إشعياء

سفر إشعياء | 41 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ

مضمونه:

النبي يقوّي إيمان اليهود بالله دون الاتكال على الأصنام فيتنبأ بنهوض كورش ويبين أن الله أنهضه ونصره. والكلام على سبيل محاكمة شرعية والرب يستدعي عبدة الأصنام كأنه للمبارزة ويطلب منهم أن يخبروا بما سيعرض أو يعملوا شيئاً. والرب يؤكد لليهود أنه يكون معهم ويحفظهم ويعتني بهم.

١ «اُنْصُتِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ وَلْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ يَتَكَلَّمُوا. لِنَتَقَدَّمْ مَعاً إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ».

زكريا ٢: ١٣

اُنْصُتِي إِلَيَّ لأن الكلام في موضوع مهم وإن لم ينصتوا لا يقدرون أن يجاوبوا. قال لاهوتي إنه في كل مناظرة يُطلب أولاً إدراك موضوعها وكثيراً ما يكون الاختلاف من سوء الفهم فحين يدرك كل من الطرفين ما هو موضوع المناظرة يزول الاختلاف.

أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ البلاد البعيدة في البحر أو عبر البحر ولا سيما البلاد التي في جهة الغرب.

لْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً طلبهم الرب للمحاكمة فكان عليهم أن يثبتوا ادعاءهم أن لآلهتهم شيئاً من صفات الله كالقدرة والحكمة غير المحدودة والمعرفة بالمستقبل فقال لهم تهكماً أن يجددوا قوتهم استعداداً لهذه المحاكمة.

٢ «مَنْ أَنْهَضَ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ ٱلَّذِي يُلاَقِيهِ ٱلنَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَماً وَعَلَى مُلُوكٍ سَلَّطَهُ. جَعَلَهُمْ كَٱلتُّرَابِ بِسَيْفِهِ وَكَالْقَشِّ ٱلْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ».

ص ٤٦: ١١ تكوين ١٤: ١٤ الخ وع ٢٥ وص ٤٥: ١

كورش هو الإنسان الذي أنهضه الله من المشرق. غير أن اليهود في أيامنا يقولون هو إبراهيم. ومما يدل على أن كورش هو المشار إليه هنا:

  1. إنه أتى من المشرق.
  2. إن كلام هذه النبوءة يطابق ما قيل في كورش في (ص ٤٤: ٢٨ و٤٥: ١ – ٣).
  3. إن كل ما ذُكر هنا يطابق صفات كورش وتاريخ حياته.
  4. إن كورش هو الذي أطلق اليهود من سبي بابل ولذلك ذكره هنا يناسب غاية النبي.

وكورش كان ابن كمبيس وكانت أمه بنت ملك مادي وأخت داريوس المادي وقد جمع في شخصه قوة مملكتي فارس ومادي. وافتتح مملكة ليدية في أسيا الصغرى وبابل وصار أعظم ملك في العالم. واشتهر بالشجاعة والسرعة في الحرب والحكمة والعدل والكرامة وله اعتبار خاص في الكتاب المقدس لأن الرب استعمله كآلة في إرجاع شعبه من بابل كما استخدم نبوخذنصر في سبيهم.

ٱلَّذِي يُلاَقِيهِ ٱلنَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أي عند كل خطوة في سيره. قال كورش في آخر حياته إنه لم يبتدئ في عمل ما إلا نجح فيه.

٣ «طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِماً فِي طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ».

مَرَّ سَالِماً كانت حروب كورش ذات خسارة قليلة لنفسه لأنه بالحكمة كان يميز الفرصة المناسبة ويستغنمها ومثال ذلك فتوح مدينة بابل.

طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ أي دخل بلاداً لم يعرفها سابقاً واستعمل وسائط جديدة في حروبه كصعوده إلى مدينة سردس في طريق يُظن أنها لا تُعبر ولذلك كانت بلا حراس. ودخوله إلى بابل في طريق النهر وأما البعض فيفهمون أن سير كورش كان بسرعة كسير الطيور (انظر دانيال ٨: ٥) «إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ ٱلْمَعْزِ جَاءَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ ٱلأَرْضَ».

٤ «مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ مِنَ ٱلْبَدْءِ؟ أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلأَوَّلُ، وَمَعَ ٱلآخِرِينَ أَنَا هُوَ».

ع ٢٦ وص ٤٤: ٧ و٤٦: ١٠ ص ٤٣: ١٠ و٤٤: ٦ و٤٨: ١٢ ورؤيا ١: ١٧ و٢٢: ١٣

مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ الرب هو الذي دفع الأمم أمام كورش وكورش نفسه أقر بذلك (عزرا ١: ٢).

دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ الرب سبق فعيّن كل ما يحدث فيعرف كل ما سيحدث. وعند الوثنين إن أحسن دليل على الألوهية هو الخبر بالحوادث المستقبلة.

ٱلأَوَّلُ وَمَعَ ٱلآخِرِينَ الرب منذ الأزل وإلى الأبد فلم يكن أحد قبله ولا يكون أحد بعده (رؤيا ١: ٨ «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي»).

٥ «نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ. أَطْرَافُ ٱلأَرْضِ ٱرْتَعَدَتِ. ٱقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ».

نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ قيل أن كيرسس ملك سردس وهو أول ملك في العالم في الغنى والقدرة خاف عندما سمع خبر كورش وأرسل رسلاً وامتحن أشهر الأصنام في العالم بسؤال عن حادثة مستقبلة وعند حدوث هذه الحادثة وجد أن الجواب الذي أتاه من دلفي في بلاد اليونان كان أقرب الكل فأرسل إلى دلفي هدايا ثمينة وطلب إفادة في أمر كورش وأتاه هذا الجواب «إذا حاربت تسقط مملكة. وأنت تنكسر حين يجلس بعل على عرش مادي». وفهم كيرسس أن مملكة فارس ستسقط وهو لا ينكسر أبداً. ولكن مملكته سقطت وجلس كورش على عرش مادي وهو من أصل خليط لأن أباه من فارس وأمه من مادي. فيظهر من هذه الحادثة:

  1. إن الأمم كانوا خائفين من كورش.
  2. إنهم كانوا يفتشون عن الإله الحقيقي.
  3. إنهم كانوا يعتبرون الخبر بالأمور المستقبلة برهاناً على صدق ادعاء الألوهية.

ٱقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ كانت ليدية وبابل ومصر أعظم الممالك في زمان كورش فاقتربت وجاءت أي اتحدت لمقاومة كورش.

٦، ٧ «٦ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ لأَخِيهِ: تَشَدَّدْ. ٧ فَشَدَّدَ ٱلنَّجَّارُ ٱلصَّائِغَ. ٱلصَّاقِلُ بِٱلْمِطْرَقَةِ ٱلضَّارِبَ عَلَى ٱلسَّنْدَانِ، قَائِلاً عَنِ ٱلإِلْحَامِ: هُوَ جَيِّدٌ. فَمَكَّنَهُ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لاَ يَتَقَلْقَلَ!».

ص ٤٠: ١٩ و٤٤: ١٢ ص ٤٠: ١٩ ص ٤٠: ٢٠

استعداد أهل الجزائر لمحاربة كورش الذي أنهضه الرب. واستعدادهم هو صنعهم أصناماً جديدة فكان دليلاً على أنهم كانوا قد امتحنوا الأصنام التي عندهم فوجدوها باطلة.

٨ «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي، يَا يَعْقُوبُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي».

تثنية ٧: ٦ و١٠: ١٥ و١٤: ٢ ومزمور ١٣٥: ٤ وص ٤٣: ١ و٤٤: ١ و٢أيام ٢٠: ٧ ويعقوب ٢: ٢٣

أَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ الجزائر خافت لأن اتكالها على الأصنام وأما إسرائيل فاتكاله على الرب.

عَبْدِي لا يدل هذا اللقب على الاحتقار بل أن إسرائيل خاصة الرب فيعتني الرب به. ولما كانوا عبيداً لملك بابل تعزّوا بقول الرب أنهم بالحقيقة عبيده وعبوديتهم في بابل وقتية ويعلم الرب فيدعوهم ويأخذهم.

إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي الله تكلم مع إبراهيم كما يتكلم الإنسان مع صديقه وأظهر له بعض مقاصده وباركه وأعطاه مواعيد. وإبراهيم استحق هذا الاسم نظراً إلى طاعته وإدراكه الحقائق الروحية وقبوله المواعيد بالإيمان. ونستنتج أن لنسل الأتقياء بركات خصوصية وعليهم مسؤولية خصوصية.

٩ «ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ، وَقُلْتُ لَكَ: أَنْتَ عَبْدِي. ٱخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ».

ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ أولاً الرب أمسك إبراهيم ودعاه من أور الكلدانيين ثم أمسك نسله ودعاهم من مصر وهنا يعدهم بأنه يمسكهم ويدعوهم من بابل.

لَمْ أَرْفُضْكَ تعزية لليهود في بابل الذين كانوا حسب الظاهر مرفوضين من إلههم.

١٠ «لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلٰهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي».

ع ١٣ و١٤ وص ٤٣: ٥ تثنية ٣١: ٦ و٨

لاَ تَتَلَفَّتْ لا تصرف وجهك إلى آخر بل انظر إلى الرب وحده لأنه إلهك (انظر تثنية ٣١: ٨) «وَٱلرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ. لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ».

قَدْ أَيَّدْتُكَ عبّر عن المستقبل بالماضي تحقيقاً وتوكيداً لأن مواعيد الله ثابتة فهي كأنها مضت.

بِيَمِينِ بِرِّي يمين الرب تشير إلى قوته الظاهرة بأعماله وبرّ الرب يشير إلى المطابقة بين أعماله ومواعيده أي كما وعد هكذا فعل.

١١ – ١٣ «١١ إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يَكُونُ كَلاَ شَيْءٍ مُخَاصِمُوكَ وَيَبِيدُونَ. ١٢ تُفَتِّشُ عَلَى مُنَازِعِيكَ وَلاَ تَجِدُهُمْ. يَكُونُ مُحَارِبُوكَ كَلاَ شَيْءٍ وَكَالْعَدَمِ. ١٣ لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، ٱلْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ».

خروج ٢٣: ٢٢ وص ٤٥: ٢٤ و٦٠: ١٢ وزكريا ١٢: ٣ ع ١٠

ذُكر أربعة أنواع من الأعداء «المغتاظون… مخاصموك… منازعوك… محاربوك» وكل نوع أقوى مما قبله فالقول يشمل جميع الأعداء ولا أحد في زمان السبي تصور أن شعباً ضعيفاً كشعب اليهود يبقى حتى يفتش عن البابليين ولا يجدهم.

ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ يدل على ضعف إسرائيل كأنه ولد صغير لا يقدر أن يمشي وحده ويدل أيضاً على محبة الله الأبوية وهو كأب حنون يمسك بيمين ابنه الصغير.

١٤ «لاَ تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ».

دُودَةَ يَعْقُوبَ عبارة تشير إلى ضعف اليهود وعدم استحقاقهم. قال الرب (حزقيال ٣٦: ٢٢) «لَيْسَ لأَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلْ لأَجْلِ ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسِ» وكلمة «شرذمة» تشير إلى قلة عددهم. وظهرت قوة الله باستعماله آلة ضعيفة لأن قوته تكمل في ضعف الإنسان.

وَفَادِيكَ معنى كلمة فادي بالعبراني «الذي يفك المبيع» (لاويين ٢٥: ٢٥) «إِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ فَبَاعَ مِنْ مُلْكِهِ، يَأْتِي وَلِيُّهُ ٱلأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَيَفُكُّ مَبِيعَ أَخِيهِ» والولي هو الفادي. والكلمة تفيد أيضاً الذي يخلص من الخطية وهذا الفادي هو قدوس إسرائيل ونعرف من العهد الجديد أنه الأقنوم الثاني أي يسوع المسيح. وكل خاطئ كمبيع لإبليس فينظر إلى المسيح الفادي الإله التام والإنسان التام والقريب منه كما نظر اليهودي الفقير إلى وليه الأقرب ليخلصه.

١٥ «هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجاً مُحَدَّداً جَدِيداً ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ ٱلْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا وَتَجْعَلُ ٱلآكَامَ كَٱلْعُصَافَةِ».

ميخا ٤: ١٣ و٢كورنثوس ١: ٤ و٥

الدودة يعقوب صار نورجاً. فالوعد هو أن إسرائيل سيغلب كل الصعوبات بقوة الرب ومنها:

  1. الإذن من الملك بالرجوع من بابل فلا يقدر أحد أن يتصور أنه يقوم ملك مثل كورش يأذن لهم بالرجوع ويعطيهم آنية بيت الرب ومالاً للنفقة.
  2. السفر في القفر ومعهم هذه الآنية الثمينة وليس معهم عساكر يحامون عنهم.
  3. مقاومة أهل البلاد للذين بنوا الهيكل وأقاموا أسوار أورشليم ومن هذه الصعوبات التي كانت كالجبال أنقذهم الرب.

١٦ «تُذَرِّيهَا فَٱلرِّيحُ تَحْمِلُهَا وَٱلْعَاصِفُ تُبَدِّدُهَا، وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ. بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ تَفْتَخِرُ».

إرميا ٥١: ٢ ص ٤٥: ٢٥

تُذَرِّيهَا فَٱلرِّيحُ تَحْمِلُهَا إسرائيل عمل والريح عملت أي لم يخلصوا من الصعوبات إلا بواسطة تعبهم وبواسطة عناية الله أيضاً.

وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ يكون الابتهاج بعد الصعوبات والضيقات ويكون بالشرط أنهم قد تمموا كل واجباتهم ويكون بالرب لأن الكل منه وهو الذي عمل فيهم ولأجلهم. وهذا الوعد يشبه وعد المسيح لجميع المؤمنين (متّى ١٧: ٢٠) «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ». ولا يطلب شعب الله وضع أعدائهم تحت نورج حديد كأعداء داود (٢صموئيل ١٢: ٣١) بل يطلبون ملاشاة الكفر والأديان الفاسدة وجميع الخطايا وخلاص جميع الخطاة.

١٧ – ٢٠ «١٧ اَلْبَائِسُونَ وَٱلْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ ٱلْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا ٱلرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ. ١٨ أَفْتَحُ عَلَى ٱلْهِضَابِ أَنْهَاراً، وَفِي وَسَطِ ٱلْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ ٱلْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ، وَٱلأَرْضَ ٱلْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ. ١٩ أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلأَرْزَ وَٱلسَّنْطَ وَٱلآسَ وَشَجَرَةَ ٱلزَّيْتِ. أَضَعُ فِي ٱلْبَادِيَةِ ٱلسَّرْوَ وَٱلسِّنْدِيَانَ وَٱلشَّرْبِينَ مَعاً. ٢٠ لِيَنْظُرُوا وَيَعْرِفُوا وَيَتَنَبَّهُوا وَيَتَأَمَّلُوا مَعاً أَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ فَعَلَتْ هٰذَا وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ».

ص ٣٥: ٦ و٧ و٤٣: ١٩ و٤٤: ٣ مزمور ١٠٧: ٣٥ أيوب ١٢: ٩

البائسون والمساكين هم بنو إسرائيل والمساكين بالروح والحزانى والودعاء والجياع والعطاش إلى البر في كل عصر.

طَالِبُونَ مَاءً أي متضايقون ومذلون مدة السبي ويحتاجون إلى كل شيء وليس إلى الماء فقط. ووعد الرب لهم بينابيع ماء وأشجار متنوعة كناية عن كل الخيرات. وغايته أنهم يلتفتون إليه ويعرفون أن قدوس إسرائيل أبدعه. وما يدل على أن الكلام هنا مجاز القول في (ص ٤٤: ٣) «أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ» أي الماء كناية عن الروح. و«شجرة الزيت» غير الزيتون وغير معروفة.

٢١ – ٢٤ «٢١ قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. أَحْضِرُوا حُجَجَكُمْ يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ. ٢٢ لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ. ٢٣ أَخْبِرُوا بِٱلآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ، وَٱفْعَلُوا خَيْراً أَوْ شَرّاً فَنَلْتَفِتَ وَنَنْظُرَ مَعاً. ٢٤ هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، وَعَمَلُكُمْ مِنَ ٱلْعَدَمِ. رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ».

ص ٤٥: ٢١ ص ٤٢: ٩ و٤٤: ٧ و٨ و٤٥: ٣ ويوحنا ١٣: ١٩ إرميا ١٠: ٥ مزمور ١١٥: ٨ وص ٤٤: ٩ و١كورنثوس ٨: ٤

في الأول قال الرب للأوثان انصتوا فذكر من الأمور المستقبلة نهوض كورش وخلاص اليهود. وهنا يقول لهم أن يقدموا دعواهم فيخبروا هم أيضاً بما سيعرض.

مَلِكُ يَعْقُوبَ يظهر من أسماء بعض الأصنام أن عبدتها اعتبروها كملوك. مثل مولك أو ملكوم إله العمونيين وأدرملك إله لسفروايم وبعل. والرب أخذ لنفسه هذا الاسم لأنه إله يعقوب وملكه الحقيقي.

مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ المعنى على الأرجح أن الرب يطلب من عبدة الأصنام أن يدلوا على نبوءات سابقة عندهم فنقابل بالحوادث الواقعة فتُعرف صحة النبوءات أو بطلها.

أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ أي يجوز لهم أن يقدموا في الوقت الحاضر نبوءة بما سيحدث.

وَٱفْعَلُوا خَيْراً أَوْ شَرّاً أي الأصنام لا تقدر أن تعمل خيراً فنرجوه ولا شراً فنخاف منه ونتصور أن المتكلم توقف هنا وانتظر جواباً من عبدة الأصنام فلم يتكلموا ثم يقول (ع ٢٤) «هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ».

رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ نعرف من التواريخ ومن أحوال الوثنيين في أيامنا أن عبدة الأصنام يصيرون مثل أصنامهم. مثلاً كان لليونان القدماء إله للسكر وآلهة للزنى وللوثنيين في الهند إله القتل ومن واجبات عبدة هذه الآلهة أن يسكروا ويزنوا ويقتلوا الخ.

٢٥ «قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ فَأَتَى. مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ يَدْعُو بِٱسْمِي. يَأْتِي عَلَى ٱلْوُلاَةِ كَمَا عَلَى ٱلْمِلاَطِ وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ ٱلطِّينَ».

عزرا ١: ٢ ع ٢

وبعدما خجل عبدة الأصنام من عدم معرفة أصنامهم وعدم قدرتها ثبت الرب ألوهيته بأمرين أولهما أنه عرف كل ما سيحدث وعنده ما سيحدث بعد مئة سنة كما سيحدث غداً. وثانيهما أنه يصنع كل ما يحدث وهو الذي سينهض كورش ويقول «أنهضته» بصيغة الماضي لأن حدوثه لا بد منه.

أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ بلاد فارس إلى جهة الشرق من بابل وبلاد مادي إلى جهة الشمال الشرقي فيجوز القولان أن كورش أتى من الشمال وإنه من الشرق يدعو باسم الرب.

يَدْعُو بِٱسْمِي (عزرا ١: ١ – ٤) اعترف كورش بأن الرب هو إله السماء وأنه دفع له جميع ممالك الأرض مع ذلك لم يزل يعبد الأصنام كما يظهر من كتابة قديمة في بابل فيها يقول كورش أن إلهه مردوخ نصره على بابل أي أن كورش اعتبر جميع الآلهة من كل الأديان.

كَمَا عَلَى ٱلْمِلاَطِ كانوا قديماً يجبلون الملاط أي الطين بأرجلهم. و«الولاة» هم استياجس ملك مادي وكيرسس ملك ليدية ونابونيدس ملك بابل. وعاملهم كورش باللطف ولكنهم انحطوا وصاروا كالطين المدوس إذ سقطوا عن سلطتهم كملوك.

٢٦ – ٢٩ «٢٦ مَنْ أَخْبَرَ مِنَ ٱلْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْلٍ حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لاَ مُخْبِرٌ وَلاَ مُسْمِعٌ وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ. ٢٧ أَنَا أَوَّلاً قُلْتُ لِصِهْيَوْنَ: هَا! هَا هُمْ وَلأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ مُبَشِّراً. ٢٨ وَنَظَرْتُ فَلَيْسَ إِنْسَانٌ، وَمِنْ هٰؤُلاَءِ فَلَيْسَ مُشِيرٌ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ فَيَرُدُّونَ كَلِمَةً. ٢٩ هَا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ وَمَسْبُوكَاتُهُمْ رِيحٌ وَخَلاَءٌ».

ص ٤٣: ٩ ع ٤ ص ٤٠: ٩ ص ٦٩: ٥ ع ٢٤

حَتَّى نَعْرِفَ المتكلمون هم الرب وشعبه.

حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ لو أخبر أحد الأصنام بالمستقبلات لكان عبدة الرب صدقوا واعترفوا بألوهيته.

وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ أي لا أحد من الأصنام يُسمع ولا يسمع أقوال عبدته.

هَا! هَا هُمْ أي الراجعون من السبي والمعنى أن الله وحده أخبر أن بني إسرائيل سيرجعون وهو وحده جُعل لهم مبشراً والمبشر هو إشعياء أو إرميا أو دانيال (دانيال ٩: ٢ وفهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي).

لَيْسَ إِنْسَانٌ ليس نبي ولا أحد من الآلهة يقول شيئاً ولعدم إجابتهم الدعوة وقع عليهم الحكم بأنهم باطل وأعمالهم عدم.

فوائد للوعاظ

ماء في القفر (ع ١٨)

  1. قفر الخطية. ينبوع مفتوح للخطية والنجاسة (زكريا ١٣: ١). «دَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧).
  2. قفر الحزن. انظر نبأ هاجر (تكوين ٢١: ١٩) «وَفَتَحَ ٱللّٰهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ». كانت مطرودة من الناس والله وجدها وعزاها. للحزانى تعزية من الكتاب المقدس وفي الصلاة.
  3. قفر الوحدة. وعد الله مواعيد خاصة للأرامل واليتيم والغريب فيقترب إلينا حين يبتعد الناس عنا.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى