سفر إشعياء | 64 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلسِّتُّونَ
يجب أن لا يُفصل هذا الأصحاح عن السابق لأنه تكملة الصلاة لأجل غفران الخطايا بناء على مراحم الله ونسبته الأبوية إلى شعبه.
١ «لَيْتَكَ تَشُقُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ ٱلْجِبَالُ».
مزمور ١٤٤: ٥ قضاة ٥: ٥ وميخا ١: ٤
لَيْتَكَ تَشُقُّ ٱلسَّمَاوَاتِ كان الرب حجب وجهه عن شعبه بسحاب. «ٱلرَّبُّ يَسْكُنُ فِي ٱلضَّبَابِ» (٢أيام ٦: ١) «ٱلسَّحَابُ سِتْرٌ لَهُ فَلاَ يُرَى» (أيوب ٢٢: ١٤). وفني إيمان كثيرين وقت الضيقات لأنهم لم يقدروا أن يفهموا جميع طرقه. وأما هذه الصلاة فتسير إلى إيمان الذين قدموها بأن الله موجود وإن لم يُظهر نفسه وآمنوا أيضاً أن له قدرة وعدل ومحبة لشعبه وإذا نزل يقدر أن يصلح كل شيء غير أنهم لم يفهموا أن الله لم يترك العالم وإنه يعمل في العالم على الدوام بوسائط طبيعية وأنه طويل الروح وكثير الرحمة ليس لإسرائيل فقط بل لكل بني البشر أيضاً.
وَتَنْزِلُ قال (ص ٦٣: ١٥) «تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» ولكن شعب الله ما اكتفى بنظره تعالى فطلب حضوره حتى يروه أعداءه مع أعماله العجيبة فيخافون.
تَتَزَلْزَلُ ٱلْجِبَالُ كما ارتجف جبل سيناء (خروج ١٩: ١٨) وكما انشقت الجبال وانكسرت الصخور أمام الرب لما كلم إيليا (١ملوك ١٩: ١١). الجبال أثبت ما يكون في العالم وإذا كانت هي ترتجف وتذوب من عظمة الرب فمن يقدر أن يقف أمامه.
٢ «كَمَا تُشْعِلُ ٱلنَّارُ ٱلْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ ٱلنَّارُ ٱلْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ ٱسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ ٱلأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ».
ٱلْهَشِيمَ هو النبت اليابس المكسر الذي يشعل بسهولة فتكون الجبال العظيمة والثابتة كالهشيم عندما ينزل عليها الرب وهكذا يكون أعداء الرب والقلوب الحجرية.
٣، ٤ «٣ حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا، نَزَلْتَ. تَزَلْزَلَتِ ٱلْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ. ٤ وَمُنْذُ ٱلأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُصْغُوا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلٰهاً غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ».
خروج ٣٤: ١٠ وقضاة ٥: ٤ و٥ ومزمور ٢٨: ٨ وحبقوق ٣: ٣ و٦ مزمور ٣١: ١٩ و١كورنثوس ٢: ٩
يذكرون أعمال الله القديمة وأنه لم يصنع مثلها إله غيره و لا سيما خلاص شعبه من مصر وبناء على ذلك يطلبون منه أن يعمل أيضاً لأجل شعبه.
لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ ننتظر الله بصلواتنا باللجاجة وننتظره بالإيمان والصبر وأما بعض الناس فإن لم يأخذوا مطلوبهم من الرب أسرعوا إلى الاستنتاج أنه لا يسمع أو لا يريد أو لا يقدر فيضعف إيمانهم أو يلتجأون إلى إله آخر.
٥ «تُلاَقِي ٱلْفَرِحَ ٱلصَّانِعَ ٱلْبِرَّ. ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِكَ. هَا أَنْتَ سَخَطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى ٱلأَبَدِ فَنَخْلُصُ».
أعمال ١٠: ٣٥ ص ٢٩: ٨ ملاخي ٣: ٦
تُلاَقِي لم يقل أن الرب يقبل الذين يصنعون البر ويذكرونه فقط بل أنه يلاقيهم كالأب الذي خرج من البيت ليلاقي ابنه الضال فأظهر فرحه برجوعه واستعداده لقبوله. ليست أعمالنا الصالحة علة خلاصنا ومع ذلك ينظر الله إليها ويسرّ بكل ما نعمله له وبكل ما نفتكر فيه من الخير فيقبله وإن كان كفلسَي الأرملة.
ٱلْفَرِحَ أي الذي يفرح في خدمة الرب فإن الفرح يدل على التسليم لإرادته والمحبة والرجاء والخدمة القلبية الاختيارية. وكون الرب يلاقي من يصنع البر يستلزم أنه إذا سخط على شعبه كانت علة سخطه خطاياهم فيقولون «سخطت إذ أخطأنا».
هِيَ إِلَى ٱلأَبَدِ أي طرق الرب. سقطت مدينة أورشليم واحترق الهيكل وزالت الرسوم الموسوية ولكن طرق الرب إلى الأبد أي طرق العبادة والخدمة من جهة الإنسان وطرق الرحمة والخلاص من جهة الله.
فَنَخْلُصُ لأن طرق الرب أي رحمته وصدقه ومحبته وعدله إلى الأبد.
٦ «وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا».
فيلبي ٣: ٩ مزمور ٩٠: ٥ و٦
كَنَجِسٍ أي كأبرص (لاويين ١٣: ٤٥ و٤٦).
كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا حتى أعمالنا الصالحة غير كاملة وغير مقبولة ومختلطة بالخطية وهي كأعمال الابن الضال قبلما توجه إلى أبيه فإن الأشرار أحياناً يعملون أعمالاً صالحة ولكنها غير مقبولة ما داموا يعصون الله.
قَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ الأبرار كشجرة مغروسة عند مجاري المياه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح. ويعترف شعب الله هنا بأنهم عملوا بالعكس لأنهم تركوا الله وهو ينبوع المياه الحية فذبل ورقهم ولم ينجحوا.
وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا وتُبعدنا عن الرب.
٧ «وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا».
هوشع ٧: ٧ أيوب ٨: ٤
لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِكَ لا يصلي كما يجب ولا يتكل على الله فيقولون هذا القول من شدة حزنهم وخجلهم لكن كان بينهم أتقياء يدعون باسم الرب.
لِيَتَمَسَّكَ بِكَ وهذا القول يشير إلى صلاة غير معتادة كصلاة يعقوب لما قال «لا أطلقك إن لم تباركني».
لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا أي لا يقدرون أن يصلّوا صلوات مقبولة إن لم يعطهم الرب النعمة لأن الخلاص منه والصلوات المُجابة التي بها طلبوا الخلاص هي منه أيضاً.
٨ «وَٱلآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ ٱلطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ».
ص ٦٣: ١٦ ص ٢٩: ١٦ و٤٥: ٩ وإرميا ١٨: ٦ ورومية ٩: ٢٠ و٢١ أفسس ٢: ١٠
كان من عادات اليهود أن الأولاد بيد أبيهم فيعمل بهم كما يشاء (خروج ٢١: ٧) وكانوا كالطين والرب كجابله فالشعب يقبلون ذلك ويسلّمون أنفسهم لله كالطين بيده. وأما الآب فيختلف عن جابل الطين لأنه يحب أولاده وهم يحبونه وعمله فيهم ليس عملاً وقتياً بل للحياة الأبدية ويختلف الناس عن الطين لأنهم ذوو عقل وضمير ومسؤولون. والفخاري يطلب أن يكون عمل يديه حسناً فكم بالحري الرب يطلب خلاص شعبه الذي اختاره واعتنى به ألف سنة.
٩ – ١٢ «٩ لاَ تَسْخَطْ كُلَّ ٱلسَّخَطِ يَا رَبُّ وَلاَ تَذْكُرِ ٱلإِثْمَ إِلَى ٱلأَبَدِ. هَا ٱنْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا. ١٠ مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً. ١١ بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ، وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا صَارَتْ خَرَاباً. ١٢ أَلأَجْلِ هٰذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ؟ أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ ٱلذُّلِّ؟».
مزمور ٧٤: ١ و ٢ و٧٩: ٨ مزمور ٧٩: ١٣ مزمور ٧٩: ١ و٢ملوك ٢٥: ٩ و٢أيام ٣٦: ١٩ ومزمور ٧٤: ٧ حزقيال ٢٤: ٢١ و٢٥ ص ٤٢: ١٤ مزمور ٨٣: ١
في (ص ٥٣) نظر النبي إلى أيام المسيح فرآه في الرؤيا ووصف آلامه بالتفصيل كأنها قد مضت فقال «كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً… أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا… تَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ… مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ… جُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ الخ» وفي الأصحاحات الأخيرة من نبوءته ينظر إلى أيام السبي ويتكلم عليها كأنها حاضرة ويتكلم على خراب الأرض المقدسة وإحراق الهيكل كأنه قد مضى فيقول «مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً… بَيْتُ قُدْسِنَا… قَدْ صَارَ حَرِيقَاً الخ».
وَلاَ تَذْكُرِ ٱلإِثْمَ إِلَى ٱلأَبَدِ صلوا بكل ثقة البنين في تكلمهم مع أبيهم وتمسكوا بالوعد في (ص ٤٣: ٢٥) وهو قوله «أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا» فيطلبون من الرب أن لا يذكر خطاياهم بل أن يذكر:
- إنهم شعبه لا باعتبار الأفراد فقط بل باعتبار الأمة أيضاً.
- إن «مدن قدسك» اي مدن الأرض المقدسة برية والهيكل صار حريق نار «ومشتهياتنا» أي الدور والأبنية المختصة بالهيكل صارت خراباً.
- إن آباءهم سبّحوا الرب في «بيت قدسنا».
- إنهم ذلوا عن قريب يفنون إن لم يرحمهم الرب.
وهذه الصلاة توافق حالة شعب الله في كل عصر فإن الكنيسة للآن قليلة وضعيفة بالنسبة إلى ما يجب غير أن فيها أتقياء يصلون لله ووجود هؤلاء الأتقياء في كل عصر برهان على أن الله لم يترك كنيسته ولن يتركنا بل يخلصها ويمجدها.
فوائد للوعاظ
قد ذبلنا كورقة (ع ٦)
لنا كتابان منهما نعرف الله وهما الكتاب المقدس وكتاب الطبيعة. ومن الورقة نتعلم:
- إن الشجرة تنفع الأوراق والأوراق تنفع الشجرة وإذا انتثرت الأوراق لا تسقط الشجرة بل تذخر في نفسها ما كانت قد أخذته من الورقة. وإذا مات الصالح بقي للهيئة الاجتماعية فوائد حياته.
- إن للورقة الذابلة نوعاً من الجمال. وفي حياة الإنسان في هذا العالم بعض الأفراح فأكثر الناس يحبون أن يبقوا في الجسد.
- إنه لا بد من انتثار الأوراق ولا بد من موت الجسد ولكن الإنسان الصالح يختلف عن الورقة في أن حياته الروحية تزداد يوماً فيوماً وعند موت جسده تنتقل نفسه إلى الحياة الأبدية.
- إن للأوراق أوقاتاً معروفة وأما الإنسان فلا يعرف يوم موته. ولكن الإنسان كالورقة لأن له أحياناً تنبيهات على انحلال الجسد كالأمراض والشيبة والضعف في الحواس.
ينتبه ليتمسك بك (ع ٧) (انظر ص ٢٧: ٥)
نتمسك بالرب لأسباب:
- إن لنا فيه كل ما نحتاج إليه كالحكمة والقوة والنعمة فنتمسك به كما يتمسك الولد الصغير بيد أبيه. البحري عندما يقترب إلى اليابسة يتمسك بها بواسطة حبل أو عصاً ويشد كأنه يسحب البرّ إليه غير أن البرّ لا يأتي إليه بل هو يأتي إلى البر وهكذا من يتمسك بالله.
- إننا إن لم نتمسك به نقصر عن بركات كثيرة لا يعطيها الرب إلا الذين يسألونه إياها بالصلاة باللجاجة.
- إن النمو في الحياة الروحية لا يكون إلا بالاجتهاد. يجتهد الناس في تحصيل الغنى والعلوم فكم بالحري يجب الاجتهاد في خلاص النفس ومجدها الأبدي.
طلب الرحمة (ع ٨) بناء على ما يأتي:
- كون الله خالقنا. من يبني بيتاً أو يغرس كرماً أو يصنع شيئاً لا يخربه بل يحفظه ويفتخر به ويعتني به وهكذا الرب وخلائقه.
- كونه أبانا. الآباء من بني البشر يربون أولادهم وينفقون مالاً لأجلهم ويترأفون عليهم وهكذا الله وبنوه.
- كونه ملكنا. كان الرب ملك إسرائيل جسدياً وروحياً وهو ملك روحي لشعبه في كل زمان فلا يليق به وهو ملك مجيد وقدير أن تخرب مملكته.
ونزيد على ما قيل في الموضوع تعليم العهد الجديد وهو أن شعب الله يطلبون الرحمة بناء على تجسد المسيح وموته فدية للمؤمنين به.
السابق |
التالي |