سفر أيوب

سفر أيوب | 07 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

تكملة جواب أيوب لأليفاز وهي شكوى شديدة من مصائبه.

١ – ١٠ «١ أَلَيْسَتْ حَيَاةُ ٱلإِنْسَانِ جِهَاداً عَلَى ٱلأَرْضِ، وَكَأَيَّامِ ٱلأَجِيرِ أَيَّامُهُ؟ ٢ كَمَا يَتَشَوَّقُ ٱلْعَبْدُ إِلَى ٱلظِّلِّ، وَكَمَا يَتَرَجَّى ٱلأَجِيرُ أُجْرَتَهُ، ٣ هٰكَذَا تَعَيَّنَ لِي أَشْهُرُ سُوءٍ، وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُسِمَتْ لِي. ٤ إِذَا ٱضْطَجَعْتُ أَقُولُ مَتَى أَقُومُ. ٱللَّيْلُ يَطُولُ وَأَشْبَعُ قَلَقاً حَتَّى ٱلصُّبْحِ. ٥ لَبِسَ لَحْمِيَ ٱلدُّودُ مَعَ ٱلطِّينِ. جِلْدِي تَشَقَّقَ وَتَقَيَّحَ. ٦ أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ ٱلْمَكُّوكِ، وَتَنْتَهِي بِغَيْرِ رَجَاءٍ. ٧ اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْراً. ٨ لاَ تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا! ٩ ٱلسَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ. هٰكَذَا ٱلَّذِي يَنْزِلُ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. ١٠ لاَ يَرْجِعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ».

ص ٥: ٧ و١٠: ١٧ و١٤: ١ و١٤ ص ١٤: ٦ ص ١٦: ٧ ع ١٣ و١٤ وتثنية ٢٨: ٦٧ ص ٢: ٧ ص ٩: ٢٥ ص ١٣: ١٥ و١٤: ١٩ و١٧: ١٥ و١٦ و١٩: ١٠ ع ١٦ ص ٩: ٢٥ ص ٨: ١٨ و٢٠: ٩ ع ٢١ ص ٣٠: ١٠ انظر ص ٣: ١٣ – ١٩ ص ١١: ٨ و١٤: ١٣ و١٧: ١٣ و١٦ ص ٨: ١٨ و٢٠: ٩ و٢٧: ٢١ و٢٣

ذكر مشقات الناس عموماً. والجهاد هو جهاد جندي. وبالإجمال أن كل خدمة شاقة كما في (١٤: ١٤ وإشعياء ٤٠: ٢) وأيام الأجير هي أيام تعب والأجير كالجندي تحت حكم مطلق وخدمته خدمة إجبارية. والأجير يتشوق إلى الظل أي إلى غروب الشمس إذ تنتهي أتعاب النهار. وكحياة الأجير والجندي هكذا حياة الإنسان إذ ليس فيها كبير فرح أو راحة وأعظم أمانيه أن هذه الأيام تمضي سريعاً فيستريح في القبر. ولنذكر أن الكلام هنا شعر من خصائصه المبالغة ولنذكر أيضاً أن أيوب كان في زمان العهد القديم وقبل أن أنار يسوع الحياة والخلود.

تَعَيَّنَ لِي (ع ٣) كان تحت الأمر كجندي أو عبد وليست حياته كما اختار لنفسه. وقوله «أشهر سوء» يشير إلى طول مرضه مدة أشهر وليس مدة أيام فقط. وليالي شقاء يشير بها إلى أن آلامه اشتدت في الليل.

قَلَقاً حَتَّى ٱلصُّبْحِ (ع ٤) في (تثنية ٢٨: ٦٧) «فِي ٱلصَّبَاحِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ ٱلْمَسَاءُ! وَفِي ٱلْمَسَاءِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ ٱلصَّبَاحُ». وفي (ع ٥) ذكر بعض أعراض مرضه. ومن عدم الخدمة والوسائل الطبية فسدت قروحه وولدت دوداً وقشرة الجروح صارت كمدر التراب وساخ القيح وسال.

وفي (ع ٦ إلى ١٠) يشكو من قصر حياته وشبهها بوشيعة الحائك والريح والسحاب ومطلوبه حياة سعيدة كما كانت حياته في الأول. وأما حياته الحاضرة فالموت أفضل منها (٦: ٨ و٩) والإنسان يشكو من أمرين وهما حياة سعيدة وقصيرة وحياة تاعسة وطويلة. وفي قوله «اذكر» (ع ٧) يكلم الله و «عين ناظري» (ع ٨) عين الله.

ٱلْهَاوِيَةِ (ع ٩) (انظر ٣: ١٣ وتفسيره و١٠: ٢١ و٢٢).

لاَ يَصْعَدُ لا يرجع إلى الحياة على الأرض.

١١ – ٢١ «١١ أَنَا أَيْضاً لاَ أَمْنَعُ فَمِي. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ رُوحِي. أَشْكُو بِمَرَارَةِ نَفْسِي. ١٢ أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِساً؟ ١٣ إِنْ قُلْتُ: فِرَاشِي يُعَزِّينِي، مَضْجَعِي يَنْزِعُ كُرْبَتِي ١٤ تُرِيعُنِي بِٱلأَحْلاَمِ وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى، ١٥ فَٱخْتَارَتْ نَفْسِي ٱلْخَنْقَ وَٱلْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هٰذِهِ. ١٦ قَدْ ذُبْتُ. لاَ إِلَى ٱلأَبَدِ أَحْيَا. كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ! ١٧ مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ، ١٨ وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ! ١٩ حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ ٢٠ أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ ٱلنَّاسِ! لِمَاذَا جَعَلْتَنِي هَدَفاً لَكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً! ٢١ وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي لأَنِّي ٱلآنَ أَضْطَجِعُ فِي ٱلتُّرَابِ؟ تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ!».

ص ١٠: ١ و٢١: ٤ و٢٣: ٢ حزقيال ٣٢: ٢ و٣ ع ٤ ومزمور ٦: ٦ ص ٦: ٩ و٩: ٢١ و١٠: ١ ع ٧ ص ٢٢: ٢ ومزمور ٨: ٤ و١٤٤: ٣ وعبرانيين ٢: ٦ ص ١٤: ٣ ص ٩: ١٨ و١٠: ٢٠ و١٤: ٦ ص ٣٥: ٣ و٦ ص ١٠: ١٤ و١٤: ١٢ ص ٩: ٢٨ و١٠: ١٤ ص ١٠: ٩ ع ٨

ليس جيداً للإنسان أن يتأمل كثيراً في مصائبه أو يتحدث عنها لأنها بهذا تكثر وتزداد. ونرى أن أيوب بكلامه هذا هيّج نفسه حتى تجاسر وتكلم على الله بقلة احترام. ونرى أيضاً أن الشيطان في أول مصارعته لأيوب تقوّى عليه ولكن أيوب انتصر عليه في الآخر وقال «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ» (١٩: ٢٥).

صوّر القدماء البحر (ع ١٢) كتنين عظيم يحيط باليابسة ويريد أن يبتلعها فجعل الله له حداً لا يتعداه وأقام له مغاليق ومصاريع وقال إلى هنا تأتي ولا تتعدى وهنا تخم كبرياء لججك (٣٨: ٨ وإرميا ٥: ٢٢) وصوروا أيضاً تنيناً آخر في الجو يريد أن يبتلع الأجرام السماوية. ومعنى قول أيوب هل تعتبرني كتنين البحر أو تنين الجوّ لتجعل عليّ حارساً لئلا أبتلع الأرض أو الشمس والقمر فلماذا تتنازل لتقاومني هكذا.

ثم وصف أعراض مرضه وهو كما يُظن البرص.

عِظَامِي هٰذِهِ (ع ١٥) من ضعف جسمه لم يبق إلا العظام والجلد ولما نظر إلى نفسه وهو بهذه الحالة قال إن نفسه اختارت الخنق أي الموت على أن تكون عظامه هكذا في حالة يُرثى لها وفي الترجمة اليسوعية «حتى تؤثر نفسي الخنق وعظامي الموت».

لاَ إِلَى ٱلأَبَدِ أَحْيَا (ع ١٦) قال في (ع ١٥) «اختارت نفسي… الموت» وطلب الموت سريعاً وقال (٦: ١١ و١٢) «مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ، وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ ٱلْحِجَارَةِ». انظر قول بولس الرسول (فيلبي ١: ٢٣ و٢٤) «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً. وَلٰكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي ٱلْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ».

كُفَّ عَنِّي كلّم الله وطلب منه أن يكف عن تأديبه حتى يقضي الأيام القليلة الباقية له بالسلام.

مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ (ع ١٧) قال داود (مزمور ٨: ٤) «فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ» أي لا يستحق الإنسان المجد الذي كلله الله به. وأما أيوب فمعنى قوله (ع ١٧ و١٨) إنه لا يليق بالله أن يتنازل ليعذّب إنساناً ضعيفاً تعذيباً مدققاً متواصلاً.

رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي (ع ١٩) أي قليلاً من الزمان.

أَأَخْطَأْتُ (ع ٢٠) لم يسلّم أنه قد أخطأ ولكن على فرض أنه أخطأ فهل خطيئته تضر الله أي أن الإنسان الضعيف لا يقدر أن يضرّ الله بشيء خيراً كان أم شراً.

يَا رَقِيبَ ٱلنَّاسِ الرقيب قد يراقب للخير كالقول (إشعياء ٢٧: ٣) «أَنَا ٱلرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا» والكلمة العبرانية المترجمة «بحارس» هي نفس الكلمة المترجمة «برقيب» هنا. ولكن أيوب ظن أن الله راقبه للشر وفتش عن عيوبه ليحكم عليه.

حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً كان عليه حمل الحزن بفقد أولاده وأمواله وعليه حمل الآلام الشديدة وعليه حمل الشك في جودة الله ومحبته وحكمته وعليه حمل الوحدة لأن أصحابه لم يفهموا أمره بل حكموا عليه كأنه خاطئ. والصحيح الجسم يقدر أن يمشي ويحمل أحمالاً ثقيلة وأما أيوب فبالجهد حَمَل حِمل نفسه.

تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ (ع ٢١) هذه جملة مؤثرة فإن أيوب تذكر الأيام القديمة التي فيها أصعد لله محرقات وباركه الله. وشبّه الله بإنسان غاب زماناً ثم رجع وطلب صديقاً له ولم يجده لأنه قد توفي.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى