سفر أيوب | 03 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر أيوب
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
١ – ١٠ «١ بَعْدَ هٰذَا فَتَحَ أَيُّوبُ فَاهُ وَسَبَّ يَوْمَهُ ٢ وَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: ٣ لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَٱللَّيْلُ ٱلَّذِي قَالَ قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ! ٤ لِيَكُنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ظَلاَماً. لاَ يَعْتَنِ بِهِ ٱللّٰهُ مِنْ فَوْقُ وَلاَ يُشْرِقْ عَلَيْهِ نَهَارٌ. ٥ لِيَمْلِكْهُ ٱلظَّلاَمُ وَظِلُّ ٱلْمَوْتِ. لِيَحُلَّ عَلَيْهِ سَحَابٌ. لِتُرْعِبْهُ كاسفات (ظُلُمَاتُ) ٱلنَّهَارِ. ٦ أَمَّا ذٰلِكَ ٱللَّيْلُ فَلْيُمْسِكْهُ ٱلدُّجَى، وَلاَ يَفْرَحْ بَيْنَ أَيَّامِ ٱلسَّنَةِ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ فِي عَدَدِ ٱلشُّهُورِ. ٧ هُوَذَا ذٰلِكَ ٱللَّيْلُ لِيَكُنْ عَاقِراً! لاَ يُسْمَعْ فِيهِ هُتَافٌ. ٨ لِيَلْعَنْهُ لاَعِنُو ٱلْيَوْمِ ٱلْمُسْتَعِدُّونَ لإِيقَاظِ ٱلتِّنِّينِ. ٩ لِتُظْلِمْ نُجُومُ عِشَائِهِ. لِيَنْتَظِرِ ٱلنُّورَ وَلاَ يَكُنْ، وَلاَ يَرَ هُدْبَ ٱلصُّبْحِ، ١٠ لأَنَّهُ لَمْ يُغْلِقْ أَبْوَابَ بَطْنِ أُمِّي وَلَمْ يَسْتُرِ ٱلشَّقَاوَةَ عَنْ عَيْنَيَّ».
إرميا ٢٠: ١٤ – ١٨ ص ٤١: ٢٥ ص ٤١: ١٨
لا نبرّر أيوب في كل أقواله ولكنه معذور فيها لأنه لم يشعر بأنه قد عمل ما يستوجب مصائبه العظيمة وحسب أن كل أفراح حياته السابقة لا توازن الآلام الحاضرة.
ومن هنا إلى خاتمة السفر في (ص ٤٢) الكلام كله شعر والمظنون أن مضمونه هو من أيوب وأصحابه وأما النظم فمن كاتب السفر. والشعر العبراني يختلف عن الشعر في غير لغات فإنه ليس له قافية ولا وزن بل كل بيتين أو ثلاثة منه تتشابه بالمعنى فيظهر جماله بالترجمة بخلاف ما له قافية ووزن (اطلب «شعر» في قاموس الكتاب).
لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ (ع ٣) الشاعر صوّر اليوم كأنه شخص يأتي ويذهب مرة كل سنة أو مرة كل شهر كزائر ولما قال ليته هلك اليوم طلب ان ذلك اليوم لا يُعدّ بين أيام السنة أو أيام الشهر (ع ٦) ولا يكون له وجود كأنه مات كما يموت الإنسان وهكذا قوله عن الليل.
كاسفات (ظُلُمَاتُ) ٱلنَّهَارِ (ع ٥) كسوف الشمس (انظر ع ٨).
لِيَكُنْ عَاقِراً (ع ٧) صوّر الليل شخصاً وطلب له العُقر وعدم الفرح بمولود فيعدم ذلك الليل ولا يعقبه ليل مثله.
لِيَلْعَنْهُ لاَعِنُو ٱلْيَوْمِ (ع ٨) إشارة إلى السحرة الذين ادّعوا السلطة على الأرواح والقوات الطبيعية ومعرفة الأمور المستقبلة فإذا قالوا عن يوم أنه مشؤوم أي لعنوه لا يجوز العمل فيه. وبما أن القدماء لم يعرفوا علة الكسوف والخسوف ظنوا أن تنيناً أي حيواناً وهمياً كان يبلع الشمس أو القمر أو أنه كان يغطيه بالتفافه عليه كحية عظيمة وإن للسحرة سلطة على التنين فيوقظونه أو يسكنونه حينما يشاءون.
وَلاَ يَرَ هُدْبَ ٱلصُّبْحِ (ع ٩) الهدب شعر أشفار العينين وهدب الصبح السحب التي تخرج من بينها أشعة الشمس صباحاً.
١١ – ١٩ «١١ لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ ٱلرَّحِمِ؟ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنَ ٱلْبَطْنِ لِمَ لَمْ أُسْلِمِ ٱلرُّوحَ؟ ١٢ لِمَاذَا أَعَانَتْنِي ٱلرُّكَبُ، وَلِمَ ٱلثُّدِيُّ حَتَّى أَرْضَعَ؟ ١٣ لأَنِّي قَدْ كُنْتُ ٱلآنَ مُضْطَجِعاً سَاكِناً. حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحاً ١٤ مَعَ مُلُوكٍ وَمُشِيرِي ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَاماً لأَنْفُسِهِمْ، ١٥ أَوْ مَعَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ ذَهَبٌ ٱلْمَالِئِينَ بُيُوتَهُمْ فِضَّةً، ١٦ أَوْ كَسِقْطٍ مَطْمُورٍ فَلَمْ أَكُنْ، كَأَجِنَّةٍ لَمْ يَرَوْا نُوراً. ١٧ هُنَاكَ يَكُفُّ ٱلْمُنَافِقُونَ عَنِ ٱلشَّغَبِ وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ ٱلْمُتْعَبُون. ١٨ ٱلأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعاً. لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ ٱلْمُسَخِّرِ. ١٩ ٱلصَّغِيرُ كَمَا ٱلْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَٱلْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ».
ص ١٠: ١٨ و١٩ ع ١٣ – ١٩ وص ٧: ٨ – ١٠ و٢١ وص ١٠: ٢١ و٢٢ و١٤: ١٠ – ١٥ و٢٠ – ٢٢ و١٦: ٢٢ و١٧: ١٣ – ١٦ و١٩: ٢٥ – ٢٧ و٢١: ١٣ و٢٣ – ٢٦ و٢٤: ١٩ و٢٠ و٢٦: ٥ و٦ و٣٤: ٢٢ ص ١٢: ١٨ ص ١٢: ١٧ ص ١٥: ٢٨ وإشعياء ٥٨: ١٢ ص ١٢: ٢١ ص ٢٧: ١٦ و١٧ ص ١٧: ١٦
أَعَانَتْنِي ٱلرُّكَبُ (ع ١٢) (تكوين ٥٠: ٢٣ وإشعياء ٦٦: ١٢) وضع المولود الجديد على ركبتي أبيه دليل على مسؤوليته به.
كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحاً (ع ١٣) الكتاب المقدس يشبه موت المؤمنين بالنوم (دانيال ١٢: ٢ ويوحنا ١١: ١١ أعمال ٧: ٦٠) لأنهم عند الموت يستريحون من أتعابهم ثم يستيقظون لحياة أفضل. أما القدماء فلم يعرفوا حالة الإنسان بعد الموت ما أُعلنت في العهد الجديد بل ظنوا أن أهل الهاوية أخيلة بلا أجساد وبلا أفراح الحياة (انظر مزمور ٨٨: ٣ الخ) «حَيَاتِي إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ دَنَتْ حُسِبْتُ مِثْلَ ٱلْمُنْحَدِرِينَ إِلَى ٱلْجُبِّ… ٱلَّذِينَ لاَ تَذْكُرُهُمْ بَعْدُ، وَهُمْ مِنْ يَدِكَ ٱنْقَطَعُوا. وَضَعْتَنِي فِي ٱلْجُبِّ ٱلأَسْفَلِ، فِي ظُلُمَاتٍ، فِي أَعْمَاقٍ… أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ، أَمِ ٱلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ». انظر أيضاً كلام إشعياء في ملك بابل (١٤: ١٠ الخ) وكلام حزقيا الملك الصالح (إشعياء ٣٨: ٩ – ٢٠) وأما أيوب وإن كانت أفكاره بالآخرة كأفكار غيره من القدماء فقد فضل الموت على الحياة وحسب أن الهاوية راحة بالنسبة إلى ما كان عليه من التعب في هذا العالم (١٠: ٢١ و٢٢).
أَهْرَاماً (ع ١٤) لعله أشار إلى أهرام مصر وهي قبور ملوك. إن علو الهرم الكبير ٤١٩ قدماً وساحة قاعدته ١٣ فداناً وحجارته لو بُني منها حائط علوه قامة لكفى لتحويط مملكة فرنسا وهذا الهرم العظيم قبر رجل واحد فقط أو أسرة واحدة والهرم يدل على كبرياء بانيه ومحبته لنفسه.
وخلاصة كلام أيوب أنه في القبر لا فرق بين الناس بل الأغنياء والفقراء والعلماء والأطفال والظالمون والمظلومون والصغير والكبير والسيد والمسود جميعاً بحالة واحدة. ومن أيام أيوب إلى أيامنا هذه تعزّى كثيرون من المتعبين والحزانى بهذه الألفاظ الجميلة لأنهم يشتهون الخلاص من أتعابهم كما يشتهي المتعب الراحة بالنوم. ولكن الموت عند المسيحي ليس الراحة من التعب فقط بل هو فرح وحياة جديدة. وهذه الحياة ليست إلا لشعب الله (عبرانيين ٤: ٩) فالأشرار لا يخلصون من عواقب شرورهم بالموت (رؤيا ٢٢: ١٤ و١٥).
٢٠ – ٢٦ «٢٠ لِمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي ٱلنَّفْسِ؟ ٢١ ٱلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ ٱلْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْكُنُوزِ، ٢٢ ٱلْمَسْرُورِينَ إِلَى أَنْ يَبْتَهِجُوا، ٱلْفَرِحِينَ عِنْدَمَا َجِدُونَ قَبْراً. ٢٣ لِرَجُلٍ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ وَقَدْ سَيَّجَ ٱللّٰهُ حَوْلَهُ. ٢٤ لأَنَّهُ مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِي أَنِينِي وَمِثْلَ ٱلْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي، ٢٥ لأَنِّي ٱرْتِعَاباً ٱرْتَعَبْتُ فَأَتَانِي، وَٱلَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ جَاءَ عَلَيَّ. ٢٦ لَمْ أَطْمَئِنَّ وَلَمْ أَسْكُنْ وَلَمْ أَسْتَرِحْ وَقَدْ جَاءَ ٱلْغَضَبُ».
ص ١٩: ٦ و٨ و١٢ ص ١٩: ٨ ومزمور ٨٨: ٨ ص ٦: ٧ و٣٣: ٢٠ ص ٣: ١٦ ومزمور ٤٢: ٤ ص ٩: ٢٨ و٣٠: ١٥ ص ٧: ١٣ و١٤
خلاصة كلامه إن عدم الوجود أفضل من حياة كلها مشقات وفي كلامه مبالغة لأن حياته لم تكن كلها مشقات بل كان له خيرات كثيرة في أثناء زمان طويل فلو نظر إلى حياته كلها ونظر أيضاً إلى مراحم الله السابقة وآمن بعدله في ذلك الوقت لم يقل كان خير له لو لم يولد قط.
يَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْكُنُوزِ (ع ٢٠) قال يسوع في المثل (متّى ١٣: ٤٤) إن الإنسان الذي وجد كنزاً في حقل باع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل. وقال أيوب إن المتعبين يطلبون الموت بحماسة كما طلب ذلك الإنسان الكنز فلماذا تُعطى الحياة للذين يشتهون الموت.
خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ (ع ٢٣) أي أصابته مصائب لا يقدر أن يفهمها.
سَيَّجَ ٱللّٰهُ حَوْلَهُ أي لا يقدر أن يعمل كما يريد فصار مثل سجين ولا يقدر أن يجد حلاً لمشاكله ولا جواباً لسؤالاته.
مِثْلَ خُبْزِي (ع ٢٤) كما كان يأكل كل يوم صباحاً وظهراً ومساء هكذا كان أنينه بلا انقطاع.
وَٱلَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ الخ (ع ٢٥ و٢٦) لعله أشار إلى ما كان في قلبه من الخوف في أيام راحته لأنه من النوادر أن تكون الحياة كلها أفراحاً. ولكن في ٢٩: ١٨ قال «إِنِّي فِي وَكْرِي أُسَلِّمُ ٱلرُّوحَ، وَمِثْلَ ٱلسَّمَنْدَلِ أُكَثِّرُ أَيَّاماً» أي لم ينتظر شيئاً مما أصابه. وبعضهم يترجمون الأفعال بصيغة المضارع أي «ارتعب… افزع… اطمئن … اسكن… استريح… يأتي».
وأيوب بكلامه هذا أظهر قلة الصبر وعدم التسليم لتدبير الله والاعتراض على عدله فبسط أمام أصحابه موضوعاً يشغل الباقي من السفر في البحث.
فوائد
- إنه مما يدل على أن الكتاب المقدس هو كتاب الله إنه يذكر ضعفات المؤمنين. ولس كامل إلا المسيح.
- إن «من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط».ولو كنا في مكان أيوب لكنا أخطأنا في الكلام أكثر منه.
- إن ذكر المصائب على سبيل التشكي يزيدها ولا يخّفضها فالصبر والسكوت أفضل وأولى.
- إن ليس لأحد أن يقول ليتني لم أُولد فإن الحياة الأبدية وجميع خيراتها معدة للمولودين لكل من يقبلها بالإيمان بالمسيح (انظر متّى ٢٢: ٤).
السابق |
التالي |