إشعياء

سفر إشعياء | 12 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر إشعياء

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

مضمونه:

هذا الأصحاح حمد وترنيم للرب على مراحمه لشعبه اليهود والكنيسة المسيحية كليهما حين تتم المواعيد المذكورة في الأصحاح السابق كما رنم موسى وبنو إسرائيل تسبيحاً للرب بعد ما عبروا البحر وخلصوا من عبودية مصر. ونشيد هذا التسبيح خاتمة مناسبة للقسم الأول من نبوءة إشعياء.

١ «وَتَقُولُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ٱرْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي».

ص ٢: ١١

وَتَقُولُ النبي يخاطب شعب الله بصيغة المفرد لأنهم سيتحدون بقلب واحد وصوت واحد.

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ اليوم المشار إليه في الأصحاح السابق وهو أولاً يوم رجوع اليهود من سبي بابل وثانياً يوم الإنجيل وهو من مجيء المسيح وصاعداً حين يرجع المختارون من الأمم واليهود إلى الله بالتوبة والإيمان فينالون خلاص نفوسهم.

غَضِبْتَ عَلَيَّ لا بد من غضب الله على الخطية والشعب يعترف بأنه خطئ وأوجب عليه غضب الله.

ٱرْتَدَّ غَضَبُكَ في (ص ٩ و١٠) كرر أربع مرات قوله «لم يرتد غضبه» ولكن التأديب سيتم عمله ويعطي ثمر برّ السلام فيرتد غضب الله ويعزي شعبه.

٢ «هُوَذَا ٱللّٰهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ، لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصاً».

مزمور ٦٨: ٤ و٨٣: ١٨ خروج ١٥: ٢ ومزمور ١١٨: ١٤

ٱللّٰهُ خَلاَصِي ليس مخلص فقط لأن المخلص ربما يخلّص مرة فقط فيتركنا بل هو خلاصنا فنسكن عنده مطمئنين على الدوام. ولا يكون الخلاص بوجود جيش من العساكر ولا بأبراج وأسوار بل بوجود الله معنا وهذا يكفينا.

إن كلمة «خلاص» تفيد أولاً النجاة كنجاة بني إسرائيل من مصر ومن بابل ونجاة المؤمنين من الدينونة.

ثانياً: القداسة وهي النجاة من الخطية نفسها لا من عواقبها فقط.

ثالثا: السعادة وهي التمتع بالله إلى الأبد.

يَاهَ يَهْوَهَ اسمان للجلالة بمعنى واحد غير أن «ياه» تصغير «يهوه» في الأصل العبراني وأكثر استعمالها في الشعر (خروج ٣: ١٤ و٦: ٣) ومعنى اسم «يهوه» الله الأزلي الأبدي الذي لا يتغير. وهو صادق وأمين في تتميم كل مواعيده فلا يمكن أن ينسى وعده أو يترك شعبه.

تَرْنِيمَتِي يجوز للمؤمنين أن يفرحوا لأن لهم غفران الخطايا ونعمة كافية ومواعيد ثابتة. والفرح واجب لأنه يدل على تصديق مواعيد الله وقبولها.

٣ «فَتَسْتَقُونَ مِيَاهاً بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ ٱلْخَلاَصِ».

يوحنا ٤: ١٠ و١٤ و٧: ٣٧ و ٣٨

فَتَسْتَقُونَ مِيَاهاً الخ ربما في هذا إشارة إلى ما حدث في رفيديم (خروج ١٧: ٦) وفي قادش (عدد ٢٠: ١١) حيث أخرج الرب ماء من الصخرة وسقى الشعب. وكان بعد عصر إشعياء أن أحد الكهنة كان كل يوم من أيام عيد المظال السبعة يستقي ماء من بركة سلوام بإبريق من ذهب ويسكبه على المذبح ويصعد عند ذلك صوت الأبواق والترنيم. وكان ذلك الاحتفال مبنياً على هذا القول من إشعياء (يوحنا ٧: ٣٧ – ٣٩).

٤ «وَتَقُولُونَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ. ٱدْعُوا بِٱسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ ٱسْمَهُ قَدْ تَعَالَى».

١أيام ١٦: ٨ ومزمور ١٠٥: ١ مزمور ١٤٥: ٤ و٥ و٦ مزمور ٣٤: ٣

وَتَقُولُونَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إشعياء يخاطب الشعب.

ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ أي يحث بعض الشعب بعضه على التسبيح.

ٱدْعُوا بِٱسْمِهِ طلب الخيرات من الله نوع من التسبيح لأنه الإقرار بالإيمان به والمحبة له والاتكال عليه.

عَرِّفُوا بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ إن تبشير الأمم نوع آخر من التسبيح لأنه به تمتد معرفة الرب ويتسع ملكوته ويكثر عدد الساجدين له. وخلاصة التبشير هو ذكر أفعال الرب ولا سيما بذله ابنه الوحيد لأجل خلاص العالم.

٥، ٦ «٥ رَنِّمُوا لِلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ صَنَعَ مُفْتَخَراً. لِيَكُنْ هٰذَا مَعْرُوفاً فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ. ٦ صَوِّتِي وَٱهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ، لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ».

خروج ١٥: ١ و٢١ ومزمور ٦٨: ٣٢ و٩٨: ١ ص ٥٤: ١ وصفنيا ٣: ١٤ مزمور ٧١: ٢٢ و٨٩: ١٨ وص ٤١: ١٤ و١٦

صَوِّتِي وَٱهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ (ع ٦) الشعب والكنيسة مشبهة بامرأة ساكنة في بيتها فسكن خوفها إذ سمعت الخبر بمجيء رجلها (انظر إشعياء ٥٤: ٥) «لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ». وعدم الفرح في الرب ناتج عن القلب الشرير الذي يطلب غير ما يريده الله ولا يصدق مواعيده فيكون ذلك القلب كامرأة غير أمينة لا تفرح بمجيء رجلها. وبما أن الإنسان ضعيف فلا بد من أن تعروه الأحزان غير أنه يجب أن يقرن الأحزان بالتسليم لإرادة الله ورجائه.

فِي وَسَطِكِ أعظم أسباب فرح الكنيسة وجود الله في وسطها. وصفات وجوده (١) إنه دائم (متّى ٢٨: ٢٠) و(٢) إنه يجعلها مثمرة (يوحنا ١٥: ٤ – ٦) و(٣) إنه غير منظور (١بطرس ١: ٨).

فوائد للوعاظ

فتسقتون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص (ع ٣)

  1. إنه لا بد في استقاء الماء من شيء من التعب. فبركات الخلاص وإن كانت تقدم لنا مجاناً لا بد من الاجتهاد في نيلها.
  2. إن مياه الينابيع لكل الناس ولكن ما يستقيه الواحد ويأخذه إلى بيته يكون له خاصة. وكذا مواعيد الله فإنها لمن يأخذها لنفسه بواسطة التأمل والإيمان.
  3. إنه يجب استقاء الماء في آنية طاهرة فيجب قبول أقوال الله في قلوب نقية.
  4. إنه على كل من يستقي لنفسه أن يسقي غيره فعلى كل من يسمع أن يقول تعال.
  5. إن ينابيع الخلاص أو فوائد الخلاص غير محدودة وتجري بلا نهاية كمياه العيون فيمكن كل إنسان أن ينالها ويجد فيها ما يوافق احتياجاته ويسدها.
  6. إن أسباب الفرح قدرة الله ومحبته والخلاص من الخطية والعبودية.
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى