سفر إشعياء | 14 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر إشعياء
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
مضمونه:
يُقسم هذا الأصحاح إلى ثلاثة أقسام كل منها مستقل عن الآخر:
- الأول: إتمام النبي كلامه على خراب بابل الذي يؤول إلى خلاص شعبه المختار (ع ١ – ٢٣).
- الثاني: نبوءة بكسر جيش أشور (ع ٢٤ – ٢٧).
- الثالث: نبوءة بعقاب الفلسطينيين (ع ٢٨ – ٣٢).
أما النبوءة المتعلقة بالمملكة البابلية فهي مبنية على حدوث السبي وجلاء اليهود إلى بابل أي أسرهم البابلي وكان إطلاقهم من هذه العبودية قد اقترب وذُكر وعد لإسرائيل بالرجوع في أثناء هذه النبوءة. وأكثر الكلام في هذا الموضوع على أسلوب نشيد في سقوط بابل ويشترك في إنشاده اليهود وكل العالم وبه يستنهض النبي أهل الهاوية أيضاً ليتعجبوا من سقوط بابل وقد وُصفت بابل كأنها في حال الدمار والهوان.
١ «لأَنَّ ٱلرَّبَّ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ وَيَخْتَارُ أَيْضاً إِسْرَائِيلَ، وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، فَتَقْتَرِنُ بِهِمِ ٱلْغُرَبَاءُ وَيَنْضَمُّونَ إِلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ».
مزمور ١٠٢: ١٣ زكريا ١: ١٧ و٢: ١٢ ص ٦٠: ٤ و٥ و١٠ وأفسس ٢: ١٢ و١٣ الخ
لأَنَّ ٱلرَّبَّ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ بيان سبب إبادة الرب بابل وهو قصده أن يحرر شعبه من عبوديتها. وقد تم ذلك برجوعهم من بابل بأمر كورش وهذا الخلاص هو ظل الخلاص الأخير.
وَيَخْتَارُ أَيْضاً إِسْرَائِيلَ إن الله اختار إسرائيل أولاً لما أخرجهم من مصر ثم رفضهم بسبب خطاياهم واختارهم ثانية لما رجعوا من السبي.
وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ كانت الأرض لهم وخسروها ولفظة «أرضهم» من فم الرب تعني أنه أعطاهم إياها ثانية. والمراد «بالغرباء» الأمم واقترانهم بإسرائيل عبارة عن انضمام الأمم إلى شعب الله. ومن أثمار هذا الموعد الأولى الدخلاء الذين انضموا إلى اليهود من الأمم قبل مجيء المسيح (أستير ٨: ١٧) وأما الحصاد العظيم فهو رجوع جميع الشعوب إلى المسيح الذي ابتدأ منذ مجيئه ولا يزال في مجراه. وفي هذا ظهرت رحمة الله بإبقاء شعبه وعدم سماحه بملاشاتهم.
٢ «وَيَأْخُذُهُمْ شُعُوبٌ وَيَأْتُونَ بِهِمْ إِلَى مَوْضِعِهِمْ، وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ ٱلرَّبِّ عَبِيداً وَإِمَاءً، وَيَسْبُونَ ٱلَّذِينَ سَبَوْهُمْ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى ظَالِمِيهِمْ».
ص ٤٩: ٢٢ و٦٠: ٩ و٦٦: ٢٠ ص ٦٠: ١٤
وَيَأْخُذُهُمْ أي يأخذ بيت يعقوب المكنى به عن كنيسة الله في كل تاريخها وغلبتها الأخيرة على كل أعدائها.
شُعُوبٌ من الأمم والمعنى أن الأمم يساعدون بيت إسرائيل ويأتون بهم إلى أرضهم.
وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ المعنى أن الكنيسة سترتفع على أعدائها وكل الأمم تستخدم لترقية خيرها ونجاحها فلا تبقى في حالة الذل والعبودية بل ستستعبد الذين استعبدوها. وذلك تمّ باتخاذ الإسرائيليين عبيداً وإماء كثيرين في رجوعهم من بابل وبمساعدة كورش لهم على ذلك الرجوع (عزرا ٢: ٦٥). والنبوءة تشير أيضاً إلى غلبة الكنيسة على العالم وإن الذين يضطهدونها يصيرون تحت تسلطها (إشعياء ٤٤: ٢٧ و٤٥: ١ – ٤ وعزرا ٦: ٨ – ١٠ و٧: ٢١ و٢٢) ويتضح من هذه الشواهد أن كورش كان مهتماً ببناء بيت الله وإرجاع اليهود إلى أرضهم وربما كان هذا الاهتمام يلجئه إلى تسخير البابليين وإكراهه إياهم ليكونوا خدَمة لليهود في رجوعهم.
٣ – ٨ «٣ وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ يُرِيحُكَ ٱلرَّبُّ مِنْ تَعَبِكَ وَمِنِ ٱنْزِعَاجِكَ وَمِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ ٱلْقَاسِيَةِ ٱلَّتِي ٱسْتُعْبِدْتَ بِهَا، ٤ أَنَّكَ تَنْطِقُ بِهٰذَا ٱلْهَجْوِ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ وَتَقُولُ: كَيْفَ بَادَ ٱلظَّالِمُ، بَادَتِ ٱلْمُغَطْرِسَةُ؟ ٥ قَدْ كَسَّرَ ٱلرَّبُّ عَصَا ٱلأَشْرَارِ، قَضِيبَ ٱلْمُتَسَلِّطِينَ. ٦ ٱلضَّارِبُ ٱلشُّعُوبَ بِسَخَطٍ، ضَرْبَةً بِلاَ فُتُورٍ. ٱلْمُتَسَلِّطُ بِغَضَبٍ عَلَى ٱلأُمَمِ، بِٱضْطِهَادٍ بِلاَ إِمْسَاكٍ. ٧ اِسْتَرَاحَتِ، ٱطْمَأَنَّتْ كُلُّ ٱلأَرْضِ. هَتَفُوا تَرَنُّماً. ٨ حَتَّى ٱلسَّرْوُ يَفْرَحُ عَلَيْكَ، وَأَرْزُ لُبْنَانَ قَائِلاً: مُنْذُ ٱضْطَجَعْتَ لَمْ يَصْعَدْ عَلَيْنَا قَاطِعٌ».
ص ١٣: ١٩ وحبقوق ٢: ٦ رؤيا ١٨: ٧ و١٦ مزمور ١٢٥: ٣ ص ٥٥: ١٢ وحزقيال ٣١: ١٦
في هذه الآيات هجو اليهود لملك بابل ووصف عتوه وسقوطه وافتخارهم عليه وفرحهم بسقوطه.
ٱلْعُبُودِيَّةِ ٱلْقَاسِيَةِ (انظر ص ٤٧: ٦ ومزمور ١٣٧ وحزقيال ٣٤: ٢٧ – ٢٩) فيتضح من هذه الشواهد أن عبودية بابل كانت ثقيلة على عموم الشعب ولو أن بعضهم ارتقى في خدمة ملك بابل كدانيال.
ٱلْهَجْوِ (ع ٤) هو الشتم والتعيير.
ٱلْمُغَطْرِسَةُ هي المعجبة بنفسها والمتكبرة والظالمة. يجوز أن يكون الشتم والتعيير من الله لأنه يحق له أن يحكم ويدين ويهلك. وأما الإنسان فلا يجوز له أن يدين. وغضب الله على الخطأة ناتج عن طبيعته الإلهية كما أن النور يبغض الظلام والذي يبني يبغض من يخرب والذي يشفي الأمراض يبغض من يسببها. وأولاد الله كذلك يكرهون الخطية في أنفسهم وفي غيرهم. وهذا التعليم في العهد الجديد أوضح على أنه يجب علينا أن نبغض الخطية ونرغب في خلاص الخاطئ. وإيضاحاً لذلك نذكر أن البرابرة قتلوا أحد المبشرين فلما سمع أخوه الخبر طلب ان يُعيّن مبشراً لهؤلاء القاتلين.
(ع ٧) استراحت كل الأرض من تسلط المملكة البابلية الظالمة ولذلك فرحت واستمرت هذه الراحة حتى تقدمت مملكة الفرس فصارت تظلم الأرض وشغلت بذلك نحو ١١ سنة. وهي المدة بين سقوط بابل وجلوس كمبيز بن كورش.
(ع ٨) استراح السرو والأرز بعد سقوط بابل لأن ملوك بابل كانوا يقطعونها وأما ملوك الفرس فلم يعتادوا ذلك. يُستعار السرو والأرز لملوك الممالك وشرفائها الذين استراحوا من ظلم بابل.
٩ – ١١ «٩ اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ، لاسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ، مُنْهِضَةٌ لَكَ ٱلأَخْيِلَةَ جَمِيعَ عُظَمَاءِ ٱلأَرْضِ. أَقَامَتْ كُلَّ مُلُوكِ ٱلأُمَمِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ. ١٠ كُلُّهُمْ يُجِيبُونَ وَيَقُولُونَ لَكَ: أَأَنْتَ أَيْضاً قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟ ١١ أُهْبِطَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ، رَنَّةُ أَعْوَادِكَ. تَحْتَكَ تُفْرَشُ ٱلرِّمَّةُ، وَغِطَاؤُكَ ٱلدُّودُ».
حزقيال ٣٢: ٢١
هذه الآيات على أسلوب شعري وهو أن الهاوية قامت مهتزة لاستقبال ملك بابل وهو نازل إليها وكل الأخيلة وجميع العظماء من سكان الهاوية وكل ملوك الأرض صُورّوا جالسين على كراسيهم لاستقبال ذلك الملك العاتي المتكبر المنحدر إليهم وقد ذُكر ما قالوه له في (ع ١٠ و١١). وإذ كان أسلوب الكلام شعرياً لم يحسن أن نبني عليه أحكاماً تفصيلية بأحوال الهاوية بل نذكر ما يأتي:
- إن أرواح الأموات لا تتلاشى بعد الموت.
- إنها تشعر بوجودها وحالتها.
- إنها في مكان عُيّن لها لا نعرف أين هو.
- إن الهاوية مكان الأشرار والأبرار أي الأموات أجمعين وهم مميّز بعضهم عن بعض من جهة العذاب والراحة بالنسبة إلى أفعالهم وهم على الأرض. على أن القدماء الذين لم يكن لهم إلا العهد القديم لم يعرفوا كل ما نعرفه نحن من إعلانات العهد الجديد بأحوال المؤمنين بعد الموت والبركات والويلات المُنذر بها في العهد القديم هي غالباً في الحياة الحاضرة في هذا العالم. والأمر الجوهري هنا هو أن أعظم الملوك سيتركون مجدهم وينزلون إلى القبر وتفنى أجسادهم. فليس مكان للكبرياء والافتخار.
تكملة للهجو وللنبوءة بسقوط بابل الهائل ع ١٢ إلى ٢٠
١٢ «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى ٱلأَرْضِ يَا قَاهِرَ ٱلأُمَمِ؟».
ص ٣٤: ٤
يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ هي كوكب الصبح الجميل وقد سُميت بابل بهذا الاسم لمجدها وجمالها.
قُطِعْتَ إِلَى ٱلأَرْضِ النبي يتفنن حسب عادته في التشبيه فشبّه هنا بابل بشجرة قُطعت إلى الأرض.
١٣ «وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللّٰهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ ٱلاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي ٱلشِّمَالِ».
متّى ١١: ٢٣ دانيال ٨: ١٠ مزمور ٤٨: ٢
وَأَنْتَ قُلْتَ هذا كان في أذهان ملوك بابل وإن لم يكن في ألفاظهم ويدل على الكبرياء واعتقادهم أنهم أعلى وأعظم من سائر بني البشر.
فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللّٰهِ فوق أعلى المخلوقات وفي مسكن الآلهة.
جَبَلِ ٱلاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي ٱلشِّمَالِ هو جبل موقعه إلى جهة الشمال والشرق من بابل وهو مسكن آلهتهم حسب اعتقادهم.
١٤، ١٥ «١٤ أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ ٱلسَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ. ١٥ لٰكِنَّكَ ٱنْحَدَرْتَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ ٱلْجُبِّ».
ص ٤٧: ٨ و٢تسالونيكي ٢: ٤ متّى ١١: ٢٣
أَصِيرُ مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ بناء أنه يقدر أن يعمل ما يريد وإنه معصوم عن الغلط وملكه يكون إلى الأبد وذلك حسب ظنه غير أن النتيجة كانت عكس ذلك كما نرى في (ع ١٥ – ١٧) فإنه انحدر إلى الهاوية ولم يرتفع إلى السماء وتعجب العالم من ضعفه لا من مجده.
١٦ «اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ. يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ. أَهٰذَا هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي زَلْزَلَ ٱلأَرْضَ وَزَعْزَعَ ٱلْمَمَالِكَ».
اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ حوّل النبي في هذه الآية كلامه من أهل الهاوية إلى سكان الأرض.
يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ ما كادوا يصدقون أن هذه الجثة هي ذلك الملك العظيم.
١٧ «ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلْعَالَمَ كَقَفْرٍ، وَهَدَمَ مُدُنَهُ، ٱلَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟».
ٱلَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ فإن يهوياكين ملك يهوذا أقام ٣٦ سنة في السجن وشعب اليهود أقام ٧٠ سنة في السبي.
١٨ «كُلُّ مُلُوكِ ٱلأُمَمِ بِأَجْمَعِهِمِ ٱضْطَجَعُوا بِٱلْكَرَامَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ».
كُلُّ مُلُوكِ ٱلأُمَمِ عادة الملوك أن يُدفن كل واحد في قبر مخصوص وكان هو يُعد لنفسه القبر الذي سيضطجع فيه (ص ٢٢: ١٦) والأهرام المشهورة في مصر هي قبور ملوك.
١٩ «وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ ٱلْقَتْلَى ٱلْمَضْرُوبِينَ بِٱلسَّيْفِ ٱلْهَابِطِينَ إِلَى حِجَارَةِ ٱلْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ».
وَأَمَّا أَنْتَ ربما تشير النبوءة هنا إلى بيلشاصر الذي قتله الماديون في ليلة افتتاح بابل والأرجح أنه هو الذي طُرح «كغصن أشنع كلباس القتلى كجثة مدوسة» لأنه في تلك الليلة الهائلة لا أحد يهتم بدفن الملك بل يهتم كل واحد بخلاص نفسه فقط. وعدم الدفن مكروه عند كل إنسان ولا سيما القدماء وجميع الذين لا يعرفون كما نعرف نحن أن سعادة النفس ليست متعلقة بدفن الجسد.
٢٠ «لاَ تَتَّحِدُ بِهِمْ فِي ٱلْقَبْرِ لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ، قَتَلْتَ شَعْبَكَ. لاَ يُسَمَّى إِلَى ٱلأَبَدِ نَسْلُ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ».
أيوب ١٨: ١٩ ومزمور ٢١: ١٠ و٣٧: ٢٨ و١٠٩: ١٣
لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ لم يقتصر على هدم ممالك غيره بل هدم مملكته أيضاً. كل سلطان مرتب من الله لعمل الخير وبنيان مملكته وهو مسؤول أمامه وأما بلشاصر وكل ملوك بابل فظنوا أن المملكة لهم وليسوا هم للمملكة وأخربوا المملكة بالظلم والإسراف على شهواتهم وجلبوا على المملكة وعلى أنفسهم دينونة الله العادلة.
لاَ يُسَمَّى إِلَى ٱلأَبَدِ أي ينقطع نسله ولا يتبوّأ أحد منهم تخت الملك.
٢١ «هَيِّئُوا لِبَنِيهِ قَتْلاً بِإِثْمِ آبَائِهِمْ، فَلاَ يَقُومُوا وَلاَ يَرِثُوا ٱلأَرْضَ وَلاَ يَمْلأُوا وَجْهَ ٱلْعَالَمِ مُدُناً».
خروج ٢٠: ٥ ومتّى ٢٣: ٣٥
هَيِّئُوا لِبَنِيهِ قَتْلاً ليس لنا في التواريخ نبأ بأولاد بيلشاصر ولكن العقل يحكم بأنهم أما قُتلوا لما قُتل أبوهم أو أنه قتلهم ملوك الفرس خوفاً من أن يقيموا فتنة ويطلبوا رجوع الملك إليهم.
وَلاَ يَمْلأُوا وَجْهَ ٱلْعَالَمِ مُدُناً كان البابليون قد اشتهروا ببناء المدن (تكوين ١٠: ١٠ ودانيال ٤: ٣٠) ولكنهم لا يبنون شيئاً فيما بعد.
٢٢، ٢٣ «٢٢ فَأَقُومُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ، وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ ٱسْماً وَبَقِيَّةً وَنَسْلاً وَذُرِّيَّةً يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٢٣ وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثاً لِلْقُنْفُذِ، وَآجَامَ مِيَاهٍ، وَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ ٱلْهَلاَكِ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».
أمثال ١٠: ٧ وإرميا ٥١: ٦٢ و١ملوك ١٤: ١ أيوب ١٨: ١٩ ص ٣٤: ١١ وصفنيا ٢: ١٤
هاتان الآيتان خاتمة القصيدة والأمر الجوهري فيهما أن سقوط بابل من الرب وإيضاحاً لذلك ذكر اسم الرب ثلاث مرات.
وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ ٱسْماً أي لا تشتهر بعد ولا تكون مدينة. ولم يبق منها اليوم إلا أطلالها.
آجَامَ مِيَاهٍ وهذا مما يُلاحظ من جميع الذين ينظرون إلى آثارها اليوم.
مِكْنَسَةِ ٱلْهَلاَكِ أي الهلاك التام.
٢٤ – ٢٧ «٢٤ قَدْ حَلَفَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ قَائِلاً: إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ، وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ: ٢٥ أَنْ أُحَطِّمَ أَشُّورَ فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي، فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ. ٢٦ هٰذَا هُوَ ٱلْقَضَاءُ ٱلْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ، وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْيَدُ ٱلْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ ٱلأُمَمِ. ٢٧ فَإِنَّ رَبَّ ٱلْجُنُودِ قَدْ قَضَى، فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ وَيَدُهُ هِيَ ٱلْمَمْدُودَةُ، فَمَنْ يَرُدُّهَا؟»,
ص ١٠: ٢٧ و٢أيام ٢٠: ٦ وأيوب ٩: ١٢ و٢٣: ١٣ ومزمور ٣٣: ١١ وأمثال ١٩: ٢١ و٢١: ٣٠ وص ٤٣: ١٣ ودانيال ٤: ٣١ و٣٥
هذه الآيات نبوءة موجزة بإبادة جيش أشور وقد تمّت بعد قليل من نطق النبي بها. إن الخطر من بابل كان بعيداً عن عصر إشعياء ولكن الخطر من أشور كان قريباً وخوف اليهود منها عظيماً فالنبي وإن كان قد تنبأ سابقاً بخراب أشور (ص ١٠: ٢٤) كرر هنا نبوءته وأثبتها بحلف من الرب. وكل من هاتين النبوءتين المتعلقتين ببابل وأشور متميزة عن الأخرى إلا أن الثانية بمنزلة البرهان على صدق الأولى بمعنى أن تحقق إبادة جيش أشور دليل على تحقق خراب بابل.
أَرْضِي (ع ٢٥) أي ليس للأشوريين حق فيها فيكونون متعدّين على الرب في محاربتهم شعبه والأرجح أن النبي أشار بهذا إلى عصيان حزقيا لملك أشور (٢ملوك ١٨: ٧) وهجوم سنحاريب على اليهودية وانكساره (إشعياء ٣٧: ٣٦ – ٣٨).
عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ (ع ٢٦) إن الأشوريين كانوا متسلطين على كل الممالك ولذلك أثر سلطانهم فيها كلها وأنشأ تشويشاً عاماً في الساسية.
وحي من جهة فلسطين ع ٢٨ إلى ٣٢
كان الملك عزيا قد ضرب الفلسطينيين ضربات ثقيلة (٢أيام ٢٦: ٦) وهم أخذوا بالثأر في مُلك آحاز (٢أيام ٢٨: ١٨). ونعرف من التواريخ أن تغلث فلاسر ملك أشور غزا بلادهم بعد ذلك ومات تغلث فلاسر قبل موت آحاز بمدة قليلة والنبي في هذه الآيات ينذرهم بأن لا يفرحوا كأنهم خلصوا من الضربات لأنه سيقوم لتغلث فلاسر خلفاء أقوياء وقساة مثله وسيخربون بلادهم.
٢٨، ٢٩ «٢٨ فِي سَنَةِ وَفَاةِ ٱلْمَلِكِ آحَازَ كَانَ هٰذَا ٱلْوَحْيُ: ٢٩ لاَ تَفْرَحِي يَا جَمِيعَ فِلِسْطِينَ، لأَنَّ ٱلْقَضِيبَ ٱلضَّارِبَكِ ٱنْكَسَرَ. فَإِنَّهُ مِنْ أَصْلِ ٱلْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوانٌ، وَثَمَرَتُهُ تَكُونُ ثُعْبَاناً مُسِمّاً طَيَّاراً».
٢ملوك ١٦: ٢٠ و٢أيام ٢٦: ٦ و٢ملوك ١٨: ٨
فِلِسْطِينَ هي على شاطئ بحر الروم وإلى الجنوب الغربي من أرض يهوذا غير أن هذا الاسم أُطلق مؤخراً على كل الأرض المقدسة.
جَمِيعَ فِلِسْطِينَ كانت مجموعة من إمارات مختلفة (١صموئيل ٦: ١٨).
ٱلْقَضِيبَ ٱلضَّارِبَكِ ٱنْكَسَرَ النبي لا يشير إلى آحاز لأنه لم يضرب الفلسطينيين بل ضُرب منهم والأرجح أنه يشير إلى تغلث فلاسر الذي مات قبل وفاة آحاز بسنة أو سنتين.
مِنْ أَصْلِ ٱلْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوانٌ الأفعوان شر من الحية والذين خلفوا تغلث فلاسر كانوا أشد منه قساوة. فسرجون أخذ أشدود (ص ٢٠) وسنحاريب أخذ أشقلون وعقرون وأخضع غزة وأشدود.
ثُعْبَاناً مُسِمّاً طَيَّاراً أفاعي صحاري الشرق المشهورة بسرعة الوثب (قاموس الكتاب).
٣٠ «وَتَرْعَى أَبْكَارُ ٱلْمَسَاكِينِ، وَيَرْبُضُ ٱلْبَائِسُونَ بِٱلأَمَانِ، وَأُمِيتُ أَصْلَكِ بِٱلْجُوعِ فَيَقْتُلُ بَقِيَّتَكِ».
أَبْكَارُ ٱلْمَسَاكِينِ أي الأشد فقراً.
تَرْعَى… يَرْبُضُ أي يكونون في الأمان إذ ضعفت قوة الفلسطينيين.
أُمِيتُ أَصْلَكِ بِٱلْجُوعِ فَيَقْتُلُ بَقِيَّتَكِ الله يميت بالجوع وأشور يقتل بالسيف فالجوع يعمل فيهم مدة الحصار وبعدما تسقط مدنهم يقتل الأشوريون البقية.
٣١ «وَلْوِلْ أَيُّهَا ٱلْبَابُ. ٱصْرُخِي أَيَّتُهَا ٱلْمَدِينَةُ. قَدْ ذَابَ جَمِيعُكِ يَا فِلِسْطِينُ. لأَنَّهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ يَأْتِي دُخَانٌ، وَلَيْسَ شَاذٌّ فِي جُيُوشِهِ».
ٱصْرُخِي أَيَّتُهَا ٱلْمَدِينَةُ أي كل مدينة من مدن الفلسطينيين.
مِنَ ٱلشِّمَالِ طريق الأشوريين كان على نهر الفرات وإلى حماة وبين لبنان الغربي ولبنان الشرقي وإلى الجليل وكرمل فدخلوا فلسطين من الشمال.
دُخَانٌ دخان المدن المحترقة على طريق الأشوريين.
وَلَيْسَ شَاذٌّ أي أن الأشوريين يكونون جميعاً أقوياء.
٣٢ «فَبِمَاذَا يُجَابُ رُسُلُ ٱلأُمَمِ؟ إِنَّ ٱلرَّبَّ أَسَّسَ صِهْيَوْنَ، وَبِهَا يَحْتَمِي بَائِسُو شَعْبِهِ».
مزمور ٨٧: ١ و٥ و١٠٢: ١٦ صفنيا ٣: ١٢ وزكريا ١١: ١١
رُسُلُ ٱلأُمَمِ الأرجح أنهم رسل من الفلسطينيين طلبوا الاتحاد على أشور ويكون الجواب لهم أن الرب أسس صهيون فيحامي عنها. فكان على جميع البائسين من اليهود والأمم أن يجتمعوا فيها.
فوائد للوعاظ
يريحك الرب من تعبك (ع ٣)
الخطية تعب لأسباب:
- إن فيها أحزاناً.
- إن فيها هموماً وخوفاً.
- إنها عبودية. فإن كثيرين يريدون أن يخلصوا من أعمالهم الردية ولا يقدرون.
- إنها بُعد عن الله ونفي من الوطن السماوي يريحنا الرب لأنه يهبنا ما يأتي:
- الرجاء إذ يختارنا أيضاً.
- السلام إذ يغفر لنا كل خطايانا.
- الاتكال عليه فنخلص من كل الهموم.
- التحرير من عبودية الخطية.
إنك تنطق بهذا الهجو (ع ٤)
الفرح في سقوط الأعداء يجوز بشروط:
- كونهم أعداءنا لكونهم أعداء الله.
- إنّا إذا سلمنا بأن الغلبة من الله كان من الفرح الشكر لله. ولا يجوز ذلك إذا نتج عنه ما يأتي:
- الافتخار والكبرياء.
- روح الاحتقار والحقد.
عصا الأشرار (ع ٥) وهي أقسام:
- عصا الصحة.
- عصا المال.
- عصا القوة.
- عصا الأصدقاء. وهذه كلها خيرات يقبلها الصالحون بالشكر ولكنها خيرات زمنية لا عُصي نتكل عليها.
قلت في قلبك اصعد إلى السماوات (ع ١٣).
حب الرفعة يجب في أمرين:
- الفضائل (٢بطرس ١: ٥ – ٧) وهو عكس الكسل والجبانة.
- خدمة الناس ومجد الله.
ويحرّم في أمرين:
- أن يكون فيه خسارة للغير.
- أن يكون المقصود به مجد الذات.
قد حلف رب الجنود (ع ٢٤).
ليس الحلف لإثبات كلام الرب لأنه صادق ولا يتغير بل لإثبات إيمان الإنسان الضعيف.
حلف الرب:
- لنوح (تكوين ٩: ١١).
- لإبراهيم (تكوين ٢٤: ٧).
- لداود (مزمور ٨٩: ٣ و٤).
- للمسيح (مزمور ١١٠: ٤٠) ولا شيء يقدر أن يبطل مقاصد الله لا الطبيعة ولا الإنسان ولا الشيطان.
السابق |
التالي |