سفر إشعياء | 57 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْخَمْسُونَ
لهذا الأصحاح والأصحاح السابق من ع ٩ موضوع واحد وهو ذكر خطايا اليهود في زمان النبي إلى تاريخ السبي قيل (٢أيام ٢٨: ١ – ٤) إن آحاز ملك يهوذا أوقد في وادي ابن هنوم وذبح وأوقد على المرتفعات وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء وابنه حزقيا أزال المرتفعات وأقام مذبح للبعل وسجد لكل جند السماء وعبدها وسفك دماً كثيراً حتى ملأ أورشليم من الجانب إلى الجانب.
١، ٢ «١ بَادَ ٱلصِّدِّيقُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذٰلِكَ فِي قَلْبِهِ. وَرِجَالُ ٱلإِحْسَانِ يُضَمُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ يَفْطِنُ بِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ ٱلشَّرِّ يُضَمُّ ٱلصِّدِّيقُ. ٢ يَدْخُلُ ٱلسَّلاَمَ. يَسْتَرِيحُونَ فِي مَضَاجِعِهِمِ. ٱلسَّالِكُ بِٱلاسْتِقَامَةِ».
مزمور ١٢: ١ وميخا ٧: ٢ و١ملوك ١٤: ١٣ و٢ملوك ٢٢: ٢٠ لوقا ٢: ٢٩ و٢أيام ١٦: ١٤
بَادَ ٱلصِّدِّيقُ اللام في الصديق للجنس فالمعنى باد الصديقون يشير إلى اضطهاد الأتقياء كما حدث في زمان منسى وقتلهم بالكثرة حتى يقال باد الصديقون أي لم يبق منهم أحد. إن الصديق وُعد بعمر طويل على الغالب ولكن هنا بالعكس لأن موته خير من هذه الحياة نظراً إلى الشرور والضيقات القادمة على البلاد. وهكذا كان موت يوشيا (٢ملوك ٢٢: ٢٠).
وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذٰلِكَ فِي قَلْبِهِ قال أحد المفسرين إذا استرجع الله سفيره من العالم فعلى العالم أن يفهم أن الله مستعد للدينونة إشارة إلى عادة الملوك فإن الملك إذا قصد محاربة مملكة فأول كل شيء يسترجع سفيره من تلك المملكة. انظر قول داود (مزمور ١٢: ١) «خَلِّصْ يَا رَبُّ لأَنَّهُ قَدِ ٱنْقَرَضَ ٱلتَّقِيُّ». وأمثلة ذلك دخول نوح إلى الفلك قبل الطوفان وخروج لوط من سدوم قبل انقلابها. ولكن الأشرار فرحوا بقطع الصديقين ولم يفهموا أنه رحمة الله لهم وعلامة غضبه على مضطهديهم.
يَدْخُلُ ٱلسَّلاَمَ النفس تدخل السلام في السماء والجسد يستريح في القبر إلى القيامة.
٣، ٤ «٣ أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا يَا بَنِي ٱلسَّاحِرَةِ، نَسْلَ ٱلْفَاسِقِ وَٱلزَّانِيَةِ. ٤ بِمَنْ تَسْخَرُونَ، وَعَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ ٱلْفَمَ وَتَدْلَعُونَ ٱللِّسَانَ؟ أَمَا أَنْتُمْ أَوْلاَدُ ٱلْمَعْصِيَةِ، نَسْلُ ٱلْكَذِبِ؟».
متّى ١٦: ٤
الله باعتبار أنه حاكم طلب المذنبين حتى يصرح بذنوبهم وقصاصهم.
نَسْلَ ٱلْفَاسِقِ وَٱلزَّانِيَةِ حسب العادة في الشرق الذي يقصد أعظم إهانة لأحد يعيره بأبيه وأمه. ويجوز أن يكون الكلام هنا حقيقة فإنه ربما كان المخاطبون نسل الفاسق والزانية وهم فاسقون وزناة أيضاً. ويجوز أن يكون مجازاً فيكون المعنى أنهم تاركون الله وساجدون للأصنام فإن عبادة الأصنام كثيراً ما شبهت بالزنى.
وَعَلَى مَنْ جواب هذا السؤال غير مذكور ولكنه مفهوم أي على الصديق وليس عليه فقط بل على الله أيضاً.
ومن أَنْتُمْ والجواب أنتم أولاد المعصية ونسل الكذب أي عبدة الأوثان فلا يليق بهم وهم أشرار أن يزدروا بالذين هم أفضل منهم. وعبدة الأوثان نسل الكذب لأن الاتكال على الأوثان باطل ومواعيدها كذب. هزأ سنبلّط باليهود (نحميا ٤: ١ – ٤) والهزء دائماً يكون من الجهلاء بالعلماء ومن الأدنياء بالشرفاء ومن الأشرار بالأتقياء ولكن الفهماء لا يستهزئون بالجهلاء والأتقياء لا يستهزئون بالأشرار.
٥ «ٱلْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى ٱلأَصْنَامِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، ٱلْقَاتِلُونَ ٱلأَوْلاَدَ فِي ٱلأَوْدِيَةِ تَحْتَ شُقُوقِ ٱلْمَعَاقِلِ».
ص ١: ٢٩ و٢ملوك ١٦: ٤ و١٧: ١٠ وإرميا ٢: ٢٠ لاويين ١٨: ٢١ و٢٠: ٢ و٢ملوك ١٦: ٣ و٢٣: ١٠ وإرميا ٧: ٣١ وحزقيال ١٦: ٢٠ و٢٠: ٢٦
ٱلْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى ٱلأَصْنَامِ أي الذين قدموا لها المحرقات.
تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ حسبوا بعض الأشجار مقدسة فلا يجوز أن يقطعوها أو يحتطبوا منها أو يوقدوا منها شيئاً ولا مما وقع على الأرض. واحترموا هذه الأشجار لكونها على التلال مرتفعة عن العالم ومنظورة من كل الجهات أو لكونها مفردة أي شجرة واحدة في بلاد بلا أشجار فتجذب النظر أو لكونها تستر الأعمال القبيحة التي جرت في ظلها (هوشع ٤: ١٣). وقوله «كل شجرة» يشير إلى عموم عبادة الأصنام وكثرتها.
ٱلْقَاتِلُونَ ٱلأَوْلاَدَ كان للموآبيين وللعمونيين إله سماه الموآبيون كموش أو بعل فغور وسماه العمونيون مولك أو ملكوم وصنعوا لهذا الإله تمثالاً من نحاس جالساً على عرش من نحاس وكان له رأس عجل عليه إكليل وكان العرش والصنم مجوفين وكانوا يوقدون في جوفيهما ناراً حامية جداً ويضعون أطفالاً على الذراعين فيحترقون سريعاً. ومارسوا هذه العبادة في وادي ابن هنوم قرب أورشليم (انظر ص ٣٠: ٣٣ ومولك في قاموس الكتاب المقدس). واعتقد ممارسو هذه العبادة أن تقديم أولادهم يكفر عن خطاياهم (ميخا ٦: ٧) ويُرضي إلههم فيعينهم (٢ملوك ٣: ٢٦ و٢٧) والأماكن الموحشة كشقوق المعاقل ناسبت هذه العبادة القبيحة.
٦ «فِي حِجَارَةِ ٱلْوَادِي ٱلْمُلْسِ نَصِيبُكِ. تِلْكَ هِيَ قُرْعَتُكِ. لِتِلْكَ سَكَبْتِ سَكِيباً وَأَصْعَدْتِ تَقْدِمَةً. أَعَنْ هٰذِهِ أَتَعَزَّى؟».
قال داود (مزمور ٧٣: ٢٦) «نصيبي الله» وأما المذكورون هنا فنصيبهم الأصنام. كانوا يأخذون حجارة من الوادي ملُست بجريان الماء عليها ويقيمونها أصناماً ويسكبون عليها زيتاً. انظر ما فعله يعقوب للرب (تكوين ٢٨: ١١ – ١٨) ولكنه فعل ذلك لله وأما هم فلأصنامهم. والتأنيث يشير إلى أمة إسرائيل.
أَعَنْ هٰذِهِ أَتَعَزَّى يتعزى الإنسان إذا سكت وسلّم ورضي والمعنى هنا أن الرب لا يرضى بل ينتقم من هؤلاء الأشرار.
٧ «عَلَى جَبَلٍ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَضَعْتِ مَضْجَعَكِ، وَإِلَى هُنَاكَ صَعِدْتِ لِتَذْبَحِي ذَبِيحَةً».
حزقيال ١٦: ١٦ و٢٥ حزقيال ٢٣: ٤١
كانوا يختارون الجبال العالية لعبادتهم كالمزارات اليوم.
مَضْجَعَكِ تشبّه عبادة الأصنام بالزنى. وهم زنوا بالمرتفعات زناء حقيقياً أيضاً (عدد ٢٥: ١ – ٣).
٨ «وَرَاءَ ٱلْبَابِ وَٱلْقَائِمَةِ وَضَعْتِ تِذْكَارَكِ، لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ وَقَطَعْتِ لِنَفْسِكِ عَهْداً مَعَهُمْ. أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ. نَظَرْتِ فُرْصَةً».
حزقيال ١٦: ٢٦ و٢٨ و٢٣: ٢ إلى ٢٠
كان التذكار علامة العبادة الوثنية (حزقيال ١٦: ١٧) وكانت هذه العلامة وراء الباب لأنها كانت لإله يختص بالبيت كقديس حامٍ فكان على كل من يدخل البيت أن يسجد له عند دخوله.
أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ اي إن الإسرائيليين أفرطوا في عبادة الأصنام (٢أيام ٣٦: ١٤) إذ سجدوا للبعل ولعشتروت من فينيقية ولمولك من موآب وعمون ولملكة السماء وأخذوا العبادة بالمرتفعات عن الكنعانيين وعبادة الحجارة عن أهل ما بين النهرين.
قَطَعْتِ لِنَفْسِكِ لم يعملوا بموجب أمر الرب بل حسب استحسانهم. وكانت معاهدتهم أولاً للأصنام فسجدوا لها وقدموا لها هدايا رجاء أنها تحفظهم وتعطيهم جميع البركات المرغوب فيها. وثانياً للشعوب الوثنية وظنوا أن الاتحاد بتلك الشعوب سياسياً وأدبياً أمر ضروري وهكذا بنى سليمان معابد لجميع نسائه الغريبات.
نَظَرْتِ فُرْصَةً يشبّه عبدة الأصنام بامرأة زانية فكانوا قاصدين هذه العبادة وطالبيها ومستعدين لها واستغنموا فرصة لتتميم مقاصدهم.
٩ «وَسِرْتِ إِلَى ٱلْمَلِكِ بِٱلدُّهْنِ، وَأَكْثَرْتِ أَطْيَابَكِ، وَأَرْسَلْتِ رُسُلَكِ إِلَى بُعْدٍ وَنَزَلْتِ حَتَّى إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ».
ص ٣٠: ٦ وحزقيال ١٦: ٣٣ و٢٣: ١٦ وهوشع ٧: ١١ و١٢: ١
وَسِرْتِ إِلَى ٱلْمَلِكِ يشير إلى المعاهدات السياسية كالتي قُطعت بين آحاز وملك أشور ومعاهدة ملك بابل الذي أرسل رسائل إلى حزقيا وكانت هذه المعاهدات محظورة على بني إسرائيل. و«السير إلى الملك» كمحبة امرأة زاينة لغير زوجها. قال بعضهم إن الكلمة الأصلية المترجمة «ملك» تحتمل أيضاً معنى «مولك» أي إله العمونيين فساورا إليه أي تركوا الرب إلههم الساكن بينهم وبيته في مدينتهم أورشليم وطلبوا إلهاً أجنبياً لا يخلّص ولا يُهلك.
بِٱلدُّهْنِ شبّه شعب إسرائيل هنا بزانية تزين نفسها لتغوي الناس.
إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ وضعت نفسها إلى آخر درجة من الدناءة. وأنباء هذا العالم يحتقرون الكتاب المقدس ويزدرون بعبادة الله كأنه أمر بسيط يناسب الأطفال ويسيرون إلى العظماء والفلاسفة ويظنون أنهم مرتفعون والأمر بالعكس لأن الإنسان يرتفع بالسجود للرب وينحط جسداً وعقلاً وروحاً عند سيره إلى الحكمة البشرية. ومن المحتمل أن القول «إلى الهاوية» يشير إلى العرافة أي سؤال الموتى لأجل الأحياء.
١٠ «بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذٰلِكَ لَمْ تَضْعُفِي».
إرميا ٢: ٢٥
بِطُولِ أَسْفَارِكِ أسفارها من هنا وهناك وهي مسوقة من شهواتها. والمعنى أن بني إسرائيل أتعبوا أنفسهم في طلبهم معاهدة الملوك وسياستهم المخالفة لأوامر الرب. وأعيوا أيضاً في عبادة الأصنام وخسروا ولم ينتفعوا منها.
لَمْ تَضْعُفِي هم ضعفوا ولكنهم لم يعرفوا أنهم ضعفوا كسكير يظن أن المسكر يقويه والواقع أنه هو الذي أهلكه.
١١ «وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي، وَلاَ وَضَعْتِ فِي قَلْبِكِ؟ أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ، وَذَلِكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، فَإِيَّايَ لَمْ تَخَافِي».
ص ٥١: ١٢ و١٣ مزمور ٥٠: ٢١
وَمِمَّنْ خَشِيتِ الملوك بشر وبيد الرب فلا يجب أن يخافوا منهم.
حَتَّى خُنْتِ معاهدة الملوك الوثنية وعبادة أوثانهم هي خيانة للرب ملكهم وإلههم.
أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ لم يقاص الرب شعبه حالاً فقسوا قلوبهم ولم يخافوه.
١٢ «أَنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ وَبِأَعْمَالِكِ فَلاَ تُفِيدُكِ».
أنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ يُظهر الرب برّهم أنه ناقص وأنه برٌّ بمجرد الاسم لا بالحقيقة ويُظهر أعمالهم في تركهم الرب وأن عبادة الأصنام لا تنقذهم.
١٣، ١٤ «١٣ إِذْ تَصْرُخِينَ فَلْيُنْقِذْكِ جُمُوعُكِ. وَلَكِنِ ٱلرِّيحُ تَحْمِلُهُمْ كُلَّهُمْ. تَأْخُذُهُمْ نَفَخَةٌ. أَمَّا ٱلْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ فَيَمْلِكُ ٱلأَرْضَ وَيَرِثُ جَبَلَ قُدْسِي ١٤ وَيَقُولُ: أَعِدُّوا. أَعِدُّوا. هَيِّئُوا ٱلطَّرِيقَ. ٱرْفَعُوا ٱلْمَعْثَرَةَ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي».
ص ٤٠: ٣ و٦٢: ١٠
جُمُوعُكِ جموع الملوك والأصنام وكل ما اتكلوا عليه.
فَلْيُنْقِذْكِ تهكّم فإنهم لا يقدرون أن ينقذوا بل هم لا شيء كالعصافة التي تذريها الريح.
أَمَّا ٱلْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ كان الرب قد خاطب الأشرار بين الشعب وهم المراقبون العمي والبكم والشرهون وبنو الساحرة وأولاد المعصية (ص ٥٦: ٩ – ٥٧: ١٣) وهنا وجّه كلامه إلى الأتقياء بينهم فعزاهم بمواعيده.
فَيَمْلِكُ ٱلأَرْضَ أرض اليهود وجبل قدس الرب هو أورشليم.
وَيَقُولُ الرب هو القائل وربما الملائكة هم المخاطبون فيقول لهم أن يعدوا الطريق ويرفعوا المعثرة. والمعثرة هي إما بالأمور العالمية كصعوبات الطريق والأخطار وموانع الحكام وأما بالأمور الروحية كضعف إيمان الإسرائيليين أو كسلهم أو طمعهم أو عدم محبتهم الأخوية.
١٥، ١٦ «١٥ لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ ٱلأَبَدِ، ٱلْقُدُّوسُ ٱسْمُهُ: فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُرْتَفِعِ ٱلْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ ٱلْمُنْسَحِقِ وَٱلْمُتَوَاضِعِ ٱلرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ وَلأُحْيِيَ قَلْبَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ. ١٦ لأَنِّي لاَ أُخَاصِمُ إِلَى ٱلأَبَدِ وَلاَ أَغْضَبُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. لأَنَّ ٱلرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي وَٱلنَّسَمَاتُ ٱلَّتِي صَنَعْتُهَا».
أيوب ٦: ١٠ ولوقا ١: ٤٩ مزمور ٦٨: ٤ وزكريا ٢: ١٣ مزمور ٣٤: ١٨ و٥١: ١٧ و١٣٨: ٦ وص ٦٦: ٢ مزمور ١٤٧: ٣ وص ٦١: ١ مزمور ٨٥: ٥ و١٠٣: ٩ وميخا ٧: ١٨ عدد ١٦: ٢٢ وأيوب ٣٤: ١٤ عبرانيين ١٢: ٩
المواعيد بالخلاص مبنية على قدرة الله ورحمته كلتيهما.
ٱلْعَلِيُّ ٱلْمُرْتَفِعُ الله عليٌّ بنفسه وهو مرتفع بالنسبة إلى خلائقه لأنه فوق الكل والسيد على الكل.
سَاكِنُ ٱلأَبَدِ ليس كملوك العالم الذين يموتون وتزول ممالكهم أيضاً. وليس له مسكن كمساكن البشر المحدودة بالمكان والزمان بل هو ساكن في السماء وهو منذ الأزل وإلى الأبد ملك الدهور الذي لا يفنى.
ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُرْتَفِعِ ٱلْمُقَدَّسِ ارتفاع الله مقترن بقداسته فهو مرتفع لأنه قدوس. وكلما تقدس الإنسان ارتفع وارتفاعه على قدر قداسته.
وَمَعَ ٱلْمُنْسَحِقِ الكتاب المقدس يذكر غالباً ارتفاع الرب وتنازله معاً (مزمور ٦٨: ٤ و٥) والقلب المنسحق قد يكون نتيجة التأديب كالمرض والحزن أو الشعور بالخطية بعد التوبيخ وفعل الروح في القلب. والرب يحب القلب المنسحق لأنه يكره الخطية ويطلب الغفران والرجوع إلى الله ويسمع صوته ويسلم نفسه له ليعمل فيه وبه كما يريد. لا يقول الرب إنه يأتي فقط إلى القلب المنسحق بل أنه يسكن معه أيضاً.
لأُحْيِيَ رُوحَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ هنا نرى محبة الله الأبوية وشفقته على خلائقه لأنه إله حياة وخلاص وتعزية ويحب الضعفاء كالفقراء والمظلومين والأرامل واليتامى خصوصاً. كما يرق قلب الوالد على الصغير أو الضعيف بين أولاده كذلك. السماء وسماء السموات لا تسعه والروح المنسحق والمتواضع لا يضيّقه. فإن الرب لا يكتفي بالحكم على شعبه من عرشه في السماء بل يطلب لنفسه أيضاً عرشاً في قلوبهم فيحييهم ويميلهم إليه بقوة المحبة. وإذا غضب عليهم بسبب خطاياهم ذكر ضعفهم أيضاً وإنهم نسمات صنعها هو. ولا يريد الرب أن يهلك الإنسان الذي خلقه فيُبطل عمل يديه.
١٧ «مِنْ أَجْلِ إِثْمِ مَكْسَبِهِ غَضِبْتُ وَضَرَبْتُهُ. اَسْتَتَرْتُ وَغَضِبْتُ، فَذَهَبَ عَاصِياً فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ».
إرميا ٦: ١٣ ص ٨: ١٧ و٤٥: ١٥ ص ٩: ١٣
إِثْمِ مَكْسَبِهِ المكسب غير الجائز. فإن خطية الطمع ذُكرت مراراً كثيرة في الأنبياء وذُكرت هنا كخطية مشهورة تتضمن كل الخطايا.
وَضَرَبْتُهُ بواسطة سرجون وسنحاريب ونخو ملك مصر والآراميين والموآبيين والعمونيين وغاية الله في الضربات تحذيرهم من خطاياهم.
اَسْتَتَرْتُ في العالم الطبيعي الشمس مصدر الحياة لأن منها النور والحرارة فإذا استترت الشمس كما في المنطقة المتجمدة في فصل الشتاء وقف كل نمو وكل حركة من النباتات والحيوانات وهكذا الله مصدر الحياة لكل خلائقه به تحيا وتتحرك وتوجد فستر وجهه أعظم الضربات. ومع ذلك إسرائيل لم ينتبه بل ذهب عاصياً في الطريق الذي اختاره قلبه الشرير.
١٨ «رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ».
إرميا ٣: ٢٢ ص ٦١: ٢
الطرق المذكورة هي طرق الخطية والطرق التي ذهب الشعب عاصياً فيها. فالرب رأى هذه الطرق كما ينظر الطبيب إلى مرض عسر الشفاء فاتخذ لشفائه وسائط جديدة مؤثرة كما سكب الروح القدس يوم الخمسين على الذين كانوا قد صلبوا بيسوع فآمنوا به.
لَهُ وَلِنَائِحِيهِ أي الشعب كله ولا سيما الحزانى منه.
١٩ «خَالِقاً ثَمَرَ ٱلشَّفَتَيْنِ. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ قَالَ ٱلرَّبُّ، وَسَأَشْفِيهِ».
عبرانيين ١٣: ١٥ أعمال ٢: ٣٩ وأفسس ٢: ١٧
خَالِقاً ثَمَرَ ٱلشَّفَتَيْنِ «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلّٰهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ» (عبرانيين ١٣: ١٥). وهذه الكلمات تابعة الآية السابقة والمعنى أن الرب سيشفق على شعبه ويشفيه من مرض الطمع والعصيان ويقوده بروحه القدوس ويعزي الحزانى ويجعلهم يسبحونه.
سَلاَمٌ سَلاَمٌ أي السلام الكامل كما في (ص ٢٦: ٣). كان الأنبياء الكذبة يقولون سلام سلام وأما هذا الوعد فهو من الله وهو وعد صادق.
لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ أي الأمم واليهود (أفسس ٢: ١٧).
٢٠، ٢١ «٢٠ أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِيناً. ٢١ لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلٰهِي لِلأَشْرَارِ».
أيوب ١٥: ٢٠ الخ وأمثال ٤: ١٦ ص ٤٨: ٢٢
تنبيه للأشرار فلا يظنون أن الرب ساكت عن خطاياهم ولا عن مطاليب ناموسه فإنه ليس سلام إلا السلام الناتج عن الإيمان بالمسيح والمقترن بالقداسة.
أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ يفيد هذا القول:
- إن الأشرار لا يقبلون حكم الله في قلوبهم وكما تهيج الرياح أمواج البحر تهيج الشهوات الجسدية وتجارب العالم وجميع المصائب والضيقات الأشرار فلا يقدرون أن يضبطوا أنفسهم ولا يسمحوا للرب أن يضبطهم وأما الذين سلموا أنفسهم للمسيح فهم كالبيت المؤسس على الصخر الذي ينزل عليه المطر وتصدمه الرياح فلا يسقط أي أنهم لا يضطربون ولو أصابتهم أعظم الضيقات.
- إن البحر المضطرب يقذف حمأة وطيناً والأشرار في وقت الضيقات والتجارب يُظهرون أقذار قلوبهم.
- لا عذاب أعظم من العذاب الناتج عن عدم الراحة كعدم النوم لمرض جسدي أو عقلي أو لشر الضمير فمن يقدر أن يحتمل الأبدية بلا شيء من الراحة (انظر ص ٤٨: ٢٢).
فوائد للوعاظ
بطول أسفارك أعييت (ع ١٠)
ميّز بين الإعياء الجائز كالإعياء الجسدي والعقلي التابع العمل وبين الإعياء غير الجائز الناتج عن الخطية. ومن أسباب الإعياء ما يأتي:
- عدم إتمام مقاصدنا كطلب المال أو المجد أو عدم تدبير عيالنا. فإن كثيرين يتعبون كل أيام حياتهم ولا يحصدون شيئاً من غير ثمر تعبهم. ولا راحة إلا بإجراء مقاصد الله وتسليمنا لإرادته.
- عدم النجاح في مقاومة التجارب. انظر قول بولس «وَيْحِي أَنَا ٱلإِنْسَانُ ٱلشَّقِيُّ» (رومية ٧: ٢٤). والإنسان لا يقدر أن يخلص من الخطية بقوته.
- عدم الإيمان. المسيح هو الطريق والحق والحياة وكل من يفتش عن الراحة بلا إيمان بالمسيح لا يجد شيئا منها.
- عدم الرفقة. بدون المسيح لا محبة في العالم بل كل واحد يطلب ما لنفسه فقط.
- الابتعاد عن الله. كل خاطئ كمسافر أعيا فليس له راحة إلا في بيته ولكنه متوجه إلى غير جهة فيبعد عن البيت أكثر فأكثر ويزيد إعياء.
تنازل الله (ع ١٥)
- تأمل في عظمته. العليّ مرتفع والساكن الأبد.
- يظهر تنازل الله في العناية فإنه يعتني بجميع خلائقه من النباتات والبهائم والناس كباراً وصغاراً (مزمور ١٠٤).
- يظهر تنازل الله الخاص في معاملته الإنسان لأنه يكلّمه ويظهر له مقاصده ويسمع الصلاة ويستجيبها ويأذن للإنسان أن يُقبل إليه ولا يقتصر على هذا فإنه يأتي هو إلى الإنسان ولا يكتفي بهذا فيسكن أيضاً في قلبه (يوحنا ١٤: ٢٣).
- يظهر تنازل الله الأعظم في تجسد المسيح إذ صار إنساناً ولم يزل إلهاً وإنساناً إلى الأبد.
السابق |
التالي |