سفر إشعياء | 19 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
مضمونه:
نبوءة سقوط مصر ثم رجوعها إلى الله وهي قسمان:
الأول: الوعيد لمصر (ع ١ – ١٧) وهو يتضمن نبوءة بالمصائب والضيقات الآتية على بلاد مصر بتشبيهات واستعارات من عادات المصريين وخواص بلادهم. والثاني الوعد لمصر (ع ١٨ – ٢٥) وفيه أنباء برجوعهم إلى الله واشتراكهم مع غيرهم من الأمم كأشور في عبادة الله.
وخلاصة مواضيع الأصحاح في الآية ٢٢ وهي «يضرب الرب ضارباً فشافياً» أي أن الرب قصد بالضربات تأديبهم لا إهلاكهم. وبما أن اليهود كانوا يميلون إلى الاتكال على مصر أظهر لهم الرب ضعفها وجهالتها لكي يتعلموا الاتكال عليه وحده.
وفي الخاتمة إعلان أن الرب هو إله جميع الأمم وذكر مصر وأشور العظيمتان يعم كل ممالك العالم فتصير كلها شعباً واحداً لله وربما لم توجد نبوءة أوضح وأوسع من هذه النبوءة في شأن خلاص الأمم.
١ «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا ٱلرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا».
إرميا ٤٦: ١٣ وحزقيال ٢٩ و٣٠ مزمور ١٨: ١٠ و١٠٤: ٣ خروج ١٢: ١٢ وإرميا ٤٣: ١٢
هُوَذَا ٱلرَّبُّ رَاكِبٌ يمثل الرب راكباً على سحابة. كثيراً ما تسمى السحابة في الأسفار المقدسة بمركبة الله (مزمور ١٨: ١٠ و١١) على الاستعارة بجامع أن السحابة عالية وسريعة ولا تُقاوم.
فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ صوّر النبي الأوثان بذي عقل وإدراك فترتجف لسبب البلايا الواقعة على مصر وهي لا تقدر أن تخلص البلاد ولا نفسها. قيل في التواريخ أن ملك أشور نزّل الأوثان وأخذ من الهيكل العُمُد المقدسة.
٢ «وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً».
قضاة ٧: ٢٢ و١صموئيل ١٤: ١٦ و٢٠ و٢أيام ٢٠: ٢٣
وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ استولى آسرحدون ابن سنحاريب على مصر وخربها ثم عاد إلى بلاده وحين مرّ في سوريا رسم صورته على الصخور عند نهر الكلب وكتب تاريخ مهاجمته مصر. وبعد ذلك بنحو عشر سنين حارب ابنه أشور بانبال مصر ثم كان اختلال الأحكام فانقسمت البلاد إلى ١٢ مملكة كل واحدة منها ضد الأخرى. وأخيراً تقدم أحد هؤلاء الملوك وهو اسمتيخوس واستولى بمساعدة الأجانب على البلاد كلها واستقل عن حكم أشور.
٣ «وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ ٱلأَوْثَانَ وَٱلْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ ٱلتَّوَابِعِ وَٱلْعَرَّافِينَ».
ص ٨: ١٩ و٤٧: ١٢
فَيَسْأَلُونَ ٱلأَوْثَانَ تركهم الرب هكذا ليتضايقوا وتفنى مشورتهم ويظهر بطل أصنامهم حتى يعرفوه ويرجعوا إليه. توهّم المصريون أن أصنامهم تُريهم أموراً مستقبلة فكان الملوك يستشيرونها ويصدقونها وكان لبعض الأصنام اعتبار ممتاز في هذا الأمر.
ٱلْعَازِفِينَ دعى فرعون السحرة ليعبّروا له حلميه في زمان يوسف (تكوين ٤١: ٨). ودعا فرعون أي الملك يومئذ السحرة ففعلوا بسحرهم ما يشبه آيات موسى (خروج ٧: ١١).
٤ «وَأُغْلِقُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلىً قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».
ص ٢٠: ٤ وإرميا ٤٦: ٢٦ وحزقيال ٢٩: ١٩
قيل أن آسرحدون قطع رأس ملك صيدا وعلّقه برقبة أحد وزراء ذلك الملك وقتل ستة من أمراء بلاد العرب وأميرتين وبعد ما فتح مصر قسمها عشرين قسماً وغيّر أسماء مدنها وأمر وكلاءه أن يقتلوا وينهبوا كأن ذلك من الواجبات. تمت هذه النبوءة جزئياً ببعض الملوك الظالمين الذين استولوا على مصر مثل آسرحدون المذكور واسمتيخوس وكمبيز الفارسي الذي غزاها سنة ٥٢٥ ق. م وأكثر فيها من أعمال الفحش والظلم لكن لا ريب في أن هذه النبوءة تعمّ كل مدة تاريخها.
مَلِكٌ عَزِيزٌ أي ملك قوي.
٥ – ١٠ «٥ وَتُنَشَّفُ ٱلْمِيَاهُ مِنَ ٱلْبَحْرِ، وَيَجِفُّ ٱلنَّهْرُ وَيَيْبَسُ. ٦ وَتُنْتِنُ ٱلأَنْهَارُ وَتَضْعُفُ، وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ ٱلْقَصَبُ وَٱلأَسَلُ. ٧ وَٱلرِّيَاضُ عَلَى حَافَةِ ٱلنِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى ٱلنِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. ٨ وَٱلصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ ٱلَّذِينَ يُلْقُونَ شِصّاً فِي ٱلنِّيلِ يَنُوحُونَ. وَٱلَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ، ٩ وَيَخْزَى ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلْكَتَّانَ ٱلْمُمَشَّطَ، وَٱلَّذِينَ يَحِيكُونَ ٱلأَنْسِجَةَ ٱلْبَيْضَاءَ. ١٠ وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ ٱلْعَامِلِينَ بِٱلأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي ٱلنَّفْسِ».
إرميا ٥١: ٣٦ وحزقيال ٣٠: ١٢ و٢ملوك ١٩: ٢٤ و١ملوك ١٠: ٢٨ وأمثال ٧: ١٦
موضوع هذه الآيات الإنذار بمصائب أخرى وإذ كانت حياة مصر تتوقف على النيل وتكون بدونه قفراً بلا سكان وصف النبي تنشيف مياه النيل دلالة على كل المصائب الطبيعية ولا شك أن في هذا الوصف شيئاً من المبالغة حسب عادة الشعراء. والنقص في مياه النيل يكون إما من قلة المطر في الجبال التي تنحدر منها أو من هدم السدود والقنيّ في مدّة الحروب الداخلية.
ٱلْبَحْرِ أي النيل.
ٱلأَنْهَارُ تُرع النيل.
كُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى ٱلنِّيلِ تَيْبَسُ لا ينزل ما يُذكر من المطر في مصر فلا تكون مزروعات إلا في الأراضي التي تُري بفيضان النيل وبمقدار ما تقل مياه النيل تقل المزروعات.
وَٱلصَّيَّادُونَ (ع ٨) إبطال صيد السمك من أكبر المصائب على المصريين لأنه يفقر الصيادين وباعة السمك ويضر بسائر الناس لأن السمك كان أكثر طعامهم.
ٱلْكَتَّانَ ٱلْمُمَشَّطَ (ع ٩) كانت منسوجات الكتان ناعمة وجميلة جداً وكانت مستعملة لثياب الكهنة وللأكفان وغيرها وأهل صور اتخذوا الأشرعة من الكتان المطرّز من مصر.
ٱلأَنْسِجَةَ ٱلْبَيْضَاءَ من القطن. فيخزى العاملون لأن صنعتهم بطلت.
وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً (ع ١٠) أي الأغنياء والأكابر وهم عُمد الهيئة الاجتماعية لأن المال منهم والتدبير لهم وكانوا مسحوقين لأن مالهم فني والتدبير عجزوا عنه وما استطاعوا أن يبقوا على لبس الكتان والمنسوجات البيضاء.
ٱلْعَامِلِينَ بِٱلأُجْرَةِ أي الفعلة والفقراء فتكون المصائب عامة.
١١ «إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءَ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: أَنَا ٱبْنُ حُكَمَاءَ، ٱبْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ».
عدد ١٣: ٢٢
صُوعَنَ (انظر قاموس الكتاب المقدس). مدينة قديمة وإحدى المدن الرئيسية سماها اليونانيون طانس وتُسمى الآن صان وكانت على فرع النيل الطافي وإلى شرقيها سهل متسع يسمى بلاد صوعن (مزمور ٧٨: ١٢).
أَغْبِيَاءَ مصر بلاد قديمة ومشهورة بالتمدن والعلوم وكان لرؤسائها نوع من الحكمة في الأمور السياسية ناتج عن اختبارهم وحذاقة عقولهم وفوق ذلك ادعوا نوعاً آخر من الحكمة ناتجاً عن السحر وإعلانات آلهتهم ولكنهم عجزوا عن بيان أسباب تلك المصائب العظيمة وطريقة الخلاص منها. وجميع الذين يتكلون على أنفسهم أو يدعون أنهم يعرفون شيئاً من أنفسهم أغبياء لأن رأس الحكمة مخافة الرب والمشير الحقيقي هو الذي يكلم الناس بكلام الله.
فِرْعَوْنَ اسم لكل من ملوك مصر وربما المشار إليه هنا هو ترهاقة.
أَنَا ٱبْنُ حُكَمَاءَ، ٱبْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ كان المصريون يفتخرون كثيراً بأصلهم ولكن هذه الألقاب والأنساب كانت تنحط فيُخزون منها. قيل أنه إذا أراد أحد المصريين إهانة أخر قال له أنت ابن فرعون.
١٢ «فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ».
١كورنثوس ١: ٢٠
أَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ إن كان أحد يدّعي الحكمة فليتقدم ويخبر بما سيحدث (انظر ص ٤١: ٢١ – ٢٩).
١٣ «رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ ٱنْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا».
إرميا ٢: ١٦
نُوفَ أو موف وهي مدينة قديمة وشهيرة قريبة من القاهرة (قاموس الكتاب).
أَسْبَاطِهَا لم تكن في مصر أسباط كأسباط إسرائيل الاثني عشر والأرجح أن المراد بالأسباط هنا رتب أو طبقات فكان الكهنة من الرتبة الأولى والعسكر من الثانية والرعاة من الثالثة الخ وإذا كان الوجوه يضلّون الشعب كان الشعب في حالة يُرثى لها.
١٤ «مَزَجَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ ٱلسَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ».
١ملوك ٢٢: ٢٢ وص ٢٩: ١٠
مَزَجَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ مُزجت مشورات مصر بروح الضلال حتى أساء رؤساؤها قيادتها فصاروا كسكارى بلا عقل وكنساء ضعيفات وخائفات. وبما أن الرب خلق الإنسان وأعطاه قواه العقلية حق له أن يأخذها منه إذا أساء استعمالها.
١٥ «فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ».
ص ٩: ١٤
رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ أشار «بالرأس» إلى الشرفاء وأصحاب المشورة و«بالذنب» إلى الفعلة وأصحاب الصناعة وهم من الجهتين عُمد البلاد فلا يكون عمل بلا رأس أي بلا مشورة وتدبير وكذلك لا يكون عمل بلا فعلة وصناع. ومن غباوة المصريين أنهم لم يقدروا أن يتحدوا على عمل ما ولم يشعروا بأنهم يحتاج بعضهم إلى بعض فيحتاج الرؤساء إلى الفعلة والفعلة إلى الرؤساء.
١٦ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَٱلنِّسَاءِ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا».
إرميا ٥١: ٣٠ وناحوم ٣: ١٣ ص ١١: ١٥
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم هجوم الأشوريين.
تَكُونُ مِصْرُ كَٱلنِّسَاءِ لما انكسر اكسركس في سالميس قال صار رجالي نساء.
هَزَّةِ يَدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ كانت مصائبهم من الرب لكنهم لم يعرفوه.
١٧ «وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْباً لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا».
كانت يهوذا خاضعة لأشور (٢أيام ٣٣: ١١) فاضطرت أن تساعدها في محاربة مصر فخاف المصريون منها لأنها قريبة ولأنها بينهم وبين أشور وكانت مركزاً حربياً وعندما سمعوا ذكر يهوذا ذكروا أشور أيضاً.
مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ هذا قول إشعياء فليس هو عبارة عن أفكار المصريين لأنهم لم يفهموا أن المصائب من الرب وما أشور إلا آلة في يده.
١٨ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا: مَدِينَةُ ٱلشَّمْسِ».
صفنيا ٣: ٩ تكوين ٤١: ٤٥
في هذه الآية بداءة الوعد لمصر.
فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم إتمام المواعيد لمصر وهو أولاً يوم امتداد الديانة اليهودية في مصر قبل المسيح وثانياً يوم الكنيسة المسيحية الذي كان إشعياء ينظر إليه دائماً غير أنه لم يبين متى يكون. قال يوسيفوس إنه لما بنى اسكندر اسكندرية أعطى اليهود مكاناً في المدينة وأعطاهم الامتيازات التي أعطاها المكدونيين. فهاجر كثيرون من اليهود إلى مصر. قال فيلو إن عددهم كان في زمانه نحو ألف ألف. وقيل أن مرقس البشير أسس كنيسة مسيحية في اسكندرية وكثر عدد المسيحيين فيها وفي سائر أنحاء مصر.
خَمْسُ مُدُنٍ المراد عدد غير محدود أي مدن لا قليلة ولا كثيرة بل عددها متوسط والإشارة إلى امتداد الديانة الحقيقية في مدن مصر.
لُغَةِ كَنْعَانَ أولاً اللغة العبرانية فإنها امتدت في مصر لما كثر اليهود فيها ولكن اليهود أخذوا بالتدريج يستعملون اللغة اليونانية. وقبل المسيح بنحو ٣٠٠ سنة تُرجم العهد القديم من العبرانية إلى اليونانية لأن أكثر اليهود لم يفهموا لغتهم القديمة.
وثانياً: لغة كنعان الديانة والمراد بها لغة الصدق والمحبة والاعتدال والطهارة والاحترام المقدس والعبادة والفوائد الروحية لا اللعنات والكذب وكلام السفاهة والهذر (صفنيا ٣: ٩). والمبشرون بين الوثنيين اليوم يقولون إنه ليس في لغاتهم الوثنية ألفاظ تعبر عن الحقائق الروحية كما يجب ولذلك عندما يتقدم الوثنيون في معرفة الروحيات يضطرون أن يتعلموا ألفاظاً ومعاني جديدة وهذه تكون لهم لغة كنعان. قال أحد المفسرين في أواسط إفريقية إنه شغل سنين في تعليمهم حتى يفهموا معنى كلمة «فداء».
مَدِينَةُ ٱلشَّمْسِ واسمها في اليونانية هيلوبوليس وكانت من أعظم مدن مصر وهي شرقي القاهرة غير بعيدة عنها وكانت مشهورة بعبادة الأوثان. والمعنى أن الدين الحق يمتد إلى أعظم مدن مصر التي اشتهرت بعبادة الأوثان. وفي الحاشية «مدينة الهلاك» فيكون المعنى المدينة المحكوم عليها بالهلاك أي هلاك أصنامها.
١٩ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا».
تكوين ٢٨: ١٨ وخروج ٢٤: ٤ ويشوع ٢٢: ١٠ و٢٦ و٢٧
إن رئيس الكهنة أونياس التجأ إلى مصر في زمان أنطيوخوس أبيفانس وبنى هيكلاً على رسم الهيكل في أورشليم فمن الطبع أنه كان فيه مذبح. والمذبح كناية عن العبادة والعمود كناية عن الشهادة. ومعنى النبوءة أنه سيكون في بلاد مصر أناس يعبدون الرب ويعترفون بأنه هو الإله الحق وإنه إلههم. يقال في اللغة الإنكليزية إن فلاناً أقام مذبحاً في بيته والمراد بذلك أنه اعتنى بالصلاة البيتية. وكثيراً ما نعبر عن الحقائق المسيحية بعبارات مأخوذة من رسوم اليهود.
٢٠ «فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ بِسَبَبِ ٱلْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصاً وَمُحَامِياً وَيُنْقِذُهُمْ».
يشوع ٤: ٢٠ و٢: ٢٧
مُخَلِّصاً ذهب البعض أن ذلك يشير إلى المسيح وإلى المخلصين من البشر باعتبار كونهم خدم المسيح. ورجّح آخرون أن الإشارة إلى اسكندر الذي خلع نير الفرس عن أعناق اليهود. وفي أيام اسكندر وخلفائه الذين سلكوا مسلكه مع اليهود كان كثيرون من اليهود مستوطنين في مصر ولهم راحة وحرية في أمورهم السياسية والدينية.
٢١ «فَيُعْرَفُ ٱلرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ ٱلرَّبَّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْراً وَيُوفُونَ بِهِ».
ملاخي ١: ١١
قد تم كل ما قيل في هذه الآية على مصر حقيقة في مدة الدولة البطليموسية وامتد فيها الإنجيل هناك في القرون الأولى بعد المسيح ولا ريب في أنه سيكون لأهل مصر كما سيكون لأهل العالم أجمع نصيب في الدين الإنجيلي في آخر الأيام.
وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً ليس من الضرورة أن يمارس المصريون الدين اليهودي بجميع رسومه بل عبّر النبي عن السجود الحقيقي وخدمة الرب بعبارات معروفة ومستعملة عند الناس في عصره.
وَيُوفُونَ بِهِ يشير إلى الذين يشتركون في العشاء الرباني والذين يقدمون أولادهم للمعمودية والذين يتزوجون وكل الذين يأخذون على أنفسهم وعوداً وعهوداً في أيامنا وفي كل زمان فعليهم أن لا يكتفوا بالنذر بل أن يوفوا به أيضاً.
٢٢ «وَيَضْرِبُ ٱلرَّبُّ مِصْرَ ضَارِباً فَشَافِياً، فَيَرْجِعُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ».
هذه الآية خلاصة الأصحاح كله. فإن غاية الضربات رجوع المضروبين إلى الله بالتوبة والإيمان لأنه لا يشاء أن يهلك الناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. كانت مصر مملكة مسيحية من القرن الثالث إلى السابع ولم يزل فيها بعض المسيحيين من الكنائس القديمة.
٢٣ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ ٱلأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ، وَٱلْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ ٱلْمِصْرِيُّونَ مَعَ ٱلأَشُّورِيِّينَ».
ص ١١: ١٦
تَكُونُ سِكَّةٌ ليست سكة حقيقية بل إنه يكون وفق وسلام بين المصريين والأشوريين واتحاد في عبادة الله والمحبة الأخوية التامة.
وَيَعْبُدُ ٱلْمِصْرِيُّونَ مَعَ ٱلأَشُّورِيِّينَ أي أن جميعهم يعبدون الله الحي. دخلت الديانة اليهودية ما بين النهرين لما نُقل إليها الأسباط العشرة (٢ملوك ١٧: ٦) وازدادت في مدة سبي يهوذا. وبقي كثيرون من اليهود في بابل بعد رجوع إخوتهم إلى بلادهم. وفي الزمان الذي بين اسكندر والمسيح كان اليهود ثلاثة أقسام الأول الذين في اليهودية والثاني الذين في بابل والثالث الذي في مصر. وكانت الرئاسة الدينية لأورشليم فتفرقت منها الأحكام الدينية إلى بابل ومصر وتقدمت التقدمات من بابل ومصر إلى أورشليم.
٢٤ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثاً لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي ٱلأَرْضِ».
يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثاً أي أن هذه الأمم الثلاثة وهي مصر وأشور وإسرائيل تكون أمة واحدة ومصر وأشور كناية عن كل الأمم والمعنى أن العالم بأسره سيكون مجتمعاً في وحدة الكنيسة وإن فوائد الدين المسيحي توزع في كل العالم.
بَرَكَةً فِي ٱلأَرْضِ يغلب أن تتحد بعض الممالك لمحاربة ممالك أخرى ولكنه يكون اتحادهما فيما بعد بركة لكل المسكونة ويؤول إلى السلام والبنيان. ونرى في أيامنا شيئاً من ذلك كاتحاد بعض الدول في منع استرقاق العبيد والتجارة بالمسكرات بين البرابرة ومنع لصوص البحر.
٢٥ «بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
مزمور ١٠٠: ٣ وص ٢٩: ٢٣ وهوشع ٢: ٢٣ وأفسس ٢: ١٠
إن الألفاظ «شعبي» و«عمل يديّ» و«ميراثي» المخصصة في الأصل باليهود أُطلقت في هذه النبوءة على الأمم أيضاً. وفي هذه النبوءة تُعتبر مصر وأشور كناية عن العالم الأمي كله أجمع وقد خصصها النبي بالذكر لأنهما كانتا في عصره أعظم الممالك الوثنية.
فوائد للوعاظ
مولى قاس (ع ٤) الموالي القساة
- العادات الرديئة كشرب المسكر والكلام القبيح والحلف.
- عادات الناس التي تظن أننا مضطرون أن نعتبرها.
- خرافات وأباطيل الأديان الفاسدة.
قضاء رب الجنود (ع ١٧) الإنسان في يد الله
- من جهة جسده. لأن الله هو الذي يرسل المطر ويمنعه. وسنو الشبع وسنو الجوع والطعام والكسوة والصحة والحياة منه.
- من جهة العقل. الله يعمل في عقول الناس كما يريد فيعطي المشورة ويفنيها.
- من جهة النفس. إن الله يجدد القلوب ويغفر الخطايا ويعطي النعمة.
غير أن هذا التعليم لا ينفي مسؤولية الإنسان. ولنا فيه تعزية لأن مقاصد الله هي للخلاص.
ضارباً فشافياً (ع ٢٢) تأديب الرب
- الإنسان يحتاج إلى التأديب وتأديب الرب ناتج عن محبته الأبوية.
- للتأديب نهاية وبعد التأديب الشفاء. والشفاء بمقدار الضربات فما أعظم مصائب مصر المذكورة في هذا الأصحاح ولكن لها مكافأة إذ سماها الله «شعبي».
- الضارب والشافي واحد والكل واحد والقصد واحد.
ثلثاً لمصر ولأشور (ع ٢٤) غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله
- إن الأمم يطلبون الاتحاد بشعب الله وذلك حسب الظاهر مستحيل أي أن مصر وأشور تطلبان الاتحاد بإسرائيل وبعضها ببعض.
- إن شعب الله يقبل انضمام الأمم إليه ويطلبه أيضاً.
- إن الله يطلب خلاص كل بشر حتى البرابرة والمتوحشين وهذا فوق إدراكنا.
السابق |
التالي |