إشعياء

سفر إشعياء | 35 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

هذا الأصحاح تتمة الأصحاح السابق لأن موضوع ذلك الأصحاح تحويل بلاد مثمرة إلى قفر وموضوع هذا الأصحاح تحويل قفر إلى بلاد مثمرة. وفي الأصحاح الواحد سخط وذبح وزفت وكبريت ووحوش وخراب وفي الأصحاح الآخر فرح وتعزية وأزهار جميلة ومياه غزيرة ومسافرون وساكنون بالراحة والأمان. ومعنى هذه التشبيهات سعادة شعب الله بعد خلاصهم من الضيقات.

١ «تَفْرَحُ ٱلْبَرِّيَّةُ وَٱلأَرْضُ ٱلْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ ٱلْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَٱلنَّرْجِسِ».

ص ٥٥: ١٢ نشيد الأنشاد ٢: ١

معنى هذه النبوءة:

  1. فرح اليهود برجوعهم من سبي بابل وانتقالهم من العبودية في بلاد غريبة إلى الراحة في بلادهم.
  2. فرح الأمم عند قبولهم المسيح وانتقالهم من عبودية الخطية إلى حرية شعب الله.
  3. فرح الكنيسة في كل عصر بالخلاص من الضيق.
  4. فرح كل إنسان عند تجديد قلبه وإيمانه بالمسيح لأنه بذلك التجديد ينتقل من قفر الأعمال المائتة إلى بلاد الأعمال المثمرة.
  5. فرح جميع المؤمنين من اليهود ومن الأمم بنهاية سفرهم في قفر هذا العالم ودخولهم إلى أمجاد السماء.

٢ «يُزْهِرُ إِزْهَاراً وَيَبْتَهِجُ ٱبْتِهَاجاً وَيُرَنِّمُ. يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ. بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ. هُمْ يَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ، بَهَاءَ إِلٰهِنَا».

ص ٣٢: ١٥

يُدْفَعُ إِلَيْهِ إلى القفر. وامتازت لبنان وكرمل وشارون عن غيرها بالخصب والجمال. والمجد الموصوف هو مجد طبيعي أي مجد الأزهار الجميلة والأشجار الكبيرة والسهول المخصبة لا مجد المدن والقصور والحصون ولعل المراد به أن المجد من الله وبأعماله لا بأعمال الإنسان. والفرح الحقيقي هو بالعيشة البسيطة وبما يعطيه الله لجميع الناس بغزارة لا بالمال وعيشة الأغنياء والأكابر.

هُمْ يَرَوْنَ أي المخلصون يرون في هذه الخيرات يد الرب ويعترفون بأنه خلصهم واعتنى بهم وأرشدهم. إن مجد الرب في الطبيعة دائماً فالشمس تشرق على جميع الناس صالحين وأشراراً والأزهار والأشجار وتغريد العصافير الحلوة والروائح الطيبة في بلاد الأشرار كما في بلاد الصالحين لكن الأشرار لا يرون هذا المجد بل يرون في الطبيعة ما يحملهم على الخوف والحزن لأن جمال العالم وأفراحه للذين يرون الله فيه.

٣، ٤ «٣ شَدِّدُوا ٱلأَيَادِيَ ٱلْمُسْتَرْخِيَةَ، وَٱلرُّكَبَ ٱلْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا. ٤ قُولُوا لِخَائِفِي ٱلْقُلُوبِ: تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلٰهُكُمُ. ٱلانْتِقَامُ يَأْتِي. جَزَاءُ ٱللّٰهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ».

أيوب ٤: ٣ و٤ وعبرانيين ١٢: ١٢

وصية لشعب الله أن يشجع بعضهم بعضاً في وقت الضيقات بذكر مواعيد الله فلا شك أن هذه المواعيد ثبتت إيمانهم وعزّتهم مدة السبي. إن لكثيرين قوة كافية ولكنهم لا يعرفون قوتهم ولا يستعملونها وهم كإنسان ذي رجلين صحيحتين يظن أنه أعرج فلا يحتاج إلا إلى من يشجعه ويقول له قم وامش وهكذا لنا قوى روحية لا نعرفها وعندما نسمع صوت الرب من فم أنبيائه أو إخوتنا المؤمنين نتشجع ونقوم للحياة والخدمة بالنشاط. إن الرب أحياناً يشجعنا بتحسين أحوالنا الخارجية وكثيراً ما يشجعنا بتحسين أحوالنا القلبية فنتشجع ونتقوى ونحتمل ما لا نقدر أن نخلص منه.

هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ كان لهم هذا الوعد في ضيقاتهم مدة السبي وهو أن الله لم يزل إلههم فعرف أحوالهم وكانت لمصائبهم نهاية. فيأتيهم بالخلاص ويأتي أعداءهم بالانتقام والله يأتي كل مؤمن بروحه فيعزيه ويقويه. ونظر النبي أيضاً إلى المستقبل البعيد وإتيان المسيح الموعود به الذي يخلص شعبه من خطاياهم. والكنيسة كانت تنتظر في كل عصر عند نزول الضيقات والأهوال مجيء المسيح الثاني بالصبر والإيمان.

٥، ٦ «٥ حِينَئِذٍ تَتَفَتَّحُ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ، وَآذَانُ ٱلصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. ٦ حِينَئِذٍ يَقْفِزُ ٱلأَعْرَجُ كَٱلإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ ٱلأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ ٱنْفَجَرَتْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ وَأَنْهَارٌ فِي ٱلْقَفْرِ».

ص ٢٩: ١٨ و٣٢: ٣ و٤ و٤٢: ٧ ومتّى ٩: ٢٧ الخ و١١: ٥ و١٢: ٢٢ و٢٠: ٣٠ الخ و٢١: ١٤ ويوحنا ٩: ٦ و٧ متّى ١١: ٥ ومرقس ٧: ٣٢ الخ متّى ١١: ٥ و١٥: ٣٠ و٢١: ١٤ ويوحنا ٥: ٨ و٩ وأعمال ٣: ٢ الخ و٨: ٧ و١٤: ٨ الخ ص ٣٢: ٤ ومتّى ٩: ٣٢ و٣٣ و١٢: ٢٢ و١٥: ٣٠ ص ٤١: ١٨ و٤٣: ١٩ ويوحنا ٧: ٣٨ و٣٩

حفرت في بعض الأماكن في صحراء إفريقية آبار عميقة فنشأت منها ينابيع ماء حي وكل مكان وصل إليه الماء صار جنة خضراء جميلة كثيرة الخصب ولو كان قبل ذلك قفراً ذا رمال لا شيء فيه من الخضرة. والنبي نظر في الرؤيا إن المياه قد انفجرت في القفر فنبت فيه كل ما يسر النظر. ولم يكن التحسين مقصوراً على الأرض بل كان لأهلها أيضاً لأن عيون العمي تتفتح فينظرون هذه المناظر وتتفتح آذان الصم فيسمعون هذه الأصوات ويقفز الأعرج ويترنم الأخرس. وهذه النبوءة لا تستوفي تمامها بالرجوع من بابل ولا بعجائب المسيح بل برجوع الناس إلى الله وإقامة ملكوت المسيح حيث يفتح الرب عيون الأذهان ويفتح آذان القلوب ويحل رُبط الألسنة لتترنم للرب ويشدد الأيادي للخدمة.

٧ «وَيَصِيرُ ٱلسَّرَابُ أَجَماً، وَٱلْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكَنِ ٱلذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَٱلْبَرْدِيِّ».

ص ٣٤: ١٣

ٱلسَّرَابُ هو منظر ماء غير موجود يُرى في نصف النهار عند اشتداد الحر. وهو كناية عن خيرات غاشة يطلبها الناس ويتبعونها ولا يحصلون عليها. والأجم أماكن يوجد فيها ماء وهي كناية عن خيرات حقيقية يعطيها الله لشعبه (يوحنا ٤: ١٣ و١٤).

فِي مَسْكَنِ ٱلذِّئَابِ… دَارٌ لِلْقَصَبِ أي الأماكن التي لم يكن فيها ماء يصير فيها ماء كثير.

٨ «وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا «ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ حَتَّى ٱلْجُهَّالُ لاَ يَضِلُّ».

ص ٥٢: ١ ويوئيل ٣: ١٧ ورؤيا ٢١: ٢٧

وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ السكك الجيدة من أعظم وسائط التمدن وتوجد في كل بلاد متمدنة دون البلاد المتوحشة وهي تجمع الأماكن البعيدة وتربط بعضها ببعض فتصير كبلاد واحدة وهي ما يزيد التجارة والأمان والاتحاد والمعرفة والمحبة ووجودها يشهد باتحاد السكان فإنها لا يبنيها الأفراد بل الجماعات المتفقة على عمل واحد. ولا شك في أنه عندما سمع اليهود المسبيون في بابل الوعد بالرجوع إلى بلادهم قالوا في أنفسهم أنهم لا يقدرون أن يرجعوا لعدم وجود سكة في القفر وعدم معرفتهم الطريق وعدم الأمان فالرب أراح أفكارهم بوعده أنه سيكون سكة ممهدة وواضحة ويكون في هذه السكة الأمان التام إذ لا يكون فيها وحوش ولا لصوص بل تكون السكة لشعب الله خاصة.

ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ أي الذين يسلكون فيها يكونون مقدسين لأن الخلاص هو من الخطية لا فيها.

لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ يظن البعض أن القول يشير إلى الوثنيين والأرجح أنه يشير إلى كل خاطئ من الوثنيين واليهود فإن هذه الطريق هي طريق التوبة والإيمان فلا يستطيع أحد أن يسلك فيها إن لم يكن قد ترك خطاياها وراءه.

لاَ يَضِلُّ طريق الخلاص واضحة والتعليم الجوهري مفهوم حتى عند البسطاء. قيل أنه لو شغل الإنسان بالتفتيش عن الدين الحق عُشر ما يشغله من الوقت بأعماله العالمية لحصل بسهولة على كل ما يحتاج إليه من المعرفة لخلاص نفسه.

٩، ١٠ «٩ لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ ٱلْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. ١٠ وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ٱبْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ ٱلْحُزْنُ وَٱلتَّنَهُّدُ».

لاويين ٢٦: ٦ وص ١١: ٩ وحزقيال ٣٤: ٢٥ ص ٥١: ١١ ص ٢٥: ٨ و٦٥: ١٩ ورؤيا ٧: ٧ و٢١: ٤

أَسَدٌ يشير إلى الذين ضايقوا اليهود كسنحاريب ونبوخذناصر وغيرهم من الظالمين ويشير أيضاً إلى إبليس الذي هو كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو.

ٱلْمَفْدِيُّونَ هم المحررون من عبودية بابل والخالصون من عبودية إبليس والخطية وهم مفديو الرب كأن الرب اشتراهم من سادتهم البابليين فأطلقهم. والكلمة تشير إلى ما عمله المسيح إذ سفك دمه الكريم ليفتدي شعبه من عبودية الخطية.

إِلَى صِهْيَوْنَ كان الوعد أنهم يكملون سفرهم بالأمان ويصلون إلى أورشليم والوعد لجميع المؤمنين أنهم يصلون إلى أورشليم السماوية.

عَلَى رُؤُوسِهِمِ غالباً تكون علامات الفرح على الرأس كإكليل.

فوائد للوعاظ

شددوا الأيد المسترخية (ع ٣) ملاحظات

  1. إن في الكنيسة أقوياء وضعفاء. قال المسيح «ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ» (يوحنا ١٢: ٨) وهكذا المرضى والجهلاء. والكنيسة لا ترفض أحداً لكونه ضعيفاً أو فقيراً.
  2. إنه من واجبات الأقوياء أن يشفقوا على الضعفاء ويعزوهم ويشجعوهم ويعطوهم من أموالهم ويساعدوهم بحكمتهم ويخدمونهم ويحاموا عنهم ويعلموهم ويبشروهم.
  3. إن قوة الناس وضعفهم نسبيان فنقول إن واحداً قوي بالنسبة إلى غيره والآخر ضعيف بالنسبة إلى غيره أيضاً ولكن الجميع ضعفاء بالنسبة إلى الله فلا يجوز لأحد أن يفتخر على غيره. فإن القوة من الله وهو يعطي القوة الروحية لكل من يطلبها فيتقوى بالروح وإن كان ضعيفاً جسداً وعقلاً. والقوة الروحية هي القوة الحقيقية.

ويكون هناك سكة (ع ٨) الطريقان

  1. طريق السراب. وهي تؤدي بحسب الظاهر إلى الغنى والمجد والراحة غير أن أكثر السالكين فيها لا يصلون إلى نهايتها والذين يصلون لا يجدون ما يشبعهم كما كانوا يتوهمون كما لا يصل السالك فيها إلى الماء وهم الذين يفضّلون خيرات هذا العالم على ملكوت الله.
  2. الطريق المقدسة. والسالكون فيها يتركون خطاياهم ويعملون مشيئة الله وإن كان بخسارة زمنية وينكرون أنفسهم في عمل الخير ويرجون الحياة الأبدية.

والطريق المقدسة أفضل لأسباب (١) إنها واضحة (٢) إنها أمينة (٣) إنها لا تغش أحداً لأن كل من يقصد يرضي الله يرضيه وكل من يقصد السماء يصل إليها وكل من يقصد عمل الخير ينجح ويفرح فيه ومن يطلب أولاً ملكوت الله ينال أيضاً كل ما يحتاج إليه من الخيرات الجسدية.

مفديو الرب (ع ١٠)

  1. س. من أي شيء مفديون؟

    ج. إنهم مفديون من الخطية وهي عبودية شر من العبودية للناس. تأمل في حال الطماع والفاسق والسكير والحقود وغيرهم من المستعبدين للخطية.

  2. س. بأي شيء مفديون؟

    ج. إنهم مفديون بدم المسيح وهو أثمن من الذهب (١بطرس ١: ١٨ و١٩) فإن الخدمة من أحد الأغنياء مقبولة أكثر من المال منه لأنها تدل على المحبة ولا سيما الخدمة التي تكون بالخسارة لنفسه فتحقق محبته المخلصة.

  3. س. إلى أي شيء يصلون بالفداء؟

    ج. إنهم يصلون به إلى الخلاص والاتحاد بالمسيح والتبني والحياة الأبدية والسماء.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى