إشعياء

سفر إشعياء | 17 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

مضمونه:

نبوءة على دمشق وإسرائيل لأنهما كانتا يداً واحدة في الغالب. ومن ع ١٢ إلى آخر الأصحاح نبوءة بهجوم جيوش الأعداء وانكسارها والأرجح أنها جيوش الأشوريين.

١ «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ ٱلْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ».

٢ملوك ١٦: ٩ وإرميا ٤٩: ٢٣ وعاموس ١: ٣ وزكريا ٩: ١

دِمَشْقَ (انظر قاموس الكتاب المقدس) هي قصبة مملكة آرام وحاربت يهوذا وإسرائيل مراراً كثيرة واتفق رصين ملكها الأخير مع فقح ملك إسرائيل على يهوذا فاستغاث آحاز بتغلث فلاسر ملك أشور فاستظهر على دمشق ونقل أهلها إلى قير (٢ملوك ١٦: ٩) وقامت وخربت ثانية. ويتضح من تاريخها أنه طرأ عليها انقلابات عديدة فإنه استولى عليها اليونان والرومانيون والعرب والصليبيون والأتراك ومع كل ما أصابها لم تزل قائمة لكنها فقدت مجدها بعد ما أخربها تغلث فلاسر وزالت سطوتها وهكذا تمت النبوءة «تزول من بين المدن».

رُجْمَةَ رَدْمٍ وهكذا صارت في زمان تغلث فلاسر غير أنها قامت بعد ذلك.

٢ «مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ».

إرميا ٧: ٣٣

مُدُنُ عَرُوعِيرَ اسم يُطلق على أماكن مختلفة والأرجح أن الإشارة هنا إلى موضع قريب من دمشق. ويُحتمل تفسير آخر لأن الكلمة العبرانية عروعير تفيد أيضاً معنى «الخراب» فيكون معنى الجملة المدن الخربة المجاورة لدمشق والتابعة لها.

تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ دلالة على الخراب التام بمصير المدن مرعىً.

وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ لا يخاف الرعاة ممن يمنعهم لأن الأرض تكون متروكة بلا سكان.

٣ «وَيَزُولُ ٱلْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَٱلْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ. فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص ٧: ١٦ و٨: ٤

وَيَزُولُ ٱلْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ أي كل المدن الحصينة.

وَٱلْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ كان رصين آخر ملوك دمشق.

فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تهكم. أي قد زال مجد إسرائيل وكذلك سيزول مجد دمشق.

٤ «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ مَجْدَ يَعْقُوبَ يُذَلُّ، وَسَمَانَةَ لَحْمِهِ تَهْزُلُ».

ص ١٠: ١٦

مَجْدَ يَعْقُوبَ يُذَلُّ بعد سقوط السامرة نقل ملك أشور أهلها بالتدريج. ويظهر من (٢أيام ٣٤: ٩) أنه كان لإسرائيل بقية في أيام يوشيا.

سَمَانَةَ لَحْمِهِ تَهْزُلُ أي يقل السكان ويضعف الباقون لسبب الذل والجوع. قيل في (٢ملوك ١٧: ٢٥) إن الرب أرسل عليهم السباع فكثرت الوحوش. فكثرة الوحش دليل على قلة السكان. وكان سقوط السامرة عن يد سرجون على أثر سقوط دمشق.

٥، ٦ «٥ وَيَكُونُ كَجَمْعِ ٱلْحَصَّادِينَ ٱلزَّرْعَ، وَذِرَاعُهُ تَحْصُدُ ٱلسَّنَابِلَ، وَيَكُونُ كَمَنْ يَلْقُطُ سَنَابِلَ فِي وَادِي رَفَايِمَ. ٦ وَتَبْقَى فِيهِ خُصَاصَةٌ كَنَفْضِ زَيْتُونَةٍ، حَبَّتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ فِي رَأْسِ ٱلْفَرْعِ، وَأَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ فِي أَفْنَانِ ٱلْمُثْمِرَةِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ».

إرميا ٥١: ٣٣ ص ٢٤: ١٣

وَادِي رَفَايِمَ وادٍ مخصب قرب أورشليم وإذ كان محلاً لزرع الحبوب كان لا ريب بعد الحصار مبايناً لما كان عليه قبله. ومُثّل به لمعرفة أهل أورشليم به جيداً. وفي هذا الوادي ضرب داود الفلسطينيين ضربة عظيمة فصار الوادي مثلاً لسببين الأول حصاد الحبوب والثاني كثرة القتلى الذين وقعوا فيه بالسيف كما تقع السنابل تحت أيدي الحاصدين. وتكون بقية إسرائيل كالسنابل القليلة التي يلقطها الفقراء وراء الحاصدين وخصاصة الزيتونة في التشبيه الثاني تفيد المعنى نفسه.

٧ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَلْتَفِتُ ٱلإِنْسَانُ إِلَى صَانِعِهِ وَتَنْظُرُ عَيْنَاهُ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ».

ميخا ٧: ٧

هذه الآية تتضمن نتيجة التأديبات الإلهية التي جرت على إسرائيل وتأثيرها في الذين رجعوا إلى الله بالإيمان والتوبة وتركوا جميع شرورهم (انظر ٢أيام ٣٠: ١١) ففيها حديث قوم من بعض الأسباط تواطأوا والتجأوا إلى أورشليم لما دعاهم الملك حزقيا. وقد ذُكرت حادثة تشابه هذه في زمان يوشيا (٢أيام ٦: ٤ و٦).

٨ «وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى ٱلْمَذَابِحِ صَنْعَةِ يَدَيْهِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَى مَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُ: ٱلسَّوَارِيَ وَٱلشَّمْسَاتِ».

قضاة ٦: ٢٥ و١ملوك ١٦: ٣٢ لاويين ٢٦: ٣٠ و٢أيام ٣٤: ٧ وحزقيال ٦: ٤ و٦

وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى ٱلْمَذَابِحِ هدم يوشيا المذابح في مدن منسى وأفرايم وشمعون ونفتالي (٢أيام ٣٤: ٥ – ٧) ولا شك في أنه أتى ذلك برضا أهلها.

ٱلسَّوَارِيَ تماثيل من الخشب منتصبة ومستقيمة لعبادة عشتورث (جمع عشتروث) آلهة الفينيقيين. وكانت علامتها أحياناً القمر وأحياناً السيّار المعروف بالزهرة.

ٱلشَّمْسَاتِ تماثيل للبعل وهو إله الفينيقيين الذكر وعلامته الشمس أو السيّار المعروف بالمشتري وبواسطة هذه الشمسات والسواري كانوا يسجدون لأعضاء التناسل فكانت هذه العبادة قبيحة جداً وبما أنها موافقة للشهوات الفاسدة كانت تجربة عظيمة على بني إسرائيل.

٩ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَصِيرُ مُدُنُهُ ٱلْحَصِينَةُ كَٱلرَّدْمِ فِي ٱلْغَابِ، وَٱلشَّوَامِخُ ٱلَّتِي تَرَكُوهَا مِنْ وَجْهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَارَتْ خَرَاباً».

كَٱلرَّدْمِ فِي ٱلْغَابِ يشبه النبي بقية إسرائيل بمساكن الكنعانيين بين الآجام وحصونهم على التلال التي طُردوا منها. وأتى في الترجمة السبعينية «كأماكن الأموريين والحويين المتروكة» والمعنى أنه كما طُرد الكنعانيون بسبب خطاياهم الفظيعة هكذا يُطرد بنو إسرائيل من الأرض بسبب أمثال تلك الخطايا.

١٠ «لأَنَّكِ نَسِيتِ إِلٰهَ خَلاَصِكِ وَلَمْ تَذْكُرِي صَخْرَةَ حِصْنِكِ، لِذٰلِكَ تَغْرِسِينَ أَغْرَاساً نَزِهَةً وَتَنْصِبِينَ نُصْبَةً غَرِيبَةً».

مزمور ٦٨: ١٩

لأَنَّكِ يخاطب النبي إسرائيل بضمير الأنثى لأنهم مشبهون بامرأة زانية (إرميا ص ٣).

نَسِيتِ إِلٰهَ خَلاَصِكِ يغلب أن ينسى الناس الله ولا ينفونه.

صَخْرَةَ حِصْنِكِ الرب مشبه بصخرة وأتى هذا التشبيه أولاً في نشيد موسى (تثنية ص ٣٢) وجاء كثيراً في المزامير وترك إسرائيل الصخرة الحقيقية والتجأ إلى الشوامخ.

تَغْرِسِينَ أَغْرَاساً نَزِهَةً أنواع من العبادة كانوا أخذوها من الأمم الوثنية كما بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين ولمولك رجس بني عمون وكما بنى آحاز مذبحاً على شبه المذبح الذي رآه في دمشق.

١١ «يَوْمَ غَرْسِكِ تُسَيِّجِينَهَا، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَجْعَلِينَ زَرْعَكِ يُزْهِرُ. وَلَكِنْ يَهْرُبُ ٱلْحَصِيدُ فِي يَوْمِ ٱلضَّرْبَةِ ٱلْمُهْلِكَةِ وَٱلْكآبَةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلرَّجَاءِ».

وَلَكِنْ يَهْرُبُ ٱلْحَصِيدُ إنهم تعبوا وخسروا كثيراً في عبادة الأصنام ومعاهدة الأمم وظنوا أنهم عن قريب ينتفعون من تعبهم ولكن يخيب أملهم في ذلك فيكون تعبهم عبثاً ويخيب أمل كل من ينصب نصبة غريبة أي يقصد شيئاً لا يُرضي الله.

١٢ – ١٤ «١٢ آهِ! ضَجِيجُ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ تَضِجُّ كَضَجِيجِ ٱلْبَحْرِ، وَهَدِيرِ قَبَائِلَ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. ١٣ قَبَائِلُ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَلَكِنَّهُ يَنْتَهِرُهَا فَتَهْرُبُ بَعِيداً، وَتُطْرَدُ كَعُصَافَةِ ٱلْجِبَالِ أَمَامَ ٱلرِّيحِ، وَكَالْجُلِّ أَمَامَ ٱلزَّوْبَعَةِ. ١٤ فِي وَقْتِ ٱلْمَسَاءِ إِذَا رُعْبٌ. قَبْلَ ٱلصُّبْحِ لَيْسُوا هُمْ. هٰذَا نَصِيبُ نَاهِبِينَا وَحَظُّ سَالِبِينَا».

إرميا ٦: ٢٣ مزمور ٩: ٥ مزمور ٨٣: ١٣ وهوشع ١٣: ٣ مزمور ٨٣: ١٣

تتضمن هذه الآيات وصف قوة الجيوش التي اندفعت على يهوذا من أمم أشور العديدة تحت قيادة سنحاريب وإبادة الله إياهم في ليلة واحدة. ولها علاقة بالآيات السابقة لأن محالفة آرام وأفرايم على يهوذا وسياسة آحاز المشار إليها كانتا علة مجيء أشور.

ضَجِيجُ امتاز الأشوريون بالضجيج وبالمحاربة الروحية يمتاز أعداء الحق بالضجيج أيضاً.

فَتَهْرُبُ أي البقية من جيوش أشور بعد هلاك ١٨٥٠٠٠ منهم.

وَلَكِنَّهُ يَنْتَهِرُهَا أي الرب.

كَالْجُلِّ أي الاشياء الخفيفة كالعصافة أو الشوك مما يطير أمام الريح.

قَبْلَ ٱلصُّبْحِ لَيْسُوا هُمْ إشارة إلى إبادة الأشوريين في ليلة واحدة.

هٰذَا نَصِيبُ نَاهِبِينَا أي نصيب جميع أعداء شعب الله في كل زمان ومكان.

فوائد للوعاظ

صخرة حصنك (ع ١٠) الله صخرة للمتكلين عليه

  1. لأنه لا يتغير. أما الناس فيموتون أو يتغيرون عن محبتهم لنا والمال يزول ولكن الله هو هو إلى الأبد وصخر الدهور.
  2. لأنه ظل من الحرّ وملجأ من المطر. كان اتكال الإسرائيليين على حصونهم ولكنها خربت وأما الرب فهو القادر على كل شيء وأمين في كل مواعيده فلا يمكن الناس ولا الشيطان أن يضروا شعبه. ولنا تعزية فيه ولا أحد التجأ إليه وخاب أمله.

نسيت إله خلاصك (ع ١٠)

  1. إن الناس يميلون إلى النسيان. فإنهم يسمعون شيئاً اليوم وينسونه غداً ويتكلمون ويعملون وينسون حالاً ما تكلموا به وما عملوه. لذلك أوصى الله شعبه أن يلهجوا نهاراً وليلاً بناموسه ويحفظوا على الدوام الأوقات المعيّنة للعبادة.
  2. إن النسيان خطية لأنه ترك الله وإن كان بلا قصد ولا أحد يقدر أن يبرر نفسه في يوم الدين بقوله «نسيت».
  3. إننا ننسى الله إذا التهينا بأشغال العالم ولذاته لأن محبة العالم تطرد محبة الله من قلوبنا.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى