سفر أيوب

سفر أيوب | 16 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

مضمون هذا الأصحاح والأصحاح السابع عشر جواب أيوب لأليفاز.

كان أيوب أصرّ على براءته وطلب من الله أن يعلمه ذنبه إذا وجد فيه ذنباً وأما الله فحجب وجهه عنه وحسب أليفاز أن عدم جواب الله برهان على خطيئة أيوب وإن استئناف أيوب لدعواه إلى الله حيلة «تَخْتَارُ لِسَانَ ٱلْمُحْتَالِينَ» (١٥: ٥) فرأى أيوب أن الله والناس قد تركوه فاستصعب هذا الأمر جداً نظراً لما كان له من المحبة والاعتبار فلم يبقَ له إلا التمسك ببراءته وبما أنه انقطع رجاؤه بالبراءة في حياته طلب من الأرض أن لا تغطي دمه (ع ١٨) ومن الله أن يكون ضامنه (١٧: ٣) لكي تظهر براءته بعد موته.

١ – ٥ «١ فَقَالَ أَيُّوبُ: ٢ قَدْ سَمِعْتُ كَثِيراً مِثْلَ هٰذَا. مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ! ٣ هَلْ مِنْ نِهَايَةٍ لِكَلاَمٍ فَارِغٍ. أَوْ مَاذَا يُهَيِّجُكَ حَتَّى تُجَاوِبَ؟ ٤ أَنَا أَيْضاً أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ لَوْ كَانَتْ أَنْفُسُكُمْ مَكَانَ نَفْسِي، وَأَنْ أَسْرُدَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالاً وَأَهُزَّ رَأْسِي إِلَيْكُمْ. ٥ بَلْ كُنْتُ أُشَدِّدُكُمْ بِفَمِي، وَتَعْزِيَةُ شَفَتَيَّ تُمْسِكُكُمْ».

ص ١٣: ٤ و٢١: ٣٤ ص ٦: ٢٦ مزمور ٢٢: ٧ و١٠٩: ٢٥ وصفنيا ٢: ١٥ ومتّى ٢٧: ٣٩

قال أيوب أنه ملّ من كلام أصدقائه الفارغ وكانوا معزين متعبين لأنهم بكلامهم زادوا على أتعابه أتعاباً وطلب منهم أن يصمتوا (١٣: ٥) ولكنهم استمروا يتكلمون بنفس الكلام. وقال أيوب أنه يقدر أن يتكلم عليهم لو كانوا في حالته ويعزيهم ما عزوه بكلام فارغ أي كلام الفم والشفتين وليس من القلب. غير أن بعضهم يعتقدون أن معنى أيوب أنه لو كانوا في حالته كان عزاهم تعزية حقيقية ترضيهم وكان «رفق بهم» (الترجمة اليسوعية).

أَسْرُدَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالاً (ع ٤) أي أُجيد سياقها.

٦ – ١٧ «٦ إِنْ تَكَلَّمْتُ لَمْ تَمْتَنِعْ كَآبَتِي. وَإِنْ سَكَتُّ فَمَاذَا يَذْهَبُ عَنِّي؟ ٧ إِنَّهُ ٱلآنَ ضَجَّرَنِي. خَرَّبْتَ كُلَّ جَمَاعَتِي. ٨ قَبَضْتَ عَلَيَّ. وُجِدَ شَاهِدٌ. قَامَ عَلَيَّ هُزَالِي يُجَاوِبُ فِي وَجْهِي. ٩ غَضَبُهُ ٱفْتَرَسَنِي وَٱضْطَهَدَنِي. حَرَّقَ عَلَيَّ أَسْنَانَهُ. عَدُوِّي يُحَدِّدُ عَيْنَيْهِ عَلَيَّ. ١٠ فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ. لَطَمُونِي عَلَى فَكِّي تَعْيِيراً. تَعَاوَنُوا عَلَيَّ جَمِيعاً. ١١ دَفَعَنِيَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلظَّالِمِ، وَفِي أَيْدِي ٱلأَشْرَارِ طَرَحَنِي. ١٢ كُنْتُ مُسْتَرِيحاً فَزَعْزَعَنِي، وَأَمْسَكَ بِقَفَايَ فَحَطَّمَنِي، وَنَصَبَنِي لَهُ هَدَفاً. ١٣ أَحَاطَتْ بِي رُمَاةُ سِهَامِهِ. شَقَّ كُلْيَتَيَّ وَلَمْ يُشْفِقْ. سَفَكَ مَرَارَتِي عَلَى ٱلأَرْضِ. ١٤ يَقْتَحِمُنِي ٱقْتِحَاماً عَلَى ٱقْتِحَامٍ. يَهْجِمُ عَلَيَّ كَجَبَّارٍ. ١٥ خِطْتُ مِسْحاً عَلَى جِلْدِي وَدَسَسْتُ فِي ٱلتُّرَابِ قَرْنِي. ١٦ اِحْمَرَّ وَجْهِي مِنَ ٱلْبُكَاءِ، وَعَلَى هُدْبِي ظِلُّ ٱلْمَوْتِ. ١٧ مَعَ أَنَّهُ لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي وَصَلاَتِي خَالِصَةٌ».

ص ٩: ٢٧ و٢٨ ص ٧: ٣ ع ٢٠ وص ١٩: ١٣ – ١٥ ص ١٠: ١٧ ص ١٩: ٢٠ ومزمور ١٠٩: ٢٤ ص ١٩: ١١ وهوشع ٦: ١ مزمور ٣٥: ١٦ ومراثي ٢: ١٦ وأعمال ٧: ٥٤ ص ١٣: ٢٤ و٣٣: ١٠ مزمور ٢٢: ١٣ إشعياء ٥٠: ٦ ومراثي ٣: ٣٠ وأعمال ٢٣: ٢ ص ٣٠: ١٢ ومزمور ٣٥: ١٥ انظر ص ٩: ١٧ ص ٧: ٢٠ ومراثي ٣: ١٢ ص ٦: ٤ و١٩: ١٢ و٢٥: ٣ ص ٢: ٢٥ ص ٩: ١٧ يوئيل ٢: ٧ ص ٢: ٨ وتكوين ٣٧: ٣٤ ومزمور ٦٩: ١١ الخ ص ١٩: ٩ ومراثي ٢: ٣ ع ٢٠ ص ٢٤: ١٧ إشعياء ٥٩: ٦ ويونان ٣: ٨ ص ٢٧: ٤

وجد أيوب أن أصحابه لم يقنعهم كلامه ولا تأثروا من سكوته والكلام الآتي هو كخطاب لنفسه.

ضَجَّرَنِي (ع ٧) أي الله ضجّره.

خَرَّبْتَ يخاطب الله.

جَمَاعَتِي أصدقاؤه الثلاثة وجميع أصحابه وأقاربه (١٩: ١٣ الخ).

قَبَضْتَ عَلَيَّ الله قبض عليه بمصائبه ومرضه هو الشاهد عليه وهزاله جاوب في وجهه أنه خاطئ ورفضه الله.

غَضَبُهُ ٱفْتَرَسَنِي (ع ٩) شبه غضب الله بوحش مفترس (١٠: ١٦) فنرى في كلام أيوب تأثير الشيطان الذي قصد أن يحمله على التجديف على الله (٢: ٥) فشبه إله المحبة بعدوّ والقدوس بوحش مفترس. وغرق أيوب وقتياً في بالوعة اليأس.

فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ (ع ١٠) ذكر جميع مقاوميه وليس أصحابه الثلاثة فقط.

إن الأوباش عيروه وأهانوه وفرحوا بسقوطه لأنهم أحبوا أن يكون كواحد منهم فلا يُخجلهم بعد بسلوكه الكامل. والله هو الذي كان دفعه لأيديهم.

أَمْسَكَ بِقَفَايَ (ع ١٢) على غير انتظار أتته مصائبه.

رُمَاةُ سِهَامِهِ (ع ١٣) رماة الله وهم الذين أجروا مقاصده كالسبئيين والكلدانيين. والكليتان والمرارة من أعضاء الجسد الداخلية فكأن سهام الرماة خرقت ووصلت إلى مركز الحياة.

يَقْتَحِمُنِي (ع ١٤) كهجوم على قلعة أو مدينة محصنة اقتحاماً على اقتحام حتى تسقط.

خِطْتُ مِسْحاً (ع ١٥) المِسح كساء من شعر أسود وهو علامة الحزن وأيوب خاطه على جلده لأنه صار له لباسه الدائم.

قَرْنِي القرن علامة الرفعة (مزمور ٧٥: ٤ و٥) ودسّ القرن في التراب علامة الذل والانحطاط.

ٱلْبُكَاءِ (ع ١٦) انظر قوله في (١٧: ٧) «كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ ٱلْحُزْنِ».

ظِلُّ ٱلْمَوْتِ كلال العينين من البكاء ومن ضعف جسمه العمومي دلالة على الانحلال.

لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي (ع ١٧) لم يخطئ أيوب كما ظن أصدقاؤه في الطمع وظلم الفقراء. وصلاته خالصة لأنه اقترب إلى الله بنية مُخلصة ويدين طاهرتين.

١٨ – ٢٢ «١٨ يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي، وَلاَ يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي. ١٩ أَيْضاً ٱلآنَ هُوَذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ شَهِيدِي وَشَاهِدِي فِي ٱلأَعَالِي. ٢٠ ٱلْمُسْتَهْزِئُونَ بِي هُمْ أَصْحَابِي. لِلّٰهِ تَقْطُرُ عَيْنِي ٢١ لِكَيْ يُحَاكِمَ ٱلإِنْسَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ كَٱبْنِ آدَمَ لَدَى صَاحِبِهِ. ٢٢ إِذَا مَضَتْ سِنُونَ قَلِيلَةٌ أَسْلُكُ فِي طَرِيقٍ لاَ أَعُودُ مِنْهَا».

ص ١٩: ٢٥ – ٢٧ وتكوين ٣١: ٥٠ وفيلبي ١: ٨ ص ٣١: ٢ انظر ع ٧ ص ١٧: ٧ انظر ص ٣: ١٣

كان أيوب في ص ١٠ قابل جودة الله له في أول حياته بغضبه عليه في الزمان الحاضر وظن أن جودة الله السابقة كانت بالظاهر فقط وإن الله كتم في قلبه هلاكه (١٠: ١٣) ثم خطر في باله فكر آخر (١٤: ١٣ الخ) وهو إن غضب الله ينصر فيشتاق إلى عمل يده ويدعوه فيجيبه. ورأى أيوب إن شفاء مرضه مستحيل وإن لا بد من موته ولكن الموت على هذا النوع يكون دليلاً على أن الله قد رفضه فيحتقره الناس ويشمئزون منه فكَرِهَ ذلك كل الكراهة ولم يسلّم أن الله يعامل عبده البريء هكذا ولا يبرئه إلى الأبد فرجاؤه أن تبرئته تكون بعد موته.

دَمِي هذا كلام مجازي وليس من سفك دم حقيقي كدم هابيل. واستدعى الأرض لتطلب من الله تبرئته كي لا يكون موته كموت مذنب (إشعياء ٢٦: ٢١ وحزقيال ٢٤: ٧ و٨) إن الدم غير المغطى يصرخ إلى الله ويطلب النقمة.

وَلاَ يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي مكان ليستريح فيه أي لا ينتهي الصراخ حتى ينظر الله إليه.

شَهِيدِي وَشَاهِدِي (ع ١٩) الكلمة الأصلية المترجمة بشهيدي كلمة عبرانية والمترجمة بشاهدي كلمة آرامية (تكوين ٣١: ٤٧) وباللغة العربية الشهيد هو الشاهد الأمين في شهادته ومن يؤثر القتل على ترك إيمانه. وقال أيوب إن الله شهيده أي إنه يعرف برائته وسيشهد له ويثبت براءته. وطلب من الرب أن يبرره سريعاً لأن السنين الباقية له في هذا العالم قليلة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى