سفر إشعياء | 15 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
مضمونه:
لهذا الأصحاح وما بعده (ص ١٦) موضوع واحد وهو النبوءة بخراب موآب وقد تنبأ به أيضاً إرميا (ص ٤٨) وحزقيال (ص ٢٥: ٨ – ١١). (انظر قاموس الكتاب المقدس في موآب). وجاء في حزقيال أن سبب عقاب الموآبيين احتقارهم الله وافتخارهم على أورشليم حينما سقطت.
١ – ٤ «١ وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مُوآبَ: إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ «عَارُ» مُوآبَ وَهَلَكَتْ. إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ «قِيرُ» مُوآبَ وَهَلَكَتْ. ٢ إِلَى ٱلْبَيْتِ وَدِيبُونَ يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ لِلْبُكَاءِ. تُوَلْوِلُ مُوآبُ عَلَى نَبُو وَعَلَى مَيْدَبَا. فِي كُلِّ رَأْسٍ مِنْهَا قَرْعَةٌ. كُلُّ لِحْيَةٍ مَجْزُوزَةٌ. ٣ فِي أَزِقَّتِهَا يَأْتَزِرُونَ بِمِسْحٍ. عَلَى سُطُوحِهَا وَفِي سَاحَاتِهَا يُوَلْوِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَيَّالاً بِٱلْبُكَاءِ. ٤ وَتَصْرُخُ حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ. يُسْمَعُ صَوْتُهُمَا إِلَى يَاهَصَ. لِذٰلِكَ يَصْرُخُ مُتَسَلِّحُو مُوآبَ. نَفْسُهَا تَرْتَعِدُ فِيهَا».
إرميا ٤٨: ١ الخ وحزقيال ٢٥: ٨ إلى ١١ وعاموس ٢: ١ عدد ٢١: ٢٨ ص ١٦: ١٢ لاويين ٢١: ٥ وص ٣: ٢٤ و٢٢: ١٢ وإرميا ٤٧: ٥ و٤٨: ١ و٣٧ و٣٨ وحزقيال ٧: ١٨ إرميا ٤٨: ٣٨ ص ١٦: ٩
في هذه الآيات يصف النبي شدة البلايا المزمعة أن تحل على موآب والبكاء والولولة الصادرتين عنها بسبب احتقارها الله ونرى الخراب موصوفاً كأنه قد حدث تأكيداً لوقوعه في المستقبل.
عَارُ مُوآبَ قصبة هذه المملكة واسمها اليوم ربة وهي خراب.
قِيرُ مُوآبَ وهي كرك الحالية وموقعها جنوبي عار وعلى غاية نحو سبعة أميال منها. لا نعرف منشئ هذا الخراب والأرجح أنهم الأشوريون.
إِلَى ٱلْبَيْتِ (ع ٢) أي بيت إلههم كموش ولعله معبد كموش في بعل معون (يشوع ١٣: ١٧).
دِيبُونَ اسمها اليوم ديبان وهنا وُجد الحجر الموآبي المشهور (انظر قاموس الكتاب المجلد الأول وجه ٤٥٢ ففيه صورة هذا الحجر وترجمة الكتابة التي عليه) والظاهر أنه كان في ديبون أيضاً معبد لكموش.
يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ لِلْبُكَاءِ يبكون أمام آلهتهم لعلها تنتبه وتشفق عليهم وتخلّصهم. في الحجر الموآبي يقول ميشع ملك موآب «غضب كموش على موآب فأسلمها» نلاحظ أن نَفَس هذين الأصحاحين يدل على اضطراب أفكار المتكلم كأنه كان حاضراً في تلك الليلة الهائلة.
نَبُو مدينة في موآب تبعد ثمانية أميال جنوبي حشبون.
مَيْدَبَا من أقدم مدن موآب ذُكرت في (عدد ٢١: ٣٠ ويشوع ١٣: ١٦ و١أيام ١٩: ٧ – ١٥) واليوم هي من الأملاك العثمانية.
فِي كُلِّ رَأْسٍ مِنْهَا قَرْعَةٌ القرعة واللحية المجزوزة علامة الحزن (ميخا ١: ١٦) فكان حزن عمومي.
يَأْتَزِرُونَ بِمِسْحٍ (ع ٣) نسيج خشن يُعمل منه الأكياس وهو يُنسج من القنب أو شعر الماعز يُلبس علامة للتوبة والحزن وكانت هذه عادة الأشوريين (يونان ٣: ٥) والآراميين (١ملوك ٢٠: ٣١) والفرس (أستير ٤: ١ و٢) والإسرائيليين (نحميا ٩: ١) كلبس الأسوَد في أيامنا. والولولة أيضاً عادة قديمة عامة. المبالغة مما يكثر في الشعر كالقول «سيالاً بالبكاء» و«يُسمع صوتهما إلى ياهص» و«أرويكما بدموعي» (ص ١٦: ٩).
حَشْبُونُ (ع ٤) اسمها اليوم حسبان. كانت في الأصل للموآبيين ثم استولى عليها سيحون ملك الأموريين ثم فتحها بنو إسرائيل (عدد ٢١: ٢٥ و٢٦) ثم عاد الموآبيون فاستولوا عليها وهي على أمد ١٥ ميلاً إلى الشرق من طرف بحر الميت الشمالي.
أَلْعَالَةُ تُدعى اليوم ألعال وهي على بُعد ميل من حشبون.
يَاهَصَ في هذا الموضع انتصر الإسرائيليون على سيحون (عدد ٢١: ٢٣) غير أن الموآبيين عادوا فأخذوها.
٥ «يَصْرُخُ قَلْبِي مِنْ أَجْلِ مُوآبَ. ٱلْهَارِبِينَ مِنْهَا إِلَى صُوغَرَ كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ، لأَنَّهُمْ يَصْعَدُونَ فِي «عَقَبَةِ ٱللُّوحِيثِ» بِٱلْبُكَاءِ، لأَنَّهُمْ فِي طَرِيقِ حُورُونَايِمَ يَرْفَعُونَ صُرَاخَ ٱلانْكِسَارِ».
ص ١٦: ١١ وإرميا ٤٨: ٣١ ص ١٦: ١٤ وإرميا ٤٨: ٣٤ إرميا ٤٨: ٥
يَصْرُخُ قَلْبِي مِنْ أَجْلِ مُوآبَ حزن النبي في مصائب موآب لسبب القرابة بينهم وبين إسرائيل (تكوين ١٩: ٣٧) وكون موآب وطن راعوث التي كانت من أسلاف المسيح (متّى ١: ٥). وفوق ذلك يجب على كل نبي وكل واعظ أن يحب الذين ينذرهم ويحزن على هلاكهم. هكذا كان بولس الرسول بدليل قوله (رومية ٩: ١ – ٣) «إِنَّ لِي حُزْناً عَظِيماً لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ» أي اليهود الذين اضطهدوه. وبكى المسيح على أورشليم وصلى من أجل صالبيه. فعلى الواعظ أن ينذر الناس ويبين لهم خطاياهم وعواقبها ويعمل ذلك بالمحبة والحزن.
صُوغَرَ المدينة التي لجأ إليها لوط (تكوين ١٩: ٢٠ – ٣٠) وموقعها قريب من شاطئ البحر الميت الجنوبي الشرقي.
كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ عجلة عمرها ثلاث سنين وهي قوية وغير مروضة ولا مذللة فيغلب أن تعدو وتخور. هكذا الموآبيون هربوا راكضين وصارخين وكانوا ملتجئين إلى أدوم أو يهوذا. ويجوز أن تكون العجلة الثلاثية مستعارة لمدينة صوغر والمراد أنها مدينة قوية وجميلة كتلك العجلة. و«عقبة اللوحيث» غير معروفة.
حُورُونَايِمَ مذكورة في الحجر الموآبي أنها لأدوم فهرب الموآبيون إلى جهة الجنوب وهم طالبون ملجأ في أدوم ويهوذا.
٦ «لأَنَّ مِيَاهَ نِمْرِيمَ تَصِيرُ خَرِبَةً. لأَنَّ ٱلْعُشْبَ يَبِسَ. ٱلْكَلأُ فَنِيَ. ٱلْخُضْرَةُ لاَ تُوجَدُ».
عدد ٣٢: ٣٦
مِيَاهَ نِمْرِيمَ تَصِيرُ خَرِبَةً لأن أعداء موآب طمّوا العيون (٢ملوك ٣: ١٩) وهذه أعظم ضربة على الموآبيين لأن غناهم من مواشيهم.
٧ «لِذٰلِكَ ٱلثَّرْوَةُ ٱلَّتِي ٱكْتَسَبُوهَا وَذَخَائِرُهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى عَبْرِ وَادِي ٱلصَّفْصَافِ».
وَادِي ٱلصَّفْصَافِ على تخم موآب الجنوبي بينهم وبين أدوم. أنهم كانوا في وقت الخوف يأخذون قدر ما يقدرون أن يحملوه أمل أنهم يذهبون به إلى أرض أدوم وأما الباقي من أموالهم وبيوتهم فكانوا يتركونه للعدوّ.
٨ «لأَنَّ ٱلصُّرَاخَ قَدْ أَحَاطَ بِتُخُومِ مُوآبَ. إِلَى أَجْلاَيِمَ وَلْوَلَتُهَا. وَإِلَى بِئْرِ إِيلِيمَ وَلْوَلَتُهَا».
أَجْلاَيِمَ… بِئْرِ إِيلِيمَ موقعهما غير معروف والأرجح أنه على تخم موآب الجنوبي لأن العدوّ هجم من الشمال والموآبيين هربوا إلى الجنوب.
٩ «لأَنَّ مِيَاهَ دِيمُونَ تَمْتَلِئُ دَماً، لأَنِّي أَجْعَلُ عَلَى دِيمُونَ زَوَائِدَ. عَلَى ٱلنَّاجِينَ مِنْ مُوآبَ أَسَداً وَعَلَى بَقِيَّةِ ٱلأَرْضِ».
٢ملوك ١٧: ٢٥
دِيمُونَ اسم آخر لديبون (ع ٢) واسمها ديبان اليوم وربما اختار النبي الاسم ديمون لمناسبة اللفظة لكلمة «دماً». ومياه ديمون هي النهر أرنون وامتلاء النهر دماً مبالغة مقبولة من المبالغات التي تكثر في الشعر عن كثرة القتلى.
أَسَد يشير إلى مخرب قوي قاس لا نعرف من هو.
فوائد للوعاظ
وحي من جهة موآب (ع ١)
تاريخ موآب وفوائد سقوطها:
- الخطايا الناتجة عن حالة الراحة والنجاح. قال إرميا (٤٨: ١١) «مُسْتَرِيحٌ مُوآبُ مُنْذُ صِبَاهُ». ومن هذه الخطايا الكبرياء والطمع والترفه والكفر. وعقاب هذه الخطايا الطبيعي السقوط والدمار ومن يريد النجاة منها فعليه أن يعطي الله المكان الأول في قلبه ويستعمل كل خيراته لمجده وفي خدمة المحتاجين حسب إرادته.
- التأديب رحمة للإنسان ويقصد الله به أن ينتبه ويرجع إليه ويغلب أن يكون تأديبه بالتدريج فإن لم يستفد المؤدب من الضربة الأولى يضربه الله ثانية وثالثة أو يدمره أخيراً كل التدمير.
- بُطل الاتكال على المال لأن زواله يمكن كل يوم. الموآبيون حملوا قليلاً من أموالهم إلى تخوم أدوم. وأما نحن فلا نقدر أن نحمل شيئاً من أموالنا إلى الأبدية.غنى الإنسان الحقيقي ليس بما له بل بما فيه كالإيمان والمحبة وجميع الفضائل المسيحية لأنها في الإنسان ولا تنفصل عنه بل تبقى إلى الحياة الأبدية.
- إن كثرة الآثار القديمة في موآب اليوم تدل على كثرة سكانها في القديم وعظمتها وغناها. فتذكرنا هذه الآثار ضعف الإنسان وترفع نظرنا إلى عظمة الله وكلامه الذي لا يزول والحياة الأبدية ووجوب الاستعداد لها دون الطمع في الخيرات الزائلة.
السابق |
التالي |