سفر إشعياء | 65 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلسِّتُّونَ
موضوعه جواب الرب لصلاة المنفيين المذكورة في الأصحاحين السابقين فيتضمن وعيداً للمتمردين ووعداً للمطيعين.
١، ٢ «١ أَصْغَيْتُ إِلَى ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هَئَنَذَا هَئَنَذَا لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِٱسْمِي. ٢ بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ ٱلنَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ».
رومية ٩: ٢٤ و٢٥ و٢٦ و٣٠ و١٠: ٢٠ وأفسس ٢: ١٢ و١٣ ص ٦٣: ١٩ رومية ١٠: ٢١
ذكر بولس الرسول (رومية ص ٩ – ١١) رفض اليهود الوقتي لعدم إيمانهم ودعوة الأمم واستشهد بهذه الآية من إشعياء (رومية ١٠: ٢٠ و٢١) فيظهر مما قاله أن الذين لم يسألوا الرب ولا طلبوه ولا تسموا باسمه هم الأمم. و«الشعب المتمرد» (ع ٢) هم اليهود غير المؤمنين. و«عبيد الرب» (ع ٨) هم اليهود المؤمنون. فالوعد هو للأمم الذين سيؤمنون فينضمون إلى شعب الله ولليهود المؤمنين والوعيد هو لغير المؤمنين.
أَصْغَيْتُ إِلَى ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا الله يحب الناس قبلما يحبونه ويختارهم قبلما يختارونه أو يطلبوه أو يعملون شيئاً من الأعمال الصالحة. وهو أولاً يُميل قلوب الأمم إليه ليطلبوه ويصغوا إلى كلامه.
لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِٱسْمِي أي جميع الأمم ما عدا اليهود الذين كانوا شعب الله بالاسم.
بَسَطْتُ يَدَيَّ علامة الدعوة باللجاجة والمحبة فما أعظم تنازل الرب فإنه يطلب من الناس أن يصالحوه (انظر ص ١: ١٦ – ١٨).
طُولَ ٱلنَّهَارِ من زمان بلا انقطاع فإن الله طويل الروح وكثير الرحمة وكل النهار يدعو وأما هم فلا يقبلون. فأرسل الرب إليهم عن يد رسوله مبكراً ومرسلاً لأنه شفق على شعبه (٢أيام ٣٦: ١٥).
وَرَاءَ أَفْكَارِهِ وجوهر كل خطية هو العصيان وسير الإنسان وراء أفكاره وليس وراء أفكار الرب.
٣ «شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِماً يَذْبَحُ فِي ٱلْجَنَّاتِ وَيُبَخِّرُ عَلَى ٱلآجُرِّ».
تثنية ٣٢: ٢١ لاويين ١٧: ٥ وص ١: ٢٩ و٦٦: ١٧
يُغِيظُنِي بِوَجْهِي بوقاحة وبلا حياء فإن الكلام القبيح في وجه الإنسان والتعدي عليه وهو حاضر يدل على الإهانة والاحتقار. لنظر القول «أمامي» في الوصية الأولى. والأرجح أن النبي ذكر هنا الخطايا التي في عصره (٢أيام ٢٨: ١ – ٤ و٣٣: ١ – ٩ وإشعياء ٢: ٦ – ٩) و التي ستكون بعد أيامه أيضاً (إرميا ٧: ١٧ و١٨ و٣١ وحزقيال ٥ – ١٨). ولعله يشير أيضاً إلى خطايا اليهود في أيام المسيح لأنه وإن كانوا قد تركوا عبادة الأصنام لم يزالوا يميلون إلى جوهر هذه العبادة.
يَذْبَحُ فِي ٱلْجَنَّاتِ الموقوفة لعبادة الأصنام فإنهم استخدموا الأماكن الجميلة واللذات الجسدية لترغيب الناس في عبادة الأصنام.
عَلَى ٱلآجُرِّ ربما يشير إلى مذابح مبنية من الأجرّ والأرجح أنه يشير إلى سطوح من الأجرّ كانت عليها مذابح لعبادة الأجرام السماوية (٢ملوك ٢٣: ١٢ وإرميا ١٩: ١٣ و٣٢: ٢٩ وصفنيا ١: ٥) وكانت المذابح من التراب (خروج ٢: ٢٤) أو من خشب مغشى بنحاس (خروج ٢٧: ١ و٢) أو بذهب (خروج ٣٠: ١ – ٣) وكانت مذابح الأشوريين والكلدانيين من الحجارة أو من المعدن ولا خبر بمذابح معمولة من الأجرّ.
٤ «يَجْلِسُ فِي ٱلْقُبُورِ وَيَبِيتُ فِي ٱلْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ».
تثنية ١٨: ١١ لاويين ١١: ٧ وص ٦٦: ١٧
يَجْلِسُ فِي ٱلْقُبُورِ لأجل سؤال الموتى (ص ٨: ١٩) ولكنهم لم يسألوا عن شريعة الرب القائلة «مَنْ مَسَّ… قَبْراً يَكُونُ نَجِساً» (عدد ١٩: ١٦) وكان القبور مسكن الأرواح النجسة (مرقس ٥: ٣).
وَيَبِيتُ فِي ٱلْمَدَافِنِ ظنوا أن أرواح الموتى تظهر لهم في الليل أو بواسطة أحلام.
يَأْكُلُ لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ كانت الخنازير محرّمة على اليهود حسب الناموس ولا سيما الخنازير المذبوحة لبعض الأصنام (ص ٦٦: ١٧) وأكل لحمها علامة الإيمان بالأصنام والاتحاد بها.
وَفِي آنِيَتِهِ آنية الشعب المستعملة في العبادة واللحوم النجسة هي لحم خنزير أو غيره من الحيوانات النجسة أو الحيوانات المذبوحة للأصنام من أي جنس كان.
٥ «يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هٰؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي. نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ ٱلنَّهَارِ».
متّى ٩: ١١ ولوقا ٥: ٣٠ و١٨: ١١ ويهوذا ١٩
قِفْ عِنْدَكَ هذه الخطايا الفظيعة لم يكتفوا بأن يرتكبوها بل افتخروا بها أيضاً واحتقروا غيرهم. وكثيراً ما يدعي أنجس الناس القداسة وينسبون النجاسة إلى من سواهم كالفريسيين في أيام المسيح (لوقا ١٨: ٩ – ١٤) وكثيرون يحبون أن تقوم الديانة بالرسوم (المعروفة بالطقوس) والفرائض دون طهارة السلوك والأعمال الصالحة لأن ممارسة الرسوم:
- تُشغل قسماً من وقتهم وتترك لهم الحرية بالخطية في سائر الوقت.
- لأن هذه الرسوم ليست سوى أمور خارجية فلا تمس القلب.
- لأنهم يقدرون أن يكمّلوها تماماً ويزيدون على المطلوب منهم فيكون لهم فخر.
دُخَانٌ فِي أَنْفِي الذين يعملون هذه الأعمال مكروهون عند الرب وهو يلاحظهم ويغتاظ منهم.
نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ ٱلنَّهَارِ نفهم أولاً أن هؤلاء الأشرار يغيظون الرب كل النهار ودائماً وهم كدخان في أنفه من نار متقدة أي نار لا تُطفأ ودخانها لا ينقطع وهم لا يكفون عن شرورهم. وثانياً أنهم أضرموا بأعمالهم نار غضب الله عليهم. انظر قول إرميا (إرميا ١٧: ٤) «قَدْ أَضْرَمْتُمْ نَاراً بِغَضَبِي تَتَّقِدُ إِلَى ٱلأَبَدِ» فتكون هذه النار لهلاكهم فسبب هلاكهم من أنفسهم.
٦ «هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ».
تثنية ٣٢: ٣٤ وملاخي ٣: ١٦ مزمور ٥٠: ٢ مزمور ٧٩: ١٢ وإرميا ١٦: ١٨ وحزقيال ١١: ٢١
هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي الخطايا المذكورة قد كُتبت في سفر الرب. يقيّد الناس بعض الأمور في دفاترهم لئلا ينسوها وللرب سفر تذكرة بمعنى أنه لا ينسى شيئاً ولا يغض النظر عن شيء.
أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ يفيد (١) الكثرة كما أعطى بوعز راعوث لأن الحضن يسع أكثر من الكف.
(٢) إن أثمار أعمال الشرير ترجع عليه.
٧ «آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعاً قَالَ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى ٱلْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى ٱلآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ ٱلأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ».
خروج ٢٠: ٥ حزقيال ١٨: ٦ حزقيال ٢٠: ٢٧ و٢٨
آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ كانت آثام إسرائيل تتجمع من عصر إلى آخر كديون مقيّدة في دفتر فلم يكن سبي بابل بسبب خطايا ذلك الجيل فقط بل خطايا الأجيال السابقة أيضاً (٢ملوك ٢٤: ١ – ٣) وهكذا خراب أورشليم عن يد الرومانيين (متّى ٢٣: ٣٥ و٣٦) إذ قال يسوع «كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ… يَأْتِي عَلَى هٰذَا ٱلْجِيلِ». ومن جهة عدل الله نقول:
- إنه مهما أتى على جيل من المصائب لا يكون أكثر مما استحق ذلك الجيل بغض النظر عن الأجيال السابقة.
- إنه من المحتمل وإن كان نادراً أن أولاد صالحين يخسرون بسبب آثام آبائهم ولكن هذه الخسارة تكون في الزمنيات فقط ولا تكون خسارة النفس.
- إنه لا يمكننا أن نفهم كل شيء ولا يليق بنا الحكم في أعمال الله. وعلينا أن نخاف من نتائج خطايانا لأنها ليست على أنفسنا فقط بل على أولادنا أيضاً.
عَلَى ٱلْجِبَالِ يشير إلى عبادة الأصنام على المرتفعات وكانت تلك الخطية من أعظم وأشهر خطايا إسرائيل من أول تاريخهم إلى السبي وتعلموها من أهل البلاد الأولين أي الكنعانيين كأن تلك العبادة الفاسدة التصقت بالجبال والتلال فأغوت جميع الذين سكنوا في البلاد في كل عصورهم.
عَمَلَهُمُ ٱلأَوَّلَ الله يكيل عمل الجيل السابق في حضن الجيل الثاني.
٨ – ١٠ «٨ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: كَمَا أَنَّ ٱلسُّلاَفَ يُوجَدُ فِي ٱلْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هٰكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ ٱلْكُلَّ. ٩ بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلاً وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثاً لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. ١٠ فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي ٱلَّذِينَ طَلَبُونِي».
يوئيل ٢: ١٤ ع ١٥ و٢٢ ومتّى ٢٤: ٢٢ ورومية ١١: ٥ و٧ ص ٣٣: ٩ و٣٥: ٢ هوشع ٢: ١٥ ويشوع ٧: ٢٤ و٢٦
النبي إشعياء غالباً يقرن الوعيد بالوعد فلا يفشل الشعب ولا ييأسون من الخلاص.
فَيَقُولُ قَائِلٌ إذا وجد الكرام في العنقود بعض حبوب جيدة لا يطرح العنقود بل يحفظه لأجل البركة أي الحبوب الجيدة التي فيه وهكذا الله لا يهلك شعبه كله بل يحفظ البعض منهم لأجل البقية حسب اختيار النعمة. والنسل والوارث والمختارون والعبيد بمعنى واحد أي المؤمنين (غلاطية ٣: ٢٩).
لِجِبَالِي أرض فلسطين التي أكثرها جبال ولعل القول يشير إلى عبادة الأصنام بالمرتفعات (ع ٧) ويفيد أن هذه الجبال ليست لبعل أو عشتروث بل للرب. وهذه النبوءة تفيدنا على الأقل أن الديانة المسيحية ستمتد في بلاد فلسطين التي سكنها اليهود في القديم وكثيرون يعتقدون أيضاً أن الرب سيجمع أولاد إبراهيم حسب الجسد في هذه البلاد ولكننا لا نقدر أن نحكم حكماً نهائياً من جهة النبوءات التي لم تتم بعد.
شَارُونُ النبي يذكر «شارون» و«عخور» كأمثلة الأرض كلها. كان شارون مشهوراً للخصب ووادي عخور للتعب الذي وقع على إسرائيل بسبب عخان وربما ذكر النبي المكانين نيابة عن الأرض كلها لأن شارون كان على الحد الغربي وعخور على الحد الشرقي ورعاية المواشي مذكورة مثالاً للأعمال كلها.
١١ «أَمَّا أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَرَكُوا ٱلرَّبَّ وَنَسَوْا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ ٱلأَكْبَرِ مَائِدَةً وَمَلَأُوا لِلسَّعْدِ ٱلأَصْغَرِ خَمْراً مَمْزُوجَةً».
ص ٥٦: ٧ و٥٧: ١٣ وع ٢٥ حزقيال ٢٣: ٤١ و١كورنثوس ١٠: ٢١
النبي يذكر هنا عبادة السيارات. و«السعد الأكبر» هو المشتري وهو أكبر إله عند الوثنيين و«السعد الأصغر» هو اسم للزهرة. والمذكورون في هذه الآية كانوا يقدمون ذبائح ويسكبون خمراً ثم يجلسون ويأكلون اللحم ويشربون الخمر إكراماً للإلهين المذكورين. وبعض الناس في أيامنا يعتبرون السعد أو التوفيق كأنه يوجد في الكون قوة غير قوة الله أو تدبير غير تدبيره فعلينا أن نتذكر ما يأتي:
- إن الله وحده يدبر كل أمورنا.
- إن الله يدبّر الكون بمقتضى نواميس طبيعية وروحية نظمها هو فالصحة ليست توفيق بل هي لمن يحفظ قوانينها والغنى لمن يجتهد والمجد لمن يخدم بالأمانة الخ.
- إنه يوجد خيرات أفضل من الخيرات الجسدية كمحبة الله وغفران الخطايا وتعزية الروح القدس والحياة الأبدية.
- إن الله أحياناً يحجز عنا خيرات جسدية حتى يعطينا خيرات روحية كما يظهر من مثل لعازر والغني.
وَنَسَوْا جَبَلَ قُدْسِي أي أورشليم والهيكل وهو مركز عبادة الرب ونسيان هذا الجبل هو نسيان الرب. وغالباً ترك عبادة الرب لا يكون بالقصد بل من عدم الفكر والاجتهاد والغيرة فيها. ونلاحظ أن الذين يتركون الرب يصيرون عبيداً لخرافات لا يقدر العقل السليم أن يصدقها مطلقاً.
١٢ «فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَٱخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».
٢أيام ٣٦: ١٥ و١٦ وأمثال ١: ٢٤ الخ ص ٦٦: ٤ وإرميا ٧: ١٣ وزكريا ٧: ٧ ومتّى ٢١: ٣٤ إلى ٤٣
فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ كانوا متكلين على السعد أي الحظ والرب يذكرهم هنا أن التعيين بيده فهو يعيّنهم للسيف لأنهم تركوه. وبما أنهم جثوا للأصنام سيجثون للذبح ويكون هلاكهم من أنفسهم لأن الرب دعا فلم يجيبوا وتكلم فلم يسمعوا واختاروا ما لا يسره وتمّ هذا الوعيد لما سقطت أورشليم عن يد نبوخذنصر ولما سقطت عن يد الرومانيين وفي نزول مصائب اليهود في كل جيل.
١٣، ١٤ «١٣ لِذٰلِكَ هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. ١٤ هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ ٱلْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ ٱلْقَلْبِ، وَمِنِ ٱنْكِسَارِ ٱلرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ».
متّى ٨: ١٢ ولوقا ١٣: ٢٨
كان شعب إسرائيل قسمين وهما المؤمنون وغير المؤمنين والقول هنا هو أن الرب سيفصل بينهما فلا يخلّص غير المؤمنين وإن كانوا من نسل إسرائيل حسب الجسد.
عَبِيدِي يَأْكُلُونَ خيرات جسدية. والأكل الجسدي يشير أيضاً إلى قبول كل بركات الخلاص وبالإجمال ليس من عوز لمتقي الرب فغالباً يشبعون من الخيرات الجسدية ودائماً يشبعون من نعمة الله وتعزية روحه القدوس.
١٥، ١٦ «١٥ وَتُخْلِفُونَ ٱسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ ٱسْماً آخَرَ. ١٦ فَٱلَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلٰهِ ٱلْحَقِّ، وَٱلَّذِي يَحْلِفُ فِي ٱلأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلٰهِ ٱلْحَقِّ، لأَنَّ ٱلضِّيقَاتِ ٱلأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا ٱسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ».
إرميا ٢٩: ٢٢ وزكريا ٨: ١٣ ع ٩ و٢٢ ص ٦٢: ٢ وأعمال ١١: ٢٦ مزمور ٧٢: ١٧ وإرميا ٤: ٢ تثنية ٦: ١٣ ومزمور ٦٣: ١١ وص ١٩: ١٨ و٤٥: ٢٣ وصفنيا ١: ٥
وَتُخْلِفُونَ ٱسْمَكُمْ (إرميا ٢٩: ٢٢) يدعو أحد الناس على آخر بقوله يجعلك الرب مثل فلان.
وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ ٱسْماً آخَرَ (انظر ص ٦٢: ٢) فلا يسمى بعد عبيد الرب بأسماء تشير إلى أنهم مرفوضون بل بأسماء تشير إلى أنهم مباركو الرب وسيفتخرون بأنهم له وهو لهم وهم مسمون باسمه كشعب الله وأبنائه وهذه الأسماء الجديدة التي تدل على نسبتهم إلى الله كمسيحيين تكون أفضل جداً من الاسم القديم الذي كان يدل على نسبتهم إلى إسرائيل. ولفظة «شعب الله» تطلق على معنى جديد في العهد الجديد.
ٱلضِّيقَاتِ ٱلأُولَى قَدْ نُسِيَت لأنها كلا شيء بالنسبة إلى البركات الموعود بها. وخطايا شعب الله قد نُسيت لأن الله غفرها تماماً (رؤيا ٢١: ٤ وهوشع ١٣: ١٤).
ع١٧ – ٢٥ هذه الأعداد هي جواب الصلاة في ص ٦٤ فإن شعب الله كانوا قد ذكروا حالتهم المحزنة وقالوا «أضللتنا عن طرقك قسيت قلوبنا عن مخافتك… مضايقونا داسوا مقدسك… مدن قدسك صارت برية… بيت قدسك قد صار حريقاً». وهنا الرب يعدهم ليس فقط بالإصلاح بل بتجديد كل شيء فإن الأرض الأولى التي فيها الخطية تزول ويصير أرضاً جديدة لا يكون فيها بكاء ولا صراخ ولا عمر مقطوع قبل كماله ولا ظلم ولا تعب بلا ثمر ولا خصام ولا حروب وهذه المواعيد الثمينة تشبه المواعيد في آخر سفر الرؤيا (رؤيا ص ٢١ و٢٢) غير أن مواعيد سفر الرؤيا أوضح وأوسع فتتضمن عدم وجود الخطية وعدم الموت وسكنى الله مع الناس.
قيل أن الكتاب يذكر ثلاثة أحوال للإنسان فالحالة الأولى هي حالة الخطية مع شيء من التعزية والفرح وهذه حالتنا في الوقت الحاضر. والثانية حالة العالم في مدة الألف السنة (رؤيا ص ٢٠) إذ يكون الشيطان مقيداً ولعل هذه هي المدة المشار إليها في هذه النبوءة في إشعياء. والحالة الثالثة هي حالة المفديين في السماء المذكورة في (رؤيا ص ٢١ و٢٢) حين يكون إبليس قد طُرح في بحيرة النار وتكون الخطية والموت والحزن قد زالت ويكون الإنسان قد ثبت في القداسة. ولنا في العهد الجديد تعليم أوضح من جهة نسبة حالة الإنسان الجسدية إلى حالته الروحية فإن التجديد يكون أولاً في الإنسان نفسه كما قال بولس «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (٢كورنثوس ٥: ١٧) أي حين يتجدد الإنسان يتجدد له كل شيء فعلى الإنسان أن يطلب أولاً الخلاص من الخطية وبالنتيجة يخلص من كل البلايا الجسدية. وأفراح السماء لا تكون أولاً بالخلاص من الجوع والعطش والأمراض والموت بل بالخلاص من الخطية وبوجود الله. وكل مكان يوجد الله فيه ولا يوجد فيه الخطية فهو السماء وعالمنا هذا يصير كالسماء بزوال كل خطية.
١٧ «لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ ٱلأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ».
ص ٥١: ١٦ و٦٦: ٢٢ و٢بطرس ٣: ١٣ ورؤيا ٢١: ١
فَلاَ تُذْكَرُ ٱلأُولَى لا تُذكر الخطية التي كانت في الأرض الأولى لأنها قد غُفرت ولا التعب لأنه قد زال ولا أمجاد العالم لأنها كنور السراج بعد ما تشرق الشمس.
١٨ «بَلِ ٱفْرَحُوا وَٱبْتَهِجُوا إِلَى ٱلأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحاً».
خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ يشير إلى قوة الله فإنه يقدر أن يخلق من لا شيء ويشير أيضاً إلى مجد أورشليم الجديدة وكمالها فإنه لا يبقى فيها شيء من الأشياء العتيقة. والأمر واضح أن تتميم هذه النبوءة لا يكمل في تجديد مدينة أورشليم القديمة بل أورشليم المشار إليها هي مسكن الله في الأرض الجديدة وبما أن ملكوت الله سيمتد في كل العالم يكون الله مع شعبه في كل مكان وتكون الأرض المتجددة كلها كأورشليم.
١٩ «فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ».
ص ٦٢: ٥ ص ٣٥: ١٠ و٥١: ١١ ورؤيا ٧: ١٧ و٢١: ٤
يشير إلى محبة الله لشعبه كفرح الآب الحنون براحة أولاده فلا يغض النظر عنهم ولا يمنع عنهم شيئاً من الخير.
٢٠ «لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَمُوتُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَٱلْخَاطِئَ يُلْعَنُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ».
جامعة ٨: ١٢
طِفْلُ أَيَّامٍ لا يموت طفل عمره أيام فقط وابن مئة سنة يحسب صبياً والذي يموت ابن مئة يحسب أنه مات قبل وقته بسبب خطاياه. ومن جهة تتميم الوعد نقول:
- إن الكلام هنا شعري لا يُفسر حرفياً وبما أن العمر الطويل كان محسوباً من أعظم البركات وعلامة رضا الله نفهم من هذا الكلام أن الله يعطي شعبه أفضل الخيرات بدون تعيين عمر الإنسان تماماً.
- إن العمر طويل أو قصير ليس باعتبار عدد السنين فقط بل أيضاً باعتبار نفعه فنحسب أن الذي عمل خيراً كثيراً ولو عاش سنين قليلة كان عمره طويلاً.
- قال بولس «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ» (فيلبي ١: ٢٣). والعمر الطويل الذي يطلبه كل مسيحي هو الحياة الأبدية مع المسيح.
٢١ – ٢٣ «٢١ وَيَبْنُونَ بُيُوتاً وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُوماً وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. ٢٢ لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. ٢٣ لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلاً وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي ٱلرَّبِّ وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ».
لاويين ٢٦: ١٦ وتثنية ٢٨: ٣٠ وص ٦٢: ٨ وعاموس ٩: ١٤ مزمور ٩٢: ١٢ ع ٩ و١٥ تثنية ٢٨: ٤١ وهوشع ٩: ١٢ ص ٦١: ٩
كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ تعيش بعض الأشجار سنين كثيرة كالأرز والبلوط.
وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ الوالدون ينتظرون الراحة والفرح بأولادهم فيفرحون بنجاحهم ويفتخرون بكرامتهم وفي الشيخوخة يستندون عليهم ومن اللعنات على تاركي الرب أنهم يلدون بنين وبنات ولا يكونون لهم لأنهم إلى السبي يذهبون (تثنية ٢٨: ٤١) وإنهم يربون أولاداً فالرب يثكلهم (هوشع ٩: ١٢).
٢٤ «وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ».
مزمور ٣٢: ٥ ودانيال ٩: ٢١
انظر قول المسيح «أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه». وقوله «مهما سألتم باسمي فذلك أفعله».
٢٥ «ٱلذِّئْبُ وَٱلْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعاً، وَٱلأَسَدُ يَأْكُلُ ٱلتِّبْنَ كَٱلْبَقَرِ. أَمَّا ٱلْحَيَّةُ فَٱلتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي قَالَ ٱلرَّبُّ».
ص ١١: ٦ و٧ و٩ تكوين ٣: ١٤
(انظر ص ١١: ٦ – ٩). يشير إلى الاتفاق والسلام بين بني البشر فلا يكون ظالمون وشرسون والذئاب والأسود والبهائم أيضاً ستحصل على نوع من الراحة والرحمة بسب امتداد التقوى في العالم.
أَمَّا ٱلْحَيَّةُ فَٱلتُّرَابُ طَعَامُهَا أي لا تلدغ الناس.
جَبَلِ قُدْسِي أورشليم وفي الوقت المشار إليه يكون العالم كله للرب فيصير كأورشليم.
وإذا قابلنا هذه المواعيد بما أتى في تثنية (ص ٢٨) نرى (١) إن هذه المواعيد أعظم وأوسع. (٢) إن المواعيد في تثنية تحت شروط «إن سمعت سمعاً إلى صوت الرب» الخ فيتبع المواعيد الوعيد. «إن لم تسمع لصوت الرب الخ» وأما هذه المواعيد فبلا شروط لأنها تشير إلى وقت يكون الإنسان قد ثبت في القداسة ومدة الامتحان والتجارب تكون قد مضت.
فوائد للوعاظ
عبيد الرب يمتازون عن تاركيه (ع ١٣ – ١٥) بما يأتي:
- إنهم يشبعون لأنهم يأكلون ويشربون بالشكر والقناعة ولهم خبز الحياة والماء الحي. وأما تاركو الرب فلا يشبعون فإن كثيرين منهم يحتاجون إلى الخبز للجسد لأن الفقر كثيراً ما ينتج عن الخطية والذين منهم لهم خبز للجسد لا يشبعون منه لأنهم عديمو الشكر والخبز الجسدي لا يقدر أن يُشبع النفس التي تشتاق إلى الغفران والسلام مع الله.
- إنهم يفرحون ويترنمون ولا يهتمون بشيء بل يلقون همومهم على الرب ولا يتألمون من وجود الحسد والبغض في قلوبهم ولا يخافون من الموت لأن خطاياهم مغفورة ولهم رجاء بالحياة الأبدية. وأما تاركو الرب يصرخون من كآبة قلب.
- إنهم بركة للعالم في خدمتهم وقدوتهم وصلواتهم وأما تاركو الرب فللعنة لأنهم يعيشون لأنفسهم ولا ينفعون أحداً ويسببون الخصومات والأحزان.
أفراح هذا العالم كسيل يملأ طريقه بمياهه العكرة وبضجيج ولكنه حالاً يمضي ويترك الأرض عطشة كما كانت وخربة أكثر مما كانت.
فليرجع إلى الرب كل من كان تركه فيقبله ويغفر له ويجعله أحد عبيده.
قبلما يدعون أستجيب (ع ٢٤).
لا يمكن الإنسان أن يستجيب هكذا لأنه لا يفهم المطلوب إلا بعد الفحص والتأمل وليس له محبة كمحبة الله فلا يشعر كما يجب وليس له قدرة أن يعطي ويخلّص تماماً وأما الله فهو غير محدود بكل صفاته. فنتعلم ما يأتي:
- إن الله سبق فأعد للإنسان ما يحتاج إليه فإنه من البدء ذخر في الارض كنوزاً من الفحم والزيت والمعادن الثمينة وهو يرسل المطر ويشرق الشمس بلا طلب من خلائقه وأعد للإنسان وسائط بها يعرف الروحيات كالكتاب المقدس.
- إنه سبق فأعد للإنسان ما يطلبه منه بالصلاة قبلما يطلبه وكثيراً ما يعطي المطلوب حالاً مع أنه يلزم لتدبيره زمان طويل.
- إنه يشفق حالاً على المصابين وكثيراً ما يشعرون بقلوبهم بأن الله استجاب لهم قبلما تنتهي صلواتهم. وهو يغفر حالاً للتائب كما خرج الأب ليلاقي ابنه الضال فقبّله قبلما كمّل كلامه لأبيه.
السابق |
التالي |