إشعياء

سفر إشعياء | 60 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسِّتُّونَ

موضوع هذا الأصحاح أورشليم الجديدة المجيدة. قال النبي في الأصحاح السابق إنه يأتي الفادي إلى صهيون وإن العاملين في العالم هما روح الله وكلامه (ص ٥٩: ٢٠ و٢١). وقال أيضاً إن هذا العمل سينجح في تقدم صهيون وثباتها إلى الأبد. وفي هذا الأصحاح يدعو النبي الكنيسة إلى أن تقوم وتستنير وترى المجد الذي أشرق عليها.

١ – ٣ «١ قُومِي ٱسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. ٢ لأَنَّهُ هَا هِيَ ٱلظُّلْمَةُ تُغَطِّي ٱلأَرْضَ وَٱلظَّلاَمُ ٱلدَّامِسُ ٱلأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ ٱلرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. ٣ فَتَسِيرُ ٱلأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَٱلْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ».

أفسس ٥: ١٤ ملاخي ٤: ٢ ص ٤٩: ٦ و٢٣ ورؤيا ٢١: ٢٤

الخطاب هنا لأورشليم كما يظهر من قوله في (ع ١٤) «مَدِينَةَ ٱلرَّبِّ، صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ» والنبي رأى في الرؤيا المدينة في حالة الذل والخراب وأهلها مسبيين في بابل ورأى أيضاً مجيء نورها وقيام أسوارها ورجوع شعبها وانضمام كثيرين إليها وخدمة الأمم لها فدعاها إلى المسرّة والمجد ولكن أورشليم الأرضية لم تحصل على المجد الموعود به وواضح أن بعض الكلام مجاز كالكلام في كثرة الجمال من مديان وكباش نبايوت وسفن ترشيش وإن الشمس لا تغيب والقمر لا ينقص. فيتضح أن أورشليم هنا كناية عن الكنيسة على الأرض وأورشليم السماوية. والكنيسة مشبهة بامرأة حزينة متعبة مضطعجة على الأرض في العتمة.

قَدْ جَاءَ نُورُكِ الرب النور المختصّ بها بدليل قوله «نورك» وذلك إشارة إلى محبته غير المتغيرة وعنايته الخاصة بشعبه فحين يجيء الرب يزول الحزن والذل كما يزول الظلام عند إشراق الشمس. والنبوءة تمّت بتجسد المسيح.

ٱسْتَنِيرِي ليس للكنيسة نور بذاتها بل المسيح نورها وهو نور العالم وبعد ما تستنير منه تصير هي نور العالم. والأمر «قومي استنيري» يشير إلى تكليف الكنيسة لأنها تقدر أن تقوم أو لا تقوم وتقدر أن تقبل النور أو ترفضه كما تختار.

ٱلظُّلْمَةُ تُغَطِّي ٱلأَرْضَ تشير الظلمة إلى حالة العالم قبل التجسد لأن كل بني البشر كانوا بلا معرفة وبلا رجاء وبلا حياة روحية وكان الظلم والخطايا الفظيعة متسلطة عليهم وأما النور فأشرق على العالم حين وُلد يسوع وظهر أول لمعانه في اليهودية ومنها امتد إلى كل الأرض.

فَتَسِيرُ ٱلأُمَمُ فِي نُورِكِ كلمة «تسير» تدل على السلوك والعمل لا مجرد المعرفة فما أعظم الكنيسة التي كانت في بداءتها ضعيفة فإن الأمم انضموا إليها وملوك كثيرون خضغوا لرأسها المسيح.

٤ «اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَٱنْظُرِي. قَدِ ٱجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى ٱلأَيْدِي».

ص ٤٩: ١٨ ص ٤٩: ٢٠ و٢١ و٢٢ و٦٦: ١٢

اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ أي انظري إلى البعيد فعلى الكنيسة أن ترفع نظرها إلى المستقبل وترى بالإيمان تتميم مواعيد الله. والبنون والبنات هم الذين قبلوا المسيح بواسطة تعليم الكنيسة وتبشيرها من اليهود ومن الأمم لا اليهود فقط وهم بنون وبنات في الإيمان.

تُحْمَلُ بَنَاتُكِ أي الأمم يخدمون أولاد الكنيسة ويسهلون لهم طرق التعليم والعبادة والحياة الروحية ونرى في أيامنا أن بعض الدول العظمى صارت تساعد الكنيسة المسيحية بنظامها وحياتها.

٥ «حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ ٱلْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى ٱلأُمَمِ».

رومية ١١: ٢٥ ع ١١ وص ٦١: ٦

تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ أي تفرحين لأن الفرح كالنور على الإنسان.

وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ من الفرح فإن هذه البركات والمجد أكثر مما كانوا ينتظرونه.

يَتَّسِعُ قلبها يتسع بزيادة عدد الذين يحبونها ويصلّون لأجلها وبزيادة إيمانها بالله الذي عمل لها فوق كل ما تصورت أو طلبت.

ثَرْوَةُ ٱلْبَحْرِ يشير إلى كثرة الذين يأتون إلى الكنيسة من البلاد المجاورة البحر أو عبر البحر ويشير أيضاً إلى مال العالم الموقوف للرب ولكنيسته فإننا نرى في أيامنا كل سنة ألوفاً من الوثنيين يتركون أصنامهم وينضمون إلى الكنيسة وملايين من الليرات تأتي إلى صندوق الرب.

٦، ٧ «٦ تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ ٱلْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَباً وَلُبَاناً، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ ٱلرَّبِّ. ٧ كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي».

تكوين ٢٥: ٤ مزمور ٧٢: ١٠ ص ٦١: ٦ ومتّى ٢: ١١ تكوين ٢٥: ١٣ حجي ٢: ٧ و٩

بُكْرَانُ أولاد الجمال.

مِدْيَانَ في بلاد العرب «وعيفة» قبيلة من قبائل مديان و«شبا» أيضاً في بلاد العرب وهم من نسل إبراهيم من قطورة و«قيدار» و«نبايوت» أولاد إسماعيل. والنبي يعبّر عن مجد الكنيسة بعبارات مستعارة من أهل عصره. وفي أيامنا نقول بدلاً من ديان وعيفة الخ الهند والصين ويابان الخ ونذكر بدلاً من الجمال والغنم الجمعيات التبشيرية والمرسلين من قبلها. وبدلاً من الذبائح التقدمات للرب من المال والخدمة.

تَصْعَدُ مَقْبُولَةً الرب يقبل كل تقدمة من الغنم أو الدراهم إذا كانت مقدمة بالإيمان والمحبة فإنه لا ينظر إلى مقدار العطية بل إلى قلب المعطي.

أُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي يشير إلى الزينة الخارجية كالبناء الجميل والنظام المتقن وخصوصاً الزينة الروحية فإننا إذا نظرنا إلى جماعة من الناس متصفة بالإيمان والمحبة والغيرة في عمل الخير نقول إن هذا المنظر أجمل وأمجد من أحسن بناء في العالم وكما كانت جنة عدن مكان سعادة وجمال وقبلما دخلت الخطية لأن الرب فيها وكما كان هيكل سليمان مجيداً لأن الرب جلس على الكروبيم هكذا يكون الهيكل الثاني بحضور يسوع فيه فالكنيسة جميلة ومجيدة بحلول الروح القدس فيها.

٨، ٩ «٨ مَنْ هٰؤُلاَءِ ٱلطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ وَكَالْحَمَامِ إِلَى بُيُوتِهَا؟ ٩ إِنَّ ٱلْجَزَائِرَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنَ تَرْشِيشَ فِي ٱلأَوَّلِ، لِتَأْتِيَ بِبَنِيكِ مِنْ بَعِيدٍ وَفِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ، لاسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكِ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ».

مزمور ٧٢: ١ وص ٤٢: ٤ و٥١: ٥ غلاطية ٤: ٢٦ مزمور ٦٨: ٣٠ وزكريا ١٤: ١٤ إرميا ٣: ١٧ ص ٥٥: ٥

ٱلطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ كناية ثانية عن انضمام الأمم إلى الكنيسة التي يرى في الرؤيا سفن ترشيش فيشبه قلوعها بسحابة لكونها بيضاء وكثيرة بحمام طائر لكونها آتية من بلاد بعيدة إلى البيت أي بيت الرب وكانت سفن ترشيش أكبر سفن العالم فيليق أنها تكون الأولى في الخضوع للرب.

ٱلْجَزَائِرَ هي البلاد التي في جهة الغرب المجاورة البحر أو عبر البحر وهذه البلاد الوثنية تنتظر الرب لأنها في حال الذل واليأس ولم تجد الخلاص في أديانها الكاذبة وليس لها رجاء إلا بالمسيح فتنتظر حتى تسمع التبشير به. وهو مخلّص لهم كما هو مخلّص لليهود غير أن بعض الوثنيين لا يعرفون أنهم محتاجون ولا يطلبون المسيح ومن عمل المبشر أن يريهم شفاءهم ثم يريهم المخلص.

فِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ أي يجب على الإنسان أن يقف نفسه وماله أيضاً لخدمة الرب.

لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ فيكون مجدها كله من الرب ومن نعمته من استحقاقها والرب مجدها إذ جعلها عمود الحق وقاعدته وسلّمها خدمة التبشير ووكل إليها تخليص الأنفس ونشر الإنجيل.

١٠ «وَبَنُو ٱلْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ».

زكريا ٦: ١٥ ص ٤٩: ٢٣ ورؤيا ٢١: ٢٤ ص ٥٧: ١٧ ص ٥٤: ٧ و٨

وَبَنُو ٱلْغَرِيبِ هكذا كورش (عزرا ١: ٤) وأرتحشستا (نحميا ٢: ٨) أمرا بترميم أسوار أورشليم وكثيرون من الأمم دخلوا الكنيسة المسيحية وخدموا بنشر الإنجيل في العالم وكثيرون من الملوك في أيامنا يخدمون الكنيسة باشتراكهم في سرّيها وعطاياهم لها وبمحاماتهم عنها وسلوكها سلوكاً مسيحياً ليُقتدى بهم.

بِغَضَبِي أي غضبه وقتياً فإنه بعد الغضب رحمهم ورضي عنهم.

١١ «وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِماً. نَهَاراً وَلَيْلاً لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى ٱلأُمَمِ وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ».

رؤيا ٢١: ٢٥ ع ٥

وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ (رؤيا ٢١: ٢٥) «أَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ». لا ينقطع دخول الناس إلى الكنيسة ولا يكون حرب أو خوف فتُغلق الأبواب. والأبواب المغلقة توافق النظام اليهودي الذي منع اليهود من مخالطة الأمم خوفاً من أن يتمثلوا بهم. والأبواب المفتوحة توافق الكنيسة التي تقدم الإنجيل لجميع الناس وتُرحب بهم.

تُقَادَ مُلُوكُهُمْ بعضهم بإرادتهم يقبلون الديانة المسيحية وبعضهم يقادون أي يقبلونها لغاية سياسية ويمتنعون عن المقاومة لعجزهم.

١٢ «لأَنَّ ٱلأُمَّةَ وَٱلْمَمْلَكَةَ ٱلَّتِي لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَاباً تُخْرَبُ ٱلأُمَمُ».

زكريا ١٤: ١٧ و١٩ ومتّى ٢١: ٤٤

نرى في أيامنا أن جميع الممالك غير المسيحية في حال الانحطاط ولا يؤمل إصلاحها إلا بامتداد الديانة المسيحية فيها.

١٣ «مَجْدُ لُبْنَانَ إِلَيْكِ يَأْتِي. ٱلسَّرْوُ وَٱلسِّنْدِيَانُ وَٱلشَّرْبِينُ مَعاً لِزِينَةِ مَكَانِ مَقْدِسِي، وَأُمَجِّدُ مَوْضِعَ رِجْلَيَّ».

ص ٣٥: ٢ و٤١: ١٩ و١أيام ٢٨: ٢ ومزمور ١٣٢: ٧

شُبهت الكنيسة هنا بهيكل أورشليم فإن سليمان أخذ أحسن أنواع الخشب كالسرو والسنديان والشربين وهذه الأشجار مجد لبنان وبها بنى الأقداس موضع رجلي الرب (١أيام ٢٨: ٢). وأما الكنيسة المسيحية فهي الآن موضع قدمي الرب وهي المرموز إليها بهيكل سليمان وكما استخدم سليمان مجد لبنان أي أشجاره في بناء الهيكل تستخدم الكنيسة أحسن كنوز العالم وأشرف رجاله.

١٤ «وَبَنُو ٱلَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ ٱلَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ مَدِينَةَ ٱلرَّبِّ، صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ».

ص ٤٩: ٢٣ ورؤيا ٣: ٩ عبرانيين ١٢: ٢٢ ورؤيا ١٤: ١

الذين كانوا قد قهروا وأهانوا شعب الله يقرون أن إلههم هو الإله الحق الذي لا إله غيره. غير أنهم لا يسجدون للكنيسة بل لله الساكن فيها (ص ٤٥: ١٤). يوم الخمسين انضم إلى الكنيسة نحو ثلاث آلاف ولا شك في أنه كان بينهم بعض الذين صرخوا «اصلبه» قال مبشر إنه رأى في جزيرة بورنيو بين الإخوة المسيحيين أبناء الذي كانوا قد اضطهدوا الكنيسة وقتلوا كثيرين من المسيحيين.

١٥ «عِوَضاً عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ، أَجْعَلُكِ فَخْراً أَبَدِيّاً فَرَحَ دَوْرٍ فَدَوْرٍ».

أورشليم تشبه أحياناً بامرأة متروكة من رجلها «مهجورة ومبغضة» وأحياناً بمدينة خربة «بلا عابر» والمعنى واحد. والنبي قابل حالة أورشليم الخربة كما كانت في مدة السبي بحالة الكنيسة الممجدة فكان مجد أورشليم مجداً وقتياً وجسدياً وأما مجد الكنيسة فيكون روحياً وأبدياً.

١٦ «وَتَرْضَعِينَ لَبَنَ ٱلأُمَمِ، وَتَرْضَعِينَ ثُدِيَّ مُلُوكٍ، وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُخَلِّصُكِ وَوَلِيُّكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ».

ص ٤٩: ٢٣ و٦١: ٦ و٦٦: ١١ و١٢ ص ٤٣: ٣

من المعلوم أن هذا الكلام مجاز لأن حقيقته مستحيلة هنا فالمعنى هو وقف الغنى والقوة الجسدية للكنيسة المسيحية فتعرف الكنيسة من هو الرب وأنه قادر على كل شيء وأمين في مواعيده ومحب لشعبه وأنه إله الكنيسة ومخلّصها وهي شعبه الخاص.

١٧ «عِوَضاً عَنِ ٱلنُّحَاسِ آتِي بِٱلذَّهَبِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْحَدِيدِ آتِي بِٱلْفِضَّةِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْخَشَبِ بِٱلنُّحَاسِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْحِجَارَةِ بِٱلْحَدِيدِ، وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَماً وَوُلاَتَكِ بِرّاً».

وهذا الكلام مجاز أيضاً والمعنى هو التحسين في كل شيء فكل ما كانوا قد اختبروه من الخير والمجد في العصور الماضية يكون بالنسبة إلى العصور الآتية كنسبة النحاس إلى الذهب والحديد إلى الفضة الخ.

وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَماً أي أن الوكلاء والولاة سيجرون تمام الإجراء السلام والبر دائماً ويكون البر منسلطاً على ضمير الحاكم فيجوز القول إن البر هو الحاكم على الشعب.

١٨ «لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ «خَلاَصاً» وَأَبْوَابَكِ تَسْبِيحاً».

ص ٢٦: ١

لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ (ص ٢: ٤ و١١: ٦ – ٩ و٢٥: ٩) فإن الأيام الأخيرة تمتاز أحسن امتياز بانقطاع الحروب.

أَسْوَارَكِ خَلاَصاً لا يحتاجون إلى أسوار لأن الرب يخلّصهم من كل أعدائهم.

وَأَبْوَابَكِ تَسْبِيحاً كانت أبواب المدينة مكان اجتماع الشعب وجلوس الحكام وحدث في الأبواب أحياناً ظلم وخداع وغيرهما من الأعمال القبيحة (٢صموئيل ١٥: ٢ و١ملوك ٢٢: ١٠) ولكن كل ما يحدث من الحكم والتدبير في الكنيسة المجيدة يكون للمدح والتسبيح لأن المسيح يكون رأسها.

١٩ «لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ ٱلشَّمْسُ نُوراً فِي ٱلنَّهَارِ، وَلاَ ٱلْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئاً، بَلِ ٱلرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُوراً أَبَدِيّاً وَإِلٰهُكِ زِينَتَكِ».

رؤيا ٢١: ٢٣ و٢٢: ٥ زكريا ٢: ٥

المعنى أن نور الشمس يكون كلا شيء بالنسبة إلى نور الرب.

ٱلرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُوراً النور كناية عن جميع الخيرات ومنها المعرفة والقداسة والسلام والفرح وهذه البركات كلها من الرب ومتّى كان الرب مع شعبه لم يعوزهم شيء بل كان فرحهم كاملاً وأبدياً.

وَإِلٰهُكِ زِينَتَكِ كان في هيكل سليمان حجارة كريمة وكان مزيناً بالأرز والذهب ولكن جماله لم يكمل حتى ملأ مجد الرب البيت والكنيسة تتزين بمجد الرب ومجدها هذا لا يزول كما زال مجد هيكل سليمان.

٢٠ «لاَ تَغِيبُ بَعْدُ شَمْسُكِ، وَقَمَرُكِ لاَ يَنْقُصُ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَكُونُ لَكِ نُوراً أَبَدِيّاً، وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ».

عاموس ٨: ٩

قيل في (ع ١٩) «لا تكون لك شمس» وقيل هنا «لا تغيب شمس» أي الرب يكون نوراً أبدياً للكنيسة فلا تحتاج إلى شمس وهذه الشمس أي نور الرب لا تغيب أي نوره لا يفارق الكنيسة أبداً.

وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ وهذا الوعد يتم في السماء لأن للكنيسة على الأرض أيام نوح وذلك لسبب خطاياها وضعف إيمانها ووجود الخطية في العالم.

٢١ «وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ».

ص ٥٢: ١ ورؤيا ٢١: ٢٧ مزمور ٣٧: ١١ و٢٢ ومتّى ٥: ٥ ص ٦١: ٣ ومتّى ١٥: ١٣ ويوحنا ١٥: ٢ ص ٢٩: ٢٣ و٤٥: ١١ وأفسس ٢: ١٠

وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ وهذا جوهر الأمر كله لأن الحزن والتعب والخوف كلها ناتجة عن الخطية.

يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ الأرض كلها أرض فلسطين وحدها (ص ٤٩: ٨).

غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ برهم المذكور من الرب (أفسس ٢: ١٠).

٢٢ «اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفاً وَٱلْحَقِيرُ أُمَّةً قَوِيَّةً. أَنَا ٱلرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ».

متّى ١٣: ٣١ و٣٢

اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفاً كانت أمة اليهود صغيرة بالنسبة إلى ممالك الأمم والكنيسة صغيرة بالنسبة إلى عدد الوثنيين في العالم ولكنها ستنمو وتزداد حتى تملأ الأرض.

فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ أتى المسيح في ملء الأزمنة ويكون مجد الكنيسة الكامل في الزمان المعين من الله وهو لا ينسى كنيسته ولا يتأخر يوماً عن إنجاز هذه المواعيد وعندما نسمع هذه المواعيد الثمينة وننظر بالإيمان إلى مجد الكنيسة العظيمة نشتاق إلى إنجاز المواعيد إنجازاً كاملاً ونطلب سرعة مجيء الرب.

فوائد للوعاظ

عزيز يعقوب (ع ١٦)

اختار الرب لنفسه هنا هذا الاسم دون ذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل ولعل السبب أنه كان ليعقوب بعض صفات ضعيفة فقاومها وبنعمة الله خلص منها. فعزيز يعقوب هو الله الذي يخلّصنا من أنفسنا فيكون موضوعنا مقاومة أنفسنا فنقول:

  1. إن هذه المقاومة سرّية ولكل مسيحي في قلبه حروب روحية لا يعرفها العالم.
  2. إنه لا ترجى النجاة في هذه الحروب الداخلية السرّية.
  3. إن لنا من يأتي إلينا وينصرنا وهو الإنسان يسوع المسيح الذي كان مجرباً مثلنا بكل شيء ما عدا الخطية فيقدر أن يعين المجرّبين.

لا تغيب بعد شمسك (ع ٢٠)

الشمس كناية عن كل خير. وفي هذا ما يأتي:

  1. إن شمس هذا العالم تغيب. كما أن الليل يلي النهار هكذا المرض يلي الصحة والموت يلي الحياة ويُفنى المال ويفارقنا الأحباء وكما أننا لا نعرف هل يأتي الغد بصحو أو بمطر هكذا لا نعرف متى تزول خيراتنا الجسدية ومن المحتمل أن تزول في أي يوم كان.
  2. إنه كثيراً ما تغيب شمس هذا العالم في نفس الإنسان ومن المحتمل أن يكون حوله أصدقاء وجميع الخيرات ولكنه لا يقدر أن يفرح بها لما في نفسه من الغم والخيبة.
  3. شمس السماء لكل من المفديين ولا يكون بينهم أعمى ولا حزين.
  4. شمس السماء لطيفة فوق أنها مجيدة. وشبّه نورها بنور القمر أيضاً بقوله «وقمرك لا ينقص». وتلك الشمس لا تضرب أحداً ولا يقع على المفديين شيء من الحر. ولله محبة أبوية وشفقة عظيمة كما له عدل وقوة غير محدودة.
  5. إن شمس السماء الأبدية لا تغيب لأنه لا مرض ولا موت ولا خطية هناك ولا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى