سفر إشعياء | 51 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ
في (ص ٥٠: ٤ – ١٠) كلام في عبد الرب وكذلك في (ص ٥٢: ١٣ – ٥٣: ١٢) وبين هذين الفصلين كلام تعزية من الرب لشعبه والكلام ثلاثة أقسام بداءة القسم الأول قوله «اسمعوا لي». والقسم الثاني قوله «انصتوا إليّ» (ع ٤) والقسم الثالث قوله «اسمعوا لي» (ع ٧).
١، ٢ «١ اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا ٱلتَّابِعُونَ ٱلْبِرَّ ٱلطَّالِبُونَ ٱلرَّبَّ. ٱنْظُرُوا إِلَى ٱلصَّخْرِ ٱلَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ وَإِلَى نُقْرَةِ ٱلْجُبِّ ٱلَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. ٢ ٱنْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ وَإِلَى سَارَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ».
ع ٧ رومية ٩: ٣٠ و٣١ و٣٢ رومية ٤: ١ و١٦ وعبرانيين ١١: ١١ و١٢ تكوين ١٢: ١ و٢ تكوين ٢٤: ١ و٣٥
ٱلتَّابِعُونَ ٱلْبِرَّ البرّ هنا القداسة والسلوك الطاهر وحفظ وصايا الله والتابعون البر والطالبون الرب كانوا قليلين فكادوا لا يصدقون مواعيد الله بأن نسل إسرائيل يكون كالرمل بالكثرة (ص ٤٨: ١٧ – ١٩) فذكرهم الرب بالصخر الذي منه قُطعوا أي إبراهيم. وكان إبراهيم شيخاً لما ولد إسحاق وامرأته كذلك كانت عاجزة فالنسل الكثير منهما ليس من الأمور الطبيعية بل ببركة الرب وقدرته غير المحدودة.
وَهُوَ وَاحِدٌ كان من شخص واحد نسل كنجوم السماء بالكثرة فما المانع من أن يكون نسل إسرائيل كثيراً ببركة الرب (انظر حزقيال ٣٣: ٢٤) حيث وبخ الرب البقية الشريرة الذين قالوا نفس هذا القول. والقول هنا يفيد إنه يجب الاتكال على الرب وأما القول في حزقيال فيفيد أنه لا ينفع الاتكال عليه بلا حفظ وصاياه. وكثيراً ما ينتفع الإنسان من النظر إلى بداءة حياته فإنه كان طفلاً ضعيفاً لا يقدر أن يفهم شيئاً أو يعمل شيئاً ومن هذا الطفل صنع الله رجلاً قوياً في الجسم ومقتدراً في العقل وهو يقدر أن يصنع أيضاً من هذا الرجل قديساً يمجد الله ويتمتع به إلى الأبد. وإذا نظرنا إلى بداءة الكنيسة رأينا أنها كانت صغيرة وضعيفة كالطفل والله صنع منها كنيسة ممتدة في كل الأرض كالمشاهدة اليوم ويقدر أن يصنع منها كنيسة المستقبل وهي الكنيسة المجيدة التي لا غضن فيها وهي عروس الخروف.
٣ «فَإِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدَنٍ وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ ٱلرَّبِّ. ٱلْفَرَحُ وَٱلاِبْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. ٱلْحَمْدُ وَصَوْتُ ٱلتَّرَنُّمِ».
مزمور ١٠٢: ١٣ وص ٤٠: ١ و٥٢: ٩ وع ١٢ تكوين ١٣: ١٠ ويوئيل ٢: ٣
قَدْ عَزَّى هذه التعزية وإن كانت مستقبلة فكأنها قد مضت بمقاصد الله.
صِهْيَوْنَ أي شعب الله لا أهل مدينة أورشليم فقط.
خِرَبِهَا لما سقطت أورشليم أبقى رئيس الشرط من مساكين الأرض كرامين وفلاحين ولكنهم كانوا قليلين العدد وأكثر الأرض أصبح خرباً.
عَدَنٍ… جَنَّةِ ٱلرَّبِّ كناية عن البركات الروحية فإن ماء الجنة يشير إلى النهر الصافي من ماء الحياة وأشجار الجنة إلى شجرة الحياة وأثمار الجنة إلى أعمال القديسين الصالحة وسياج الجنة إلى عناية الله وهذه البركات أعظم مما حدث عند رجوع اليهود إلى بلادهم وأعظم أيضاً مما نراه اليوم في العالم ولكنها ليست أعظم مما سيكون بعدما يُقام ملكوت الله تماماً في العالم وهي أقل جداً مما سيكون في الملكوت السماوي.
صَوْتُ ٱلتَّرَنُّمِ ليس فقط الفرح في الخيرات التي للجسد بل الفرح في غفران الخطايا والرجوع إلى الله.
٤ «اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي أَصْغِي إِلَيَّ. لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُوراً لِلشُّعُوبِ».
ص ٢: ٣ و٤٢: ٤ ص ٤٢: ٦
اُنْصُتُوا هذه الكلمة أقوى من كلمة «اسمعوا» في (ع ١). والرب هنا وعدهم ببركات أعظم من المذكورة في (ع ٣) أي الشريعة والحق أعظم من الجنات والترنم.
شَعْبِي… أُمَّتِي ما أعظم تعزية هاتين الكلمتين لأن الرب يقول بهما إنه اختارهم ولم يرفضهم وهم خاصته فيحبهم ويعتني بهم ولا يكفي الكلمة الواحدة بل يزيد عليها كلمة «أمتي».
لِلشُّعُوبِ العالم كله فان الرب إله الكل والمسيح مخلص الكل والنور أي التبشير بالمسيح خرج من أورشليم وتمت النبوءة في أيام الرسل لما حل عليهم الروح القدس في أورشليم وخرجوا منها ليتلمذوا جميع الأمم. والتبشير بالمسيح نور لأن المقصود به المعرفة والإدراك فإن الإنسان لا يخلص كأعمى يقوده المرشد بيده بل كمفتوح العينين ومطلق الرجلين يمشي باختياره في طريق يراه بواسطة نور الإنجيل.
٥ «قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو ٱلْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي».
ص ٤٢: ٦ ص ٤٦: ١٣ و٥٦: ١ ورومية ١: ١٦ و١٧ مزمور ٦٧: ٤ و٩٨: ٩ ص ٦٠: ٩ رومية ١: ١٦
قَرِيبٌ بِرِّي برّ الله وهو يقوم بصدقه وأمانته في تتميم وعده ووعيده. وكان برّه قريب في الرؤيا لأن النبي نظره كأنه حاضر وقريب عند الرب الذي عنده ألف سنة كيوم واحد غير أنه بعيد بحسب أفكار بني البشر.
ٱلْجَزَائِرُ (ص ٤٢: ٤) ممالك الأمم البعيدة.
تَنْتَظِرُ ذِرَاعِي قوة الرب للخلاص. قيل في أعمال الرسل إن الأمم قبلوا الكلمة بالنشاط أكثر من اليهود (أعمال ١١: ٢١ و١٣: ٤٢ و١٧: ٤).
٦ «اِرْفَعُوا إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَٱنْظُرُوا إِلَى ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ كَٱلدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَٱلأَرْضَ كَٱلثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَٱلْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى ٱلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ».
ص ٤٠: ٢٦ مزمور ١٠٢: ٢١ ومتّى ٢٤: ٣٥ و٢بطرس ٣: ١٠ و١٢ ص ٥٠: ٩
انظر متّى ٢٤: ٣٥ «اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلٰكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» السماء والأرض أثبت ما يكون من المخلوقات فإن لجميع النباتات والحيوانات حياة محدودة وأما السماء والأرض فبقيا كما هما منذ البدء إلى اليوم ولكن في انقضاء الدهور «تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا» (٢بطرس ٣: ٧ – ١٢). و«البعوض» مذكور بالمقابلة على هذه الأرض كحياة البعوض بالنسبة إلى الأبدية وأما خلاص الله وبرّه فإلى الأبد لأن الله إلى الأبد لا يتغير. وإذا كان الخلاص إلى الأبد فمن الضرورة الإنسان أيضاً الذي له هذا الخلاص يكون إلى الأبد فلا يزول كما تزول السماء والأرض.
٧، ٨ «٧ اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي ٱلْبِرِّ، ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ. لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ ٱلنَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، ٨ لأَنَّهُ كَٱلثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ ٱلْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ ٱلسُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى ٱلأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ ٱلأَدْوَارِ».
ع ١ مزمور ٣٧: ٣١ متّى ١٠: ٢٨ وأعمال ٥: ٤١ ص ٥٠: ٩
يَا عَارِفِي ٱلْبِرِّ الرب يكلّم المؤمنين به والعبارة «عارفي البر» مفسرة بالعبارة التالية «شريعتي في قلبه» أي البرّ هنا شريعته المقدسة والمعرفة المذكورة هي المعرفة القلبية التي تحتوي على المحبة والطاعة لا مجرد الخبر والإدراك. والمخاطَبون وإن كانوا مؤمنين بالرب هم عرضة للخوف من الناس فشجعهم بقوله إن الإنسان أي المضطهد كالبابليين كثوب يأكله العث أي ليس له قوة ولا دوام وأما خلاص الرب فإلى دور فدور.
٩ – ١١ «٩ اِسْتَيْقِظِي ٱسْتَيْقِظِي! ٱلْبِسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ ٱلرَّبِّ! ٱسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ، كَمَا فِي ٱلأَدْوَارِ ٱلْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ ٱلْقَاطِعَةَ رَهَبَ، ٱلطَّاعِنَةَ ٱلتِّنِّينَ؟ ١٠ أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ ٱلْمُنَشِّفَةَ ٱلْبَحْرَ، مِيَاهَ ٱلْغَمْرِ ٱلْعَظِيمِ، ٱلْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً لِعُبُورِ ٱلْمَفْدِيِّينَ؟ ١١ وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِٱلتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ٱبْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ ٱلْحُزْنُ وَٱلتَّنَهُّدُ».
مزمور ٤٤: ٢٣ وص ٥٢: ١ مزمور ٩٣: ١ ورؤيا ١١: ١٧ أيوب ٢٦: ١٢ مزمور ٨٧: ٤ و٨٩: ١٠ مزمور ٧٤: ١٢ و١٤ وص ٢٧: ١ وحزقيال ٢٩: ٣ خروج ١٤: ٢ وص ٤٣: ١٦ ص ٣٥: ١٠
قول الشعب للرب أو قول النبي له بالنيابة عن الشعب. ذكر أعمال الله العجيبة في القديم في مصر والبحر الأحمر وطلب إلى الرب أن يظهر قوته أيضاً.
ٱسْتَيْقِظِي الرب لا ينام ولا ينعس ولا ينسى شيئاً وهو سبق فعيّن كل ما يحدث ومقاصده ثابتة إلى الأبد مع ذلك شعبه يصلّون له ويذكرون مواعيده وصلواتهم تقتدر كثيراً في فعلها غير أن الموافقة بين هذين الأمرين فوق إدراكنا. وكما يتشجع الجنود بقدوم نجدات هكذا يتشجع شعب الله بإيمانهم بقوته غير المحدودة وإصغائه لصلواتهم فهو لهم عون في حينه.
رَهَبَ أي مصر (انظر ص ٣٠: ٧).
ٱلتِّنِّينَ أراد به أعداء الرب وهو من أسماء الشيطان (رؤيا ١٢: ٧ – ٩ و٢٠: ٢) وأشار به هنا إلى قوة مصر المسماة بالتمساح في (حزقيال ٢٩: ٣).
ٱلْمُنَشِّفَةَ ٱلْبَحْرَ تشير هذه العبارة إلى البدء (تكوين ١: ٩) حين جمع المياه إلى مكان واحد فظهرت اليابسة.
ٱلْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً هذا إشارة إلى عبور بني إسرائيل البحر الأحمر عند خروجهم من مصر. فالشعب يذكرها في الصلاة أولاً إن الله في البدء جمع المياه إلى مكان واحد ثم يذكر أنه فتح طريقاً في البحر لشعبه عند خروجهم من مصر ثم يسأل ألا يقدر أيضاً أن يفتح طريقاً لرجوع شعبه إلى بلادهم.
مَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ ورد هذا الكلام عينه في (ص ٣٥: ١٠).
١٢ «أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يُجْعَلُ كَٱلْعُشْبِ؟».
ع ٣ و٢كورنثوس ١: ٣ مزمور ١١٨: ٦ ص ٤٠: ٦ و١بطرس ١: ٢٤
جواب الرب لصلاة شعبه وفحواه أنه يجب عليهم أن ينظروا إليه وحده ويؤمنوا به. ويتكلوا عليه ولا ينظروا قوة أعدائهم فيخافوا منهم فللتعزية يكرر لفظة «أنا».
مَنْ أَنْتِ السؤال من الرب وربما هو جواب قولهم إننا عبيد مسبيون بلا ملك وبلا قوة ونحن خطأة أيضاً ومرفوضون. وأما الرب فذكرهم أنهم شعبه المختار وهم مؤدبون لا مرفوضون وإن الذين يضايقونهم وإن كانوا كثيرين وأقوياء هم أناس فيموتون وأما الرب فهو باسط السموات ومؤسس الأرض وهو صانع إسرائيل ومعزيه فيجب أن يرفعوا نظرهم إليه بالإيمان والرجاء. ويقول الرب «أنتِ» بضمير المخاطبة على نيّة أورشليم كقوله في (ع ١٧) «ٱنْهَضِي يَا أُورُشَلِيمُ» والمؤنث يناسب سياق الكلام لأن الشعب كان ضعيفاً وخائفاً.
١٣ «وَتَنْسَى ٱلرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ ٱلأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِماً كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ ٱلْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ ٱلْمُضَايِقِ؟».
أيوب ٩: ٨ ومزمور ١٠٤: ٢ وص ٤٠: ٢٢ و٤٢: ٥ و٤٤: ٢٤ أيوب ٢٠: ٧
وَتَنْسَى ٱلرَّبَّ لا يعاتبهم على عدم الإيمان كأنهم أنكروا الرب بل على ضعف إيمانهم فإنهم نسوا قوة الرب غير المحدود ومواعيده الصادقة وهذه التعزية توافق المتضايقين والخائفين في كل عصر. وكثير من الخطايا ناتجة من الخوف كالكذب والرياء وإنكار الله والاتفاق مع الإثم. والخوف من الناس هو عدم الإيمان بالله لأنه لو آمن الإنسان بأن الله يحبه ويفتكر فيه وإنه يعرف كل شيء وهو القادر على كل شيء لما خاف من الناس.
عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ الظاهر أن الإسرائيليين كانوا منتظرين كل يوم وكل ساعة أن يموتوا عن يد سادتهم القساة.
١٤ «سَرِيعاً يُطْلَقُ ٱلْمُنْحَنِي وَلاَ يَمُوتُ فِي ٱلْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ».
زكريا ٩: ١١
ٱلْمُنْحَنِي أي الأسير ورجلاه في المقطرة ورأسه في الحناك.
ٱلْجُبِّ سجن تحت الأرض.
١٥، ١٦ «١٥ وَأَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ مُزْعِجُ ٱلْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ. ١٦ وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ ٱلأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي».
أيوب ٢٦: ١٢ و مزمور ٧٤: ١٣ وإرميا ٣١: ٣٥ تثنية ١٨: ١٨ وص ٥٩: ٢١ ويوحنا ٣: ٣٤ ص ٤٩: ٢ ص ٦٥: ١٧ و٦٦: ٢٢
مُزْعِجُ ٱلْبَحْرِ وبالنتيجة مسكنه لأن الذي يقدر أن يزعج يقدر أن يسكّن أيضاً.
وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ يشير سياق الكلام إلى أن المخاطب هنا إسرائيل وهكذا في (ص ٥٩: ٢١) ولكن الباقي من الجملة يطابق ما أتى في (ص ٤٩: ٢) «فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي» حيث كان المخاطب المسيح. والقول هنا «لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ ٱلأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي» لا يناسب غير المسيح فالأرجح أن المسيح هو المخاطب في هذه الآية كلها. وبما أن المسيح تجسّد وصار إنساناً يهودياً كان هو واحداً من الشعب فيكلّمه الرب كنائب عنهم فجعل الرب أقواله في فم إسرائيل وعلى نوع خاصّ في فم المسيح وهو الإسرائيلي الكامل الله في الجسد.
لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ (ص ٦٥: ١٧) لا نعد هذه الأقوال نبوءة بانقضاء الدهر بل نعدها نبوءة بالتجديد في كل شيء كما صار عند موت المسيح وهو كخلق جديد فإن الهيكل والرسوم الموسوية والمذابح والكهنة بطلت وقامت الكنيسة المسيحية. وللكنيسة معرفة أوضح وحياة أفضل وخدمة أوسع مما كان لشعب اليهود.
١٧ «اِنْهَضِي ٱنْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ ٱلَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ. ثُفْلَ كَأْسِ ٱلتَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ».
ص ٥٢: ١ أيوب ٢١: ٢٠ وإرميا ٢٥: ١٥ و١٦ تثنية ٢٨: ٢٨ و٣٤ ومزمور ٦٠: ٣ و٧٥: ٨ وحزقيال ٢٣: ٣٢ و٣٣ و٣٤ وزكريا ١٢: ٢ ورؤيا ١٤: ١٠
من ع ١٧ إلى ٥٢: ١٢ كلام الرب لأورشليم أي أهل أورشليم اليهود وفيه ينادي كما في (ص ٤٠: ٢) بأن زمان اتضاعها مضى وأتى زمان افتقادها وعقاب أعدائها ويحرّض على النهوض بالفرح والرجوع إلى مدينتهم وإلههم. وشُبهت الضيقات هنا بالخمر في الكأس وتأثيرها بتأثير الخمر وأورشليم شربت من هذه الكأس عندما سقطت عن يد نبوخذنصر واحترق الهيكل وقصر الملك وبيوت العظماء وانهدمت الأسوار (٢ملوك ٢٥: ٩ و١٠) وشربت ثفل الكأس ومصّت أي لم تترك شيئاً بالكأس بل ارتوت من الضيقات. والكلدانيون أيضاً شربوا الكأس نفسها (إرميا ٢٥: ٢٦).
١٨ «لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَنِينَ ٱلَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَنِينَ ٱلَّذِينَ رَبَّتْهُمْ».
لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا قيل في (إرميا ٤٣: ٥ – ٧) إن يوحانان وكل الرؤساء هربوا إلى مصر وأصبحت الأرض بلا قائد فكان خرابها التام من سوء إدارة اليهود لا من الكلدانيين فقط.
١٩ «اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ ٱلْخَرَابُ وَالاِنْسِحَاقُ وَٱلْجُوعُ وَٱلسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟».
ص ٤٧: ٩ عاموس ٧: ٢
اِثْنَانِ أي الخراب والانسحاق فإن الكلمتين «الجوع والسحق» تفسير الكلمتين «الخراب والانسحاق» فالخراب أي الجوع يكون من الداخل والانسحاق أي السيف يكون من الخارج.
بِمَنْ أُعَزِّيكِ يشير إلى حال اليهود وهم في السبي إذ لم يكن لهم حليف ولا محام ولا أحد يسأل عنهم أو يرثي لهم.
٢٠ «بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا. ٱضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاقٍ كَٱلْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. ٱلْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ ٱلرَّبِّ، مِنْ زَجْرَةِ إِلٰهِكِ».
مراثي ٢: ١١ و١٢
بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا (مراثي ٢: ١١ و١٢) النبي من عادته أن يذكر بعض الأمور المستقبلة كأنها مضت فيذكرها كما رآها في رؤياه. وحدث هذا كله لما سقطت أورشليم بواسطة الكلدانيين.
كَٱلْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ وهو يرفس ويضرب ويعذّب نفسه ولا يقدر أن يخلص وهكذا اليهود في وقت حاصر نبوخذنصر أورشليم.
ٱلْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ ٱلرَّبِّ يشير إلى ما قيل في ع ١٧ «شَرِبْتِ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ» فكانوا ملآنين من غضب الرب كسكران بالخمر. وأعظم مصائب الإنسان ليس ما يحدث خارجاً عنه كهجوم الكلدانيين على أورشليم أو خسارة المال والمقاومة من الناس بل ما يصيبه من الداخل كالريب والخوف واليأس والجهل وهذه المصائب الداخلية تشير نوعاً إلى غضب الله.
٢١ «لِذٰلِكَ ٱسْمَعِي هٰذَا أَيَّتُهَا ٱلْبَائِسَةُ وَٱلسَّكْرَى وَلَيْسَ بِٱلْخَمْرِ».
ع ١٧ ومراثي ٣: ١٥
سَّكْرَى وَلَيْسَ بِٱلْخَمْرِ لو كان السكر بالخمر كان السبب منها ومما فعلت بإرادتها وكان وقتياً أما هذا السكر فهو من هجوم أعداء كثيرين لا تقدر أن تخلص منهم وكان للهلاك بلا رجاء.
٢٢ «هٰكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ ٱلرَّبُّ، وَإِلٰهُكِ ٱلَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: هَئَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ ٱلتَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ».
إرميا ٥٠: ٣٤
سَيِّدُكِ ٱلرَّبُّ ليس ملك بابل بل الرب سيّد اليهود وهو سيّدهم وهم في بابل كما كان سيّدهم وهم في بلادهم فيجب الخوف من الرب وليس من ملك بابل ويجب الفرح بالرب أيضاً لأن السيّد الرب ليس كملك بابل بل هو طويل الروح وكثير الرحمة وجميع مقاصده خير وخلاص لشعبه.
ٱلَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ كان الرب حاكمهم إذ سلّمهم لأعدائهم لسبب خطاياهم ولكن انتهى التأديب فيحاكم لشعبه وعلى أعدائهم الذين سبوهم وظلموهم فاستحق البابليون ان يُحكم عليهم لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه بشعب الله إطاعة لإرادته بل بحسب إرادتهم وقساوتهم.
٢٣ «وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ ٱلَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: ٱنْحَنِي لِنَعْبُرَ، فَوَضَعْتِ كَٱلأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ».
إرميا ٢٥: ١٧ و٢٦ و٢٨ وزكريا ١٢: ٢ مزمور ٦٦: ١١ و١٢
وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ قال المسيح «بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم» ومن العدل أن يقاسي البابليون الآلام التي بها ألّموا اليهود نفسها فسقطت مدينتهم بواسطة كورش كما سقطت أورشليم بواسطة نبوخذنصر وأُهينوا كما أهانوا اليهود. وليس للمضايَق أن يجازي المضايِق على الشر بالشر ولا أن يطلب ضيق مضايقه بل أن يتكل على الرب الذي قال «لي النقمة أنا أجازي».
قَالُوا لِنَفْسِكِ «كَثِيرُونَ يَقُولُونَ لِنَفْسِي: لَيْسَ لَهُ خَلاَصٌ بِإِلٰهِهِ» (مزمور ٣: ٢) أي قالوا قول يؤثر في النفس وينشئ الحزن والخوف.
ٱنْحَنِي لِنَعْبُرَ علامة الذل والخضوع (يشوع ١٠: ٢٤). وكان شعب الله كامرأة ضعيفة ومتروكة سلّمت نفسها للذل والإهانة والظلم لأن ليس لها أحد يعينها وفيما هي في هذه الحال تسمع صوت مخلصها قائلاً «ٱنْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ» (ع ١٧).
فوائد للوعاظ
انظروا إلى إبراهيم (ع ٢)
النظر إلى الناس والاقتداء بهم أمر طبيعي عام للجميع ولا سيما الأحداث. ويجب النظر إلى الصالحين لأننا نصير مثل الذين ننظر إليهم. فننظر إلى إبراهيم لأمور:
- أولاً أنه آمن بالله وصدق ما لا يصدق لأن الله قادر على كل شيء.
- إنه أطاع الله في كل شيء وذهب وعمل كما قال له.
- إنه كان كريماً وكان مع غناه في الجسديات غنياً في كل الضيقات الروحية.
لأن شريعة من عندي تخرج وحقي أثبته نوراً للشعوب (ع ٤)
- إن كتاب الله نور قصد الله فيه تنوير عقول الناس وقلوبهم ليعرفوا ويفهموا طريق الخلاص والإيمان المطلوب ليس الإيمان الجهلي.
- إن هذا النور يُظهر للناس خطاياهم.
- إن هذا النور يُظهر طريق الخلاص بغفران الخطية ورجوع الخاطئ إلى الله بتجديد قلبه.
- إن هذا النور يُظهر للمؤمن طريق القداسة والحياة في خدمة الله.
لا تخافوا من تعيير الناس (ع ٧)
إننا لا نخاف من الناس لما يأتي:
- إنهم عرضة للغلط في أحكامهم فإن كثيرين يمدحون ويلومون حسب غايتهم وإذا كان الإنسان من حزبهم مدحوه مهما فعل وإذا كان من حزب آخر لاموه مهما فعل. وبعضهم يتبعون الصوت الأقوى فيقولون كما يقول غيرهم صواباً كان أم خطأ. وبعضهم يحكمون بلا معرفة ولا سيما معرفة الغاية ولا أحد يعرف القلب إلا الله وحده.
- إن أفكار الناس عرضة للتغيير كما قال أهل أورشليم للمسيح «أوصنا» وبعد خمسة أيام «اصلبه». وأحياناً يحكم معاصرو الإنسان عليه والجيل الثاني يعظمه.
- إن جميع الناس بشر يموتون ومدحهم ولومهم وقتيان فيجب أن نعتبر أولاً حكم الله ونطلب المدح والتبرير منه.
يهرب الحزن والتنهد (ع ١١)
لا يكمل هذا الوعد في هذا العالم بل في ملكوت الله السماوي لما يأتي:
- إن ذلك الملكوت ليس فيه موت الجسد ولا هلاك النفس.
- إنه لا وجع فيه للجسد ولا للأفكار.
- إنه لا فراق فيه وهو سبب جانب كبير من الحزن والبكاء في هذا العالم.
- إنه لا خطية فيه لأن الخطايا السالفة مغفورة ولا يكون تجربة ولا ميل إلى الخطية ولا خطر من السقوط فيها.
وتفزع دائماً كل يوم (ع ١٣)
أي نخاف. وينتج الخوف أحياناً مما يأتي:
- الضعف الجسدي أو المزاج العصبي فيكون طبيعياً لا خطية غير أنه يجب على الإنسان أن يغلب طبيعته وأحواله.
- عدم الإيمان أو ضعفه فيكون هذا الخوف خطية. ويعالج الخوف بالنظر إلى الله والاتكال على مواعيده دون النظر إلى الذات أو إلى الناس فلماذا يخاف من يحبه المسيح وطهّره من خطاياه وجعله ابناً لله القدير. ويجب على الأقوياء أن يحتملوا أضعاف الضعفاء فلا يحتقروا من يختلف عنهم في مزاجه.
السابق |
التالي |