سفر أيوب

سفر أيوب | 18 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ

مضمونه خطاب بلدد الثاني وبه يعترض أولاً على أيوب لكثرة كلامه المضل ولكبريائه وعدم اعتباره لأصحابه ثم يصور بألفاظ لاذعة نكبات الشرير ويلمح إلى أن أيوب هو الشرير الذي يستحق هذه النكبات الهائلة. وفي كلامه لا شيء من الرحمة والشفقة كأنه سرّ بمصائب غيره. ونرى في كلام أيوب تقدماً من الظلمة نحو النور وأما في خُطب أصحابه فنرى فيها زيادة القساوة والغيظ.

١ – ٤ «١ فَأَجَابَ بِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ: ٢ إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكاً لِلْكَلاَمِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ. ٣ لِمَاذَا حُسِبْنَا كَٱلْبَهِيمَةِ وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ؟ ٤ يَا أَيُّهَا ٱلْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ، هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى ٱلأَرْضُ، أَوْ يُزَحْزَحُ ٱلصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ؟».

مزمور ٧٣: ٢٢

أَشْرَاكاً لِلْكَلاَمِ نسب إلى أيوب الحيل والإبهام وإنه كان يقصد بها أن يضل السامعين ولعل أصحاب أيوب لم يفهموا كلامه كله لأن أفكاره كانت فائقة اختبارهم وعقولهم.

تَعَقَّلُوا طلب من أيوب أن يضبط نفسه وذكر الأمر بصيغة الجمع «تعقلوا» ولعله أشار بهذا إلى قول أيوب (١٧: ٨) لأن أيوب كان ادّعى أن جميع المستقيمين من حزبه فطلب بلدد منه ومنهم أن يتعقلوا.

كَٱلْبَهِيمَةِ (ع ٣) أشار إلى قول أيوب «مَنَعْتَ قَلْبَهُمْ عَنِ ٱلْفِطْنَةِ» (١٧: ٤) وقوله «ٱلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ» (١٧: ٩) كأن أصحابه كانوا نجسين.

ٱلْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ (ع ٤) أيوب افترس نفسه بغيظه وعدم تسليمه لله ولم يفترسه الله كما قال (١٦: ٩).

هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى ٱلأَرْضُ (انظر إشعياء ٤٥: ١٨) «لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا» فلا تخلى لأجل أيوب.

أَوْ يُزَحْزَحُ ٱلصَّخْرُ كناية عن أمر مستحيل أي إلغاء نواميس الكون وأشار إلى قول أيوب «يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي» (١٦: ١٨).

٥ – ١١ «٥ نَعَمْ! نُورُ ٱلأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ. ٦ ٱلنُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ، وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ. ٧ تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. ٨ لأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي ٱلْفَخِّ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. ٩ يُمْسِكُ ٱلْفَخُّ بِعَقِبِهِ وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ ٱلشَّرَكُ. ١٠ حَبْلٌ مَطْمُورٌ لَهُ فِي ٱلأَرْضِ، وَمِصْيَدَتُهُ فِي ٱلسَّبِيلِ. ١١ تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ».

ص ٢١: ١٧ وأمثال ١٣: ٩ و٢٠: ٢٠ و٢٤: ٢٠ ص ١٢: ٢٥ ص ١٥: ٦ ص ٢٢: ١٠ ومزمور ٩: ١٥ و٣٥: ٨ وإشعياء ٢٤: ١٧ و١٨ انظر ص ١٥: ٢١ ع ١٨ وص ٢٠: ٨

نَعَمْ على رغم أقوال أيوب بقيت نواميس الكون وينطفي النور في بيت الأشرار وتهمد النار في موقدهم أي يخرب بيتهم.

وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ (ع ٦) سراج معلق أو موضوع في مكان عال في الخيمة (٢٩: ٣).

تَقْصُرُ خَطَوَاتُ (ع ٧) الحزين والضعيف يقصر خطواته كما أن القوي والفرحان يوسعها والمشورة التي تمسك الشرير بها تصرعه أو تضايقه والقول «رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي ٱلْفَخِّ الخ» (ع ٨) يفيد نفس المعنى أي أنه من جهله وشروره يتقدم إلى ما يضر نفسه.

تُرْهِبُهُ (ع ١١) لم ينتبه إلى حالته في الأول ولكنه ينتبه بعدما يكون قد أُمسك.

تَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْه تلحقه الأهوال عند رجليه وهو هارب منها.

١٢ – ١٥ «١٢ تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَٱلْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. ١٣ يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ ٱلْمَوْتِ. ١٤ يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ، عَنِ ٱعْتِمَادِهِ، وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ ٱلأَهْوَالِ. ١٥ يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ».

إشعياء ٨: ٢١ زكريا ١٤: ١٢ ع ٦ انظر ص ٨: ٢٢ و٢٧: ١٨ انظر ص ١٥: ٢١ مزمور ١١: ٦

قُوَّتُهُ جَائِعَةً تضعف قوته كما يضعف إنسان من عدم الطعام.

بِكْرُ ٱلْمَوْتِ (ع ١٣) البكر من الأولاد هو أقواهم ورئيسهم والذي وُلد أولاً وله نصيب اثنين في الميراث ويخلف أباه (تكوين ٤٩: ٣ وتثنية ٢١: ١٧) وفي (إشعياء ١٤: ٣٠) أبكار المساكين هم أشدهم فقراً وبكر الموت هنا أقوى الأمراض المميتة.

يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ الخ (ع ١٤) يؤخذ بعنف من مسكنه الذي كان عليه اعتماده أي كان رجاؤه أنه يسكن فيه مطمئناً كل أيامه ويُساق كمذنب إلى الحاكم. وملك الأهوال هو الموت لأن الموت أعظم الأهوال (عبرانيين ٢: ١٥) «ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ».

مَنْ لَيْسَ لَهُ (ع ١٥) لا يكون له بنون يسكنون في خيمته بعد موته. وإذا لم تكن خيمته للغرباء يُذر عليها كبريت كما حصل لسدوم وعمورة فعلى كل الأحوال ينقطع عنها.

١٦ – ٢١ «١٦ مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ. ١٧ ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَلاَ ٱسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ ٱلْبَرِّ. ١٨ يُدْفَعُ مِنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ، وَمِنَ ٱلْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ. ١٩ لاَ نَسْلَ وَلاَ ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، وَلاَ بَاقٍ فِي مَنَازِلِهِ. ٢٠ يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ ٱلْمُتَأَخِّرُونَ وَيَقْشَعِرُّ ٱلأَقْدَمُونَ. ٢١ إِنَّمَا تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ، وَهٰذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ ٱللّٰهَ».

إشعياء ٥: ٢٤ وهوشع ٩: ١٦ وعاموس ٢: ٩ وملاخي ٤: ١ ص ١٥: ٣٠ و٣٢ ص ٢٤: ٢٠ ومزمور ٣٤: ١٦ وأمثال ١٠: ٧ إشعياء ٨: ٢١ و١٥: ٣٠ و٢٠: ٨ انظر ص ٥: ١٤ ص ٢٧: ٢١ – ٢٣ ص ٢٧: ١٤ و١٥ وإشعياء ١٤: ٢٢ مزمور ٣٧: ١٣ وإرميا ٥٠: ٢٧ وعوبديا ١٢ ص ٢١: ٢٨

مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ البيت مشبه بشجرة لها فروع من فوق وأصول من تحت أي من فوق رئيس البيت وأولاده وأحفاده وأصهاره ونساؤه ومن تحت كل ما استندوا عليه كالأملاك والصحة والأمان فينقطع الكل من فوق ومن تحت (٨: ١١ الخ).

مِنَ ٱلنُّورِ (ع ١٨) من نور الحياة إلى ظلمة الموت.

يُطْرَدُ إشارة إلى نوع موته فلا ينتقل بسلام بل يُطرد كمذنب ويُقتل لأجل خطاياه ويُدفن بلا كرامة.

يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ (ع ٢٠) يوم سقوطه.

ٱلْمُتَأَخِّرُونَ… ٱلأَقْدَمُونَ المتأخرون هم الذين يكونون بعد أيام الشرير المذكور في المستقبل البعيد والأقدمون هم الذين يكونون في المستقبل القريب أي جميع الناس في كل الأجيال القادمة. وفي الترجمة اليسوعية «فتندهش من يومه المغارب وتقشعر المشارق» وهذا ما عنته الترجمة السبعينية ومفسرون كثيرون.

وَهٰذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ ٱللّٰهَ (ع ٢١) لمّح إلى أيوب وإلى قول أيوب «أَوْقَفَنِي مَثَلاً لِلشُّعُوبِ» (١٧: ٦). وقول بلدد القاسي لأيوب «صح قولك لأنك صرت مثلاً للشعوب».

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى