إشعياء

سفر إشعياء | 63 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلسِّتُّونَ

١ – ٦ «١ مَنْ ذَا ٱلآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هٰذَا ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. ٱلْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. ٢ مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ ٱلْمِعْصَرَةِ؟ ٣ قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. ٤ لأَنَّ يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ. ٥ فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ، وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي، وَغَيْظِي عَضَدَنِي. ٦ فَدُسْتُ شُعُوباً بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي، وَأَجْرَيْتُ عَلَى ٱلأَرْضِ عَصِيرَهُمْ».

رؤيا ١٩: ١٣ مراثي ١: ١٥ ورؤيا ٤: ١٩ و٢٠ و١٩: ١٥ ص ٣٤: ٨ و٦١: ٢ ص ٤١: ٢٨ و٥٩: ١٦ يوحنا ١٦: ٢٢ مزمور ٩٨: ١ وص ٥٩: ١٦ رؤيا ١٦: ٦

ليس لهذا الفصل علاقة بما قبله ولا بما بعده. وموضوعه يوم النقمة لأدوم (انظر ما قيل في أدوم في تفسير ص ٣٤: ٦). ومن خطايا أدوم العظمى الكبرياء (عوبديا ٣) والبغض (حزقيال ٣٥: ٥) والحسد (حزقيال ٣٥: ١١) والظلم للإسرائيليين (يوئيل ٣: ١٩). والله جازاهم حسب أعمالهم «كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ» (عوبديا ١٥).

وفي تاريخ نبوءة ملاخي كانت جباله خراباً وميراثه لذئاب البرية ولم تزل على هذه الحالة إلى اليوم. ولكن النبي لم يقصد الالتفات إلى أدوم وخطاياها وعقابها بل يجتذب النظر إلى الآتي من أدوم البطل الظافر البهي بملابسه والمتعظم بكثرة قوته. ولما رآه في الرؤيا سأل «من ذا الآتي» فأجاب ذلك البطل أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص فلا شك أنه الرب نفسه إله إسرائيل ومخلصه. ثم سأله النبي «ما بال لباسك محمر» فقال له الرب إنه يوم نقمة لأعدائه وخلاص لشعبه. وتلك الدينونة المخيفة وذلك الخلاص العظيم كلاهما فعل الرب وحده. ولم نجد هنا إشارة إلى آلام المسيح لأن الرب قال إنه لطخ ملابسه بدم أعدائه لا بدم نفسه. والإشارة هنا أولاً إلى خلاص إسرائيل من الأدوميين وغيرهم من أعدائهم ثم إلى الدينونة الأخيرة وإلى المسيح وهو متسربل بثوب مغموس بدم وهو يدوس معصرة خمر وسخط وغضب الله (رؤيا ١٩: ١١ – ٢١).

ثِيَابٍ حُمْرٍ من دم أعدائه.

مِنْ بُصْرَة عاصمة أدوم إلى جهة الشمال من سالع أي بترا.

ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ افتخر الظافر بثيابه الملطخة بدم أعدائه (ناحوم ٢: ٣).

ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ ومعنى البرّ هنا الصدق والأمانة فالرب وعد ووفى بوعده.

ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ عظيم في إهلاك أعدائه وفي خلاص شعبه. ولكن الاسم الذي يحبه والذي يتميز به هو «العظيم للخلاص».

وَحْدِي وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ الشعوب هم الأمم أي كل الشعوب ما عدا شعب الله فالمعنى أن لا أحد من الشعوب قام لإجراء مقاصد الله في منع أدوم عن تعدياتهم على اليهود المذكورة في عوبديا وفي حزقيال (ص ٣٥). فأجرى الله هذا الهلاك أخيراً على جميع الشعوب لا على أدوم فقط فكانت جميع الشعوب في المعصرة تحت قدميه. والتواريخ تذكر أن نبوخذنصّر انتصر على أدوم والنبايوتيين وهم قبيلة في بلاد العرب من نسل إسماعيل أخذوا بترا عاصمة أدوم (كانت بصرة عاصمتها القديمة) سنة ٣٠٠ قبل الميلاد والمكابيين أخذوا القسم الجنوبي من أدوم والرومانيين أخذوها سنة المئة قبل الميلاد. فيُشاهد اليوم خرَب ثلاثين مدينة من مدنهم الممتدة من البحر الأحمر إلى مسيرة ثلاثة أيام وفي تلك الخرَب أعظم شاهد على ما كانت عليه من العظمة سابقاً وما صارت إليه من تمام الدمار الآن. وبما أن أدوم كناية عن أعداء الله يكون خراب أدوم كناية عن غضب الله على أعدائه في انقضاء الدهر (رؤيا ١٤: ١٩ و٢٠). وكلمة «وحدي» تفيد أيضاً أن المسيح قام وحده بعمل الخلاص وإن ليس لشعبه قوة ولا قداسة حتى يشتركوا معه في ذلك التعليم في أماكن أخرى من الكتاب المقدس بل أنه غلب على أعدائه وحده ومن أعدائه الأشداء خطايانا فيدوسها المسيح (ميخا ٧: ١٩).

يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ أي يكفي يوم للنقمة وأما الفداء فله سنة «وسنة مفدييَّ» كالسنة المقبولة في (ص ٦١: ٢).

لأَنَّ يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ فِي قَلْبِي هذا القول لا ينفي محبة الله لكل بني البشر بل يبين لنا باصطلاحات بشرية أنه كامل في كل صفاته كالعدل والحق لا في المحبة والرحمة فقط فالرب لكونه عادلاً والخالق والديان ينتقم ويجازي غير أنه لا يجوز لنا أن ننتقم لأنفسنا أو نجازي عن شرّ بشرّ.

وَتَحَيَّرْتُ الرب لا يتحيّر لأنه سبق فعرف كل ما يحدث وعيّنه أيضاً. فالقول «تحيّرت» يفيد فقط أن ما حدث هو غير ما كان يجب أن يحدث وغير منتظر فيحمل على الحيرة حسب أفكار الناس (ص ٥: ٢ و٤١: ٢٨ و٥٩: ١٦).

في (ع ٧ – ٩) ذكر النبي مراحم الرب لشعبه ثم في (ع ١٠ – ١٤) ذكر خطاياهم ثم في (ع ١٥ إلى آخر ص ٦٤) يصلي إلى الرب ويطلب الغفران والخلاص.

٧ «إِحْسَانَاتِ ٱلرَّبِّ أَذْكُرُ. تَسَابِيحَ ٱلرَّبِّ. حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ ٱلرَّبُّ، وَٱلْخَيْرَ ٱلْعَظِيمَ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي كَافَأَهُمْ بِهِ حَسَبَ مَرَاحِمِهِ، وَحَسَبَ كَثْرَةِ إِحْسَانَاتِهِ».

إِحْسَانَاتِ الجمع يشير إلى الكثرة. وغلب في العهد القديم أن تُذكر في الصلوات مراحم الرب (مزمور ٧٧: ١٠ – ١٥ و٧٨: ١ – ٤ ونحميا ٩: ٥ الخ).

٨ «وَقَدْ قَالَ حَقّاً: إِنَّهُمْ شَعْبِي، بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ. فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصاً».

إِنَّهُمْ شَعْبِي تسمّى إسرائيل شعباً أولاً من فرعون (خروج ١: ٩) والرب سماهم شعبه أولاً لما ظهر لموسى بالعليقة (خروج ٣: ٧).

بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ قال الرب عن بني إسرائيل «إِنَّهُمْ جِيلٌ مُتَقَلِّبٌ، أَوْلاَدٌ لاَ أَمَانَةَ فِيهِمْ» (تثنية ٣٢: ٢٠) فلا نفهم من القول هنا في إشعياء أن الرب خُدع في شعبه أو استنظر غير الواقع بل أنه يريد أنهم يكونون بنين لا يخونون وهذا يجب عليهم نوعاً بعد ما سماهم شعبه.

فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصاً ابتدأ في تخليصهم لما كانوا عبيداً في مصر فكان لهم مخلصاً في كل تاريخهم.

٩ «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ، وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ».

قضاة ١٠: ١٦ وزكريا ٢: ٨ وأعمال ٩: ٤ خروج ١٤: ١٩ و٢٣: ٢٠ و٢١ و٣٣: ١٤ وملاخي ٣: ١ وأعمال ١٢: ١١ تثنية ٧: ٧ و٨ خروج ١٩: ٤ وتثنية ١: ٣١ و٣٢: ١١ و١٢ وص ٤٦: ٣ و٤

فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ لا يتضايق الله ولكن شبّه محبته بمحبة إنسان شفوق لرفيقه إفهاماً للبشر. وضيق الإسرائيليين ابتدأ في مصر (خروج ٢: ٢٣ و٢٤ و٣: ٧) وليس في العهد القديم عبارات أشد من هذه في الدلالة على شفقة الرب ومشاركته لشعبه في ضيقاتهم. وهذه المحبة ظهرت بتمامها في الإنسان يسوع المسيح.

وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ ليس هذا ملاكاً مخلوقاً بل الرب نفسه (خروج ٢٣: ٢٠ – ٢٣ و٣٣: ٢) والملاك الذي ظهر ليعقوب (تكوين ٢٨: ١٣) ولموسى (خروج ٣: ٢) وليشوع (يشوع ٥: ١٤). وملاك حضرة الله هو المرسل من قبله والمتكلم عنه والذي يظهر الله به فلا تصح هذه الأقوال إلا في الرب يسوع المسيح وهو الكلمة والمرسل من الآب وبهاء مجده ورسم جوهره. وهو الذي فكهم من عبودية مصر ورفعهم من ذلهم وحملهم كل الأيام القديمة في القفر حتى وصلوا إلى أرض كنعان (تثنية ٣٢: ١٠).

١٠، ١١ «١٠ وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ، فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً، وَهُوَ حَارَبَهُمْ. ١١ ثُمَّ ذَكَرَ ٱلأَيَّامَ ٱلْقَدِيمَةَ: مُوسَى وَشَعْبَهُ. أَيْنَ ٱلَّذِي أَصْعَدَهُمْ مِنَ ٱلْبَحْرِ مَعَ رَاعِي غَنَمِهِ؟ أَيْنَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي وَسَطِهِمْ رُوحَ قُدْسِهِ».

خروج ١٥: ٢٤ وعدد ١٤: ١١ ومزمور ٧٨: ٥٦ و٩٥: ٩ مزمور ٧٨: ٤٠ وأعمال ٧: ٥١ وأفسس ٤: ٣٠ خروج ٢٣: ٢١ خروج ١٤: ٣٠ و٣٢: ١١ و١٢ وعدد ١٤: ١٣ و١٤ الخ وإرميا ٢: ٦ مزمور ٧٧: ٢٠ عدد ١١: ١٧ و٢٥ ونحميا ٩: ٢٠ ودانيال ٤: ٨ وحجي ٢: ٥

تَمَرَّدُوا في جبل سيناء لما صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً وسجدوا له وعند ماء مريبة وفي وسطهم حيث زنوا مع بنات موآب في زمان القضاة إذ عبدوا البعليم وفي طلبهم ملكاً وفي عصيانهم على رحبعام وإقامة العجلين في دان وبيت إيل وفي زمان الملوك حتى أن جميع رؤساء الكهنة مع الشعب أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم ونجسوا بيت الرب الذي قدسه في أورشليم.

وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ لم تُنسب لفظة «قدس» إلى «روح الله» في العهد القديم إلا هنا وفي (ع ١١ وفي مزمور ٥١: ١١). «فروح قدسه» هو الروح القدس الأقنوم الثالث وكان الروح القدس في وسط الشعب بالإجمال وحل نوعاً على موسى وهو كليم الله. والشعب أحزنوا الروح لما تمردوا عليه ورفضوا إرشاده وعملوا أعمالاً قبيحة لا يقدر الروح أن يطيقها لكونه قدوساً.

فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً الذي تضايق في ضيقهم وفكهم بمحبته ورأفته صار عدواً وحاربهم أي سلّمهم لأعدائهم. فالله لا يتغير وأما هم فتغيروا وتحولوا من الطاعة إلى العصيان فصاروا أعداء الله.

ثُمَّ ذَكَرَ أي إسرائيل ذكر الأيام القديمة وفي أيام ضيقهم وعرفوا قيمة امتيازاتهم التي خسروها بسبب خطاياهم. ولكن في أيام إرميا (إرميا ٢: ٦) لم يقولوا أين هو الرب الذي أصعدنا من أرض مصر.

أَيْنَ ٱلَّذِي أَصْعَدَهُمْ قول الشعب أو قول النبي بالنيابة عن الشعب.

رَاعِي غَنَمِهِ موسى هو الراعي والشعب غنم الله والبحر هو البحر الأحمر.

١٢ «ٱلَّذِي سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ، ٱلَّذِي شَقَّ ٱلْمِيَاهَ قُدَّامَهُمْ لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ ٱسْماً أَبَدِيّاً».

خروج ١٥: ٦ خروج ١٤: ٢١ ويشوع ٣: ١٦

سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ كإنسان يمشي بجانب ابنه الصغير مستعداً أن يمسكه بيمينه إذا عثر أو تاه.

شَقَّ ٱلْمِيَاهَ مياه البحر الأحمر لما عبر بنو إسرائيل.

لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ ٱسْماً وهذه غاية كل أعماله وعجائبه في مصر والقفر (خروج ١٥: ١١ – ١٦) ولا يجوز للإنسان أن يعمل أعماله لمجد نفسه ولا يليق بالرب أن يعمل لغاية أخرى لأن مجد الله هو الغاية العظمى.

١٣، ١٤ «١٣ ٱلَّذِي سَيَّرَهُمْ فِي ٱللُّجَجِ، كَفَرَسٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَعْثُرُوا؟ ١٤ كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ، رُوحُ ٱلرَّبِّ أَرَاحَهُمْ. هٰكَذَا قُدْتَ شَعْبَكَ لِتَصْنَعَ لِنَفْسِكَ ٱسْمَ مَجْدٍ».

مزمور ١٠٦: ٩ و٢صموئيل ٧: ٢٣

كَفَرَسٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ لا يعثر لأن صاحبه معه ويقوده وهكذا كان الإسرائيليون يسيرون في وسط البحر كأنهم سائرون في البرية.

كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ لتشرب وتستريح وهذه التشبيهات كلها تدل على عناية الله بشعبه إذ أتى بهم إلى أرض الميعاد.

١٥ – ١٩ «١٥ تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱنْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ. أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ؟ زَفِيرُ أَحْشَائِكَ وَمَرَاحِمُكَ نَحْوِي ٱمْتَنَعَتْ. ١٦ فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ ٱلأَبَدِ ٱسْمُكَ. ١٧ لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ٱرْجِعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ. ١٨ إِلَى قَلِيلٍ ٱمْتَلَكَ شَعْبُ قُدْسِكَ. مُضَايِقُونَا دَاسُوا مَقْدِسَكَ. ١٩ قَدْ كُنَّا مُنْذُ زَمَانٍ كَٱلَّذِينَ لَمْ تَحْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُدْعَ عَلَيْهِمْ بِٱسْمِكَ».

تثنية ٢٦: ١٥ ومزمور ٨٠: ١٤ مزمور ٣٣: ١٤ إرميا ٣١: ٢٠ وهوشع ١١: ٨ تثنية ٣٢: ٦ و١أيام ٢٩: ١٠ وص ٦٤: ٨ أيوب ١٤: ٢١ وجامعة ٩: ٥ مزمور ١١٩: ١٠ ص ٦: ١٠ ويوحنا ١٢: ٤٠ ورومية ٩: ١٨ عدد ١٠: ٣٦ مزمور ٩٠: ١٣ تثنية ٧: ٦ و٢٦: ١٩ وص ٦٢: ١٢ ودانيال ٨: ٢٤ مزمور ٧٤: ٧ ص ٦٥: ١

بعد الشكر والاعتراف يطلب الشعب من الرب أن يرحمهم ويعترف بأنهم شعبه ويخلّصهم من خطاياهم ومن أعدائهم وهذه الصلاة تحتوي على الباقي من هذا الأصحاح والأصحاح ٦٤ أيضاً وهي ممتازة بجمال ألفاظها وذكر رحمة الله غير المحدودة ونسبة أبوة الله إلى شعبه.

تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ كأن الله ترك الأرض وشعبه وبما أن الهيكل كان قد خرب وجهوا أفكارهم وصلواتهم إلى السماء.

زَفِيرُ أَحْشَائِكَ أي شفقتك.

نَحْوِي النبي يتكلم بالنيابة عن الشعب.

أَبُونَا صلاتهم مبنية على نسبتهم إلى الله نسبة البنوة وهذه النسبة معروفة في العهد القديم غير أن اليهود لم يشعروا بها إلا نادراً (تثنية ٣٢: ٦) ولم يفهموا نسبة أبوّة الله لكل مؤمن بمفرده.

وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ اليهود افتخروا بنسبتهم إلى إبراهيم لأن مواعيد الله كانت له ولنسله ولكنهم أقروا بهذه الصلاة أن نسبتهم إلى الآب السماوي أهم من نسبتهم إلى إبراهيم حتى ولو زال اتكالهم على إبراهيم لا يزول اتكالهم على الله. وقولهم هذا يدل على أنهم شعروا بأن شعب الله وإن كان بالأول محصوراً ضمن الأمة اليهودية هو شعب روحي ومجموع من كل الأمم بغض النظر عن التسلسل الجسدي. ولا يوجد صلاة أخرى في العهد القديم تخاطب الله باسم أبٍ. ولنا من هذا برهان على أن إشعياء كتب هذه الألفاظ بإرشاد الروح القدس فإنه استعمل ألفاظاً لا تطابق أفكار اليهود ولا عادتهم بل يوافق تماماً الكنيسة المسيحية وشعب الله من كل أمة وفي كل عصر.

وَلِيُّنَا مُنْذُ ٱلأَبَدِ ٱسْمُكَ أي اسمك منذ الأبد هو وليّنا (ص ٥٤: ٥).

لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يقول الشعب في هذه الصلاة (ص ٦٤) «سَخَطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا… وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا… حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا» فلا نفهم من قولنا هنا «أضللتنا» أنهم ينسبون الشر إلى الله فإن الله أعطى الناس الحرية ويريد أن خدمتهم له تكون اختيارية لا إجبارية ومما ينتج من الحرية إمكانية الضلال.

والقول «أضللتنا» الخ هو إقرارهم:

  1. بأنهم لا يقدرون أن يعملوا شيئاً صالحاً إلا بنعمة الله وإذا كان يحجز نعمته عنهم يكون كأنه أضلّهم.
  2. بأنهم يحبون أن يسلكوا في طرق الرب ومخافته ويطلبوا من الرب أن يرجع إليهم. وقولهم هذا يثبت أنهم بالحقيقة شعب الله وأنهم يحبونه وإلا لم يفتكروا فيه أو حزنوا من ابتعاده عنهم. وأما الأشرار فيحبون لو أمكن أن ينسوا الله وأنه هو ينساهم ويبتعد عنهم.

إِلَى قَلِيلٍ أي على مدة قليلة امتلكوا مقدس الرب أي الهيكل ثم مضايقوهم داسوه وكانت المدة من بناء الهيكل إلى السبي نحو ٤٠٠ سنة ومع ذلك يقولون «قليل».

شَعْبُ قُدْسِك أي شعبك المقدس وهو الشعب المختار لعبادة الله.

قَدْ كُنَّا مُنْذُ زَمَانٍ مدة الضيقات الحاضرة تظهر أنها طويلة كما أن مدة الخيرات الماضية تظهر أنها قليلة.

كَٱلَّذِينَ لَمْ تَحْكُمْ عَلَيْهِمْ كانوا كأن الرب لم يميّز بينهم وبين الأمم. في وقت الراحة في بلادهم رفضوا حكم الرب واشتهوا أن يكونوا كالأمم وبعدما صاروا كالأمم عرفوا قيمة امتيازاتهم القديمة واشتاقوا إلى حكم الرب.

فوائد للوعاظ

الخلاص في العهد القديم والخلاص في العهد الجديد (ع ١ – ٦) يتميز الواحد عن الآخر:

  1. بالعظمة الجسدية. «المتعظم». ظهرت قوة الرب المخيفة في البحر الأحمر وجبل سيناء وظهر مجده في الهيكل وأما المسيح فكان بالجسد كخادم (متّى ٢٠: ٢٨) وكملك وديع (متّى ٢١: ٥).
  2. بسفك الدماء. «دائس المعصرة». وأما المسيح فقال لبطرس «اجعل سيفك في الغمد» وأمر تلاميذه بالصبر والتسليم.
  3. بالغيظ. «يوم النقمة في قلبي». وأما المسيح فقال (يوحنا ٣: ١٧) «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ».

ويتفق الواحد مع الآخر في ما يأتي:

  1. في أن العمل هو للخلاص وعظمة المسيح التي ظهرت في الغلبة على الشيطان والموت وفي الخلاص من الخطية ليست أقل من العظمة التي ظهرت في القديم.
  2. في أن الرب بارّ وقدوس وصادق في كل مواعيده.
  3. في أن الخلاص كامل.
  4. في أن المسيح عمل وحده لأنه المخلّص الوحيد وإنه خلصنا بالنعمة لا بأعمالنا.

في كل ضيقهم تضايق (ع ٩)

  1. تضايق الرب لما تضايق شعبه من الأشرار كما في مصر (خروج ٢: ٢٣ و٢٤ و٣: ٧) وفي أيام القضاة (قضاة ١٠: ٩ و١٦) وفي زمان السبي (إشعياء ٤٢: ٢٢ – ٢٥).
  2. تضايق الرب لما تضايق الشعب من يده تأديباً لخطاياهم (٢أيام ٣٦: ١٤ – ١٦) كما يتألم الأب الحنون عندما يقاصّ ابنه (هوشع ١١: ٨).

وهذا يدل على أن الرب كامل بكل صفاته وعنده شفقة ومحبة غير محدودة كما له قدرة ومجد وعدل.

أحزنوا روح قدسه (ع ١٠)

من تشبيهات الروح القدس الواردة في الكتاب المقدس الماء والنار والريح والزيت والمطر والحمامة والصوت والختم.

ومما يُحزن الروح:

  1. الخطايا القلبية لأنه يريد أن يسكن في قلب الإنسان ولكنه قدوس فلا يقدر أن يسكن في مكان نجس.
  2. التمرد والعصيان لأنه المرشد يريد أن يسمع الجميع صوته ويطيعوه.
  3. الكسل لأنه روح الحياة والعمل ويريد أن يعمل في الناس وبواسطة الناس.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى