سفر التكوين | المقدمة | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
إن سفر التكوين من أقدم ما كُتب في العالم حتى رجح بعضهم أنه أقدم كتب الأرض وفيه نبأ أصل العالم الصحيح وخلق الإنسان على صورته تعالى وشبهه وسقوط الجنس البشري وفساده. وهو أصل كل الدين الموسوي والدين المسيحي. وقد كُتب والبشر في صبوته وهو جوهر المواضيع الدينية. وفيه إعلان قدرة الله لأنه أبدع البرايا وإعلان حكمته لأنه أحسن إتقان العالمين على مقتضى ما أودع في العالم المادي من النواميس وكان ترتيب الخلق بحسبها على ما فُضل من خلق كل يوم من أيام الخليقة الستة (انظر تفسير ص ١). وإعلان جوده فإنه بجوده خلق الإنسان وكل ما يحتاج إليه لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الخلق لأنه غني عن كل ما خلق. وتاريخ دخول الخطيئة إلى العالم فإظهار رحمته تعالى وعدله. فرحمته كانت بحفظ الإنسان وعنايته به بعد السقوط وعدله بإخراجه الإنسان من الفردوس إلى أرض الشقاء والبلاء والموت. وفيه من أحسن مجالي رحمة الخالق القدير وحبه للإنسان العاصي الوعد بمنقذٍ من الشقاء والهلاك الأبدي وهو نسل المرأة الذي أمات الموت بموته وأعلن القيامة والخلود بقيامته. والخلاصة إن في هذا السفر بيان كل ما تستطيعه المدارك البشرية من صفات واجب الوجود والحياة الأبدية بفداء الابن الأزلي فهو أسُّ الدين المسيحي ودعامة كل ما فاه به المسيح والرسل والأنبياء.
تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.
ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.
هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.
ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».
القس ألبرت استيرو
الأمين العام
لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى
مقدمة في أسفار موسى الخمسة وفيها عشرة فصول
الفصل الأول: في اسم مجموع هذه الأسفار واسم كل منها
تُعرف هذه الأسفار بالاسفار الخمسة وهو ما سماها به مترجموها إلى اليونانية. وأسماؤها المعروفة عندنا اليوم مأخوذ عن اليونانية وهي التكوين Genesis والخروج Exodus واللاويون Leviticus والعدد Arithnoi والتثنية Deuteronomium. سماها مترجموها إلى اليونانية بذلك بمقتضى مواضيعها. أو أسماؤها في العبرانية فهي الكلمات التي في بداءتها. فاسم سفر التكوين فيها (براشيت) أي «في البدء». واسم سفر الخروج (إله شموت) أي «وهذه أسماء». واسم سفر اللاويين (ويقرا) أي «ودعا». واسم سفر العدد (بمدبر) أي «في برية» وجاءت هذه العبارة في العبرانية بعد الكلمة الرابعة من أول السفر. والكلمة الأولى والثانية في أوله (ويدبر) أي «وكلم». واسم سفر التثينة (اله هدبريم) أي «هذا هو الكلام». ويُسمى مجموع هذه الأسفار الخمسة عند العبرانيين بالتوراة أي الشريعة. ويظهر من حرف العطف في أول كل سفر بعد سفر التكوين (انظر تفسير تثنية ١: ٣) إنها كانت سفراً واحداً فقسمتها إلى خمسة أسفار طارئة على الأصل وهي من أعمال مترجميها إلى اليونانية ولا بأس فيها.
الفصل الثاني: في منزلة التوراة من الكتاب المقدس المشتمل على أسفار العهد القديم
منزلة الشريعة الإلهية أو «توراة يهوه» من أسفار العهد القديم كالبشائر الأربعة من أسفار العهد الجديد في مجموع الوصايا الأدبية والرمزية والسياسية والاستقلال. ففي التوراة الكلام على آدم الأول من بداءة أمره إلى نهايته. وفي البشائر الكلام على آدم الثاني. وفي التوراة شريعة العدل. وفي البشائر شريعة العدل والنعمة. وفي التوراة سنن الأعمال وفي البشائر سنن الإيمان والأعمال. وفي التوراة قصة انكسار آدم الأول وفي البشائر نبأ انتصار آدم الثاني. وفي التوراة خبر إنقاذ الإسرائيليين من عبودية مصر وفي البشائر بيان إنقاذ المؤمنين من عبودية الشيطان.
الفصل الثالث: في التوراة أو الشريعة قبل السقوط
إن الشريعة التي في لوحي العهد لم تكن قد أُحدثت على جبل سيناء بل كانت في جوهرها قبل كتابتها على اللوحين الحجريين مكتوبة على قلب الإنسان الأول بدليل العقل والنقل. أما دليل العقل فإن الإنسان من مخلوقات الله يعرف خالقها ويعرف منها أنه إله قادر حكيم رحيم وأنه روح أزلي غير متغير في شيء من ذاته وصفاته وأنه يجب أن يُعبد ويُكرم. وقد عرف آدم الله بالإعلان وهو في الفردوس فوق معرفته إياه بالعقل وسمع أوامره ومناهيه كما يتبين من مبادئ سفر التكوين وهذا هو الدليل النقلي. فالذي يخالف شريعة الله يستوجب العقاب بمقتضى العقل والنقل. ولولا سقوط آدم لكفَت الشريعة الطبيعية وأغنت عن شريعة الوحي ولكنه بالسقوط الأول سقط الجنس البشري وضعفت قواه العقلية وفسدت الشريعة الطبيعية بعض الفساد حتى كان لا بد من الوحي والشاهد على ذلك ما أتاه الناس من العقائد الباطلة والأعمال الضارة وهم يحسبونها من مبهجات الله كذبح بنيهم وبناتهم للأصنام أو الشياطين إلى غير ذلك من فظائع الأمور التي لا تزال تجري في القسم الأكبر من الأرض.
الفصل الرابع: في التوراة أو الشريعة من آدم إلى موسى
لا أحد من قرّاء الكتاب المقدس العقلاء يعجز عن معرفة طبيعة الإنسان الأدبية والروحية على ما أُعلن في تاريخ السقوط. إن أول مناهي الشريعة في الفردوس الذي جوهره الطاعة لله وهي جرثومة كل الشريعة الأدبية قوله تعالى «أَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا» (تكوين ٢: ١٧). والمجرّب مع أنه أصل أبوينا الأولين بتحريك الشهوة الجسدية خاطب روحيهما بقوله «يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَٱللهِ عَارِفَيْنِ ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تكوين ٣: ٤ – ٦). وكانت النتيجة كذلك فانفتحت أعينهما أولاً أنهما عريانان فخجلا إذ رأيا الشر في أنفسهما وأنهما انفصلا عن الله بتعديهما. وهنا يجب أن يذكر أن التفريق بين الخير والشر في نفسه حال روحية أرفع من حال عدم التفريق بينهما. وهذه المعرفة ضرورية للحكمة الروحية (عبرانيين ٥: ١٤). والعبارة التي هي «هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تكوين ٣: ٢٢)، هي قول الله نفسه. وإذا حملنا ذلك على التهكم أخطأنا فهم كل فلسفة السقوط البشري. ويمكن أن يُظن من هذا إن الإنسان لمعرفته حينئذ الشر والخير أي حصوله على القدرة على التمييز بين الخير والشر التي هي مبدأ كل الواجبات الدينية والأبدية أُغني عن شريعة الوحي لأنه صار بذلك شريعة لنفسه. لكن هذه المعرفة عينها على ما نص الكتاب وعُرف من تاريخ الإنسان هي سقوطه عينه. وكانت هذه الشريعة الداخلية كالشريعة التي أُعطيت من سيناء في أنها كثرت بها الخطيئة. فإن خطيئة أكل الثمرة المنهي عنها ملأت الأرض إثماً وذنباً وموتاً لا لمجرد فساد الطبيعة البشرية الموروث من آدم بل لكون ذلك نتيجة طبيعية لمعرفة الشر (تكوين ٥: ٣). فإن الإنسان بالتعدي انفصل عن الله فقوي فيه الميل إلى الشر الذي عرفه فلم تفده معرفة الشر قوة روحية على صنع الخير بل شدّة ميل إلى ضده (رومية ٣: ٢). ولهذا قال بولس الرسول «قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذٰلِكَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ» (رومية ٥: ١٤). أي لم يخطئوا مثل خطيئة أبوينا الأولين تماماً بتعديهم على وصية الله بل بتعديهم على الشريعة المكتوبة في قلوبهم (رومية ٢: ١٥). ولذلك وجب عليهم العقاب أي الموت الذي هو أجرة الخطيئة. واستُثنى من الموت الأبدي الذين ساروا مع الله وعبدوه على رجاء غير المنظور وبالإيمان بالمخلص الموعود به على أثر السقوط وهو في قوله تعالى ما معناه إن نسل المرأة أي المسيح يسحق رأس الحية أي ينتصر على الشيطان ويهدم ملكوته ويشيد ملكوت الله الذي هدمه الإنسان الأول وكان ذلك بنعمة خارقة العادة.
وفي مدة الطوفان كان الله يظهر لبعض الناس على ما يُعرف من التاريخ المقدس وكان يومئذ تقدم الذبائح ولم يذكر ذلك التاريخ إن الله أمر بها على أنه يظهر من أمر هابيل وقايين أن الله أمر آدم وأولاده بالذبائح ومن خوف قايين من القتل لقتله هابيل يُفهم أنه كان معلوماً أن القاتل يُعاقب. ويظهر من كثير من الحوادث بين آدم وموسى إن جوهر الشريعة كان معروفاً بعضه بإعلان الله رأساً وبعضه بإعلانه إياه بواسطة ما كتبه على الضمائر. وما زالت شريعة الرب تزيد إيضاحاً إلى أن أعلنها الله كل الإعلان بكمالها على يد عبده موسى. ولا ريب في أن الشريعة الطبيعية لم تفقد كل قوتها بالسقوط فقد وضع الناس بمقتضى تلك الغريزة كثيراً من القوانين لتأييد الأمن والسلام والطهارة والتقى مع ما أعلنه الله لآدم ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب. ولا ريب في أن حكماء الناس يومئذ بذلوا الوسع في إصلاح المجتمع البشري ولكن فساد الطبيعة أعمى الناس عن كثير من الجوهريات الدينية فلم يكن من غنىً عن إعلان الله.
الفصل الخامس: في ضرورة الوحي بالشريعة
قلنا في ما سبق إن الله كتب شريعته الأدبية على ضمائر الناس وإن الإنسان قادر أن يعرف الصانع الأزلي من مصنوعاته وإن الناس وضعوا كثيراً من القوانين لسلامة الأشخاص والشعوب والفوا كثيراً من قوانين العقائد لحفظ معرفة الله وعبادته وإكرامه ولكن فساد الطبيعة غلب نور العقل فماج الأمم في ظلمات حالكة. فبعد أن عرفوا أن الله واحد وأنه روح مثّلوا صفاته بصور وتماثيل مختلفة فتطرق الفساد إلى عقيدة التوحيد فأخذوا يؤمنون بآلهة كثيرة ثم عبدوا الأصنام ونسوا الله فأسلمهم إلى ذهن مرفوض. ويكفيك دليلاً على ذلك ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية. ومن ذلك قوله في الأمم «مَعْرِفَةُ ٱللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ، وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللهِ ٱلَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلزَّحَّافَاتِ. لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. ٱلَّذِينَ ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللهِ بِٱلْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ» (رومية ١: ١٩ – ٢٥). فلم يبق من سبيل إلى إصلاح العقائد والأعمال سوى الوحي الإلهي (طالع الفصل الرابع من دليل الصواب إلى صدق الكتاب).
الفصل السادس: في طريق الوحي بالشريعة أو في أن الشريعة أُعلنت بالتدريج
لا ريب في أن الإنسان قبل السقوط كان شريعة لنفسه لما فيه من النور الطبيعي ولم يكن على لوح قلبه من شريعة الرب سوى الوصية التي موضوعها الطاعة إذ كانت امتحاناً لها. على أن معرفة وجوب الطاعة لله كانت تُعرف أحسن معرفة بالنور الطبيعي قبل فساد الطبيعة. ولما فسد الطبع البشري أخذ الإنسان في الزيغ عن سنة الحق فكان الله يُعلن له ما هو ضروري له بالنظر إلى مقتضى حاله وعلى ذلك نرى الوصايا في التوراة تُعلن على توالي الأزمنة إلى أن أُعلنت الشريعة الأدبية كلها والشريعة الرمزية كلها والشريعة السياسية كلها تقريباً من يوم سيناء وبعده إلى أن استولى الإسرائيليون على أرض الموعد. فكان سبحانه وتعالى يعامل الناس على اختلاف أحوالهم كما يعالج الطبيب المريض بالنظر إلى نوع المرض وأحواله. ولولا جهل البشر الناشئ عن فساد الطبيعة البشرية عموماً ما بلغ كتاب الوحي بالشريعة إلى القدر الذي صار إليه. وكان مع ذلك لنور الوعد بالمنقذ من ذلك الفساد لمحات تزيد وضوحاً على توالي الأوقات إلى أن أشرقت شمس البر بكل قوتها وأُعلن طريق الخلاص أكمل إعلان بمن جلا ظلمات الجهل بنوره وأبطل الموت بموته وأعلن القيامة والخلود بقيامته ونحّى ملاك النقمة ذا السيف المتقلب من طريق شجرة الحياة وعُرف بأنه نور العالم.
الفصل السابع: في شريعة اللوحين الأولى
إن الشريعة التي أعطاها الله على جبل سيناء أعلنها مرتين فكان الإعلان الأول جزءاً من التاريخ في الأصحاح التاسع عشر والأصحاح العشرين من سفر الخروج. والثاني مع شيء من التغيير في الخطاب الذي أتاه موسى على الجبل قبل موته. وكان الموضوع واحداً لأن موسى ذكّر بني إسرائيل بتاريخ الإنسان منذ خلق العالم (تثنية ص ٥ وتثنية ٤: ٣٢ و٣٣). فليس من أمة من الأمم مهما كانت متواتراتها وقصصها تصورت أن رب السموات والأرض يُعلن لها شريعته «من وسط النار» من النور الذي لا يُدنى منه ويحجب الناس أعينهم عنه من حضرة الله المرهوبة بصوته تعالى نفسه. ففي الخليقة «قال فكان… أمرَ فصار». هذا كان شأنه سبحانه في أعمال الطبيعة. وأما هنا فتكلم بكلمات الشريعة (أي التوراة) للخليقة العاقلة للإنسان الذي خلقه على صورته كشبهه. وفي الأيام الأخيرة كلمه بابنه الوحيد بأكمل وأحسن بيان وأجلى إيضاح. لكن مظاهر إعلانه الشريعة في سيناء كانت من أرهب المناظر ومما لم يُعهد له نظير ولا يكون مثله إلا في اليوم العظيم الرهيب «عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (٢تسالونيكي ١: ٧ و٨). وأما هول يوم سيناء فقد ذُكر عند إعطاء الشريعة ووصفه بولس الرسول أحسن وصف (انظر عبرانيين ١٢: ١٨ – ٢١) بالهول والرهبة. ولا نستطيع أن نتصور رهبة قداسة الله القادر على كل شيء. والجبل العظيم نفسه الذي أعطى الله عليه الشريعة ووقف تجاهه بنو إسرائيل رهيب جداً في منظره ومنظر ما يحيط به على ما ذكر ستنلي في كتابه المعروف بسيناء وفلسطين فإن الطبيعة هنالك في كل مجلاها الرهيب وخفاياها الهائلة ومنها سيادة السكوت في ذلك القفر العجيب. فإن الرب بعد أن نبه الإسرائيليين وأمرهم بأن يستعدوا للإعلان الإلهي في صباح اليوم الثالث حجبت السُحب الكثيفة السماء ولعلعت البروق وهزمت الرعود وارتفع صوت البوق. وكان ذلك البوق كالبوق الذي يقيم صوته الموتى في مجيء الرب الثاني. فارتجف الإسرائيليون خوفاً حتى إن موسى انحدر إلى حضيض الجبل وكان يرتعد كالقصبة في مهب الريح أمام الرب. وارتفع دخان الجبل إلى السماء كدخان الأتون وتكلم موسى وأجابه الله «من وسط النار والسحاب والظلام» فكان النور لعين الإنسان ظلاماً (انظر تثينة ٥: ٢٣). وكان الصوت الخارج من ذلك عظيماً. وكان لك الصوت الرهيب يشتمل على العشر الكلمات وهي الوصايا العشر التي هي مختصر الشريعة التي كُتبت على لوحي الحجر بإصبع الله لا بيد الإنسان. وهذه الوصايا العشر تشتمل على كل الشريعة الأدبية كما فُصل في تفسيرها فارجع إليه إن شئت وقد جمعها ربنا يسوع المسيح بقوله «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ… تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» فالشريعة كلها في المحبة محبة الله والقريب (متى ٢٢: ٢٧ و٣٩).
الفصل الثامن: في الشرائع الثانية
إن الله الرحيم لم يقتصر على إعلان الشريعة الأدبية في التوراة فزاد عليها الشرائع الرمزية كمرآة يُرى فيها المسيح ويُشار بها إلى ما أتاه من أعمال الفداء. ففي الشريعة الأدبية أبان للإنسان أنه خاطئ مستحق الهلاك الأبدي وأبان. بالشرائع الرمزية أنه أعد له مخلصاً يفديه بآلامه وموته ويخرج به من الموت الأبدي إلى الحياة الأبدية. فالذبائح كانت تشير إلى صلبه وموته عن المؤمنين والكاهن الأعظم كان يشير إلى وساطته. ودخول ذلك الكاهن إلى قدس الأقداس الأرضية بدم الذبيحة للمغفرة كان يشير إلى دخول المسيح بدم نفسه إلى قدس الأقداس السماوية للمغفرة الأبدية. وقد بيّن كاتب رسالة العبرانيين الرموز وما رمزت إليه بالتفصيل فارجع إليها وإلى تفسيرها. وزاد على ذلك الشرائع السياسية وما يتعلق بها وبالرمزية. وقد بُينت في مواضعها فارجع إليها في تفسير الأسفار الخمسة. وكل الشرائع الثانية لم تكمل إلا بالمسيح كما بين في الرسالة إلى العبرانيين. فالمسيح أثبت الشريعة الأدبية وهي التي سميناها بالشريعة الأولى وأكمل سائر الشرائع التي سميناها بالشرائع الثانية فما أبطل حرفاً من الشريعة وهذا على وفق قوله «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ» (متى ٥: ١٧ و١٨).
الفصل التاسع: في كاتب الأسفار الخمسة
أقام العلماء المؤمنون البراهين القاطعة على أن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة وذكر تلك البراهين كلها يشغل زماناً طويلاً وصفحات كثيرة وأكثرها لا ينتفع به سوى علماء اللغات السامية فنقتصر هنا على ذكر المفهوم منها والمفيد للعامة والخاصة معاً فنقول:
البرهان الأول: إجماع جمهور مؤمني اليهود والنصارى من أول عصورهم إلى هذه الساعة إن كاتب الأسفار الخمسة ما عدا بعض الآيات منها كنبإ وفاة موسى هو موسى عينه.
البرهان الثاني: إثبات الأنبياء الذين بعد موسى في أسفار ما أوحى إليهم به أن تلك الأسفار لموسى (يشوع ص ١ وقضاة ٣: ٤ و٢ملوك ٢٣: ٢٥ و٢أيام ٣٠: ١٦ وعزرا ٣: ٢ ونحميا ٨: ١٤ ودانيال ٩: ١ وغير ذلك من الآيات).
البرهان الثالث: إثبات المسيح ورسله أن تلك الأسفار لموسى. وإليك بعض الآيات الدالة على ذلك (متى ٤: ٤ و٧ و٥: ٢١ و٢٧ و٣١ و٣٣ و٨: ٤ و١٥: ٤ و١٩: ٤ – ٩ ولوقا ٢: ٢٢ – ٢٩ و١٦: ٢٩ الخ و٢٤: ٢٧ ويوحنا ١: ٤٥ الخ وأعمال ١٥: ٢١ و٢٦: ٢٢ ورومية ١٠: ٥ و١٩ و١كورنثوس ص ١٠ و٢كورنثوس ص ٣ والرسالة إلى العبرانيين كلها). أما بعض الآيات التي ليست لموسى فالمرجح أن يشوع قد كتبها.
البرهان الرابع: نص التوراة (أي الأسفار الخمسة) إن موسى كاتبها (تثنية ٣١: ٩ و٢٤ – ٢٦ انظر الاعتراض الرابع في الفصل العاشر).
البرهان الخامس: إن كاتب هذه الأسفار كان على ما تدل عليه قطعاً من قدماء الناس الذين بينهم وبين آدم أشخاص قليلة عاصر أحدهم الآخر على التوالي (انظر الفصل العاشر). وإنه شاهد أكثر ما ذكر فيها من الأشخاص والأماكن. وعرف عادات المصريين وأعمالهم وغير المصريين من أمم عصره. وإنه كان عالماً محققاً في الحيوان والأمور الطبية والحكمة العقلية والطبيعية والأدبية. وهذا لا يصح على غير موسى. فإنه كان بينه وبين آدم خمسة أشخاص على المعاصرة المتوالية. وإنه وُلد في مصر وبلغ فيها أحسن مبالغ الرجال وتعلم كل حكمة المصريين. وبسط الكلام على هذا يطول فنقتصر على هذا القدر استغناء عن ذلك بما سيقف عليه القارئ في تفاسير هذه الأسفار إن شاء الله.
الفصل العاشر: في الاعتراضات على هذه الأسفار ودفعها
ما فتئ منكرو الوحي يحملون على هذه الأسفار في كل عصر بغية إثبات أنها كاذبة وأتوا بصعوبات كثيرة باعتراضاتهم ولكن المؤمنين بأنها وحي الله وإلهامه لم يتركوا لهم اعتراضاً بلا دفع. ومن تلك الاعتراضات ما يأتي:
الاعتراض الأول: إنه بين آدم وموسى قرون فكيف عرف موسى ما كتبه قبل عصره وليس من تاريخ ولا كتاب قبله. ودفع هذه الاعتراض بأوجه كثيرة نذكر ثلاثة منها:
الوجه الأول: إن موسى أخذ نبأ ما قبله من أسلافه الآباء الموحى إليهم فإن الأمور التي كتبها كانت معروفة عندهم وأخذها أعقابهم على توالي العصور وكانوا يحفظونها في مصر نفسها قبل أن أخرجهم الله منها بواسطة موسى. وإنه كان بين موسى وآدم خمسة أشخاص عاصر أحدهم الآخر على التوالي وهم متوشالح وهذا عاصر آدم مئتي سنة وثلاثاً وأربعين سنة. وسام وهذا عاصر متوشالح ثماني وتسعين سنة. والثالث إسحاق وهذا عاصر ساماً خمسين سنة. والخامس قهات بن لاوي أبو عمرام أبو موسى فيحتمل أن قهات قد عاصر موسى حفيده. وعلى أقل الاحتمالات إن أبا موسى أعلم ابنه بما نقله عن أبيه ونقله أبوه عمن قبله وهكذا إلى أدم (انظر خروج ٦: ١٦ – ٢١). فإنه كان من موت لاوي إلى ولادة موسى ٤٢ سنة وكان بين لاوي وموسى جده وأبوه فجده عاش ١٣٣ سنة وأبوه ١٣٧ سنة.
الوجه الثاني: إن موسى عرف أخبار من قبله وحوادث الأزمنة التي مرت قبل إدراكه من صُحف الآباء الذين سلفوه فإن أشهر الباحثين اعتقدوا أن الآباء كانوا يعتنون بتدوين الحوادث بأحسن أحكام. وفقدان هذه المكتوبات ليست بدليل على أنها لم تكن. ولا ريب في أن الكتابة عرفها القدماء فإنه كان ليهوذا خاتم يختم به الصكوك بدليل اسمه ونقش الخواتم مما أتقنه العبرانيون (خروج ص ٢٨).
هذا وإن اكتشاف عاديات أرَك (أي أور الكلدانيين) دل دلالة قاطعة على أن علم الكتابة وتدوين الحوادث في تلك البلاد كان قبل أيام إبراهيم فلم يكن هو بدوياً جاهلاً بل أحد رجال شعب متهذب فلا عجب إن أخذ معه من هناك كتباً قرميدية ذُكر فيها أهم حوادث تاريخ الجنس البشري من آدم إلى عصره.
الوجه الثالث: وهو أحسن ما يُعتمد في هذا البحث أن موسى عرف كل ما كتبه من الأمور السابقة لعصره من وحي الله فإنه بهذا الوحي تنبأ بالمسيح وإذا استطاع أن يعرف بما يكون بعد موته بعصور كثيرة بالوحي أفلا يستطيع أن يعرف به ما كان قبل ميلاده بمثل تلك العصور.
الاعتراض الثاني: إن أسلوب العبارات مختلف في الأسفار الخمسة كما بين سفر الخروج وسفر التثينة فدل ذلك على أن الكتبة مختلفة وأن نسبتها إلى موسى بجملتها باطل. ودفع ذلك بأن اختلاف الأسلوب يكون باختلاف النسق الكلامي للكاتب الواحد. أفلا ترى أن الأسلوب في النثر غير الأسلوب في السجع وفي كل منهما غير الأسلوب في الشعر وفي التاريخ غير الأسلوب في الخطب والمواعظ وسفر التثنية من النسق الآخر فإن جُله خُطب ومواعظ كما لا يخفى على أحد.
الاعتراض الثالث: يُفهم من مواضع كثيرة من الأسفار الخمسة أن بني إسرائيل كانوا مستولين على أرض كنعان مع أنه ظاهر منها أن موسى لم يدخلها. ودفع ذلك بأن هذا الاعتراض من الأوهام فإنه لا آية في تلك الأسفار تدل على أن بني إسرائيل استولوا على أرض كنعان قبل موت موسى سوى أنهم غلبوا الأمم الذين شرقي الأردن وإن سبطين منهم طلبا من موسى أن يعطيهما تلك الأرض وإنهما يتركان نصيبهما من الأرض غربي الأردن لسائر الأسباط. وإن مما يوهم ذلك ما فرضه الله على بني إسرائيل بواسطة موسى كان مما يجب عليهم بعد أن يدخلوا الأرض وهذا سهل الإدراك لكل متأمل.
الاعتراض الرابع: إنه لا يمكن أن يكون موسى كاتب هذه الأسفار الخمسة (أي التوراة لأن هذه الأسفار كما قلنا سابقاً سفر واحد في الأصل والتقسيم طارئ) لأنه لم يعلم أن الساميين كانوا يعرفون الكتابة إلا قبل الميلاد بنحو ألف سنة. ودفع ذلك بأن القول إن الساميين لم يعرفوا الكتابة إلا منذ ذلك العصر لم يثبت بدليل بل قامت الأدلة على أنهم كانوا يعرفونها قبل ذلك العصر بكثير بدليل إن اللوحين الحجريين اللذين أتى بهما موسى كانت عليهما الوصايا مكتوبة فعلى فرض أنه لم يكن الخط العبراني قبلهما فكان منهما على أن موسى كان يعرف الكتابة المصرية فلا نظن أنه لم يستطع أن يضع حروفاً للغته العبرانية ويكتب بها. وقد عرفت العلماء بالمشاهدة أنه كانت الكتابة في بلاد بابل وأشور وسورية وفلسطين قبل زمن موسى وقبل زمن إبراهيم أيضاً أو عند زمن إبراهيم من الحجارة والخزف المكتوب عليهما. وجاء في الانسكلوبيديا البريطانية بناء على ما اكتُشف من الآثار وعُرف من تلك الأسفار أن نشوء الكتابة عند الساميين كان منذ زمن قديم جداً. وقد وُجد من الأثار البابلية والأشورية كتابات قديمة جداً فيها نبأ الخليقة والطوفان وبناء برج بابل وهي تشبه أنباء سفر التكوين في تلك الأمور. فيرجح من ذلك كل الترجيح أن إبراهيم خليل الله كان ممن أحكموا الكتابة وكتب كثيراً من أمور الخليقة وعناية الله بالناس وغير ذلك من المسائل الأرضية والسماوية. وإن الكتابة على أقل ما يُظن كانت في عصره إن لم تكن قبل ميلاده بزمن طويل. ولا ريب في أن موسى تلا صُحف إبراهيم التي حملها الإسرائيليون إلى مصر ويرجح أنها كانت مكتوبة على اللخاف (حجارة بيض رقيقة) أو الصفاج (حجارة عريضة) أو اللبن الرقيق كما شوهد في آثار أشور وبابل العادية. وجاء في التوراة نفسها ما نصه «وَكَتَبَ مُوسَى هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةَ (أي الأسفار الخمسة كما علمت أنها هي التوراة وأنها في الأصل كتاب واحد) وَسَلَّمَهَا لِلْكَهَنَةِ بَنِي لاَوِي» وهذا فوق أنه دليل على أن موسى كان يحسن الكتابة دليل قاطع على أنه هو كاتب الأسفار الخمسة (تثنية ٣١: ٩). ومثل ذلك قوله «فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هٰذِهِ ٱلتَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إِلَى تَمَامِهَا أَمَرَ … خُذُوا كِتَابَ ٱلتَّوْرَاةِ هٰذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ ٱلرَّبِّ» (تنثية ٣١: ٢٤ – ٢٦). وأتى ذلك موسى بأمر الرب. ففي سفر الخروج «فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكاراً في الكتاب وضعه في مسامع يشوع» وهذا يدلنا فوق دلالته على وجود الكتابة يومئذ وأن موسى هو كاتب التوراة أنه كتبها على توالي الأوقات لأنه قال «اكتب هذا… في الكتاب» لا في كتاب. فظهر انه كان قد كتب وسيكتب في السفر وهذا أيضاً دليل آخر على أن الأسفار الخمسة كانت سفراً واحداً.
وبقي غير هذه الاعتراضات وقد ذُكرت مع دفعها في مقدمات الأسفار ومواضعها في التفسير وسترى كل ذلك إن شاء الله. ونختم هذا الفصل بقولنا إن أكثر الاعتراضات على هذه الأسفار أو الترواة واهنة واهية علتها الجهل لأحوال الأزمنة القديمة وعادات أهل العصور الخالية وقِدم عهد شريعة الرب.
المقدمة في سفر التكوين وفيها ستة فصول
الفصل الأول: في اسم هذا السفر
تقدّم الكلام إن الأسفار الخمسة في العبرانية هي التوراة وأصلها كتاب واحد ولكنه قُسم إلى خمسة أقسام مُيز كل بعبارة في أوله كتسمية سفر التكوين براشيت أي «في البدء». والتكوين اسمه في الترجمة إلى اليونانية لأنه أول ما أنبأ به تكوين العالم (انظر الفصل الأول من مقدمة الأسفار الخمسة) وتعمير الأرض بالشعوب.
الفصل الثاني: في أهمية سفر التكوين
إن سفر التكوين من أقدم ما كُتب في العالم حتى رجح بعضهم أنه أقدم كتب الأرض وفيه نبأ أصل العالم الصحيح وخلق الإنسان على صورته تعالى وشبهه وسقوط الجنس البشري وفساده. وهو أصل كل الدين الموسوي والدين المسيحي. وقد كُتب والبشر في صبوته وهو جوهر المواضيع الدينية. وفيه إعلان قدرة الله لأنه أبدع البرايا وإعلان حكمته لأنه أحسن إتقان العالمين على مقتضى ما أودع في العالم المادي من النواميس وكان ترتيب الخلق بحسبها على ما فُضل من خلق كل يوم من أيام الخليقة الستة (انظر تفسير ص ١). وإعلان جوده فإنه بجوده خلق الإنسان وكل ما يحتاج إليه لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الخلق لأنه غني عن كل ما خلق. وتاريخ دخول الخطيئة إلى العالم فإظهار رحمته تعالى وعدله. فرحمته كانت بحفظ الإنسان وعنايته به بعد السقوط وعدله بإخراجه الإنسان من الفردوس إلى أرض الشقاء والبلاء والموت. وفيه من أحسن مجالي رحمة الخالق القدير وحبه للإنسان العاصي الوعد بمنقذٍ من الشقاء والهلاك الأبدي وهو نسل المرأة الذي أمات الموت بموته وأعلن القيامة والخلود بقيامته. والخلاصة إن في هذا السفر بيان كل ما تستطيعه المدارك البشرية من صفات واجب الوجود والحياة الأبدية بفداء الابن الأزلي فهو أسُّ الدين المسيحي ودعامة كل ما فاه به المسيح والرسل والأنبياء.
الفصل الثالث: في مشتملات سفر التكوين
يشتمل سفر التكوين على تاريخ ٢٣٦٩ سنة وهي من آدم إلى وفاة يوسف بن يعقوب. وفيه خمسون أصحاحاً تنقسم إلى أحد عشر قسماً:
- الأول: خلق السموات والأرض وكل ما فيها من الملائكة والناس والجماد والنبات والبهائم (ص ١: ١ – ص ٢: ٣).
- الثاني: مبادئ السموات والأرض (ص ٢: ٤ – ص ٤: ٢٦).
- الثالث: ما يتعلق بآدم وحواء (ص ٥: ١ – ص ٦: ٨).
- الرابع: ما يتعلق بنوح (ص ٦: ٩ – ص ٩: ٢٩).
- الخامس: ما يتعلق بأولاد نوح (ص ١٠: ١ – ص ١١: ٩).
- السادس: ما يتعلق بسام (ص ١١: ١٠ – ٢٦).
- السابع: ما يتعلق بتارح (ص ١١: ٢٧ – ص ٢٥: ١١).
- الثامن: ما يتعلق بإسماعيل (ص ٢٥: ١٢ – ١٨).
- التاسع: ما يتعلق بإسحاق (ص ٢٥: ١٩ – ص ٣٥: ٢٩).
- العاشر: ما يتعلق بعيسو (ص ٣٦: ١ – ص ٣٧: ١)
- الحادي عشر: ما يتعلق بيعقوب (ص ٣٧: ٢ – ص ٥٠: ٢٦).
ومما في هذه الأقسام ما كان العالم بدونه في أكثف ظلمات الجهل لم يعلم من أين أتى ولا إلى أين يذهب. وإن الإنسان يتعلم من أول صفحة في هذا السفر في نحو ساعة أكثر مما تعلمه أهل غير الوحي في ما يزيد على أربعة الاف سنة. فهو أقدم تواريخ العالم الصحيحة وفيه أعلن الله نفسه للعالم إعلاناً لم يستطعه أكبر فلاسفة الأرض الإلهيين بدون الوحي. فإن بعضهم ذهب إلى أن العالم لا بداءة له وأنه قائم بما فيه بالنواميس الأزلية وأن ليس من دليل على إمكان الإبداع. وبعضهم ذهب إلى أن المادة قديمة مثل الله وأن الله لم يأت سوى إبداع الصور الطارئة فأنزلوه سبحانه تعالى منزلة البناء والنحات والنجار وسائر صناع البشر فإن جوهر ما يأتونه تغيير صور الأشياء ونقلها كنقل الصخرة بتفصيلها وتركيب أجزائها وجعلها جداراً ونقل النجار الخشب من صورة الجذع إلى صورة الصندوق والباب وهلم جراً. وذهب بعضهم إلى أن الباري تعالى خلق قليلاً من الأنواع وأخذت من قبل نفسها أفرادها وتتنوع فكان من ذلك نشوء الأنواع المختلفة من أدنى البهائم إلى أعلى البشر. وجاء الفلاسفة غير الإلهيين في أصل العالم ما يُضحك العقلاء ويحزنهم من التولد الذاتي ومما يلزم منه صدور الموجود لذاته عن العدم المطلق مع تسليمهم بالبداهة إن القديم لا بد منه وإنه لا يصدر عن العدم المطلق إلا العدم.
الفصل الرابع: في كاتب سفر التكوين
كاتب سفر التكوين موسى لأنه جزء من التوراة المعروفة بالأسفار الخمسة وقد تبين بالأدلة أن كاتب التوراة موسى (انظر مقدمة الأسفار الخمسة الفصل التاسع منها). ولنا فوق ذلك ما يؤيد أنه كاتبه مما يدل أنه كُتب في عصره لا قبله ولا بعده ومن ذلك قوله «إلى اليوم» (ص ١٩: ٣٧ و٣٨). وذلك اليوم كان فيه الموآبيون أمة كبيرة كما كانت في زمان بني إسرائيل وهم في البرية والعمونيون كذلك. ومنها ذكره الملوك الذين ملكوا أرض أدوم قبل أن قام ملك لإسرائيل وهذا يستلزم أنه لم يُكتب قبل عصر موسى قطعاً ولا يستلزم بالضرورة أنه كان بعد عصره لأن موسى كان يتوقع أن يقوم ملوك على بني إسرائيل (تثنية ١٧: ١٤ الخ). (ورأى بعضهم أن أحد الملهمين بعد موسى زاد هذه العبارة هنا وهو مما يحتمل ولا يُقطع به). ومنه إن أسماء المواضع والمدن القديمة ذُكرت مع أسمائها المحدثة التي كانت مشهورة في عصر موسى (ص ١٤: ٢ و٧ و٨ و١٧ وص ٢٣: ٢ و٢٥: ١٩). ومنه اتفاق جمهور اليهود منذ القديم على أن كاتبه موسى واتفق اتفاقهم جمهور المسيحيين. نعم إن العلماء في الأزمنة الحديثة وهي منذ زمن الإصلاح ذهب إلى أن سفر التكوين مجموع عدة مكتوبات للآباء الأولين وأعظم أدلته على ذلك أنه تبين له إن الكتبة فريقان فريق كان يدعو الواجب تعالى بإلوهيم (أي الله) وفريق يدعوه بيهوه (أي الرب) وإن الأقدم منه للفريق الأول ما بقي للفريق الآخر. فترى في أول السفر ما نصه «براشيت برا إلوهيم» (أي في البدء برأ الله) وفي أثنائه وأواخره يهوه. قلنا في هذا أمران ينافي ما دل آنفاً على أنه كُتب في عصر موسى على أنا نسلّم بل نرجح إن موسى وقف على ما كتبه الآباء الأولون ولكنه كتب ما ألهمه الله منها وزاد عليه ما أوحى به إليه بدليل أنه جمع يهوه وإلوهيم في عبارة واحدة في ذلك السفر وهي من أقدم عباراته. ففي الأصحاح الثاني ما نصه «يوم عمل الرب الإله» وفي العبرانية (يهوه إلوهيم). وفي الأصحاح الثالث ما لفظه في العربية «فأخرجه الرب الإله» وفي العبرانية (يهوه إلوهيم).
الفصل الخامس: في غاية هذا السفر
غاية هذا السفر بيان إن للكون رباً أزلياً وإنه قادر حكيم وعادل ورحيم وبيان أصول العالمين وعناية الله بالمخلوقات ولا سيما الإنسان الذي خلقه على صورته وشبهه. واختيار الله شعباً له من سلالة إبراهيم وحفظه تعالى لذلك الشعب وتمييزه له وتفضيله إياه على سائر البشر. والعهد الأقدس الذي عهده أرحم الراحمين على نفسه بمخلص يخلص البشر من الهلاك الأبدي ويديم ملكه الروحي ويعظمه إلى الأبد لأنه هو «ملك المولك ورب الأرباب» وهو «الألف والياء البداءة والنهاية».
الفصل السادس: في الاعتراضات على صحة سفر التكوين ودفعها
أتى نفاة الوحي وغيرهم من منكري صحة سفر التكوين باعتراضات كثيرة منها ما يأتي:
- إن العبرانيين لم يكونوا يعرفون الكتابة في عصر موسى وإن لا دليل على أن موسى كان يحسن الكتابة. وندفع هذا أولاً بأن هذا الاعتراض عينه دعوى بلا دليل. وثانياً بأن موسى كان في مصر وتعلّم كل حكمة المصريين ولا شك في أنه قرأ مكتوباتهم على الأعمدة المعروفة بالمسلاّت وفي ورق البردي. وكان يسهل عليه أن يختار أو يخترع صوراً للحروف العبرانية إن لم يكن من قبله سبقه إليها كما يرجح وإن آثار الكتابة المصرية تسبق عهد موسى كثيراً. ولا يبعد بل يرجح كل الترجيح إن العبرانيين في عصر موسى كانوا يكتبون على الرقوق ولعل موسى كتب عليها أو على ورق البردي أو على الحجارة على ما سبق في مقدمة الأسفار الخمسة وقد ذُكر في تلك الأسفار إن موسى كتب (انظر مقدمة الأسفار الخمسة فصل ١٠ اعتراض ٤ وهيرودوتس ٥: ٥٨). وذُكر في غيرها إن الكتابة كانت قد شاعت بين العبرانيين (انظر قضاة ٨: ١٤).
- إن لغة الكتب الأخيرة في العهد القديم لا تختلف عن لغة التوراة ومنها سفر التكوين إلا قليلاً فلو كان موسى هو كاتب ذلك السفر لاختلفت لغته اختلافاً بعيداً عن لغة أحدث أسفار العهد القديم لانتشار اليهود بين الأمم وتقدمهم في المدنية. والجواب إن اللغات الشرقية بقيت ألوفاً من السنين على حالها القديمة فلم تتغير إلا بدخول بعض الألفاظ المحدثة. وإن لغة الأسفار الخمسة كان لها تأثير عظيم في إنشاء كتب الدين وأحدث أسفار الوحي في ذلك العهد. وبقي فوق ذلك إن إنشاء التوراة يختلف عن إنشاء غيرها (وإن قل الاختلاف) في بعض التراكيب والألفاظ وذلك كاف لأن يثبت إن التوراة أقدم أسفار العهد القديم.
- إنه يُفهم من الأصحاح الأول من سفر التكوين إن الشمس خُلقت في اليوم الرابع ولكنه ذكر قبل خلقها أنه كان نهار وليل وأيام. ومن المعلوم لكل إنسان أن لا نهار بلا شمس لأن النهار هو الوقت الذي بين طلوع الشمس وغروبها وذلك تناقض ظاهر. وندفع ذلك بأن النهار هنا ليس الوقت بين طلوع الشمس وغروبها بدليل قوله في أول ذلك الأصحاح ودعا الله النور نهاراً والظلمة ليلاً فخلق الله الأيام في المدة الأولى. فكان اليوم حينئذ من مقابلة جزء من الأرض لكتلة منيرة غير منتظمة وتحركها على محورها إلى رجوعها إلى تلك المقابلة (انظر تفسير ص ١: ٥).
- إن كاتب السفر لم يذكر متى خلق الله الملائكة فلو كان يوحي إليه لعرف ذلك وذكره لأن هنا موضع ذكره. قلنا أولاً ما للموحى إليه أن يُوحى إليه بكل شيء. وثانياً إن قصد الله هنا أن يبين للناس خلقه العالم المادي على ترتيبه لا العالم الروحي. على أن قوله «خلق السموات والأرض» يتضمن خلق الملائكة وغيرهم.
- إنه لا يستطيع العقل على ما عُرف من شرائع الطبيعة أن يسلم بترتيب كل المخلوقات في ستة أيام أو مئة ساعة وأربع وأربعين ساعة. وندفع ذلك بوجهين الأول إن القدرة الأزلية تستطيع كل شيء. والثاني قول الجمهور بأن هذه الأيام مدات طويلة. وقد جاء بذلك ترتيب الخلق في الكتاب على وفق الترتيب الذي تقتضيه الشرائع الطبيعية وفي هذا دليل قاطع على أن هذا السفر من وحي الله كما سترى.
- إن أعمار الآباء في الأصل العبراني تختلف عنها في الترجمة اليونانية القديمة. وندفع ذلك بأن الترجمة ليست بحجة على الأصل بل الأصل هو الحجة على الترجمة على أن في هذه كلاماً طويلاً يضيق به المقام.
- إنه ذُكر أن الكرمة كانت في مصر زمن يوسف بن يعقوب مع أن هيرودوتس وبلوطرخوس المؤرخين صرّحا بأنه لم يكن للمصريين كروم. فندفع هذا الاعتراض أولاً إن الكتاب لم يقل إن الكرمة كانت يومئذ في مصر بل قال «فَقَصَّ رَئِيسُ ٱلسُّقَاةِ حُلْمَهُ عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: كُنْتُ فِي حُلْمِي وَإِذَا كَرْمَةٌ أَمَامِي» (تكوين ٤٠: ٩). فهل يلزم من نفي المؤرخين كون الكرمة في أرض مصر نفيها من أخيلة الحالمين. وثانياً إن هيرودوتس المؤرخ نفسه قال إن أهل ثيبة (أو ثيبيس) افتخروا بأنهم عرفوا الكروم قبل سائر الأمم. وقد ذكر في الكتاب الثاني أنه كان للكهنة المصريين أن يشربوا خمر العنب. وقد وجد المنقبون في بني حسان في مصر صورة شجرة العنب على أقدم الآثار المصرية (انظر تفسير ص ٤٠: ٩).
- إن سفر التكوين أجاز الكذب فإن إبراهيم كذب بقوله أن سارة أخته والكتاب لم يذكر أنه خطئ بذلك. وندفع هذا بأن إبراهيم لم يكذب فإن سارة كانت أخته ابنة أبيه حقيقة فقال الحق وأخفى إنها امرأته وعلى فرض أنه كذب فسكوت الكتاب عن خطائه ليس بدليل على إباحته الكذب لنهيه عنه في غير هذا الموضع (انظر لاويين ١٩: ١١).
- إن الذي يُعرف من بعض هذا السفر إن الشريعة أُعطيت على طور سيناء ونرى فيه كثيراً منها قد ذُكر قبل ذلك حتى البهائم الطاهرة والنجسة (ص ٧: ٢). وندفع ذلك بأن الشريعة كانت معروفة وجرى على سنتها الآباء من آدم إلى موسى ولكنها لم تكن مبسوطة ومرتبة كما أعلنها الله لموسى على الطور. وكان بنو إسرائيل عرضى لنسيان شريعة الله لطول تغربهم في أرض مصر الوثنية وتعودهم كثيراً من عادات المصريين فكان من الضرورة أن تؤيد الشريعة الإلهية وتُقرَّر وتُكتَب ويعرفوا أنها شريعة الله وقد أحسن الله إليهم بأن أعلنها لهم على مسمعهم وإظهار آيات حضوره المرهوبة لأبصارهم. ولم يقل الله على الطور أنه لم يكن أحد قبلهم يعرف تلك الشريعة المقدسة أو إنه لم يعلنها لغيرهم.
- إن قصة الطوفان لا تصدق وإلا فليبيّن لنا إمكان أن تلك السفينة وسعت ما ذُكر من حيوانات الأرض البهائم والطيور وما تحتاج إليه كل مدة بقائها على وجه الماء وكيف اجتمع الذئب والحمل والأسد إلى غير ذلك مما يضيق الزمان بذكره. وندفع ذلك بأن الطوفان لم يكن عاماً بل خاصاً بالأرض التي سكنها الإنسان وإن البهائم والطيور التي حملها نوح معه هي ما يحتاج إليها هو وبنوه والنساء بعد خروجهم من السفينة (انظر ص ٨: ٢٠). وبقي من الاعتراضات ما دون هذه في القوة ودُفعت في مواضعها من التفسير فلا حاجة إلى ذكرها هنا.
- إن في هذا السفر ما نصه «كَانَ فِي ٱلأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ أَيْضاً إِذْ دَخَلَ بَنُو ٱللهِ عَلَى بَنَاتِ ٱلنَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَداً هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلْجَبَابِرَةُ ٱلَّذِينَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ ذَوُو ٱسْمٍ» (تكوين ٦: ٤). ويُفهم من ذلك إن الملائكة تزوجت الآدميات فولدن الجبابرة وإن المولودين كانوا جبابرة لأن آباءهم ملائكة وهذا من الخرافات التي يبطلها العقل بالبديهة. وندفع ذلك بأربعة أمور:
- الأول: إنه لا ذكر للملائكة في الآية.
- الثاني: إن بني الله يطلق على الناس الذين هم من شعب الله.
- الثالث: إن أول جبار ابتدأ أن يكون على الأرض ليس بابن ملك (أو ملاك) بل ابن إنسان. وقد ذكر الكتاب ذلك صريحاً وهذا قوله «وَكُوشُ وَلَدَ نِمْرُودَ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ» (تكوين ١٠: ٨). وكوش هو ابن حام ابن نوح إنسان ابن إنسان وابنه نمرود هو الجبار منذ الدهر وأول جبابرة الأرض بنص ذلك السفر عينه.
-
الرابع: إن الجبار ليس القوي الجسم كما يفهم العامة بل العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد وهذا لا يترتب على أن يكون أبوه من الملائكة. والخلاصة أن المقصود «ببني الله» هم الذين اعتزلوا عبادة الأوثان وهم أبناء شيت «وبنات الناس» (وفي الأصل العبراني بنات آدم) بنات الوثنيين وهم أولاد قايين. وكان أبناء الله الذين اتخذوا بنات الناس أزواجاً ذوي اسم لكونهم كانوا رؤساء قبائلهم وملوكها وألههم الوثنيون وعبدوهم كما كان لغيرهم من الوثنيين على ما جاء من أمر نمرود بن كوش بن حام بن نوح. وسُمي الوثنيون «بأولاد آدم» لأنهم بقوا في المعصية. وسُمي الموحدون «أبناء الله» لأنهم رجعوا إلى الله وأطاعوه إطاعة البنين للآباء واعتنى الله بهم اعتناء الأب بأولاده.
السابق |
التالي |