ثابتاً بأن الله يحبه ولا يترك من قد خلقه واعتنى به والشركة التي كانت له مع الله عربون شركة أفضل تدوم إلى الأبد فقال بشدة «قد علمت» ولم يعلم إلا بالإيمان.

وَلِيِّي الولي هو النسيب الأقرب الذي له حق أن يأخذ بالثأر (ع ٣٥: ١٩) وله حق أن يفك الميراث (راعوث ٤: ١ الخ) والله ولي شعبه (إشعياء ٥٤: ٥) وهو ولي المؤمنين أفراداً (مزمور ١٩: ١٤) أي يعينهم وينتقم لهم كنائب عنهم ولا يشير الاسم «ولي» إلى من يخلص من الخطيئة كالاسم «فادي» في العهد الجديد. وقال أيوب إن وليه حي تمييزاً له عن نفسه فإنه سيموت عن قريب ولكنّ وليه حي سيبرره بعد موته وخصص هذا الولي لنفسه بقوله «وليي».

وَٱلآخِرَ لم يقم له وليٌ وهو حي ولكنه رجا كل الرجاء بولي يقوم له في الآخر أي بعد موته. بالأول اشتاق إلى مصالح بينه وبين الله (٩: ٣٢ – ٣٥) ثم قال (١٦: ١٩) «هُوَذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ شَهِيدِي» ثم طلب (١٧: ٣) من الله أن يكون ضامنه وهنا نظر بإيمان يقيني إلى الله كوليه إنه سيقوم بالآخر ويبرّره.

عَلَى ٱلأَرْضِ يَقُومُ الأرض أو التراب الذي ضمّ جسد أيوب.

بِدُونِ جَسَدِي (ع ٢٦) أي بعد موته فيكون جسده قد تلاشى.

أَرَى ٱللّٰهَ وذلك بعد موته وبدون جسده. ولا شك في أن معرفة أيوب بقيامة الجسد ورؤية الله في السماء كانت كمعرفة غيره من قديسي العهد القديم أي أن الجسد يُدفن في القبر والنفس تسكن الهاوية مع الأخيلة وفي الظلمة بلا جسد وبلا أفراح الحياة على الأرض. ولكن أيوب وإن كان بلا معرفة جليّة كان له إيمان بأنه سيرى الله مع أنه لم يفهم كيف يراه. وآمن أيضاً أنه هو نفسه يراه وعيناه تنظرانه وليس آخر وإن الله سيبرره ولا يكون تبريره في غيابه بل بحضوره. ورؤية الله تتضمن رضاه (٢صموئيل ١٤: ٢٤ و٣٢ و٣٣ ورؤيا ٢٢: ٤).

وبعض أتقياء العهد القديم شاركوا أيوب في إيمانه اليقيني (مزمور ١٦: ١٠ و٤٩: ١٥ و٧٣: ٢٤ وإشعياء ٢٦: ١٩ ودانيال ١٢: ٢ و٣).

إِلَى ذٰلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ (ع ٢٧) كانت الكليتان مركز العواطف عند القدماء والأحشاء كذلك والقلب. وتاق أيوب إلى رؤية الله ورضاه واشتد توقه عند تأمله في ذلك وآمن بأنه سينال مشتهاه.

٢٨، ٢٩ «٢٨ فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا نُطَارِدُهُ؟ وَٱلْكَلاَمُ ٱلأَصْلِيُّ يُوجَدُ عِنْدِي. ٢٩ خَافُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ ٱلسَّيْفِ لأَنَّ ٱلْغَيْظَ مِنْ آثَامِ ٱلسَّيْفِ. لِكَيْ تَعْلَمُوا مَا هُوَ ٱلْقَضَاءُ».

ع ٢٢ انظر ص ١٥: ٢٢ ص ٢٢: ٤ ومزمور ١: ٥ و٩: ٧ وجامعة ١٢: ١٤

فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ الخ (ع ٢٨) قد تأكد أيوب أن الله سيبرّره وأصحابه سينظرون تبريره فيقولون لماذا نطارده أي يقتنعون بأن أيوب بريء مما كانوا قد اتهموه به. ويقول أيوب إن أصحابه سيجدون أن للكلام الأصلي أي الكلام الصحيح عنده فعليهم أن يخافوا من غضب الله عليهم. والغيظ أي غيظهم على أيوب هو من آثام السيف أي الآثام التي تستحق القتل بالسيف وعليهم أن يخافوا وينتهوا لكي يعلموا ما هو القضاء ولا يعملوا ما يستوجبه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى