سفر أيوب

سفر أيوب | 05 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

تكملة خطاب أليفاز

١ – ٧ «١ اُدْعُ ٱلآنَ. فَهَلْ لَكَ مِنْ مُجِيبٍ! وَإِلَى أَيِّ ٱلْقِدِّيسِينَ تَلْتَفِتُ؟ ٢ لأَنَّ ٱلْغَيْظَ يَقْتُلُ ٱلْغَبِيَّ وَٱلْغَيْرَةَ تُمِيتُ ٱلأَحْمَقَ. ٣ إِنِّي رَأَيْتُ ٱلْغَبِيَّ يَتَأَصَّلُ وَبَغْتَةً لَعَنْتُ مَرْبِضَهُ. ٤ بَنُوهُ بَعِيدُونَ عَنِ ٱلأَمْنِ، وَقَدْ تَحَطَّمُوا فِي ٱلْبَابِ وَلاَ مُنْقِذَ. ٥ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُ ٱلْجَوْعَانُ حَصِيدَهُمْ وَيَأْخُذُهُ حَتَّى مِنَ ٱلشَّوْكِ، وَيَشْتَفُّ ٱلظَّمْآنُ ثَرْوَتَهُمْ. ٦ إِنَّ ٱلْبَلِيَّةَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ ٱلتُّرَابِ وَٱلشَّقَاوَةَ لاَ تَنْبُتُ مِنَ ٱلأَرْضِ، ٧ وَلٰكِنَّ ٱلإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ ٱلْجَوَارِحَ لٱرْتِفَاعِ ٱلْجَنَاحِ».

ص ١٥: ١٥ أمثال ١٢: ١٦ و٢٧: ٣ إرميا ١٢: ٢ ص ٢٤: ١٨ و٣١: ٣٠ ص ٤: ١١ ص ١٨: ٨ – ١٠ و٢٢: ١٠ ص ١٥: ٣٥ ص ١٤: ١

اُدْعُ ٱلآنَ كان أيوب لعن اليوم الذي وُلد فيه فكان كلامه كاعتراض على الله الذي أعطاه الحياة. والقديسون أي الملائكة يخدمون الناس بأمر الله ولكنهم عبيده القديسون فلا يسمعون اعتراضاً على سيدهم القدوس.

ٱلْغَيْظَ (ع ٢) هو غيظ الله والغيرة غيرته ومن يشتكي على الله لا ينتفع شيئاً بل يجلب على نفسه غيظاً يقتله وغيرة تميته. والغبي هو من يحتقر الحكمة والأدب (أمثال ١: ٧) ومن يظهر غضبه (أمثال ١٢: ١٦) وأعظم غباوة هي الخطيئة والغبي بالكتاب المقدس هو الخاطئ. وأليفاز من لطفه لا يدعو أيوب غبياً بل يذكر غبياً وما أصابه ليحتذره أيوب.

لَعَنْتُ مَرْبِضَهُ (ع ٣) نجح الغبي نجاحاً وقتياً وبغتة سقط ولما رأى أليفاز مربضه قال فيه إنه ملعون أي لم يلعنه فسقط بل سقط فلعنه.

بَنُوهُ (ع ٤) في (خروج ٢٠: ٥) «أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ» وفي (حزقيال ١٨: ٢٠) «اَلٱبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلأَبِ» فيظهر من هاتين الآيتين أن خطايا الأب تؤثر في الأبناء في أمورهم الزمنية كالصحة والصيت والمال ولكن لا تهلك نفوسهم إلا بسبب خطاياهم.

تَحَطَّمُوا فِي ٱلْبَابِ (ع ٤) في المدن القديمة كان الباب مكان المرور والجلوس والاجتماع والمحاكمة (انظر ٢٩: ٧ مزمور ١٢٧: ٥) وتحطموا ظُلموا لأنهم ضعفاء وكما قال أيوب (٢٢: ٨) «أَمَّا صَاحِبُ ٱلْقُوَّةِ فَلَهُ ٱلأَرْضُ» (انظر عاموس ٥: ١٢).

مِنَ ٱلشَّوْكِ (ع ٥) أي السياج والمعنى أن السياج لا يمنع دخول كل من أراد أن يقطف الثمر ويأكل وذلك من ضعف صاحب الحقل. والظمآن أي كل من يشتهي ثروتهم يشتفّها أي يأخذها كلها.

لاَ تَخْرُجُ… مِنَ ٱلأَرْضِ (ع ٦) أي لا تأتي بلا سبب وليس كالشوك والشعب اللذين يخرجان من الأرض بلا زارع.

مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ فلا بد منها ويجب على الإنسان أن لا يتعجب من حدوثها. وأشار أيضاً إلى طبيعة الإنسان الفاسدة فإنه يخطئ من صغره فيعرض نفسه للمشقة. فثبت أليفاز بخطابه أن الله عادل وإن البلية من الخطيئة ولمّح إلى أن أيوب كان قد أخطأ فأتاه ما أتاه.

٨ – ١٦ «٨ لٰكِنْ كُنْتُ أَطْلُبُ إِلَى ٱللّٰهِ وَعَلَى ٱللّٰهِ أَجْعَلُ أَمْرِي. ٩ ٱلْفَاعِلِ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ. ١٠ ٱلْمُنْزِلِ مَطَراً عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ وَٱلْمُرْسِلِ ٱلْمِيَاهَ عَلَى ٱلْبَرَارِيِّ. ١١ ٱلْجَاعِلِ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ فِي ٱلْعُلَى فَيَرْتَفِعُ ٱلْمَحْزُونُونَ إِلَى أَمْنٍ. ١٢ ٱلْمُبْطِلِ أَفْكَارَ ٱلْمُحْتَالِينَ فَلاَ تُجْرِي أَيْدِيهِمْ قَصْداً. ١٣ ٱلآخِذِ ٱلْحُكَمَاءَ بِحِيلَتِهِمْ فَتَتَهَوَّرُ مَشُورَةُ ٱلْمَاكِرِينَ. ١٤ فِي ٱلنَّهَارِ يَصْدِمُونَ ظَلاَماً، وَيَتَلَمَّسُونَ فِي ٱلظَّهِيرَةِ كَمَا فِي ٱللَّيْلِ. ١٥ ٱلْمُنَجِّيَ ٱلْبَائِسَ مِنَ ٱلسَّيْفِ، مِنْ فَمِهِمْ وَمِنْ يَدِ ٱلْقَوِيِّ. ١٦ فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ ٱلْخَطِيَّةُ فَاهَا».

ص ١٣: ٢ و٣ ص ٩: ١٠ و٣٧: ١٤ و١٦ و٤٢: ٣ ص ٣٦: ٢٧ – ٢٩ و٣٧: ٦ – ١١ و٣٨: ٢٦ ص ٢٢: ٢٩ و٣٦: ٧ مزمور ٣٣: ١٠ ص ٣٧: ٢٤ و١كورنثوس ٣: ١٩ ص ١٢: ٢٥ و١٥: ٣٠ و١٨: ١٨ و٢٠: ٢٦ و٢٤: ١٣ ص ٤: ١٠ و١١ ومزمور ٣٥: ١ ص ٢٩: ١٧ و٣٤: ٢٨ و٣٦: ٦ و١٥ و٣٨: ١٥ مزمور ١٠٧: ٤٢

فصل آخر من خطاب أليفاز. قال إنه لو كان في مكان أيوب لكان يطلب إلى الله وهو العظيم في أعماله والمُحسن إلى جميع خلائقه ومنصف المظلومين فإذا رجع أيوب إلى الله بالتوبة يباركه الرب.

فَلاَ تُجْرِي أَيْدِيهِمْ قَصْداً (ع ١٢) «لا تُتمم أيديهم حيلهم» (التي قصدوها).

فِي ٱلنَّهَارِ يَصْدِمُونَ (ع ١٤) يصدمون مع وجود النور. كناية عن عمه قلوبهم فإن الله يعطي الناس وسائل كافية ليعرفوه (رومية ١: ٢٠ – ٢٢) ولكنهم يحبون الظلمة أكثر من النور كما قال يسوع لليهود «لاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ» (يوحنا ٥: ٤٠).

مِنْ فَمِهِمْ (ع ١٥) من فم الأشرار الأقوياء. والفم كناية إما عن الكلام الموجع والكاذب أو عن شراسة الظالمين كأنهم يبلعون المساكين.

١٧ – ٢٧ «١٧ هُوَذَا طُوبَى لِرَجُلٍ يُؤَدِّبُهُ ٱللّٰهُ. فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ ٱلْقَدِيرِ. ١٨ لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. ١٩ فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ. ٢٠ فِي ٱلْجُوعِ يَفْدِيكَ مِنَ ٱلْمَوْتِ وَفِي ٱلْحَرْبِ مِنْ حَدِّ ٱلسَّيْفِ. ٢١ مِنْ سَوْطِ ٱللِّسَانِ تُخْتَبَأُ فَلاَ تَخَافُ مِنَ ٱلْخَرَابِ إِذَا جَاءَ. ٢٢ تَضْحَكُ عَلَى ٱلْخَرَابِ وَٱلْمَجَاعَةِ وَلاَ تَخْشَى وُحُوشَ ٱلأَرْضِ. ٢٣ لأَنَّهُ مَعَ حِجَارَةِ ٱلْحَقْلِ عَهْدُكَ وَوُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ تُسَالِمُكَ. ٢٤ فَتَعْلَمُ أَنَّ خَيْمَتَكَ آمِنَةٌ وَتَتَعَهَّدُ مَرْبِضَكَ وَلاَ تَفْقِدُ شَيْئاً. ٢٥ وَتَعْلَمُ أَنَّ زَرْعَكَ كَثِيرٌ وَذُرِّيَّتَكَ كَعُشْبِ ٱلأَرْضِ. ٢٦ تَدْخُلُ ٱلْمَدْفَنَ فِي شَيْخُوخَةٍ كَرَفْعِ ٱلْكُدْسِ فِي أَوَانِهِ. ٢٧ هَا إِنَّ ذَا قَدْ بَحَثْنَا عَنْهُ. كَذَا هُوَ. فَٱسْمَعْهُ وَٱعْلَمْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ».

مزمور ٩٤: ١٢ ص ٣٦: ١٥ و١٦ وأمثال ٣: ١١ وعبرانيين ١٢: ٥ – ١١ تثنية ٣٢: ٣٩ و١صموئيل ٢: ٦ وإشعياء ٣٠: ٢٦ وهوشع ٦: ١ مزمور ٣٣: ١٩ و٣٧: ١٩ مزمور ١٤٤: ١٠ ع ١٥ ومزمور ٣١: ٢٠ مزمور ٩١: ٥ و٦ ص ٨: ٢١ مزمور ٩١: ١٣ وحزقيال ٣٤: ٢٥ وهوشع ٢: ١٨ إشعياء ١١: ٦ – ٩ و٦٥: ٢٥ ص ٨: ٦ مزمور ١١٢: ٢ إشعياء ٤٤: ٣ و٤ و٤٨: ١٩ ص ٤٢: ١٧

طُوبَى لِرَجُلٍ يُؤَدِّبُهُ ٱللّٰهُ هذا كتعليم العهد الجديد (عبرانيين ١٢: ٥ – ١٣) (انظر أيضاً مزمور ٩٤: ١٢ وأمثال ٣: ١١). قال أحد المفسرين إن هذا الفصل أجمل ما في خطب أصحاب أيوب.

يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ (ع ١٨) كجرّاح يجرح وغايته الشفاء (هوشع ٦: ١).

سِتِّ… وَسَبْعٍ (ع ١٩) المقصود التأكيد (أمثال ٦: ١٦) بعدما قال (ع ٢٠) «يَفْدِيكَ مِنَ ٱلْمَوْتِ وَفِي ٱلْحَرْبِ مِنْ حَدِّ ٱلسَّيْفِ» ذكر (ع ٢١) «سوط اللسان» لأن لسان الأشرار كسيف ماضٍ (مزمور ٥٧: ٤) انظر قول مقاومي إرميا (١٨: ١٨) «هلّم فنضربه باللسان». وجروح اللسان أي الكذب والشتم والنميمة شر من جروح السيف.

مَعَ حِجَارَةِ ٱلْحَقْلِ عَهْدُكَ (ع ٢٣) (رومية ٨: ١٩ – ٢٢) الحجارة لا تعوقه عن الفلاحة والوحوش لا تؤذيه وفي الكلام مبالغة جائزة في الشعر.

فَتَعْلَمُ (ع ٢٤) دليل على راحة الأفكار من جهة مسكنه وأسرته لأنه يرجعه من سفر أو من شغله في الحقل ولا يفقد شيئاً وهذا الأمر ليس بقليل في البلاد التي سكنها أيوب (١صموئيل ٣٠: ١ – ٥) من أعظم البركات (ع ٢٥) كثرة الأولاد وطول الحياة (ع ٢٥ و٢٦).

قَدْ بَحَثْنَا (ع ٢٧) أليفاز وجميع العلماء فلا يجوز لأيوب أن يعترض على حكمهم.

إن كلام أليفاز فصيح ولطيف ولكن المتكلم لم يشعر كما يجب مع أيوب وحكمه «إن من أصابه كثير من البلايا يكون قد ارتكب كثيراً من الخطايا» غلط.

فوائد

  1. لا تأتي البلايا اتفاقاً (ع ٦ و٧) وليست من أحوال الإنسان الخارجية كالأرض وحالة الهواء والحصاد بل هي من الإنسان نفسه فالإصلاح المطلوب هو إصلاح الإنسان أولاً ثم إصلاح أحواله.
  2. إن الشكر والتسليم للرب مما ينفع الإنسان في صحته وفي أعماله كما ان التذمر مما يضرّه في جسده وفي أحواله (١٧ – ٢٧).
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى