سفر إشعياء | 33 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ
مضمونه:
آخر النبوءات المتعلقة بسنحاريب وكان جيشه في زمن هذه النبوءة أمام أورشليم وكان حزقيا قد أعطاه جميع الفضة التي في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك وكان قد نزع الذهب عن أبواب هيكل الرب رجاء أن يذهب سنحاريب عنه فقبل سنحاريب الجزية ولكنه نكث العهد فلم يترك أورشليم بل أرسل ربشاقي بجيش عظيم وعيّر الملك وجدّف على الرب. وكان قد أخرب اليهودية كلها والتجأ السكان إلى أورشليم وكان على ما يظهر أن هذه المدينة نفسها ستسقط سريعاً فأوحي في أثناء الخوف والاضطراب إلى إشعياء بأن يصرّح بانكسار سنحاريب ونجاة أورشليم وتوطيد الأمن والسلام.
١ «وَيْلٌ لَكَ أَيُّهَا ٱلْمُخْرِبُ وَأَنْتَ لَمْ تُخْرَبْ، وَأَيُّهَا ٱلنَّاهِبُ وَلَمْ يَنْهَبُوكَ. حِينَ تَنْتَهِي مِنَ ٱلتَّخْرِيبِ تُخْرَبُ، وَحِينَ تَفْرَغُ مِنَ ٱلنَّهْبِ يَنْهَبُونَكَ».
ص ٢١: ٢ وحبقوق ٢: ٨ رؤيا ١٣: ١٠
خاطب النبي بهذا سنحاريب وهو إستحق هذا الويل لأمرين (١) إنه تعدى على اليهود وحاربهم بلا داع و(٢) إنه تكبر وافتخر وظن أنه يقدر أن يخرب ولا أحد يقدر أن يخربه وينهب ولا أحد يقدر أن ينهبه وجدف على الرب والرب جازاه. وكان من الطبع أن الكثيرين الذين ظلمهم أشور يستغنمون أول فرصة ليقوموا وينتقموا منه على حسب ظلمه.
حِينَ تَنْتَهِي لم ينته نظراً إلى مقاصده بل نظراً إلى مقاصد الرب لأن الرب يرى كل شيء ويجعل لكل ظالم نهاية. وكل من يتأمل في تاريخ العالم يرى أن ممالك الظالمين تقوم وتسقط فيقوم غيرها ويسقط الخ ولا تثبت مملكة ما لم تكن مؤسسة على العدل والحق.
٢ «يَا رَبُّ، تَرَأَّفْ عَلَيْنَا. إِيَّاكَ ٱنْتَظَرْنَا. كُنْ عَضُدَهُمْ فِي ٱلْغَدَوَاتِ. خَلاَصَنَا أَيْضاً فِي وَقْتِ ٱلشِّدَّةِ».
ص ٢٥: ٩
صلاة النبي. إدخال الصلاة هكذا بين كلمات النبوءة هو غير المعتاد وهو يدل على اضطراب أفكار النبي فإنه كان قد تنبأ بما حدوثه محال بحسب الظاهر أي سقوط أشور (ص ٢٩: ٥ – ٨ و٣٠: ٢٧ – ٣٣ و٣١: ٨) وبقرب الوقت الذي تتم فيه هذه النبوءة (ص ٣٢: ١٠) وبهذا يُعرف أنه تكلم بالوحي فالتجأ إلى الرب ليتشجع به.
كُنْ عَضُدَهُمْ أي عضد اليهود. صلى أولاً كالنائب عن الشعب في الكلام وقال «تراءف علينا… انتظرنا» ثم انتقل من التكلم إلى الغيبة وهو نوع من الالتفات البديعي والمعنى واحد. وعضد الإنسان هو الجزء الغليظ من ذراعه وهو بين المرفق (المعروف عن العامة بالكوع) والكتف وهو العضو الذي عليه أكثر الاعتماد في العمل. ونحن نطلب من الرب أن يكون عضدنا أي أن يكون لنا قوة على العمل.
فِي ٱلْغَدَوَاتِ أشار بذلك إلى الصباح الذي فيه رأى اليهود جيش أشور جميعهم جثثاً ميتة (ص ٣٧: ٣٦). يطلبون المعونة صباحاً لا ظهراً ولا مساءً أي سريعاً. والرب لنا عون في حينه. والغدوات بصيغة الجمع تفيد أيضاً معونة كل يوم فإن حياة الإنسان ليست مدة واحدة متصلة بل هي أيام ولكل يوم واجبات خاصة وتجارب خاصة فنحتاج كل يوم إلى معونة خاصة.
٣ «مِنْ صَوْتِ ٱلضَّجِيجِ هَرَبَتِ ٱلشُّعُوبُ. مِنِ ٱرْتِفَاعِكَ تَبَدَّدَتِ ٱلأُمَمُ».
صَوْتِ ٱلضَّجِيجِ هو صوت الله (مزمور ٢٩: ٣ – ٩) و«الشعوب» شعوب أشور لأن مملكة أشور كانت مجموعة من شعوب مختلفة.
ٱرْتِفَاعِكَ ارتفاع الرب كما يقوم جبار ويرفع يده ليضرب.
٤ «وَيُجْنَى سَلْبُكُمْ جَنْي ٱلْجَرَادِ. كَتَرَاكُضِ ٱلْجُنْدُبِ يُتَرَاكَضُ عَلَيْهِ».
سَلْبُكُمْ النبي يخاطب الأشوريين وسلبهم كسلب الجراد لأن الجراد لا يترك شيئاً. والذين يسلبون أشور كالجندب في الكثرة والشراهة. ولا نبأ في الكتاب يسلب أشور ولكنه أمر طبيعي أنهم بعد تلك الضربة الهائلة انصرفوا بالعجل وتركوا أمتعتهم فصارت غنيمة لليهود وربما سلب أهل البلاد الهاربين أيضاً وتجاسر بعض الشعوب على غزو المملكة.
٥ «تَعَالَى ٱلرَّبُّ لأَنَّهُ سَاكِنٌ فِي ٱلْعَلاَءِ. مَلأَ صِهْيَوْنَ حَقّاً وَعَدْلاً».
مزمور ٩٧: ٩
تَعَالَى ٱلرَّبُّ أولاً بإظهار عدله وحقه في إبادة أشور وبسكناه في العلاء باعتبار أنه ملك الشعوب ثم في رجوع شعبه إليه بالتوبة فامتلأت أورشليم عدلاً وحقاً.
٦ «فَيَكُونُ أَمَانُ أَوْقَاتِكَ وَفْرَةَ خَلاَصٍ وَحِكْمَةٍ وَمَعْرِفَةٍ. مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ هِيَ كَنْزُهُ».
النبي يخاطب هنا اليهود. والأمان هو من أعظم وسائط النجاح فيبني الأماكن الصخرية كلبنان وعدم الأمان يخرب الأراضي الجيدة. وأما الأمان فهو مما يجعل الناس يلتهون بالخيرات الزمنية وينسون الرب فيكونون ناجحين في الجسديات ومتكاسلين في الروحيات فيحذر النبي اليهود من هذا الخطر بقوله «يكون أمان أوقاتك وفرة خلاص وحكمة ومعرفة» أي الأمان الحقيقي يكون بالخلاص من الخطية وليس فقط من سنحاريب وكنزهم الحقيقي مخافة الرب لا مجرد الفضة والذهب. كان سنحاريب قد غزا كل اليهودية وأخذ مدنها وحصونها وكنوزها من الذهب والفضة وداس كرومها وحقولها ولكنها كانت غنية في مخافة الرب فإنها كانت قد تعلمت الاتكال على الرب دون الاتكال على مصر وغيرها وكانت ترجو مواعيد الله. وصارت غنية أيضاً في الجسديات لأن اليهود رجعوا إلى حقولهم وتجددت كرومهم ومدنهم وكان ذلك في آخر ملك حزقيا (٢أيام ٣٢: ٢٧ – ٣٠) فإن للذين يطلبون أولاً ملكوت الله تزاد جميع الخيرات الجسدية.
٧ – ٩ «٧ هُوَذَا أَبْطَالُهُمْ قَدْ صَرَخُوا خَارِجاً. رُسُلُ ٱلسَّلاَمِ يَبْكُونَ بِمَرَارَةٍ. ٨ خَلَتِ ٱلسِّكَكُ. بَادَ عَابِرُ ٱلسَّبِيلِ. نَكَثَ ٱلْعَهْدَ. رَذَلَ ٱلْمُدُنَ. لَمْ يَعْتَدَّ بِإِنْسَانٍ. ٩ نَاحَتْ ذَبُلَتِ ٱلأَرْضُ. خَجِلَ لُبْنَانُ وَتَلِفَ. صَارَ شَارُونُ كَٱلْبَادِيَةِ. نُثِرَ بَاشَانُ وَكَرْمَلُ».
٢ملوك ١٨: ١٨ و٣٧ قضاة ٥: ٦ و٢ملوك ١٨: ١٤ إلى ١٧ ص ٢٤: ٤
أَبْطَالُهُمْ أبطال يهوذا المرسلون ليطلبوا الصلح من سنحاريب فرجعوا وثيابهم ممزقة (ص ٣٦: ٢٢).
خَلَتِ ٱلسِّكَكُ خوفاً من الأشوريين.
نَكَثَ ٱلْعَهْدَ أي سنحاريب لأنه كان قد أخذ من حزقيا الذهب والفضة وهكذا عاهده على أنه يرجع عنه ولم يرجع.
رَذَلَ ٱلْمُدُنَ احتقرها لأنها لم تقدر أن تقاومه فقال أين آلهة حماة وأرفاد وسفروايم والسامرة. ولم يعتد بإنسان أي لم يخف إنساناً. لبنان وشارون وباشان وكرمل ليست في اليهودية ولكنها كناية عن جميع الأماكن المثمرة والجميلة.
١٠ – ١٢ «١٠ اَلآنَ أَقُومُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٱلآنَ أَصْعَدُ. ٱلآنَ أَرْتَفِعُ. ١١ تَحْبَلُونَ بِحَشِيشٍ تَلِدُونَ قَشِيشاً. نَفَسُكُمْ نَارٌ تَأْكُلُكُمْ. ١٢ وَتَصِيرُ ٱلشُّعُوبُ وَقُودَ كِلْسٍ، أَشْوَاكاً مَقْطُوعَةً تُحْرَقُ بِٱلنَّارِ».
مزمور ١٢: ٥ مزمور ٧: ١٤ وص ٥٩: ٤ ص ٩: ١٨
تكرار الكلمة «الآن» ثلاث مرات يدل على غضب الرب الشديد على سنحاريب لأن تجديفه كان قد وصل إلى درجة لا تُطاق ويدل أيضاً على شفقته على شعبه كأنه هاج من ذكر خراب بلادهم. والرب يقوم دائماً للعمل في وقته لا قبل الوقت ولا بعده وذلك نظراً إلى تعظم أعدائه واتضاع شعبه. كما نادى ملاك الرب إبراهيم لما مد يده ليذبح ابنه إسحاق وكما ضرب الآراميين بالعمى لما أحاطوا بمدينة دوثان فخلص نبيه أليشع. وكما ضرب نبوخذناصر الملك بالجنون حين افتخاره وتجديفه. وهامان (أستير ٥: ١١) وهيرودس (أعمال ١٢: ٢١ – ٢٣). فحين يصرخ شعبه إليه من الأعماق يصغي ويستجيب.
تَحْبَلُونَ بِحَشِيشٍ إشارة إلى خيبة مقاصد أشور.
نَفَسُكُمْ نَارٌ تَأْكُلُكُمْ كان كلام الكبرياء والتجديف الذي خرج من أفواه الأشوريين سبب هلاكهم فأهلكوا أنفسهم. فلا يجوز لجميع المصابين أن يقولوا إن مصائبهم من الله لكي يخلصوا من كل لوم ومسؤولية لأن مصائب كثيرة نتيجة طبيعية للخطية كأمراض السكارى والفجار وفقر الكسالى والمسرفين وانحطاط المتكبرين. كانت الشرور الخارجة من قلوب الأشرار النار التي أكلتهم فكان هلاكهم من أنفسهم. وإذا فحصنا قلوبنا نرى فيها الطمع والكبرياء والكسل ومحبة الذات وخطايا أخرى فتكون هذه الخطايا السبب الحقيقي لمصائبنا وعدم نجاحنا.
أَشْوَاكاً مَقْطُوعَةً أي أشواكاً يابسة تُحرق سريعاً كالمستعملة وقوداً للكلس.
١٣، ١٤ «١٣ اِسْمَعُوا أَيُّهَا ٱلْبَعِيدُون مَا صَنَعْتُ، وَٱعْرِفُوا أَيُّهَا ٱلْقَرِيبُونَ بَطْشِي. ١٤ ٱرْتَعَبَ فِي صِهْيَوْنَ ٱلْخُطَاةُ. أَخَذَتِ ٱلرَّعْدَةُ ٱلْمُنَافِقِينَ. مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي نَارٍ آكِلَةٍ؟ مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي وَقَائِدَ أَبَدِيَّةٍ؟».
ص ٤٩: ١
ٱلْبَعِيدُون هم الأمم والقريبون هم اليهود فالدعوة تشمل الجميع. وبطش الله هو عمله العظيم في إهلاك أعدائه.
ٱرْتَعَبَ فِي صِهْيَوْنَ ٱلْخُطَاةُ كان بعض اليهود الساكنين في أورشليم خطأة أيضاً لا الأشوريون فقط. وذُكر في النبوءات السابقة بعض خطايا هؤلاء اليهود كالرياء والكبرياء والظلم والسكر ورفض كلام الله ولما نظروا تلك النار الآكلة أي غضب الله على أشور خافوا لأنهم خطأة أيضاً كالأشوريين. أخطأ الأشوريون بدون ناموس واستحقوا الهلاك فبالأولى أن يستحق ذلك اليهود الذين أخطأوا ولهم ناموس.
وَقَائِدَ أَبَدِيَّةٍ أحكام الله على الخطأة نوعان:
(١) أحكامه في هذا العالم كإهلاك الأشوريين وتعذيب كثيرين من الأفراد بأمراض ومصائب مختلفة وتوبيخ الضمير والبعد عن الله وفقد الرجاء وتسلط الحسد والطمع والشهوات.
(٢) أحكامه الأبدية بعد الموت التي لا ينجو أحد منها إلا بواسطة الإيمان بالرب يسوع المسيح. إننا نرى في الزمان الحاضر كثيرين من الخطأة في حال الراحة ولولا إعلان الدينونة والعقاب بعد الموت كنا نشك في عدل الله. فيجب على الواعظ الأمين أن يوضح هذا التعليم لسامعيه بالمحبة القلبية والحزن وبذل كل الاجتهاد في تخليص الهالكين وأحسن مثال للواعظ في هذا الأمر هو الرب يسوع المسيح الذي قدّم في هذا الموضوع تعليماً لا يوجد أوضح منه وبذل نفسه ليخلّص الخطأة. ولا نفهم أن الوقائد الأبدية تشير إلى نار حقيقية فإن المراد بها عذاب لا يوصف.
رأى اليهود جزءاً من أحكام الله الزمنية عندما أُهلك ١٨٥٠٠٠ من الأشوريين في ليلة واحدة. وإذا كانت هذه الأحكام أحكام الله الزمنية مخيفة إلى هذا الحد فمن يقدر أن يحتمل أحكامه الأبدية.
١٥ «ٱلسَّالِكُ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلاسْتِقَامَةِ، ٱلرَّاذِلُ مَكْسَبَ ٱلْمَظَالِمِ، ٱلنَّافِضُ يَدَيْهِ مِنْ قَبْضِ ٱلرَّشْوَةِ، ٱلَّذِي يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ ٱلدِّمَاءِ، وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلشَّرِّ».
مزمور ١٥: ٢ و٢٤: ٤ مزمور ١١٩: ٣٧
ٱلسَّالِكُ بِٱلْحَقِّ الخ ليس هذا القول جواباً للسؤال في (ع ١٤) كأن السالك بالحق يقدر أن يسكن في وقائد أبدية بل هو وصف لمن يقدر أن يسكن مع الإله القدوس القادر على كل شيء. إن غضب الله هو على الخطية لا على الخاطئ فالمسيح جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك. والخاطئ مشبه بخروف ضال ودرهم ضائع وابن ضال. والمراد بهذه التشبيهات أن الله يحب الخاطئ كما يحب الراعي خروفه وكما يحب صاحب الدرهم ماله وكما يحب الأب ابنه فلا شيء يفصلنا عن محبة الله إلا الخطية وكل من يترك خطيته ويلتجئ إلى الله بالتوبة والإيمان يجده أباً حنوناً ومخلّصاً قديراً. ومن يريد أن يسكن مع الله يجب أن يكون قدوساً كما هو قدوس. والقداسة المشار إليها ليست قداسة أصلية كقداسة الملائكة بل قداسة المفديين والمطهرين بدم يسوع. والصفات المذكورة في هذا العدد هي الصفات المطلوبة خصوصاً في عصر إشعياء.
ٱلنَّافِضُ يَدَيْهِ كأن اليد تتدنس من الرشوة فيرفضها كما ينفض الإنسان يده فلا يلصق بها أدنى شيء من الغبار.
يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ ٱلدِّمَاءِ لا يسمع موآمرات قاصدي سفك الدماء.
وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلشَّرِّ أي النظر إلى كل ما يجربه لارتكاب خطية كمكسب الظلم أو الرشوة وكل ما يفسد الأخلاق ويهيج الشهوات لأن العين كباب يدخل منه خير وشر فيتصف الإنسان بالأمور التي ينظر إليها عادة واختياراً فمن ينظر بالرضا إلى الشرور يصير شريراً ومن ينظر إلى الصالحات يصير صالحاً.
١٦ «هُوَ فِي ٱلأَعَالِي يَسْكُنُ. حُصُونُ ٱلصُّخُورِ مَلْجَأُهُ. يُعْطَى خُبْزَهُ، وَمِيَاهُهُ مَأْمُونَةٌ».
فِي ٱلأَعَالِي يَسْكُنُ أي في الأمان لأن الحصون كانت في أماكن عالية.
يُعْطَى خُبْزَهُ ليس عليه خطر في وقت الحصار لأن مكانه منيع وطعامه وشرابه لا ينقطعان وكنى بهذه التشبيهات عن سلام شعب الله وحمايته لهم.
١٧ «اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ تَنْظُرُ عَيْنَاكَ. تَرَيَانِ أَرْضاً بَعِيدَةً».
اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ حزقيا لأنه في وقت الحصار تغطى بمسح (ص ٣٧: ١) لا شك في أنه بعد ما نجوا لبس ثيابه البهية. ولم يكن له بهاء اللباس وحده بل كان له أيضاً بهاء روحي لأنه ملك بالعدل والحق.
أَرْضاً بَعِيدَةً بعدما نجوا من سنحاريب خرجوا بالحرية من المدينة إلى أطراف بلادهم. وهذه الألفاظ توافق المسيح والكنيسة أيضاً لأن الكنيسة ستنظر ملكها المسيح ببهائه وترى امتداد ملكوته إلى أقصى الأرض (زكريا ٩: ١٧ ومزمور ٤٥: ٢ ونشيد الأنشاد كله).
١٨ «قَلْبُكَ يَتَذَكَّرُ ٱلرُّعْبَ. أَيْنَ ٱلْكَاتِبُ، أَيْنَ ٱلْجَابِي، أَيْنَ ٱلَّذِي عَدَّ ٱلأَبْرَاجَ؟».
١كورنثوس ١: ٢٠
الرعب من أشور. سُرّ النبي بذكر الخطر بعد زواله. والكاتب أقيم من قبل ملك أشور زمان الحصار ليكتب الأسماء لأجل التسخير والجزية ففرح اليهود بعدم وجوده. وبولس استعمل ألفاظاً تشبه ما جاء في إشعياء (١كورنثوس ١: ٢٠) وربما معناه أنه كما انصرف ذلك الكاتب المفتخر والمتكبر عن أورشليم هكذا تزول حكمة هذ العالم. والجابي هو الذي قبض المال المفروض على اليهود. والذي عدّ الأبراج هو المهندس الذي نظر إلى أبراج اليهود وعدّها لكي تهدم.
١٩ «ٱلشَّعْبَ ٱلشَّرِسَ لاَ تَرَى: ٱلشَّعْبَ ٱلْغَامِضَ ٱللُّغَةِ عَنِ ٱلإِدْرَاكِ، ٱلْعَيِيَّ بِلِسَانٍ لاَ يُفْهَمُ».
٢ملوك ١٩: ٣٢ تثنية ٢٨: ٤٩ وإرميا ٥: ١٥
انصرف الأشوريون ولم يرجعوا إلى أورشليم في زمان ذلك الجيل غير أنهم جاءوا في زمان ملك منسى ابن حزقيا.
ٱلْغَامِضَ ٱللُّغَةِ وهذا مما زاد رعب اليهود لأنهم كانوا يسمعون كل يوم من مدة الحصار صراخاً وتهديدات وأصواتاً غريبة ومخيفة لم يفهموها ولعدم فهم لغة الأشوريين حسبوهم عيييّن باللسان.
٢٠ «اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ مَدِينَةَ أَعْيَادِنَا. عَيْنَاكَ تَرَيَانِ أُورُشَلِيمَ مَسْكَناً مُطْمَئِنّاً، خَيْمَةً لاَ تَنْتَقِلُ. لاَ تُقْلَعُ أَوْتَادُهَا إِلَى ٱلأَبَدِ، وَشَيْءٌ مِنْ أَطْنَابِهَا لاَ يَنْقَطِعُ».
مزمور ٤٨: ١٢ مزمور ٤٦: ٥ و١٢٥: ١ و٢ ص ٣٧: ٣٣ و٥٤: ٢
اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ انظرها بعد نجاتها من أشور فإنها سترجع إلى حالتها الأولى وتحفظ أعيادها ويأتيها معيّدون من كل الجهات بلا خوف. والمدينة مشبهة بخيمة لا تنتقل إشارة إلى قول سنحاريب (ص ٣٦: ١٧) «آتي وآخذكم إلى أرض الخ». وليس المراد بالوعد أن مدينة أورشليم تثبت إلى الأبد بل أنها تبقى زماناً طويلاً.
لاَ تَنْتَقِلُ ولكنها خيمة إشارة إلى أن كل مدن العالم ستزول وليس إلا مدينة واحدة ثابتة لها أساسات وهي أورشليم السماوية التي بانيها وصانعها الله. انظر قول المسيح في الكنيسة (متّى ١٦: ١٨) «أَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا». لكل وعد شروط والوعد لأورشليم هو أنها تثبت إذا حفظت ما ذُكر في (ع ١٥).
٢١ «بَلْ هُنَاكَ ٱلرَّبُّ ٱلْعَزِيزُ لَنَا مَكَانُ أَنْهَارٍ وَتُرَعٍ وَاسِعَةِ ٱلشَّوَاطِئِ. لاَ يَسِيرُ فِيهَا قَارِبٌ بِمِقْذَافٍ، وَسَفِينَةٌ عَظِيمَةٌ لاَ تَجْتَازُ فِيهَا».
ليس لأورشليم أنهار كالفرات والنيل تُغني المدن المبنية على شواطئها وتسير فيها قوارب ولكن الرب يكون لهم عوضاً عن الأنهار فيعطيهم كل الخيرات التي للمدن المبنية عليها.
لاَ يَسِيرُ فِيهَا قَارِبٌ يسير فيها قوارب تجارية ولكن لا يسير قوارب بمقذاف أو سفينة عظيمة أي قارب من قوارب أعدائهم الحربية. والكلام ليس بحقيقي كأنه سيكون في أورشليم أنهار عظيمة فهو مجاز ويشير إلى تمام النجاح والسلام.
٢٢ «فَإِنَّ ٱلرَّبَّ قَاضِينَا. ٱلرَّبُّ شَارِعُنَا. ٱلرَّبُّ مَلِكُنَا هُوَ يُخَلِّصُنَا».
يعقوب ٤: ١٢ مزمور ٨٩: ١٨
تكرار اسم الرب للتأكيد ويشير إلى تمام اتكالهم عليه وثبات عزمهم. في كل حكومة دستورية ثلاث دائرات وهي النواب الذين يسنون الشرائع والقضاة الذين يفسرونها ويخصصونها والملك أو الرئيس الذي يجريها. فكان الرب لإسرائيل بمقام الثلاثة فكان قاضياً وشارعاً وملكاً.
٢٣ «ٱرْتَخَتْ حِبَالُكِ. لاَ يُشَدِّدُونَ قَاعِدَةَ سَارِيَتِهِمْ. لاَ يَنْشُرُونَ قِلْعاً. حِينَئِذٍ قُسِمَ سَلْبُ غَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ. ٱلْعُرْجُ نَهَبُوا نَهْباً».
ٱرْتَخَتْ حِبَالُكِ ظن بعضهم أن النبي يخاطب الأشوريين فقوله يشير إلى انكسارهم والأرجح أنه موجه إلى أورشليم ويشير إلى ما كان اليهود فيه سابقاً من التشويش والخلاعة والابتعاد عن الله وكان النبي أظهر لهم هذه الخطايا مراراً كثيرة. وشبّه اليهود بملاحين كسالى لم ينتبهوا لسفينتهم كما يجب.
حِينَئِذٍ أي حين أظهر الله قوته ومجده بإهلاك الأشوريين انقلبت الأحوال.
غَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ ولا شك أنهم مع هذه الغنمية استرجعوا الذهب والفضة التي كان حزقيا أعطاها لملك أشور جزية وما كان هذا الملك أخذه من مدن يهوذا (٢ملوك ١٨: ١٣ – ١٦).
ٱلْعُرْجُ نَهَبُوا أي اليهود الذين كانوا عاجزين كالعرج وذلك نظراً إلى عددهم القليل وإيمانهم الضعيف وسلوكهم الرديء ومع ذلك نهبوا الأشوريين والقول كمثل يشير إلى انكسار الأشوريين الكامل وكثرة غنيمة الإسرائيليين.
٢٤ «وَلاَ يَقُولُ سَاكِنٌ: أَنَا مَرِضْتُ. ٱلشَّعْبُ ٱلسَّاكِنُ فِيهَا مَغْفُورُ ٱلإِثْمِ».
إرميا ٥٠: ٢٠
لا شك في أنه كثرت الأمراض في أورشليم زمان سقوط مدن يهوذا والتجاء كثيرين من أهلها إلى أورشليم وحصار أورشليم نفسها وإتلاف الغلال والأملاك ووقوف كل عمل. وكان شفاء الأمراض مقترناً بمغفرة الخطايا (مزمور ١٠٣: ٣ ومتّى ٩: ٢). كان القدماء يعتبرون كل مرض نتيجة الخطية وعلامة غضب الله فكان زوال الأمراض علامة رضاه وغفران الخطية. ووفاء الوعد الكامل يكون في السماء.
فوائد للوعاظ
الملك ببهائه تنظر عيناك (ع ١٧)
- المنظور وهو الملك القادر على كل شيء والمنتصر على كل أعدائه والمخضع كل شيء لنفسه وهو القدوس فيجري العدل والحق وهو المحب أيضاً والمعتني بكل خلائقه. والجالس على العرش هو الفادي الذي بذل نفسه ليخلّصنا.
- النظر. الآن ننظره بالإيمان لأنه هو العامل في العالم والعامل فينا وإن كنا لا نقدر أن نراه بأعيننا الجسدية. وننظره في امتداد ملكوته في العالم ومجده في المفديين وسننظره في مجده في السماء.
- الناظرون. وهم المستنيرون لأن العميان في الروحيات لا يقدرون أن يروه. والأنقياء القلب لأنه قدوس فلا يقترب إليه إلا القديسون. والمؤمنون لأننا نتطهر ونتقدس بدم المسيح.
السابق |
التالي |