سفر أيوب

سفر أيوب | 02 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر أيوب 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

١، ٢ «١ وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو ٱللّٰهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَجَاءَ ٱلشَّيْطَانُ أَيْضاً فِي وَسَطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. ٢ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ: مِنَ ٱلْجَوَلاَنِ فِي ٱلأَرْضِ وَمِنَ ٱلتَّمَشِّي فِيهَا».

ص ١: ٦ – ٨

كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ لا نعرف كم من الوقت مضى بين مثول الشيطان أمام الرب أول مرة ومثوله ثاني مرة. ولكن الترجوم (اسم عام للنسخ الكلدانية أو بالحري الآرامية من الكتب العبرانية المقدسة وشروحها) يعيّن المدة سنة (١: ٦ – ٨).

٣ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلأَرْضِ! رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي ٱللّٰهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ. وَإِلَى ٱلآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ».

عَبْدِي أَيُّوبَ لم يزل أيوب عبد الرب ولم يزل الرب يسأل عنه ويعتني به.

وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ إن الشاعر صوّر مجلساً في السماء شبيهاً بمجلس على الأرض وكلاماً بين الرب والشيطان ككلام يحصل بين ملك وأحد خدامه.

بِلاَ سَبَبٍ لأنه قد ظهر الامتحان إن أيوب لم يتق الرب طمعاً في أجر كما ظن الشيطان.

٤ – ٦ «٤ فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ: جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ. ٥ وَلٰكِنِ ٱبْسِطِ ٱلآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ. ٦ فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَا هُوَ فِي يَدِكَ وَلٰكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ».

ص ١: ١١

جِلْدٌ بِجِلْدٍ والمعنى كما يأتي أي «كل ما للإنسان يمكن أن يعطيه لأجل نفسه» ولكن المعنى المستنتج من المثل مبهم. في اللغة الألمانية مثل ترجمته «القميص أقرب من الجبة» أي ما يمس الإنسان نفسه أهم عنده مما يمس أمواله فقط فيعطي الإنسان كل ماله لأجل حفظ حياته. ولعل لفظة «جلد» تحمل معنيين أي الأموال وهي كجبة أو جلد خارجي والإنسان نفسه وهو كقميص أو جلد داخلي حقيقي. ولكن الشرير لكونه شريراً لا يقدر أن يفهم (١) إن أيوب لعله يريد لو أمكن أن يموت هو فيبقى أولاده أحياء (٢) إن أيوب كان يفضل الموت على أن ينكر الله. غير أننا نعرف بالاختبار العلاقة بين الصحة الجسدية والإيمان بالله وكثيراً ما يضعف الإيمان إذا ضعف الجسد.

وَلٰكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ (أي حياته) لم يزل الشيطان مقيداً وإن كان الرب قد أطال سلسلة القيد فكانت حياة أيوب بيد الرب لا بيد الشيطان.

٧ – ١٠ «٧ فَخَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ ٱلرَّبِّ وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. ٨ فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ ٱلرَّمَادِ. ٩ فَقَالَتْ لَهُ ٱمْرَأَتُهُ: أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ! جَدِّفْ عَلَى ٱللّٰهِ وَمُتْ! ١٠ فَقَالَ لَهَا: تَتَكَلَّمِينَ كَلاَماً كَإِحْدَى ٱلْجَاهِلاَتِ! أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ وَٱلشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟ فِي كُلِّ هٰذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ».

ص ٧: ٥ و١٣: ٢٨ و٣٠: ١٧ و١٨ و٣٠ وتثنية ٢٨: ٣٥ ص ٤٢: ٦ وإرميا ٦: ٢٦ ويونان ٣: ٦ ص ١: ٢١ ص ١: ٢٢

قُرْحٍ رَدِيءٍ على الأرجح أن المرض المشار إليه هو الجذام وقيل في هذا المرض «تحدث عُجَرٌ» في الوجه غالباً ويتمّط شعر الأجفان وينتهي إلى تآكل الأعضاء وسقوطها من شدة التقرّح. ويقال لهذه العلة أيضاً داء الأسد لهجمها على صاحبها كما يهجم الأسد على الفريسة ويقال لها أيضاً داء الفيل لأن رِجلي المصاب الوارمتين تشبهان قوائم الفيل.

ومن أعراض مرض أيوب ما يأتي: الحكة (٢: ٨) إن هيئة وجهه تغيرت (٢: ١٢) إن لحمه دوّد ولكن القروح أحياناً يلصق بها مدر التراب وأحياناً تنشق ويخرج منها القيح (٧: ٥) أحلام مريعة (٧: ١٤) إنه لا يقدر أن يتنفس (٧: ١٥) إنه لا يقدر أن يمشي كعادته (١٣: ٢٧) فضحك الأولاد عليه (١٩: ١٨) رائحة كريهة (١٩: ١٧) الحرارة في عظامه (٣٠: ٣٠).

جَالِسٌ فِي وَسَطِ ٱلرَّمَادِ جالس في المزبلة حسب الترجمة السبعينية أي خارج القرية حيث يُطرح الرماد والزبل والنفاية.

ٱمْرَأَتُهُ لا نعرف عنها إلا المذكور هنا. يقول الترجوم إن اسمها دينة والترجمة السبعينية تزيد كثيراً على كلامها المذكور هنا. قال القديس أوغستينوس إنها معينة الشيطان وبعضهم يشبهونها بحواء لأنها جرّبت رجلها. وقال أيوب في جوابه لها تتكلمين كإحدى الجاهلات. فمن أعظم مصائب أيوب عدم وجود من يشعر معه ويلتصق به في زمان أرزائه كصديق حقيقي.

جَدِّفْ عَلَى ٱللّٰهِ (بارك الله) الكلمة العبرانية «برك» ومعنى هذه الكلمة الأصلي «جثا» وبما أن الناس يجثون أمام الله في الصلاة ففي «برك» معنى الدعاء. وأحياناً يكون الدعاء للخير فيطلب الجاثون لأنفسهم ولغيرهم بركات من الله وأحياناً يكون للشر فيطلبون من الله اللعنة على الأعداء. وأحياناً يكون الدعاء في وقت الفراق فيطلبون من الله بركته على المسافرين كالقول «مع السلامة» (تكوين ٤٧: ١٠ و١ملوك ٨: ٦٦) وأحياناً يأتي بمعنى الترك والنفور فيقول المرء «مع السلامة» لمن يقصد طرده من بيته. والأرجح أن هذا المعنى الأخير هو المقصود هنا وفي (١: ٥ و١١ و٢: ٥) أي «انكر الله ومُت» وهذا معناه في الترجمة الإنكليزية وغيرها. وفي الترجمة اليسوعية العربية «جدّف على الله».

وَٱلشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ اعتقد أيوب أن الله أدبه ولم يظلمه وكما أن الولد يقبل من أبيه الخيرات كالمأكولات والملبوسات ويقبل منه أيضاً الخدمة المتعبة والتأديب الموجع هكذا يجب على الإنسان أن يقبل تأديب الرب وليس الخيرات فقط.

لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ فلم ينكر الله كما ظنّ الشيطان.

١١ – ١٣ «١١ فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ أَيُّوبَ ٱلثَّلاَثَةُ بِكُلِّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي أَتَى عَلَيْهِ، جَاءُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ: أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَأْتُوا لِيَرْثُوا لَهُ وَيُعَزُّوهُ. ١٢ وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ وَذَرُّوا تُرَاباً فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، ١٣ وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَالٍ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدّاً».

ص ٦: ١٩ ص ١: ٢٠ يشوع ٧: ٦ ومراثي ٢: ١٠ حزقيال ٣: ١٥

مضى زمان بين الحوادث المذكورة وزيارة أصحاب أيوب لأنهم أتوا من بلاد بعيدة ووصول خبر مصائب أيوب إليهم يفتقر إلى وقت وسفرهم يحتاج إلى وقت أيضاً.

أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ كان لعيسو ابن اسمه أليفاز وابن أليفاز تيمان (تكوين ٣٦: ١٠ و١١) وتسمت بلاد سكناه باسمه تيمان وكانت شرقي أدوم واشتهر أهلها بالحكمة (إرميا ٤٩: ٧).

بِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ كان لإبراهيم ابن من قطورة اسمه شوح سكن هو ونسله في بلاد العرب في الشمال الشرقي منها.

صُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ مكانه مجهول.

تَوَاعَدُوا أي اتفقوا على أن يذهبوا معاً فسافروا نحو ٢٠٠ ميل في قفر موحش ومخطر وكان ذلك دليلاً على اعتبارهم ومحبتهم لأيوب.

لَمْ يَعْرِفُوهُ لم يصدقوا أن المجذوم الجالس على المزبلة هو صاحبهم أيوب الذي كان عند قومه كملك بالغنى والمجد (إشعياء ٥٢: ١٤).

وَقَعَدُوا مَعَهُ وكل من يقصد تعزية غيره فعليه أولاً أن يجعل نفسه في مكان المصاب كأنه مصاب معه.

لَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ مجرّد وجود الصديق كثيراً ما يعزي أكثر من كلامه.

فوائد

  1. إن الشيطان لا يتركنا فلا نخلص من التجربة الواحدة حتى يأتينا أخرى فعلينا أن نسهر ونصلي كل حين.
  2. إن غاية الشيطان في كل تجربة أن يبعدنا عن الله.
  3. إنه من أكاذيب الشيطان أن الموت نهاية كل شيء ومن قتل نفسه يستريح (ع ٩).
  4. إن يسوع صديقنا الحقيقي لأنه أتى من السماء وأخلى نفسه وتجرب مثلنا في كل شيء وهو معنا في كل ضيقاتنا.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى