سفر إشعياء | 25 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
مضمونه:
موضوع هذا الأصحاح تابع موضوع الأصحاح السابق فهما كنبوءة واحدة تصوّر النبي فيه نفسه أنه في المستقبل البعيد حين تكون مدينة بابل قد سقطت هي وجميع مقاومي شعب الله. فجعل النبي في أفواه الشعب ترنيمة شكر وحمد ثم تنبأ برجوع الأمم ومشاركتهم لشعب الله في بركات الخلاص وفرج كل الأحزان والأرزاء حتى الموت نفسه وذكر في الختام انحطاط جميع الأعداء.
١ «يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلٰهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ ٱسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَباً. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ».
خروج ١٥: ٢ ومزمور ١١٨: ٢٨ مزمور ٩٨: ١ عدد ٢٣: ١٩
يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلٰهِي تكلم النبي هنا بالنيابة عن الشعب ويظهر من نَفَسه أن الترنيمة التي رنمها موسى لما خلص بنو إسرائيل من البحر كانت في أفكاره فبنى عليها (قابل خروج ١٥ وإشعياء ١٢ و٢٥) ويجوز لكل مؤمن أن يقول للرب «أنت إلهي» فالرب ليس في الهيكل فقط أو الكنيسة فقط بل هو في قلوب المؤمنين أيضاً.
مَقَاصِدُكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ قصد الله منذ الأزل أن يعمل هذه العجائب لشعبه ووقوعها دليل على أمانته وصدقه.
٢، ٣ «٢ لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْماً. قَصْرَ أَعَاجِمَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَدِينَةً. لاَ يُبْنَى إِلَى ٱلأَبَدِ. ٣ لِذٰلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ، وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ».
ص ٢١: ٩ و٢٣: ١٣ وإرميا ٥١: ٣٧ رؤيا ١١: ١٣
المرجح أن المدينة المذكورة هنا هي بابل بدليل أنها مدينة حصينة وملوكها أعاجم أي يتكلمون بلغة غير لغة اليهود. والقول «لا يبنى إلى الأبد» يطابق ما قيل في النبوءة بأمور بابل في (ص ١٣). وربما أراد بالشعب القوي مادي وفارس الذي أخذ بابل وملكه كورش أكرم الرب بندائه بإطلاق بني إسرائيل المسبيين في بابل (عزرا ١: ١ – ٤).
وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ يرى البابليون يد الله في سقوطهم فيخافون غير أن الخوف على هذا النوع يمتاز عن الإيمان بالرب والخضوع له. وبما أن النبي لا يقول «أمة» بل «أمم» قال بعضهم أن قرية أمم العتاة تشمل كل مدينة تقاوم الله لا بابل وحدها.
٤، ٥ «٤ لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْناً لِلْمِسْكِينِ، حِصْناً لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأً مِنَ ٱلسَّيْلِ، ظِلاً مِنَ ٱلْحَرِّ، إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ ٱلْعُتَاةِ كَسَيْلٍ عَلَى حَائِطٍ. ٥ كَحَرٍّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ ٱلأَعَاجِمِ. كَحَرٍّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ ٱلْعُتَاةِ».
ص ٤: ٦
المسكين والبائس هما شعب الله المضايق والنبي حسب عادته يكثر التشبيهات فيشبه الرب بحصن وملجإ من السيل وظلّ من الحر وحائط يرد السيل. والمراد بقوله «مسكين… وبائس» يدل على عناية الله بكل مسكين وكل بائس.
والأعاجم البابليون كما في الآية الثانية أو جميع العتاة المقاومون والظالمون ومنهم البابليون. والرب يعمل بلا ضجيج (ص ١٨: ٤) ويخفض العتاة كما يحفض الحر بظل الغيم.
غِنَاءُ ٱلْعُتَاةِ أي غناؤهم عند غلبتهم على شعب الله فإن هذه الغلبة وقتية والغناء عن قريب يذلّ.
٦ – ٨ «٦ وَيَصْنَعُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ لِجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دُرْدِيٍّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دُرْدِيٍّ مُصَفّىً. ٧ وَيُفْنِي فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ وَجْهَ ٱلنِّقَابِ ٱلَّذِي عَلَى كُلِّ ٱلشُّعُوبِ، وَٱلْغِطَاءَ ٱلْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ ٱلأُمَمِ. ٨ يَبْلَعُ ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَيَمْسَحُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ ٱلدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ ٱلْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ ٱلأَرْضِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».
أمثال ٩: ٢ ومتّى ٢٢: ٤ ص ٢: ٢ و٣ دانيال ٧: ١٤ ومتّى ٨: ١١ و٢كورنثوس ٣: ١٥ وأفسس ٤: ١٨ هوشع ١٣: ١٤ و١كورنثوس ١٥: ٥٤ ورؤيا ٢٠: ١٤ و٢١: ٤ رؤيا ٧: ١٧ و٢١: ٤
مضمون هذه الآيات وعد لجميع الشعوب بخيرات في جبل صهيون والمعنى أن أورشليم تكون في المستقبل كما كانت في الماضي مركزاً للدين الحق لكل العالم وتمت النبوءة حرفياً برجوع اليهود من السبي وبناء الهيكل ثانية وتمت أيضاً بتأسيس الكنيسة المسيحية في أورشليم في زمان الرسل ويكون تتميمها الكامل في المستقبل البعيد بامتداد الدين الحقيقي في كل الأرض فإن أورشليم كناية عن الكنيسة.
سَمَائِنَ قيل (لاويين ٧: ٣١) إنه على الكاهن أن يقدّم للرب الشحم وهو أفضل الذبيحة. وتقول هذه النبوءة أن الرب يصنع وليمة سمائن لجميع الشعوب أي يقدم لهم من خاصته وأفضل الخيرات ولا يطلب منهم تقدمة غير تقدمة قلوبهم.
انظر مزمور ٢٢ فإنه ذكر فيه أولاً آلام المسيح ثم مُثلت في ع ٢٦ البركات الروحية الناتجة عن آلام المسيح بوليمة والوليمة معدة للودعاء فيأكلون ويشبعون وقيل في ع ٢٩ إن سميني الأرض يأكلون ويسجدون أي أن هذه البركات الروحية معدة لكل الشعوب لا لليهود فقط.
دُرْدِيٍّ ما يبقى من الخمر راسباً في أسفلها من الكدر والخمر التي تبقى زماناً على الدردي تكون أقوى وأحسن من غيرها غير أنها تتصفى أخيراً فتصير دردياً مصفىً. والنقاب هو غطاء الوجه ويشير إلى الظلام الدامس الذي يغطي عقول الشعب (٢كورنثوس ٣: ١٤). وهذا النقاب على الوثينين فلا يعرفون الله وعلى اليهود فلا يرون المسيح في يسوع الناصري وعلى بعض المسيحيين فلا يعلمون واجباتهم وامتيازاتهم باعتبار كونهم مسيحيين. ورأى بعضهم أن النقاب علامة الحزن (٢صموئيل ١٥: ٣٠). وفناء النقاب هو من أعظم البركات الموعود بها.
يَبْلَعُ ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ الموت كناية عن كل المصائب والأحزان الواقعة على بني آدم بسبب الخطية والوعد من الله من أنه يبطلها فيصير الإنسان كما كان قبل سقوط آدم فهذا الوعد لا ينجز كل الإنجاز إلا بعد موت الجسد (١كورنثوس ١٥: ٥٤). والكلمة الأصلية المترجمة «إلى الأبد» تُترجم أيضاً «إلى غلبة». ولا يوجد في العهد القديم عبارات أوضح منها يُعبّر بها عن إيمان شعب الله بالحياة الأبدية والخلاص التام.
وَيَمْسَحُ ٱلرَّبُّ ٱلدُّمُوعَ نرى هنا تنازلاً عظيماً ومحبة أبوية والتفاتاً إلى كل شخص والوعد يشير إلى أحزان شديدة قد انتهت وخطايا كثيرة قد غُفرت.
وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ الأمم عيّروا اليهود بقولهم إن إلههم رفضهم والرب سينزع هذا العار حين يخلصهم. والمسيح سينزع عار شعبه المؤمنين حين يلبسهم ثياباً بيضاً ويجعل في أياديهم سعوف النخل وعلى رؤوسهم الأكاليل ويعترف بهم أمام أبيه.
٩ – ١٢ «٩ وَيُقَالُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: هُوَذَا هٰذَا إِلٰهُنَا. ٱنْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هٰذَا هُوَ ٱلرَّبُّ ٱنْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ. ١٠ لأَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَيُدَاسُ مُوآبُ فِي مَكَانِهِ كَمَا يُدَاسُ ٱلتِّبْنُ فِي مَاءِ ٱلْمَزْبَلَةِ. ١١ فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ فِيهِ كَمَا يَبْسُطُ ٱلسَّابِحُ لِيَسْبَحَ، فَيَضَعُ كِبْرِيَاءَهُ مَعَ مَكَايِدِ يَدَيْهِ. ١٢ وَصَرْحَ ٱرْتِفَاعِ أَسْوَارِكِ يَخْفِضُهُ. يَضَعُهُ، يُلْصِقُهُ بِٱلأَرْضِ إِلَى ٱلتُّرَابِ».
تكوين ٤٩: ١٨ وتيطس ٢: ١٣ مزمور ٢٠: ٥ ص ٢٦: ٥
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ بعد زوال الضيقات وإتمام الخلاص سيرى كل مؤمن ويفهم أن كل ما حدث كان بموجب قضاء الرب وأن كله كان بالعدل والمحبة وأن نتيجته الخلاص.
هٰذَا إِلٰهُنَا يراد بهذا القول التعبير عن الإيمان الحق فإن جوهر الإيمان هو نيل المواعيد فيقول المؤمن أن الله هو إلهي وأبي وأن المسيح مات لأجلي وأنه هو سيدي وأن لي الحياة الأبدية بنعمته.
ٱنْتَظَرْنَاهُ في زمان الضيقات لم نلتجئ إلى آخر ولم نشك في صدق وعده.
فَخَلَّصَنَا وهذا وعد ثابت للذين يثبتون في إيمانهم.
لأَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هٰذَا ٱلْجَبَلِ أي أورشليم وهي كناية عن الكنيسة والمعنى أن الرب لا يترك كنيسته بل يسكن في وسطها ويُظهر قوته فيها على الدوام. ذكر النبي من أعداء يهوذا الكثيرين موآب وإن كان أقل قوة من أشور وبابل ومصر لأنه قريب وكانت حروب قاسية وقديمة بينه وبين إسرائيل ويهوذا. وموآب كناية عن جميع أعداء شعب الله.
كَمَا يُدَاسُ ٱلتِّبْنُ إشارة إلى ضعف كل من يقاوم الرب وعدم قيمته وانكساره وانحطاطه.
فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ كأنه سقط في ماء المزبلة وغرق فيبسط يديه ليسبح إن أمكن ليخلّص نفسه.
وَصَرْحَ ٱرْتِفَاعِ الصرح القصر. أشار النبي إما إلى قير موآب المدينة المشهورة المحصنة. (ص ١٥: ١) أو إلى مدينة تصورية كنى بها عن كل قوة عالمية ترتفع على الرب.
أَسْوَارِكِ أسوار المدينة.
يَخْفِضُهُ أي الصرح. وهكذا كل قوة بني البشر هي اليوم كمدينة محصنة لها أسوار مرتفعة وغداً تكون كالتبن المدوس في ماء المزبلة لا شيء أدنى منه قيمة وقدرة.
فوائد للوعاظ
وجوب التسبيح (ع ١ – ١٢)
- لنا وصايا كثيرة بالتسبيح (أفسس ٥: ٢٠ وعبرانيين ١٣: ١٥ ويعقوب ٥: ١٣ وأكثر المزامير).
- موضوع التسبيح أمانة الرب في وفاء مواعيده وبره في إهلاك أعدائه ورحمته للبائسين والمساكين المتكلين عليه.
- يجب أن نحل التسبيح المحل الأول في صلواتنا لأننا في الطلبات نطلب لأنفسنا وتقويتنا على ضعفنا وتجاربنا وأما التسبيح فهو للرب وإلى الأبد. وفي السماء يكون خدمته الملائكة والمفديين.
الوليمة (ع ٦)
المسيح أيضاً شبّه بركات الخلاص وليمة (متّى ٢٢: ١ – ٥) لاحظ ما يأتي:
- صاحب الوليمة وهو الرب الذي منه كل عطية صالحة ومنه دعوة المدعوين.
- المدعوون هم كل بين البشر.
- المكان وهو أورشليم أي الكنيسة.
- الخيرات وهي أفخر المأكولات والمشروبات إشارة إلى المسيح وهو مأكل حق ومشرب حق.
المسيح يبلع الموت (ع ٧) بما يأتي:
- قيامته من الأموات.
- تكفيره الخطية وهي شوكة الموت.
- إعداده مكاناً في بيت أبيه لجميع المؤمنين فيكون الموت عندهم كانتقال فقط.
- إنارة الحياة والخلود فتكون حياة المؤمنين على الأرض بداءة حياة لا تنتهي.
السابق |
التالي |