العبرانيين

الرسالة إلى العبرانيين | 13 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى العبرانيين

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ

هذا الأصحاح مؤلف من وصايا كثيرة تتعلق بالسيرة المسيحية من جهة وجوب المحبة (ع ١). وإضافة الغرباء (ع ٢). ومشاركة المُضطهدين في أحزانهم (ع ٣). والطهارة (ع ٤). والقناعة مع الاتكال على الله (ع ٥ و٦). والتمثل بسيرة الصالحين (ع ٧). وطاعة المرشدين الروحيين (ع ١٧). والصلاة لأجل الذي كتب لهم هذه الرسالة (ع ١٨ و١٩). والعمل بموجب هذه الوصايا (ع ٢٢). مع عبارات الدعاء والسلام. وأما الكلام من (ع ٨ إلى ع ١٦) فوصية جديدة للثبات في الإيمان المسيحي معترضة بين الوصايا الأخر ومبنية على ما كان قد ذكره في ما تقدم من جهة كون الشريعة القديمة رمزاً إلى دين المسيح الذي لا يتغير وأن المآكل والمشارب التي أُمر بها في العهد القديم لا تصلح القلب بل تصلحه نعمة الله. وإن الذبائح قد تمّت في ذبيحة المسيح الواحدة وأنه لم يبق لنا الآن ذبيحة نقدمها إلا ذبيحة التسبيح وعمل الخير.

١ «لِتَثْبُتِ ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ».

رومية ١٢: ١٠ و١تسالونيكي ٤: ٩ و١بطرس ١: ٢٢ و٢: ١٧ و٣: ٨ و٤: ٨ و٢بطرس ١: ٧ و١يوحنا ٣: ١١ الخ و٤: ٧ و٢٠ و٢١

لِتَثْبُتِ ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ في قوله «لتثبت» تلميح إلى أن المحبة الأخوية كانت محفوظة عند العبرانيين المسيحيين (راجع ص ١٠: ٣٣ و٣٤) والكاتب هنا يحثهم على المواظبة عليها لأنها ركن الفضائل المسيحية. والمراد «بالمحبة الأخوية» محبة جميع الناس الذين هم إخوتنا بالولادة ولا سيما محبة إخوتنا بالإيمان الذين قد تبناهم الله وإيانا في عشيرته الروحية. وهذه الوصية كانت ضرورية لهم أولاً من جهة أهل العالم الذين كانوا يبغضون بعضهم بعضاً فكان يجب على المسيحيين مقابلة ذلك بمحبتهم بعضهم بعضاً. ونعرف من التاريخ أن أهل العالم لاحظوا محبة المسيحيين بعضهم لبعض وتعجبوا وتأثروا منها. وثانياً من جهة إخوتهم في الإيمان لكي يبقوا مرتبطين برباطات المحبة والمساعدة والمشاركة في الأحزان في تلك الأزمنة الصعبة.

٢ «لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ ٱلْغُرَبَاءِ، لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ».

متّى ٢٥: ٣٥ ورومية ١٢: ١٣ و١تيموثاوس ٣: ٢ و١بطرس ٤: ٩ وتكوين ١٨: ٣ و١٩: ٢

لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ ٱلْغُرَبَاءِ ولا سيما في ذلك الوقت لأن تلك الأيام كانت أيام الاضطهاد وكان كثير من المسيحيين قد خسروا كل مالهم وكانوا في خطر من حياتهم فاضطروا للهرب والاحتياج إلى مساعدة إخوتهم المسيحيين.

لأَنْ بِهَا أَضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ وأمثلة ذلك ما ذُكر في (تكوين ١٨: ٢ الخ و١٩: ١ الخ) والمعنى ثابروا على إضافة الغرباء لأنه يتبع ذلك جزاء أكثر مما تظنون كما لم يظن إبراهيم ولوط أنهما أضافا ملائكة.

٣ «اُذْكُرُوا ٱلْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَٱلْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي ٱلْجَسَدِ.

متّى ٢٥: ٣٦ ورومية ١٢: ١٥ و١كورنثوس ١٢: ٢٦ وكولوسي ٤: ١٨ و١بطرس ٣: ٨

اُذْكُرُوا ٱلْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ المراد «بالمقيدين» الذين كانوا يحتملون الاضطهاد والسجون لأجل الديانة الذي كان حينئذ ثائراً على المسيحيين ومعنى الكاتب أنه يجب على إخوتهم أن يذكروهم في صلواتهم وأن يشاركوهم في أحزانهم وأن يبذلوا لهم كل المساعدة الممكنة في تعزيتهم وتخفيف مصيبتهم.

وَٱلْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي ٱلْجَسَدِ أي اذكروا الذين يحتملون العار وكلمة السوء الكاذبة لأجل المسيح ومعنى «الذكر» هنا كما سبق في العبارة المتقدمة. وأما قوله «كأنكم أنتم أيضاً في الجسد» فبمعنى أنكم أنتم أيضاً معرّضون لهذا الذل نفسه فيجب أن تشاركوهم في هذه النوع من مصيبتهم. ويحتمل المعنى أن يكون أيضاً أنه يجب أن تذكروهم لأنكم معهم أعضاء جسد المسيح فكما أن في الجسد الطبيعي لا يتألم عضو إلا ويتألم بقية الأعضاء أيضاً هكذا أنتم في الجسد السري. قال أصحاب الوقوف الكامل على كتب الفلاسفة المشهورين في الأزمنة القديمة أن في هذه الوصايا حُسناً في الإنشاء وبلاغة تضاهي أحسن ما أتوا به. وأما الحِكم الأدبية التي تأمر بها فإنها أسمى جداً مما يظهر في تصانيفهم وتشير إلى أن مصدرها هو الله لا الإنسان. وهذا القول صحيح من جهة كل آداب الدين المسيحي التي لا يُشاهد لها مثيل في سائر الأديان.

٤ «لِيَكُنِ ٱلزَّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَٱلْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللّٰهُ».

١كورنثوس ٦: ٩ وغلاطية ٥: ١٩ و٢١ وأفسس ٥: ٥ وكولوسي ٣: ٥ ورؤيا ٢٢: ١٥

لِيَكُنِ ٱلزَّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ أي ليعتبر الجميع الزواج حالة كريمة خلافاً لقول البعض أنه لا يجوز وهو وهمٌ كان عند فرقة من اليهود تُدعى الأسينيين دخل عليهم من فلسفة كاذبة وثنية الأصل تعلّم أن الجسد مجلس الفساد والخطيئة فيجب كفه عن جميع شهواته فلم تكن المقدمة ولا النتيجة صحيحة كما هو ظاهر.

وَٱلْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ أي المضجع الزواجي والمعنى أنه لا يجوز أن يُعد نجساً وهو الأقرب. وبعضهم يفهمون بهذه العبارة وجوب حفظ المضطع المذكور خالياً من كل دنس وأعمال غير لائقة.

وَأَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللّٰهُ والظاهر أن المراد هنا «بالعهر» زنى غير المتزوج «وبالزنى» زنى المتزوج فيكون المعنى أن جميع أنواع الزنى موضوع لدينونة الله العادلة وإن كانت مستترة عن الناس. وكثيراً ما يتبع هذه الخطيئة الدنسة قصاص حاضر قبل الوصول إلى الدينونة الأخيرة.

٥ «لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ».

متّى ٦: ٢٥ و٣٤ وفيلبي ٤: ١١ و١٢ و١تيموثاوس ٦: ٦ و٨ وتكوين ٢٨: ١٥ وتثنية ٣١: ٦ و٨ ويشوع ١: ٥ و١أيام ٢٨: ٢٠ ومزمور ٣٧: ٢٥

لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَالِ أي لتكن سيرتكم بين الناس وحياتكم في الجملة خالية من محبة المال المستولية على قلوب كثيرين من الناس لأنها لا تجتمع مع محبة الله بل تضعفها أو تطردها من القلب (متّى ٦: ٢٤).

كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ ولو كان ذلك قليلاً أو لو بقي لهم قليل بسبب الخسائر التي احتملوها لأجل المسيح والمعنى ليس أن لا يكد الإنسان ويتعاطى وسائل الربح ولكن أن لا يطمع في الدنيا ويهتم بكثرة المال ويغتم لقلة ما عنده.

لأَنَّهُ قَالَ: لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ لا يُعلم من أين نقل هذه العبارة لأنها موجودة في أسفار كثيرة من العهد القديم (تثنية ٣١: ٦ ويشوع ١: ٥ و١أيام ٢٨: ٢٠ وإشعياء ٤١: ١٠ و١٧) والمعنى أن الذي يكون ماله قليلاً فلا يتلهف عليه ويتحسر لأجله بل ليتكل على الله الذي لا يهمل أحداً من شعبه في الحاجة.

٦ «حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: ٱلرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟».

مزمور ٢٧: ١ و٥٦: ٤ و١١ و١٢ و١١٨: ٦

حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ مع داود النبي الذي في مدة ضيقته كان يقول –

ٱلرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ (مزمور ١١٨: ٦) أي أنه في وسط المصاعب والضيقات والفقر لا يجوز أن نقع في حالة الهمّ لأن الله لا ينسانا بل هو سندنا في الخطوب ومعيننا في حين الأحزان.

٧ «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ. ٱنْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ».

ع ١٧ ص ٦: ١٢

الفصل من (ع ٧ – ١٦) كله متعلق بعضه ببعض. قال الكاتب أولاً أنه يجب أن يذكروا الذين كانوا مرشديهم وانتقلوا إلى الأبدية فلا يساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة التي منها ما يختص بالأطعمة والذبائح. فإن القلب يثبت بالنعمة. وأما الذين لم يزالوا يتمسكون بالرسوم الموسوية فليس لهم نصيب في فوائد الفداء بدم المسيح. فعلى المخاطبين أن يخرجوا من تلك الطقوس الجسدية الوقتية ويتحدوا بالمسيح حاملين عاره وناظرين لا إلى خيرات هذا العالم الزائلة بل إلى الخيرات الحقيقية الباقية.

اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ المرشدون المذكورون هنا هم الواعظون بكلمة الله والظاهر أن الإشارة إلى أناس كانوا قد انتقلوا من هذه الحياة كما يظهر من العبارة الآتية.

ٱنْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ أي اذكروا تعليمهم المستقيم وحياتهم الصالحة وموتهم بالسلام.

فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ أي واقتدوا بإيمانهم الذي كان متسلطاً على تعليمهم وحياتهم وموتهم وأعطاهم الثبات في وسط الشدائد فتشبهوا بهم واثبتوا إلى النهاية في الإيمان الحقيقي والسيرة الصالحة لكي تنالوا أخيراً معهم إكليل الغلبة في السماء. وربما كانت الإشارة هنا إلى استفانوس ويعقوب بن زبدي (أعمال ٧ وص ٢: ٢).

٨ «يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ».

يوحنا ٨: ٥٨ وص ١: ١٢ ورؤيا ١: ٤

يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ أي لن يتغير أبداً ولكن من أي جهة أمن جهة طبيعته الإلهية أو من جهة صفاته أو من جهة تعاليمه. لا يًُعلم مراد الكاتب إلا من قرينة الكلام وقد اختلفوا عليها فبعضهم يعلق معنى العبارة بما سبق فيكون سياق الكلام هكذا إن المسيح الذي اتكل عليه المرشدون المذكورون (ع ٧) وغلبوا حتى الموت هو هو الآن لا يتغير في كونه سنداً للواقعين في الأخطار وتعزية للمصابين بالأحزان وقوة للضعفاء. وبعضهم يعلق بالكلام التالي وهو قوله «لا تساقوا بتعاليم متنوعة وغريبة» إذ المراد انظروا أن لا يسوقكم أحد إلى تعاليم الضلال لأن المسيح لن يتغير في تعاليمه التي وضعها فيجب الثبات فيها. وهكذا ذهب أصحاب هذه الترجمة لأنهم فصلوا هذا العدد عما سبق وعلقوه بالعدد التالي.

٩ «لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ ٱلْقَلْبُ بِٱلنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا ٱلَّذِينَ تَعَاطَوْهَا».

أفسس ٤: ١٤ و٥: ٦ وكولوسي ٢: ٤ و٨ و١يوحنا ٤: ١ ورومية ١٤: ١٧ وكولوسي ٢: ١٦ و١تيموثاوس ٤: ٣

لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ العلاقة أما بما سبق أو هي منقطعة ككثير من الوصايا الموجودة في هذا الأصحاح. قوله «لا تساقوا» أي لا تنقادوا بخداع التملق إلى الرجوع إلى التعاليم الموسوية المتنوعة الغريبة عن الديانة المسيحية وعن جوهرها فإنها كانت تتعلق بما يؤكل وما لا يؤكل ما يظهر من العبارة التابعة.

لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ ٱلْقَلْبُ بِٱلنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ أي أن القلب يثبت في الإيمان والبر والقداسة لا بملاحظة الأطعمة والتمييز بين الطاهر والنجس منها حسب الشريعة الموسوية بل بنعمة الله في يسوع المسيح أصل ومصدر الآية المسيحية والتقوى الصحيحة.

لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا ٱلَّذِينَ تَعَاطَوْهَا أي إن الذين كانوا يحافظون أشد المحافظة على مسئلة الأطعمة وظنوا أنهم بواسطة ذلك يتخلصون من سلطان الخطيئة عليهم لم يجدوا نفعاً بها على أن هذا كان قصد الذين كانوا يريدون أن يسوقوا العبرانيين البسطاء لتعاليمهم المتنوعة الغريبة عن جوهر الديانة المسيحي وروحها ولذلك يحذّرهم الكاتب من الانقياد إلى هذا الضلال. لأن تمييز الأطعمة في العهد القديم لم يوضع لأجل تقديس الإنسان ولكن لغايات طقسية رمزية ووقتية ولأجل انفصالهم بعاداتهم عن الشعوب المجاورة لهم وسلامتهم من التشبه بهم. وما قاله الكاتب هنا في الأطعمة قد قابله أيضاً من جهة الناموس الطقسي كله (راجع ص ٧: ١٨ وص ٩: ١٠).

١٠ «لَنَا «مَذْبَحٌ» لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ ٱلْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ».

١كورنثوس ٩: ١٣ و١٠: ١٨

لَنَا «مَذْبَحٌ» أي للمسيحيين مذبح أفضل من مذابح اليهود هو صليب المسيح التي تقدّمت عليه ذبيحته الكريمة وقد أشار إلى ذلك قول المسيح «أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَداً» (يوحنا ٦: ٣٥).

لاَ سُلْطَانَ لِلَّذِينَ يَخْدِمُونَ ٱلْمَسْكَنَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ أي أنه كما لم يُبح أكل خبز التقدمة إلا للكهنة فقط ولم يجز للمقدم أن يأكل إلا جزءاً معلوماً من الذبيحة والباقي للكاهن ولم يحز أكل شيء من الذبيحة إذا كانت محرقة ولا سيما محرقة الكفارة السنوية (لاويين ٦: ٢٦ وص ١٦: ١٤ – ١٦ وع ٢٧: وص ٤: ٣ – ١٢). كذلك من هذا الخبز السماوي والذبيحة الإلهية لا يستفيد الآن الذين يخدمون المسكن الأرضي أي الذين لا يزالون يتبعون الطقوس اليهودية. والمعنى على الجملة أن مسئلة الأطعمة في ذاتها لم تكن شيئاً فمن يتمسك بها الآن بعد زوالها يحرم الفوائد الناتجة عن الذبيحة الإلهية ولا يكون له وصول إلى الخبز الذي نزل من السماء ويهب الحياة للعالم.

١١ «فَإِنَّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ إِلَى «ٱلأَقْدَاسِ» بِيَدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ».

خروج ٢٩: ١٤ ولاويين ٤: ١١ و ١٢ و٢١ و٦: ٣٠ و٩: ١١ و١٦: ٢٧ وعدد ١٩: ٣

فَإِنَّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ إِلَى «ٱلأَقْدَاسِ» بِيَدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ الإشارة في هذا الكلام إلى الذبيحة السنوية عن الخطيئة التي كانت ثوراً عن خطيئة رئيس الكهنة وتيساً عن الشعب وكان يدخل رئيس الكهنة بدمهما إلى قدس الأقداس للاستغفار (راجع ما قيل في هذا الشأن في تفسير ص ٩: ٧).

تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ بناء على الأمر الإلهي بإحراقها (لاويين ١٦: ٢٧) للدلالة على الصفح الكامل عن الخطيئة وعدم بقاء شيء من الدينونة عليها كما لم يبق شيء من تلك الذبائح التي أُحرقت بالنار. وأما الإحراق خارج المحلة التي كان ينزلها بنو إسرائيل فربما إشارة رمزية لصلب المسيح خارج أبواب المدينة كما سيأتي في العدد التابع.

١٢ «لِذٰلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ».

يوحنا ١٩: ١٧ و١٨ وأعمال ٧: ٥٨

لِذٰلِكَ أي وفقاً للذبيحة الرمزية التي كانت تشير إلى المسيح.

يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ كما كانت خطايا بني إسرائيل تكفر بالذبيحة السنوية تكفيراً رمزياً.

تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ أي باب المدينة (يوحنا ١٩: ١٧ و١٨) كما كان يحرق بقايا الثور والتيس خارج المحلة وبذلك قدم تكفيراً تاماً حقيقياً لخطايا العالم فكانت المطابقة تامة لأن دم الذبيحة السنوية كان يُقدم في قدس الأقداس كما أن دم المسيح قُدم في الأقداس السماوي والذبيحة أحرقت خارج المحلة والمسيح تألم خارج أبواب مدينة أورشليم.

١٣ «فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ».

ص ١١: ٢٦ و١بطرس ٤: ١٤

فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ أي إلى المسيح.

خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ خارج محلة اليهود.

حَامِلِينَ عَارَهُ أي عار كعاره أو لأجله. والمعنى لنثبت في الإقرار المسيحي ولو كان ذلك يجلب علينا العار فإن المسيح قد تعيّر قبلنا لأجلنا فلنخرج إليه من الرتبة اليهودية نطرح نصيبنا فيه لأننا نؤمن أن بعد إكليل الشوك هنا ننال إكليل المجد في السماء.

١٤ «لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لٰكِنَّنَا نَطْلُبُ ٱلْعَتِيدَةَ».

ميخا ٢: ١٠ وفيلبي ٣: ٢٠ وص ١١: ١٠ و١٦ و١٢: ٢٢

لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا أي في هذا العالم.

مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ لنا أو نحن لها فإن جميع أملاك هذه الحياة وخيراتها قد تفارقنا وإذا لم تفارقنا فنحن نفارقها لا محالة بالموت ومن جملتها الوطن المشار إليه في العبارة بقوله «مدينة».

لٰكِنَّنَا نَطْلُبُ ٱلْعَتِيدَةَ أي المدينة المعدة والمراد الوطن السماوي في العالم الثاني. وعلاقة هذا العدد بما سبق أن الكاتب كان قد قال إننا لأجل المسيح نلتزم أن نخرج من محلة الشعب ومسكنهم كما خرج المسيح من المدينة لكي يُصلب وهنا يقول أن ليس هذا الأمر عظيماً لأننا إن طُردنا من مسكننا بين معارفنا وأهلنا ومن وطننا الأرضي فلنا وطن ثابت أبدي في السماويات لن نُطرد منه ابداً.

١٥ «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلّٰهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ».

أفسس ٥: ٢٠ و١بطرس ٢: ٥ ولاويين ٧: ١٢ ومزمور ٥٠: ١٤ و٢٣ و٦٩: ٣٠ و٣١ و١٠٧: ٢٢ و١١٦: ١٧ وهوشع ١٤: ٢

فَلْنُقَدِّمْ بِهِ أي بالمسيح رئيس كهنتنا.

فِي كُلِّ حِينٍ أي على الدوام لا في أوقات متقطعة كما كان يفعل اليهود في ذبائحهم.

لِلّٰهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ لا ذبائح مادية حقيقية بل روحية مجازية لأن تلك قد تمت وبطلت في ذبيحة المسيح الواحدة فلم يبق للمسيحيين الآن ذبائح التسبيح لله والشكر على ذبيحته العظيمة التي قدمها ابنه الوحيد عنا والبركات التي أعلنها لنا في إنجيله الكريم.

أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ تفسير لقوله السابق «ذبيحة المسيح» ولمنع الوهم أن الذبيحة التي ذكرها كانت ذبيحة حقيقية. قوله «ثمر شفاه» أي الكلام الذي يقوله الإنسان والمراد به هنا تعبير اللسان عن إحساسات القلب. وقوله «معترفة باسمه» أي الشكر الذي يعترف فيه بأن الله مصدر كل الخيرات التي يتمتع بها الإنسان إذ الاسم هنا كناية عن الله نفسه وهو اصطلاح كثير في الكتب المقدسة.

١٦ «وَلٰكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ ٱلْخَيْرِ وَٱلتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هٰذِهِ يُسَرُّ ٱللّٰهُ».

رومية ١٢: ٣ و٢كورنثوس ٩: ١٢ و١٣ وغلاطية ٦: ٦ وأفسس ٤: ٢٨ وفيلبي ٤: ١٨ وص ٦: ١٠

وَلٰكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ ٱلْخَيْرِ وَٱلتَّوْزِيعَ أي لا تظنوا أن الذبائح المسيحية الروحية تُقتصر على الشكر والتسبيح لله بل يدخل فيها أيضاً فعل الخير أي أفعال الرحمة نحو الفقراء والمحتاجين والمصابين والمحزونين وأفعال الصدقة والإحسان بحسب الاستطاعة وأحياناً يجب أن نبذل من ضروريتنا في أحوال عير معتادة.

لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هٰذِهِ يُسَرُّ ٱللّٰهُ أي هذه هي الذبائح التي يرضى بها الله ويجازي فاعلها بأفضل مما بذل للفقير لا الذبائح اليهودية. وقد أُشير إلى هذا الأمر مراراً كثيرة في كتب العهد القديم (ميخا ٦: ٦ – ٨ وإشعياء ١: ١١ – ١٧ و٥٨: ٣ – ٧).

١٧ «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذٰلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هٰذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ».

فيلبي ٢: ٢٩ و١تسالونيكي ٥: ١٢ و١تيموثاوس ٥: ١٧ وع ٧ وحزقيال ٣: ١٧ و٣٣: ٧٢ وأعمال ٢٠: ٢٦ و٢٨ ومرقس ٧: ٣٤ ورومية ٨: ٢٣ و٢كورنثوس ٥: ٢ و٤

أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا المرشدون المشار إليهم هنا هم القسوس أو الرعاة الأحياء. وأما المرشدون المذكورون في (ع ٧) فهم الذين كانوا قد انتقلوا من هذه الحياة. والفرق بين الطاعة والخضوع في قوله «أطيعوا واخضعوا» هو أن الأول يشير إلى طاعة المرشدين في تعليمهم والثاني إلى عدم المقاومة لما يستحسنون من الترتيب لأجل خير الشعب. والمعنى أطيعوا مرشديكم في جميع ما يعلمونكم من تعاليم الإنجيل وفي ما يؤول إلى نظام الكنيسة وحسن الترتيب وأخضعوا لسلطانهم الذي يستعملونه لأجل خير الشعب في التأديب الكنسي واحترموهم في جميع أقوالهم وآرائهم المتعلقة بخير الجمهور. ويجب الخضوع لهم وإن كان ذلك أحياناً يخالف ما يستحسنه الرعية من جهة نظام أو عمل مما لا يمس جوهر إيمانهم. ولعل الكاتب رأى في المخاطبين ما يستدعي هذا الإنذار.

لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كما يسهر الرعاة على رعيتهم ولذلك كان خير الشعب موضوعاً دائماً لأفكارهم وعنايتهم فيجب الانقياد لهم واحترامهم وعدم مقاومتهم.

كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً أي إن سهرهم لأجلكم مبني على وكالة مقامون هم لها من الله ومسؤولون له تعالى عنها. فإذاً من الجهة الواحدة يجب عليهم أن يستعملوا هذا السلطان الروحي بكل حكمة ووداعة ومقاصد خيرية لأنهم سيعطون حساباً عن وكالتهم ومن الجهة الأخرى يجب عليكم الطاعة لهم لأن المفهوم أنهم يسهرون لأجل خيركم فإذا أرادوا أن يقتادوكم إلى طرق الضلال أو يفرطوا في حقوقهم ويقصدوا مجرد السلطة عليكم فلستم مكلفين بطاعتهم.

لِكَيْ يَفْعَلُوا ذٰلِكَ بِفَرَحٍ أي لكي يسهروا عليكم بفرح لأن طاعتكم وخضوعكم مما يسهل عملهم ويقرنه بالنجاح فيكون ذلك سبباً لفرحهم. فلا يكون معظم فرح المرشد برئاسته ومجد نفسه بل بنجاح الخدمة وخلاص النفوس وبنيانها.

لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هٰذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ المعنى فإذا لم تطيعوهم بل قاومتموهم فيكون ذلك سبباً لحزنهم وأنينهم وهذا لا يكون نافعاً لكم بل مضراً بخيركم الروحي في هذه الحياة أو موقفكم أخيراً أمام الله. فإنه كما أنهم مسؤولون لله عن حسن التصرف في وكالتهم هكذا أنتم أيضاً في طاعتكم لرؤسائكم الروحيين الذين يريدون خيركم ويسهرون على أنفسكم.

١٨ «صَلُّوا لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا نَثِقُ أَنَّ لَنَا ضَمِيراً صَالِحاً، رَاغِبِينَ أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَناً فِي كُلِّ شَيْءٍ».

رومية ١٥: ٣٠ وأفسس ٦: ١٩ وكولوسي ٤: ٣ و١تسالونيكي ٥: ٢٥ و٢تسالونيكي ٣: ١ وأعمال ٢٣: ١ و٢٤: ١٦ و٢كورنثوس ١: ١٢

صَلُّوا لأَجْلِنَا الكاتب يطلب الصلاة لأجله من المؤمنين ولو كانوا ضعفاء محتاجين إلى إرشاده وتثبيته إياهم في الإيمان المسيحي كما فعل في هذه الرسالة. وكذا بولس في كل رسائله طلب من الإخوة أن يصلوا لأجله (رومية ١٥: ٣٠ و٢كورنثوس ١: ١١ وأفسس ٦: ١٩ الخ) فينتج من ذلك أن الشعب يجب أن يصلي لأجل الرعاة الروحيين وأن مثل هذه الصلاة مفيدة لدى الله ولو كانت صادرة من أناس ضعفاء وأنه يجب على جميع المسيحيين أن يصلي بعضهم لأجل بعض.

لأَنَّنَا نَثِقُ أَنَّ لَنَا ضَمِيراً صَالِحاً تعليل لطلبه الصلاة منهم لأجله إذ كان له ضمير صالح في خدمة الله فيجب أن يصلوا لأجله لكي يتم هذه الخدمة بأمانة وأهلية ونجاح. «الضمير الصالح» هنا بمعنى النية المستقيمة والقصد المخلص ولعله أشار إلى مقاومة البعض وبقوله هذا أكد لهم أنه كلما كان علم وفعل هو من ضمير صالح ونية مخلصة.

رَاغِبِينَ أَنْ نَتَصَرَّفَ حَسَناً فِي كُلِّ شَيْءٍ تفسير «للضمير الصالح» المذكور أي إن قصد الكاتب الثابت كان أن يتمم خدمته على حقها في كل جزء من أجزائها ولذلك كان يحتاج إلى صلاة إخوته المسيحيين لأنها كانت خدمة صعبة لا يقدر عليها الإنسان بدون المساعدة الإلهية ولا ينجح فيها بدون بركة الله وكان هذا القصد المخلص في الكاتب داعياً لمساعدة المسيحيين إياه بواسطة صلواتهم.

١٩ «وَلٰكِنْ أَطْلُبُ أَكْثَرَ أَنْ تَفْعَلُوا هٰذَا لِكَيْ أُرَدَّ إِلَيْكُمْ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ».

فليمون ٢٢

وَلٰكِنْ أَطْلُبُ أَكْثَرَ أَنْ تَفْعَلُوا هٰذَا أي وعلى الخصوص اطلب أن تصلوا لأجلي (فضلاً عما ذُكر من الغابات السابقة).

لِكَيْ أُرَدَّ إِلَيْكُمْ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ مما تقتضيه داوعي العاقة التي منعت الكاتب من الحضور إليهم بقوله هذا أظهر ثقته بمحبة المخاطبين له واشتياقهم إليه.

٢٠ «وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ ٱلَّذِي أَقَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ رَاعِيَ ٱلْخِرَافِ ٱلْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ ٱلْعَهْدِ ٱلأَبَدِيِّ».

رومية ١٥: ٣٣ و١تسالونيكي ٥: ٢٣ وأعمال ٢: ٢٤ و٣٢ ورومية ٤: ٢٤ و٨: ١١ و١كورنثوس ٢: ١٤ و١٥: ١٥ و٢كورنثوس ٤: ١٤ وغلاطية ١: ١ وكولوسي ٢: ١٢ و١تسالونيكي ١: ١٠ و١بطرس ٢: ٢١ وإشعياء ٤٠: ١١ وحزقيال ٣٤: ٢٣ و٣٧: ٢٤ ويوحنا ١٠: ١١ و١٤ و١بطرس ٢: ٢٥ و٥: ٤ وزكريا ٩: ١١ وص ١٠: ٢٩

وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ دعاء من الكاتب لأجل العبرانيين وقد سمى الله «إله السلام» لأنه كذلك لجميع شعبه الذين قد تصالحوا معه بواسطة دم المسيح. والسلام هنا يعم سلامة الضمير وجميع بركات الخلاص.

ٱلَّذِي أَقَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ قيامة المسيح من الموت منسوبة لله لأنها إنما تمت بقدرة إلهية وهذا لا ينافي القول بأن المسيح قام بقوته الإلهية لأن الجوهر الإلهي واحد في الأقانيم الثلاثة.

رَاعِيَ ٱلْخِرَافِ ٱلْعَظِيمَ اسم من جملة الأسماء المجازية التي يُلقب بها المسيح في العهد الجديد (انظر يوحنا ص ١٠) دلالة على حمايته ورعايته لشعبه. وسماه «العظيم» ليس بالنظر إلى ذاته فقط ولكن بالنظر إلى كونه عظيم الرعاة الذين أقامهم ليرعوا رعيته.

رَبَّنَا يَسُوعَ بدل من راعي الخراف.

بِدَمِ ٱلْعَهْدِ ٱلأَبَدِيِّ لا يُعلم بماذا يجب أن يُعلق هذا القول على أنه بحسب الظاهر بقوله «أقام» ولكن يتعسر فهم المعنى من هذه العلاقة ولذلك علّقه بعضهم بقوله «راعي الخراف» أي أنه صار كذلك بواسطة دم العهد الجديد الى سفكه لأجل الخراف. وبعضهم يجعل الباء هنا بمعنى مع أي أنه أقامه مع الدم الذي فاعليته إلى الأبد. وبعضهم يجعل العلاقة بالعبارة الآتية وهو وجه ضعيف وربما الأول هو الأصح.

٢١ «لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».

٢تسالونيكي ٢: ١٧ و١بطرس ٥: ١٠ وفيلبي ٢: ١٣ وغلاطية ١: ٥ و٢تيموثاوس ٤: ١٨ ورؤيا ١: ٦

لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ أي ليعطيكم إله السلام كل الأهلية والقوة لتعيشوا عيشة صالحة كما يليق بالمسيحيين.

لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ أي لتتموا واجباتكم في كل عمل صالح فإن هذا مشيئته تعالى.

عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ تفسير لقوله السابق فإن المسيحي لا يستطيع من تلقاء ذاته أن يقوم بواجباته ويعيش العيشة الصالحة المرضية أمام الله بل يحتاج أن يعمل الله فيه الإرادة الفعالة لكي يتمم أوامره تعالى.

بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ الذي باستحقاقه تُعطى لنا المواهب الإلهية.

ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ قد تعود هذه التسبيحة لله إله السلام المذكور في بداءة العدد السابق أو إلى يسوع وهو الأصح لغة لقرب ذكر اسمه وقد نُسب ذلك إليه أيضاً في أماكن أُخر كثيرة منها (رؤيا ١: ٦ و١بطرس ٤: ١١ و٢بطرس ٣: ١٨).

٢٢ «وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَحْتَمِلُوا كَلِمَةَ ٱلْوَعْظِ، لأَنِّي بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ».

١بطرس ٥: ١٢

وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَحْتَمِلُوا كَلِمَةَ ٱلْوَعْظِ التي كان قد قدمها لهم في ما مضى من هذه الرسالة من جهة وجوب الثبات في الإيمان المسيحي وتنبيهه إياهم من جهة خطر الارتداد عنها. والكاتب يطلب منهم أن يقبلوا كلامه بهذا الشأن بروح المحبة لا بروح الغيظ.

لأَنِّي بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فلم يتيسر لي أن ألتفت إلى عبارات التلطيف فأرجو منكم أن تقبلوا الكلام الوجيز الذي نظرت فيه إلى المعنى وأهمية الموضوع لا إلى عبارات الملاطفة وتستفيدوا مما ذكرته لكم. وهذه الرسالة التي يمكننا أن نقرأها كلها في ساعة من الزمان مختصرة بالنسبة إلى أهمية موضوعها.

٢٣ «اِعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أُطْلِقَ ٱلأَخُ تِيمُوثَاوُسُ، ٱلَّذِي مَعَهُ سَوْفَ أَرَاكُمْ، إِنْ أَتَى سَرِيعاً».

١تيموثاوس ٦: ١٢ و١تسالونيكي ٣: ٢

اِعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أُطْلِقَ ٱلأَخُ تِيمُوثَاوُسُ من السجن ولا نعلم الآن المكان الذي كان مسجوناً فيه ولا أحوال سجنه فإن جميع ما يظهر من هذه العبارة أنه سُجن وأُطلق وإن ذلك كان في مدينة غير التي كُتبت منها هذه الرسالة لأن الكاتب كان ينتظر قدومه إليه.

ٱلَّذِي مَعَهُ سَوْفَ أَرَاكُمْ، إِنْ أَتَى سَرِيعاً أي أن الكاتب كان مزمعاً أن يصحب تيموثاوس معه إذا لم يتأخر عن الحضور إليه عند سفره. ويظهر من هذه العبارة أن الكاتب كان قد سُجن وأُطلق أو أنه كان ينتظر الإطلاق حالاً (ع ١٩).

٢٤ «سَلِّمُوا عَلَى جَمِيعِ مُرْشِدِيكُمْ وَجَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ إِيطَالِيَا».

ع ٧ و١٧

سَلِّمُوا عَلَى جَمِيعِ مُرْشِدِيكُمْ الذين مرّت الإشارة إليهم في (ع ١٧) فيظهر أن الرسالة لم تُرسل إلى المرشدين بل إلى رعيتهم.

وَجَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ أي المسيحيين الذين أفرزهم الله ودعاهم إلى حياة القداسة وغرس مبادئها في قلوبهم وهي ظاهرة فيهم على نوع ما. ويُستنتج أنه في مدينة المخاطبين كان جماعات أخرى من المسيحيين.

يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ إِيطَالِيَا لهذه العبارة تفسيران (١) إن الكاتب كان في إيطاليا والإخوة الذين في إيطاليا بلغوا السلام إلى العبرانيين. (٢) إن الكاتب كان في مكان غير إيطاليا ومعه إخوة مستوطنون أصلهم من إيطاليا.

٢٥ «اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».

٢تيموثاوس ٤: ٢٢ وتيطس ٣: ١٥ ورؤيا ٢٢: ٢١

اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِكُمْ أي رضوان الله وبركاته وحمايته تكون معكم.

آمِينَ أي ليكن كذلك. وهذه الخاتمة كثيرة في الرسائل.

(إِلَى ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، كُتِبَتْ مِنْ إِيطَالِيَا، عَلَى يَدِ تِيمُوثَاوُسَ)

قوله إِلَى ٱلْعِبْرَانِيِّينَ، كُتِبَتْ مِنْ إِيطَالِيَا، عَلَى يَدِ تِيمُوثَاوُس عبارة كغيرها في بقية الرسائل ملحقة بالرسائل ليست جزءاً منها وليس لها فائدة عند العلماء لأن بعضها أُلحق بعد زمان الكتابة الأصلية بمدة طويلة وبعضها غلط ظاهر.

فوائد

  1. المحبة لإخوتنا البشر ولا سيما المسيحيين من الواجبات الأولى في الديانة بل هي أخصها جميعها. فإذا وُجدت في الإنسان كانت دليلاً على عمل نعمة الله في القلب وإذا لم توجد كان ذلك دليلاً على بطل ديانة من يدّعي التقوى وهو خال من قوتها. فإن الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه وإن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب (١يوحنا ٤: ١٦ و٢٠).
  2. يُعلم وجود المحبة من ثمارها فإذا أدت إلى احتمال إخوتنا في ضعفهم والصفح عن ذنوبهم إلينا وبذل المساعدة لهم في زمن حاجتهم وميسرتنا ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم كانت محبة صادقة. وإذا لم تكن كذلك كانت باطلة في أعين البشر وشراً من باطلة في عيني الله.
  3. لا شيء من العيب أو الدنس في الزواج وقد كان أشهر رجال الله في العهد القديم والجديد متزوجين. والذين يمنعون الزواج بناء على فضل الحالة الرهبانية والنذر بها إنما يعرضون الخاضعين لهم لأسباب الزناء ولدينونة الله الرهيبة.
  4. القناعة هي الارتضاء بما قسمه الله لنا والاكتفاء بما عندنا مع الاتكال على مواعيده تعالى بأنه لا يهملنا ولا يتركنا للحاجة والضيقة. ونقيضها هو محبة المال التي تسوق الإنسان إلى التعلق المفرط به والاشتغال عن الالتفات إلى مصالح النفس والبخل ومحبة اللذّات وعدم الاكتراث بضيقة الفقراء وطرد محبة الله من القلب.
  5. ليس تأثير المرشدين من فصاحتهم ولا من علومهم بل مما فيهم من الحياة الروحية. وقوتهم الحقيقية هي من حلول الروح القدس عليهم. وعليهم أن يتبعوا المسيح قبلما يطلبون من الناس أن يتبعوهم.
  6. طاعة المرشدين الروحيين إذا كان تعليمهم بحسب الحق والتمثل بهم إذا كانت سيرتهم سيرة الصلاح من الأمور المفيدة للمسيحيين والواجبة عليهم. وقد أُقيموا لهذه الوظيفة بقصد الفائدة المذكورة فيُطلب منهم السهر الدائم على رعيتهم وأخيراً الحساب على كيفية التصرف بها.
  7. بما أن يسوع هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد لا يتغير فالذين يلتجئون إليه الآن ينالون الرحمة والمغفرة والحياة الروحية والغلبة في هذه الحياة والخلاص الأبدي في الآخرة كما نالها شعبه في الأزمنة القديمة. لأن محبته للخطأة لا تزال غير متغيرة وكذلك فاعلية ذبيحته على الصليب عنا وشفاعته أمام الله فينا.
  8. لا يثبت القلب من الأطعمة أي الطقوس والفرائض الجسدية ولا من الاعتقاد الديني كقوانين الإيمان بل بنعمة الله التي لا تتغير. وكما أن الجسد يتقوى بواسطة الطعام أولاً بتناوله ومضغه ثم بهضمه وانضمام جوهره إلى الجسم هكذا حياة الإنسان الروحية تتقوى بكلام الله أولاً وبإدراكه والتأمل فيه ثم بقبوله بالإيمان والعمل بموجبه.
  9. قد بطلت جميع الذبائح بذبيحة المسيح الواحدة. وهذه الذبيحة لا تعاد ولا تُكرر لأنها لما تقدمت على الصليب مرة واحدة كانت كافية لتطهير الخطأة إلى نهاية الدهور. فما بقي من ذلك في الكنيسة المسيحية إنما هو الإيمان الدائم بها وتذكرها المتصل في العشاء السري مع تقديم ذبائح التسبيح والشكر والرحمة وفعل الخير والإحسان للفقراء والمحتاجين.
  10. وعلى المؤمنين أن يخرجوا من جماعة غير المؤمنين أولاً لئلا تفسد أخلاقهم من المعاشرات الرديئة وثانياً ليكونوا مع المسيح.
  11. إن غاية الإنسان العظمى أن يفعل مشيئة الله لأن هذه المشيئة تتضمن كل خير فمنها النور والحياة والمحبة والرجاء والتعزية والسلام والحق.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى