شرح رسالة يعقوب | 03 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح رسالة يعقوب
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
حذّر يعقوب في هذا الأصحاح المؤمنين من الرغبة في أن يكونوا معلمين جمهوريين إذا لم يكونوا أهلاً لذلك. وفي هذا الأصحاح تحذير عام لهم من طلب أن يكونوا معلمين في الدين بالنظر إلى عظمة المسؤولية على المعلمين وتعرضهم للدينونة (ع ١). وبيان الشرور الناشئة من سوء استعمال اللسان (ع ٢ – ١٢). وتفصيل ذلك أننا جميعاً عرضة للعثرة باللسان (ع ٢). وإن ضبط الإنسان لسانه كضبط الفرس باللجام والسفينة بالسكَّان (الدفة) (ع ٣ و٤). وإن اللسان مع كونه عضواً صغيراً قادرٌ على أن يفعل فعلاً كبيراً وأنه إذا لم يُضبط أتى بشرور كثيرة (ع ٥ و٦). وأن الناس مع استطاعتهم إذلال كل أنواع الوحوش لم يستطيعوا إذلال اللسان فإنه يأتي بأمور متضادة ومتناقضة (ع ٧ – ٩). وهذا ما يخالف أحكام العقل كأن عيناً واحدة تخرج ماء عذباً وماء أُجاجاً (ع ١٠ – ١٢). وتكلم على أثر هذا في ما يجب على المعلم الجمهوري من الصفات (ع ١٣ – ١٨). فقال فيه أنه يجب ان يكون حكيماً (ع ١٣) حليماً مسالماً (ع ١٤ – ١٦). وبيان صفات الحكمة الحق وأثمارها (ع ١٧ و١٨).
تحذير من الرغبة في أن يكونوا معلمين ع ١
١ «لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!».
متّى ٢٣: ٨ ورومية ٢: ٢٠ و١تيموثاوس ١: ٧ وص ١: ١٦ ع ١٠
لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ أي لا يرغب كل منكم في أن يكون معلماً عاماً حتى تنشأ عن ذلك كثرة المعلمين في كنائسكم كان كل من الفريسيين يرغب في أن يدعوه الناس «سيدي سيدي» (متىّ ٢٣: ٧). وقال بولس في اليهود أنهم كانوا يثقون بأنهم قادة للعميان وأنوار للذين في الظلمة ومهذبين للأنبياء ومعلمين للأطفال وإن لهم صورة العلم (رومية ٢: ١٩ و٢٠) وخطأ الذين أرادوا أن يكونوا معلمي الناموس وهم لا يفهمون ما يقولون ولا ما يقررونه (١تيموثاوس ١: ٧). فيتضح من تحذير يعقوب أنه كان لمتنصري اليهود الرغبة التي كانت لليهود كلهم عينها فاضطر أن يحذرهم منها كما حذّر بولس كنيسة كورنثوس منها بقوله «فَمَا هُوَ إِذاً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ؟ مَتَى ٱجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ، لَهُ تَعْلِيمٌ، لَهُ لِسَانٌ، لَهُ إِعْلاَنٌ، لَهُ تَرْجَمَةٌ» (١كورنثوس ١٤: ٢٦). وقال المسيح لتلاميذه «وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ ٱلْمَسِيحُ» (متّى ٢٣: ١٠). ولم يرد يعقوب أن يمنع الذين هم أهل للتعليم والتبشير من ذلك العمل السامي والذين دعاهم الله إليها إنما أراد منع الذين طلبوا ذلك والله لم يدعوهم إليه وليسوا أهلاً له.
عَالِمِينَ أي قادرين أن تعلموا.
أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ عبّر بضمير المتكلمين عن الذين هم معلمو الشعب وجعل نفسه مثل واحد منهم تواضعاً ودفعاً لأن ينفروا من تحذيره. وأراد بقوله «نأخذ دينونة أعظم» إن المسؤولية التي على المعلمين أعظم من المسؤولية التي على الذين ليسوا كذلك والخطر عليهم بأنهم لا يقومون بما يجب عليهم حسب مطلوب الكنيسة أعظم من الخطر على غيرهم. وإنهم يقعون تحت الدينونة لقصورهم. قال بولس بعد ذكر المسؤولية التي على المبشرين «مَنْ هُوَ كُفْوءٌ لِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ» (٢كورنثوس ٢: ١٦). وقال في المعلمين والمبشرين «عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً لأَنَّ ٱلْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ ٱلنَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. إِنْ بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً. إِنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلٰكِنْ كَمَا بِنَارٍ» (١كورنثوس ٣: ١٣ – ١٥).
الخطر من سوء استعمال اللسان ع ٢ إلى ١٢
٢ «لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي ٱلْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ ٱلْجَسَدِ أَيْضاً».
ص ٢: ١٠ وع ٢ – ١٢ ومتّى ١٢: ٣٤ – ٣٧ وص ١: ٤ و٢٦
لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا أي أننا نخطئ بطرق كثيرة بما نعمله من المحظورات وبما نهمله من الواجبات حتى أننا لا نخلو من الزلات في كل سيرتنا كما تحققنا بالاختبار حتى ضُرب المثل في من يدين غيره بلا شفقة وهو قول المسيح «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ» (يوحنا ٨: ٧). فأظهر يعقوب تواضعه بإدخال نفسه بين العاثرين وكذا فعل يوحنا بقوله «إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ ٱلْحَقُّ فِينَا» (١يوحنا ١: ٨).
إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي ٱلْكَلاَمِ في هذا إيماء إلى كون الناس عرضة لخطإ اللسان أكثر من سواه. وهذا علة نهيه لهم عن أن يرغبوا في أن يكونوا معلمين لئلا تكثر زلاتهم بذلك. ويسهل على الناس أن يعثروا بألسنتهم لأن قلوبهم فاسدة ومن «فَضْلَةِ ٱلْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ ٱلْفَمُ» (متّى ١٢: ٣٤). ومن طبع الإنسان أن يلذ بأن يتكلم بما تهيج به الشهوات وأن يسمع الكلمات المهيجة لها.
فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ بالنسبة إلى غيره من الناس. والقرينة تدل على أن المراد «بالكامل» هنا الإنسان الذي كل قواه خاضعة لعقله وضميره.
قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ ٱلْجَسَدِ أَيْضاً ضبط اللسان أعسر الأمور فمن أظهر أنه قادر على ذلك أظهر أنه قادر على ضبط كل أعضائه بالنظر إلى كونها «آلات إثم» (رومية ٦: ١٣). امتاز موسى عن سائر الناس بالحلم ولكنه مع حلمه «فرّط بشفتيه» (مزمور ١٠٦: ٣٣).
٣ «هُوَذَا ٱلْخَيْلُ، نَضَعُ ٱللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ».
مزمور ٣٢: ٩
أتى يعقوب في هذه الآية وما بعدها إلى السادسة بثلاثة تشابيه للسان أبان في اثنين منها أهمية اللسان بين سائر الأعضاء وفي الثالثة الأضرار الناشئة من سوء استعماله.
هُوَذَا ٱلْخَيْلُ، نَضَعُ ٱللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا أتى بهذا التشبيه بياناً لصحة قوله إن الذي لا يعثر في الكلام «قادر أن يلجم كل الجسد» (ع ٢).
لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ أي أننا نُخضع الخيل مع شدة قوتها باللجام الذي هو آلة صغيرة كذلك الذي يضبط لسانه الذي به يُظهر أفكاره وانفعالاته له سلطة على كل قواه.
٤ «هُوَذَا ٱلسُّفُنُ أَيْضاً، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهٰذَا ٱلْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدّاً إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ ٱلْمُدِيرِ».
هُوَذَا ٱلسُّفُنُ أَيْضاً هذا تشبيه ثان أتى به بياناً لأهمية اللسان.
وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهٰذَا ٱلْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ فيظهر من هذا أنه يعسر أن تُدار وتوجه إلى حيث المراد حتى لا تدفعها الرياح إلى الخطر على رغم الملاح. وأشار «بالرياح العاصفة» إلى الأهواء والانفعالات الشديدة في قلوب الناس التي تسوقهم إلى الجور والفجور.
تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدّاً الخ أراد المترجم «بالدفة» ما يعرف بالسُكّان وبالخيزرانة. قال النابغة الذبياني:
يظل من خوفه الملاّح معتصماً
بالخيزرانة بعد الأين والنجد
والدفة اسمها الشائع على ألسنة العامة. وهي صغيرة جداً بالنسبة إلى السفينة ولكنها مع صغرها تمكن الربان من أن يوجه السفينة في وقت أشد اضطراب البحر إلى حيث شاء من الجهات ويبلغ بها ما قصد من المرافئ.
٥ «هٰكَذَا ٱللِّسَانُ أَيْضاً، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّماً. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟».
أمثال ٢٦: ٢٠ ومزمور ١٢: ٣ و٧٣: ٨
هٰكَذَا ٱللِّسَانُ أَيْضاً أي أنه صغير بالنسبة إلى الجسم البشري فنسبته إليه كنسبة اللجام إلى جسم الفرس والخيزارنة إلى جرم السفينة.
يَفْتَخِرُ مُتَعَظِّماً بأنه قادر على عظائم الأمور وأن له الحق في ذلك بالنظر إلى قوته على الخير وعلى الشر بدليل قول الحكيم «اَلْمَوْتُ وَٱلْحَيَاةُ فِي يَدِ ٱللِّسَانِ» (أمثال ١٨: ٢١) وذهب بعضهم أن معنى العبارة أنه ينتج من افتخار اللسان أضرار جسيمة.
هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ قال هذا تمهيداً لتشبيهه اللسان بالنار بياناً لقدرته على شدة الإضرار فإن النار إذا وقعت جذوة صغيرة منها في أجمة كبيرة أو في بيوت مدينة أمكنها أن تحرقها كلها.
٦ «فَٱللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ ٱلإِثْمِ. هٰكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا ٱللِّسَانُ، ٱلَّذِي يُدَنِّسُ ٱلْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ ٱلْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ».
مزمور ١٢٠: ٣ و٤ وأمثال ١٦: ٢٧ ومتّى ١٥: ١١ و١٨ و٢: ٣٦ ومتّى ٥: ٢٢
فَٱللِّسَانُ نَارٌ أي قادر على إنشاء أشد الأضرار فكثيراً ما كان سبب الهياج والفتنة والبغض والحرب ونزع كل أثمار السلام البهجة وإن مثل ذلك كله نتيجة كلمة واحدة سمعها أرباب التعصب على أثر استعدادهم للهياج للاختلاف في الدين والأصل وما سبق من علل الحقد والانتقام. ومن تلك الأسباب النميمة والافتراء والبدَع. ومن الكلمات الصغيرة الشديدة الإضرار قول الشيطان للوالدين الأولين «لن تموتا» (تكوين ٣: ٤). ومنها قول ديمتريوس في أفسس: «عظيمة هي أرطاميس» (أعمال ١٩: ٢٨). وقول اليهود في استفانوس «إنه جدّف على موسى والهيكل» (أعمال ٦: ١٣) وقول اليهود لبيلاطس «إِنْ أَطْلَقْتَ هٰذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ» (يوحنا ١٩: ١٢ و١٣).
عَالَمُ ٱلإِثْمِ العالم يشمل كل الأنواع من الناس والبهائم والأبنية وسائر أعمال العقلاء وشبّه اللسان به في كثرة شروره المتنوعة التي يمكن أن تنشأ عن اللسان. وهذا يشبه قول بولس في حب المال أنه «أصل كل الشرور» (١تيموثاوس ٦: ١٠).
يُدَنِّسُ ٱلْجِسْمَ كُلَّهُ أي الإنسان كله. وهذا واضح مما إذا كان المتكلم مجدفاً نماماً ماجناً وشاهد زور وهو مثل قول المسيح «لَيْسَ مَا يَدْخُلُ ٱلْفَمَ يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ ٱلْفَمِ هٰذَا يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ» (متّى ١٥: ١١). فما يجسر اللسان أن يتكلم به يجسر سائر الجسد أن يفعله.
يُضْرِمُ دَائِرَةَ ٱلْكَوْنِ معنى «دائرة الكون» بحسب الظاهر الخليقة كلها لكننا لا نعرف مراده تمام المعرفة ولعله أراد بها حياة الإنسان وحده من أولها إلى آخرها أو لعله أراد أمور الناس بجملتها منذ ولادتهم إلى موتهم أو أراد بها القرون على توالي العصور باعتبار كونها دولاباً يرتفع من جهة ويهبط من جهة أخرى واعتبرها قابلة للقلق والانقلاب والتشويش والاختلال والهدم فإن كل هذه تنشأ من أضرار اللسان. وقوله في اللسان «يضرم دائرة الكون» عنى به أن اللسان يهيّج انفعالات الإنسان بعينه أو انفعالات أهل العالم في عصر معيّن أو في عصور متوالية حتى يكون تأثيره كدولاب يدور بسرعة حتى أنه يشتعل بشدة حرارته لفرط سرعته. وهذا على وفق قول المرنم «يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي مِنْ شِفَاهِ ٱلْكَذِبِ، مِنْ لِسَانِ غِشٍّ. مَاذَا يُعْطِيكَ وَمَاذَا يَزِيدُ لَكَ لِسَانُ ٱلْغِشِّ؟ سِهَامَ جَبَّارٍ مَسْنُونَةً مَعَ جَمْرِ ٱلرَّتَمِ» (مزمور ١٢٠: ٢ – ٤).
وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ أبان بهذا أن أصل ما يتكلم به الإنسان من الكذب والتجديف على الروح القدس (مرقس ٣: ٢٨) وعلى الله (رؤيا ١٦: ٩ و١١ و٢١). والكلام الناشئ عن الحقد هو من الشيطان الساكن جهنم لأنه هو الذي يجرّب الإنسان ويحثه على ارتكاب كل خطايا اللسان.
٧ «لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَٱلطُّيُورِ وَٱلزَّحَّافَاتِ وَٱلْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ ٱلْبَشَرِيِّ».
في هذه الآية وما يليها وصف لعصيان اللسان وعدم تذلُلـه وهي تثبت أنه ضار كما قال آنفاً.
لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ أي كل جنس جعل البهائم أربعة أقسام وأراد «بالوحوش» ذوات الأربع التي تسكن البرية. وأراد «بالطيور» سكان الهواء وهي في الدرجة الأولى في سلّم الحيوانات غير الناطقة وأراد «بالزحافات» الحيّات وأمثالها وهي أدنى أنواع الحيوان. وأراد «بالبحريات» حيوانات البحر على اختلاف أنواعها. وهذا التقسيم على وفق التقسيم في (تكوين ٩: ٢). ويختلف قليلاً عن التقسيم في (أعمال ١٠: ١٢).
يُذَلَّلُ في الحال كما يُشاهد.
وَقَدْ تَذَلَّلَ في الماضي بشهادة التاريخ والمعنى أن كل تلك المخلوقات يقدر الإنسان أن يخضعها إذا شاء وقد أخضعها.
لِلطَّبْعِ ٱلْبَشَرِيِّ أي للبشر على توالي العصور بمقتضى قضاء الله عند الخلق (تكوين ١: ٢٦ – ٢٨ ومزمور ٨: ٧ و٨). وطريق إخضاع الإنسان البهائم لإرادته معامتله إياها باللطف والرأفة حتى تثق به وتنقاد له. وذكر يعقوب خضوع أنواع البهائم للإنسان بياناً للفرق بين كل أنواع البهائم واللسان الذي لا يمكن إخضاعه وإثباتاً أن قوته على الشر مستمدة من جهنم كما ذُكر آنفاً.
٨ «وَأَمَّا ٱللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَـهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمّاً مُمِيتاً».
مزمور ١٤٠: ٣ ورومية ٣: ١٣
أَمَّا ٱللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَـهُ الإنسان لا يريد أن يضبط لسانه ولا يستطيع أن يضبط لسان غيره من الناس ليمنعه من الكذب والنميمة وغيرها فلا يستطيع ذلك إلا نعمة الله.
هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ فهو هائل جداً فلا يمكن ضبطه بالترهيب ولا بالترغيب.
مَمْلُوٌّ سُمّاً مُمِيتاً هذا مثل قول بولس المقتبس من سفر المزامير «حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سُمُّ ٱلأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً» (رومية ٣: ١٣ و١٤ ومزمور ١٤٠: ٣). ومن سموم اللسان التشكيك في الله وعدله ومحبته وفي حق الإنجيل وإلقاء الريب بين الزوجين وبين الأصدقاء وزرع الغيرة والحسد والعداوة والدعارة والغش والكفر والتجديف. فبناء على ذلك يجب أن نسأل الله النعمة لكي نتحفظ من الخطإ بألسنتنا «ولنحفظ لأفواهنا كمامة» (مزمور ٣٩: ١). وأن يرشدنا إلى أن نعتصم بخيزرانة جسدنا كما ينبغي لكي لا تُكسر سفينة رجائنا. وأن نحترس من أن تقع جذوة نار من ألسنتنا فتضرم دائرة حياتنا الزمنية والأبدية وتفنيها.
٩ «بِهِ نُبَارِكُ ٱللّٰهَ ٱلآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ ٱلنَّاسَ ٱلَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ ٱللّٰهِ».
ص ١: ٢٧ و١كورنثوس ١١: ٧
هذه الآية برهان على أن اللسان لا يُذلل لأنه لا يُركن إليه لكونه يتكلم مرّة بالخير ومرّة بالشر.
بِهِ نُبَارِكُ ٱللّٰهَ ٱلآبَ أي نحن البشر نفعل ذلك بألسنتنا فتكلم يعقوب بالنيابة عن إخوته المعترفين بخطاياهم ومعنى «نبارك» هنا نسبّح.
وَبِهِ نَلْعَنُ ٱلنَّاسَ أي نفعل ذلك باللسان الذي به باركنا الله.
ٱلَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ ٱللّٰهِ كقول الكتاب «قَالَ ٱللّٰهُ: نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ» (تكوين ١: ٢٦ و٢٧). فكان يجب علينا كما نبارك الله باللسان أن نبارك به الذين خلقوا على صورته. فمن يلعن الإنسان الذي هو صورة الله يهين خالقه الذي هو أصل صورته. ولكن المتعصبون من اليهود لا ينفكون يلعنون المسيحيين ولا سيما المتنصرين منهم ولعل يعقوب أشار هنا إلى ذلك.
١٠ «مِنَ ٱلْفَمِ ٱلْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ! لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ ٱلأُمُورُ هٰكَذَا!».
مِنَ ٱلْفَمِ ٱلْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ أي الإنسان الذي يستخدم لسانه في العبادة وبيان محبته وطاعته لله هو نفسه ينتقل من تقديم التسبيح والشكر إلى التفوه بكلمات الحقد والنميمة والمقت وبغض الناس.
لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي لم يرضَه الله وتشهد ضمائركم أنه مما لا يليق للمنافاة بين الأمرين. ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يسكن الله هو والشيطان في قلب واحد ولا يليق طبعاً أن يستخدم كل منهما لسانه.
١١ «أَلَعَلَّ يَنْبُوعاً يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ٱلْعَذْبَ وَٱلْمُرَّ؟».
الاستفهام هنا إنكاري فالمعنى أن الأمر يستحيل أن يكون كذلك. فإن مثل ذلك تشويش ليس من أعمال الله فلا يليق أن يكون من أعمال الإنسان. فإذا اعتبرنا قلب الإنسان ينبوعاً رأينا أنه يستحيل أن يكون منه مجاري الحياة والموت.
١٢ «هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُوناً، أَوْ كَرْمَةٌ تِيناً؟ وَلاَ كَذٰلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحاً وَعَذْباً!».
متّى ٧: ١٦
هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُوناً، أَوْ كَرْمَةٌ تِيناً؟ هذا يستحيل في الطبيعيات فيجب أن لا يكون في الأدبيات لأن كل نبتة تأتي بثمرها الخاص كذلك لسان المؤمن يجب أن لا يتكلم إلا بما يشهد بالإيمان والقداسة والمحبة لله وللناس.
وَلاَ كَذٰلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحاً وَعَذْباً أي ليس في ينابيع الأرض التي لا تُحصى مثل هذا الينبوع فيجب أن لا يكون مثله في ألسنة الناس فيتكلم تارة بما مصدره السماء كترانيم الملائكة وتارة بما مصدره جهنم كتجاديف الشياطين. ومقصود الكاتب من كل ما ذُكر منع غير المستحقين من أن يطلبوا أن يكونوا معلمين جمهوريين وبيان الخطر الناشئ عن سوء استعمال اللسان وأنه من الضروري أن يكون المعلمون والمبشرون (للذين مقامهم جعل ألسنتهم ذوات سلطان) رجال حكمة وتعقل واختبار وتُقى حتى يستعملوا ذلك السلطان على سنن الصواب.
ما يجب على المعلم الجمهوري من الصفات ع ١٣ إلى ١٨
١٣ «مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِٱلتَّصَرُّفِ ٱلْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ ٱلْحِكْمَةِ».
ص ٢: ١٨ و١بطرس ٢: ١٢
مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ أي مَن منكم ذو حكمة ومعرفة تؤهلانه لأن يكون معلماً ومبشراً لشعب الله. والحكمة هنا سماوية لا مجرد حكمة دنيوية عقلية.
فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِٱلتَّصَرُّفِ ٱلْحَسَنِ أي فلير بسيرته التقويّة وأفعاله الممجدة لله النافعة للإنسان أن له ما ادعاه من الحكمة والمعرفة فلا يغنيه الادعاء بلا بيان الأعمال.
فِي وَدَاعَةِ ٱلْحِكْمَةِ أي الحكمة المقترنة بالوداعة بدل الحكمة المقترنة بالافتخار التي فيها قال الرسول «لأَنَّ حِكْمَةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ» (١كورنثوس ٣: ١٩). فيجب أن يكون المعلمون عقلاء حلماء لا متكبرين مشاغبين متمثلين بمعلمهم الذي هو «وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ» (متّى ١١: ٢٩) ممتثلين لقوله «كُونُوا حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَٱلْحَمَامِ» (متّى ١٠: ١٦).
١٤ «وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى ٱلْحَقِّ».
ع ١٦ رومية ٢: ٨ و٢كورنثوس ١٢: ٢٠ وص ٥: ١٩ و١تيموثاوس ٢: ٤
لٰكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ أشار هنا إلى ما يمنع الإنسان من أن يكون معلماً ومبشراً وهو حب الرئاسة والميل إلى الخصومة والغيرة للفروض العرضية ومضادة آراء الآخرين وأعمالهم ومثل هذا كانت غيرة الغيارى ( Zealots) وهم جماعة من اليهود كانوا شديدي الغيرة للسنن الموسوية ومنهم الأربعون الذي اتفقوا وتحالفوا على أنهم «لاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَقْتُلُوا بُولُسَ» (أعمال ٢٣: ١٢) قال بولس في اليهود جميعاً «أَشْهَدُ لَـهُمْ أَنَّ لَـهُمْ غَيْرَةً لِلّٰهِ، وَلٰكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ» (رومية ١٠: ٢). وسُميت هذه الغيرة «مرّة» تمييزاً لها عن الغيرة الصالحة لحقوق الله ودينه.
فَلاَ تَفْتَخِرُوا أي لا تدّعوا أنكم أهل لأن تكونوا معلمين لهذه الغيرة. فالواقع أنكم لستم لذلك لأن تلك الغيرة تنشئ في الكنيسة انشقاقاً وبغضاً واضطهاداً.
وَتَكْذِبُوا عَلَى ٱلْحَقِّ بتعرّضكم للتعليم والتبشير مع أن تعليمكم ناشئ عن الميل إلى «التحزب والغيرة المرة» فإنه ما دام ذلك في قلوبكم فكلامكم وأعمالكم يشهدان على الحق لا له فتكونون شهود زور للمسيح نفسه لأنه هو «الحق» فيُجرح في بيت أحبائه (زكريا ١٣: ٦).
١٥ «لَيْسَتْ هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ».
١كورنثوس ٢: ٦ و٣: ١٩ و٢كورنثوس ١: ١٢ ويهوذا ١٩ و٢تسالونيكي ٢: ٩ و١تيموثاوس ٤: ١ ورؤيا ٢: ٢٤
لَيْسَتْ هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ أي هي الحكمة الخالية من الوداعة المقترنة بالغيرة المرة والتحزب فهي ليست من السماء إذ ليس هناك سوى الحب والسلام. وأشار المسيح إلى تلك الحكمة الكاذبة بقوله «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلآبُ لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هٰذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ» (متّى ١١: ٢٥). وأشار إليها بولس بقوله «لٰكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ ٱلْكَامِلِينَ، وَلٰكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ» (١كورنثوس ٢: ٦).
بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ هذا يبين أصلها وحقيقتها. فأبان بقوله «أرضية» أن أصلها من هذا العالم وبقوله «نفسانية» أنها تصدر من قلب الإنسان الطبيعي غير المتجدد بروح الله (١كورنثوس ٢: ١٤ و٣: ٣). قال يهوذا في أصحاب هذه الحكمة «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَـهُمْ» (يهوذا ١٩).
شَيْطَانِيَّةٌ أي كحكمة الشيطان التي ليست سوى احتيال لأنه لا يستعملها إلا بغية أن يؤذي الناس ويخدعهم ويقودهم إلى الضلال. فإذا اعتبرنا وصف يعقوب لهذه الحكمة بكونها «أرضية نفسانية» يشير إلى كونها خالية من الصلاح فوصفه إياها بكونها «شيطانية» يشير إلى كونها مملوءة سماً.
١٦ «لأَنَّهُ حَيْثُ ٱلْغَيْرَةُ وَٱلتَّحَزُّبُ هُنَاكَ ٱلتَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ».
اختبار كل الناس يشهد بصحة هذه الآية فهو يصدق في أمور البيت والجيرة والكنيسة. فحيث تكون تلك الغيرة تنتفي ثقة بعض الناس ببعض ولا يمكن الاتحاد في العمل بغية الصلاح العام ولا الثبات في المقاصد الخيرية. ومثال ما قيل في هذه الآية فتنة قورح في معسكر إسرائيل فإنها ابتدأت بالحسد والغيرة وانتهت بالعصيان والموت.
١٧ «وَأَمَّا ٱلْحِكْمَةُ ٱلَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً صَالِحَةً، عَدِيمَةُ ٱلرَّيْبِ وَٱلرِّيَاءِ».
ص ٤: ٨ و٢كورنثوس ٧: ١١ ومتّى ٥: ٩ وعبرانيين ١٢: ١١ وتيطس ٣: ٢ وفيلبي ٤: ٥ ولوقا ٦: ٣٦ وص ٢: ٤ و١٣ ورومية ١٢: ٩ و٢كورنثوس ٦: ٦
أَمَّا ٱلْحِكْمَةُ ٱلَّتِي مِنْ فَوْقُ هذا بيان أن مصدرها الله وما يأتي بيان لصفاتها وهو موافق لبيان بولس «أثمار الروح» (غلاطية ٥: ٢٢) ويشبه وصف المحبة في (١كورنثوس ص ١٣).
طَاهِرَةٌ (متّى ٥: ٩ و١تيموثاوس ٣: ٣).
مُسَالِمَةٌ بلا خشونة فلا تطلب حب الذات وتسامح المذنبين.
مُتَرَفِّقَةٌ أي ليست بعنيفة تحمل أربابها على الإصغاء إلى آراء غيرهم وحججهم قبل أن يدينوهم.
مُذْعِنَةٌ في الأمور المباحة غير الضارة للحق (١كورنثوس ٩: ٢٠ – ٢٢).
مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً مثل الله الذي هو «أبو الرحمة» (متّى ٥: ٧) فتحمل صاحبها على الشفقة على المصابين والمحتاجين.
وَأَثْمَاراً صَالِحَةً كالعدل والجودة والإحسان (ص ٢: ١٤ – ٢٦ وفيلبي ١: ١١ و٢كورنثوس ٩: ١٠).
عَدِيمَةُ ٱلرَّيْبِ فهي خالية من الريب من جهة أصلها وحقيقتها. ويحتمل الأصل اليوناني معنى آخر وهو أنها بلا محاباة بالنظر إلى المقام أو الأمة أو الديانة.
وَٱلرِّيَاءِ أي خالصة من الرياء (رومية ١٢: ٩ و٢كورنثوس ٦: ٦). ووصف الحكمة هنا يوافق وصفها في (أيوب ٢٨: ١٤ – ١٩ وفي أمثال ٣: ١٣ – ١٨) فحق أنها «لاَ يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا، وَلاَ تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَنًا لَهَا» و «طوبى لمن يجدها».
١٨ «وَثَمَرُ ٱلْبِرِّ يُزْرَعُ فِي ٱلسَّلاَمِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَفْعَلُونَ ٱلسَّلاَمَ».
أمثال ١١: ١٨ وهوشع ١٠: ١٢ وإشعياء ٣٢: ١٧ وعاموس ٦: ١٢ وغلاطية ٦: ٨
وَثَمَرُ ٱلْبِرِّ يُزْرَعُ فِي ٱلسَّلاَمِ أي ما يثمر ثمر البر الخ. أبان بعد ما وصف الحكمة ما ينتج عنها. والمراد «بالبر» هنا الدين الحق والعبارة على وفق ما في (عبرانيين ١٢: ١١ وإشعياء ٣٢: ١٧) وقول المسيح «طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ يُدْعَوْنَ» (متّى ٥: ٩). وزرع البر يكون على الأرض ولكن حصاده يكون في السماء على وفق قول الرسول «ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً» (غلاطية ٦: ٧) وقول المرنم «ٱلَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِٱلدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِٱلابْتِهَاجِ» (مزمور ١٢٦: ٥).
السابق |
التالي |