سفر التكوين

سفر التكوين | 50 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَمْسُونَ

دفن يعقوب وشيخوخة يوسف الصالحة

١، ٢ «٢ فَوَقَعَ يُوسُفُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ. ٢ وَأَمَرَ يُوسُفُ عَبِيدَهُ ٱلأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ. فَحَنَّطَ ٱلأَطِبَّاءُ إِسْرَائِيلَ».

ص ٤٦: ٤ و٢ملوك ١٣: ١٤ ع ٢٦ و٢أيام ١٦: ١٤ ومتّى ٢٦: ١٢ ومرقس ١٦: ١ ويوحنا ١٩: ٣٩ و٤٠

فَحَنَّطَ ٱلأَطِبَّاءُ إِسْرَائِيلَ كان يعقوب نفسه قد أوصى يوسف بذلك واستحلفه عليه (ص ٤٧: ٢٩ و٣٠) ثم أوصى بذلك كل أبنائه لأنه لهذا اشترى مغارة المكفيلة ولتكون مدفناً لأولاده أيضاً (ص ٤٩: ٢٩ – ٣٢). فكان من الضروري أن يحنط جسد يعقوب ليبقى إلى الوقت الذي يتيسر فيه نقله إلى تلك المغارة وإلى بعد قطع مسافة طويلة إليها. وكان تحنيط الموتى شائعاً في ذلك العصر. وظلت هذه العادة زماناً طويلاً. والذي علمناه علم اليقين أنها كانت منذ ألفي سنة قبل الميلاد إلى سبع مئة سنة بعده. وبلغ ما عرف من الجثث المحنطة بالتقدير ٤٢٠٠٠٠٠٠٠. وكانت نفقة التحنيط كثيرة إذا كان على الأسلوب الأحسن كما أفاد رولنس في كلامه على العاديات المصرية. ولم يكن التحنيط عمل الأطباء خاصة فالمرجح أن الأطباء كانوا واقفين أمام المحنطين لفرط الاعتناء بتحنيط يعقوب. وإن أولئك الأطباء كانوا من أطباء بيت يوسف وكان أطباء مصر في تلك الأيام أكبر من أطباء سائر البلاد. وكانوا أقساماً كل قسم يعتني بمعالجة أمراض لا يعتني بها غيره من الأقسام. ورأى مسبيرو أنهم لم يكونوا كثيري المهارة والمعرفة في العلاج وإن معارفهم كانت مقصورة على أمراض العيون وقليل من أمراض غيرها. وكان الرمد أكثر أمراض مصر ولا يزال كذلك إلى هذا اليوم.

٣ «وَكَمِلَ لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً، لأَنَّهُ هٰكَذَا تَكْمُلُ أَيَّامُ ٱلْمُحَنَّطِينَ. وَبَكَى عَلَيْهِ ٱلْمِصْرِيُّونَ سَبْعِينَ يَوْماً».

عدد ٢٠: ٢٩ وتثنية ٢١: ١٣ و٣٤: ٨

أَرْبَعُونَ يَوْماً قال هيرودوتس كان علم التحنيط يشغل سبعين يوماً لكنه قال ذلك في ما شاهده من التحنيط في ثيبة (أو ثيبس). وكانت ممفيس عاصمة المصريين في عصر يوسف والذي عرفناه أن محنطات ثيبة كانت أحسن من محنطات ممفيس في النفقة والإحكام. وقال ديوردورس ما يوافق قول الكتاب في المدة وهو أن التحنيط كان يشغل أكثر من ثلاثين يوماً ومناحة الملك اثنين وسبعين يوماً. وكانت أيام المناحة عند الإسرائيليين ثلاثين يوماً (عدد ٢٠: ٢٩ وتثنية ٣٤: ٨) فالمرجح أن مناحة الملك كانت عند المصريين تعدل أيام مناحة الإسرائيليين وأيام تحنيطهم وذلك سبعون يوماً.

٤ – ٨ «٤ وَبَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ بُكَائِهِ قَالَ يُوسُفُ لِبَيْتِ فِرْعَوْنَ: إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عُيُونِكُمْ فَتَكَلَّمُوا فِي مَسَامِعِ فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: ٥ أَبِي ٱسْتَحْلَفَنِي قَائِلاً: هَا أَنَا أَمُوتُ. فِي قَبْرِيَ ٱلَّذِي حَفَرْتُ لِنَفْسِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ هُنَاكَ تَدْفِنُنِي. فَٱلآنَ أَصْعَدُ لأَدْفِنَ أَبِي وَأَرْجِعُ. ٦ فَقَالَ فِرْعَوْنُ: ٱصْعَدْ وَٱدْفِنْ أَبَاكَ كَمَا ٱسْتَحْلَفَكَ. ٧ فَصَعِدَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ، وَصَعِدَ مَعَهُ جَمِيعُ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ، شُيُوخُ بَيْتِهِ وَجَمِيعُ شُيُوخِ أَرْضِ مِصْرَ ٨ وَكُلُّ بَيْتِ يُوسُفَ وَإِخْوَتُهُ وَبَيْتُ أَبِيهِ. غَيْرَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَوْلاَدَهُمْ وَغَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ».

أستير ٤: ٢ ص ٤٧: ٢٩ إلى ٣١ و٢أيام ١٦: ١٤ وإشعياء ٢٢: ١٦ ومتّى ٢٧: ٦٠

قَالَ يُوسُفُ لِبَيْتِ فِرْعَوْنَ يظهر في بادئ الرأي إن طلب يوسف حاكم مصر ذلك إلى بيت فرعون بوسيط على غاية من الغرابة ولكن من عرف أنه لم يكن لأحد من أهل الميت أن يدخل الصرح الملكي أيام المناحة وما بعدها قليلاً لم ير شيئاً غريباً في ذلك (قابل هذا بما في استير ٤: ٢). لأن الذي كان يدخل ذلك الصرح كان يجب عليه أن يحلق ويرتب شعره ويلبس أحسن حلله. وكان أهل الميت طويلي الشعر مشوشيه في ثياب الحزن وما كانوا يخرجون من بيوتهم إلا لبعض الأمور المتعلقة بالميت.

٩ «وَصَعِدَ مَعَهُ مَرْكَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ. فَكَانَ ٱلْجَيْشُ كَثِيراً جِدّاً».

ص ٣٣: ٨

فَكَانَ ٱلْجَيْشُ كَثِيراً جِدّاً كان هذا الجيش مؤلفاً من قواد الحرس الملكي ومن رؤساء جيوش الولايات التي كانت مصر قد قُمست إليها وكان لكل منها حاكم خاص ومن كبراء الإسرائيليين من أولاد يعقوب وحفدته ومن كثيرين ممن أتوا أرض جاسان من فلسطين وغيرها من النسل السامي.

١٠ «فَأَتَوْا إِلَى بَيْدَرِ أَطَادَ ٱلَّذِي فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ وَنَاحُوا هُنَاكَ نَوْحاً عَظِيماً وَشَدِيداً جِدّاً. وَصَنَعَ لأَبِيهِ مَنَاحَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ».

٢صموئيل ١: ١٧ وأعمال ٧: ٢ و١صموئيل ٣١: ١٣ وأيوب ٢: ١٣

بَيْدَرِ أَطَادَ اختُلف في موقع هذا الموضع فرأى بعضهم أنه كان شرقي الأردن ورأى غيره أنه كان غربي الأردن. ومعنى «أطاد» في العبرانية عوسج. وسمي بالعبرانية أطاد من أطد أي اطّد أي ثبّت سمي بذلك لثبوت أصلح والأطد في العربية نفسه عيدان العوسج. وتُرجم بالعوسج في (قضاة ٩: ١٤). ولعل المقصود هنا اسم قرية هناك.

عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ اختُلف في أنه كان ذلك شرقي الأردن أو غربيه. والذي تُحقق إن الطريق التي سار فيها يوسف كانت تؤدي إلى شرقي البحر الميت. وقال جيروم أن بيدر أطاد عند بيت حجلة بين الأردن وأريحا. وما كان ليوسف أن يصل إليه إلا بأن يجوز في بلاد موآب وعمون. ويظهر أن تلك طريق بعيدة. ولكن تبين مما عرفنا من غزوة كدرلعومر إن الطريق في برية يهوذا كانت صعبة جداً. ومع أن شاطئ بحر لوط الغربي كان بعيداً كعين جدي كانوا مضطرين أن يصعدوا عقبة صعبة المرتقى حتى يمكن قليلين من الحرس الأموري أن يدفعوا جيشاً من الغزاة. ومن الجلي أنها ليست مما تجري عليها المركبات فكان يسهل عليهم أن يأتوا حبرون على الطريق المارة ببلاد الفلسطينيين. ومما يستحق الذكر هنا أن العداوة كانت مستمرة بين نسل يوسف والفلسطينيين (١أيام ٧: ٢١). وإذ كانت الغارات متصلة بين الساميين في جاسان والفلسطينيين لم يرد يوسف أن يعرّض بقايا أبيه لخطر الغزاة ولعلهم لم يرضوا حينئذ بمرورهم فكان ذلك علة غزو أبناء أفرايم إياهم بعد زمان. ولكن بقي هنا أن نقول لا ريب في أن أولاد عيسو أظهروا يومئذ اعتباراً لجثة عمهم يعقوب. وفي التقاليد اليهودية إن أبناء إسماعيل وقطورة شاركوا الإسرائيليين في النواح على يعقوب. والذي نعرفه إن ابناء عيسو كانوا غربي بحر لوط (ص ٣٢: ٩) وإن السكان هنالك لم يكونوا ممن يقوون على مقاومة المركبات والفرسان الذي كانوا مع يوسف. وعلى هذا نقول إن عبر الأردن وإن كان يراد به في الكتاب ما هو شرقيه يراد به هنا ما هو غربيه. ورأى بعضهم إن المكان كان شرقي الأردن وإن بيت حجلة كانت أقرب قرية إليه. وكانت أيام المناحة السبعة إما عند دخولهم أرض كنعان وإما عند القبر.

١١ – ١٣ «١١ فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ ٱلْبِلاَدِ ٱلْكَنْعَانِيُّونَ ٱلْمَنَاحَةَ فِي بَيْدَرِ أَطَادَ قَالُوا: هٰذِهِ مَنَاحَةٌ ثَقِيلَةٌ لِلْمِصْرِيِّينَ. لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهُ «آبَلَ مِصْرَايِمَ». ٱلَّذِي فِي عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ. ١٢ وَفَعَلَ لَهُ بَنُوهُ هٰكَذَا كَمَا أَوْصَاهُمْ: ١٣ حَمَلَهُ بَنُوهُ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ وَدَفَنُوهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ ٱلْمَكْفِيلَةِ ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ ٱلْحَقْلِ مُلْكَ قَبْرٍ مِنْ عِفْرُونَ ٱلْحِثِّيِّ أَمَامَ مَمْرَا».

ص ٤٩: ٢٩ و٣٠ ص ٢٣: ١٦

آبَلَ مِصْرَايِمَ قال أحد المفسرين هنا مثال يظهر لك منه تلاعب الشرقيين بالألفاظ فإن معنى «آبل» مرج لكنهم قالوا آبل بالإمالة إلى الياء ليكون معناها مناحة على أنه لا علامة في العبرانية تدل على ذلك (وإن للكلمة فيها معنيين الأول مرج والثاني مناحة) فيكون آبل مصرايم (مرج مصر أو مناحة مصر). والمشهور بين علماء العبرانية أنها مرج مصر. (وفي العبرانية الأبل العشب الأخضر والأُبُل الخلفة من الكلإ).

١٤، ١٥ «١٤ ثُمَّ رَجَعَ يُوسُفُ إِلَى مِصْرَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ لِدَفْنِ أَبِيهِ بَعْدَ مَا دَفَنَ أَبَاهُ. ١٥ وَلَمَّا رَأَى إِخْوَةُ يُوسُفَ أَنَّ أَبَاهُمْ قَدْ مَاتَ قَالُوا: لَعَلَّ يُوسُفَ يَضْطَهِدُنَا وَيَرُدُّ عَلَيْنَا جَمِيعَ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي صَنَعْنَا بِهِ».

أيوب ١٥: ٢٠ إلى ٢٢

لَعَلَّ يُوسُفَ يَضْطَهِدُنَا وفي العبرانية «ماذا يكون إن اضطهدنا يوسف ورد الخ». إنهم لم يكونوا قد رأوا تغيراً في معاملته إياهم بل شعروا حينئذ بأن لا دافع له عنهم إن أراد الانتقام منهم وإنهم كانوا في قبضة يده.

١٦، ١٧ «١٦ فَأَوْصَوْا إِلَى يُوسُفَ قَائِلِينَ: أَبُوكَ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ قَائِلاً: ١٧ هٰكَذَا تَقُولُونَ لِيُوسُفَ: آهِ! ٱصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ إِخْوَتِكَ وَخَطِيَّتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ صَنَعُوا بِكَ شَرّاً. فَٱلآنَ ٱصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ عَبِيدِ إِلٰهِ أَبِيكَ. فَبَكَى يُوسُفُ حِينَ كَلَّمُوهُ».

أمثال ٢٨: ١٣ لاويين ٢٥: ٤٢ و٥٥ ص ٤٩: ٢٥

أَبُوكَ أَوْصَى كثيرون من مفسري اليهود قالوا إن إخوة يوسف لم يصدقوا بهذا وإن يعقوب لم يلتفت قط إلى مسئلة بيع إخوته إياه عبداً ولكن الذي يرجح مما قاله يعقوب في (ص ٤٩: ٦) إنه عرف الأمر وعرف إن شمعون ولاوي كانا أكثر ذنباً من غيرهما في ذلك. وإنباؤهم يوسف بوصية أبيه أثر فيه من وجوه الاول سلطان يعقوب الأبوي. والثاني تذكره أنهم إخوته. والثالث أنهم يؤمنون إيمانه في الدين ولا يتم الاتحاد بين قوم ما لم يكونوا متفقين في العقائد.

١٨، ١٩ «١٨ وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضاً وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ. ١٩ فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ ٱللهِ؟».

ص ٣٧: ٧ و١٠ ص ٤٥: ٥ تثنية ٣٢: ٣٥ و٢ملوك ٥: ٧ وأيوب ٣٤: ٢٩ ورومية ١٢: ١٩ وعبرانيين ١٠: ٣٠

هَلْ أَنَا مَكَانَ ٱللهِ أي ما أنا في مقام قاض ومعاقب. وقد دُعي القاضي في العبرانية الله لأنه يقضي بشريعة الله وسلطانه (خروج ٢١: ٦ و٢٢: ٨ و٩ و١صموئيل ٢: ٢٥).

٢٠ «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا ٱللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا ٱلْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً».

مزمور ٥٦: ٥ وإشعياء ١٠: ٧ ص ٤٥: ٥ و٧ وأعمال ٣: ١٣

أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ… أَمَّا ٱللهُ فَقَصَدَ أي إن الله بعنايته جعل ما قصدتموه من الشر خيراً.

٢١ « فَٱلآنَ لاَ تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ. فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ».

ص ٤٧: ١٢ ومتّى ٥: ٤٤

وَأَوْلاَدَكُمْ وفي العبرانية «طفكم» وله في العبرانية معنيان مناسبان للمقام الأول صغاركم أي أولادكم الصغار من بنين وبنات. والثاني عيالكم. وتُرجم في السبعينية «بأهل بيوتكم» وفي السريانية «بعيالكم».

٢٢، ٢٣ «٢٢ وَسَكَنَ يُوسُفُ فِي مِصْرَ هُوَ وَبَيْتُ أَبِيهِ. وَعَاشَ يُوسُفُ مِئَةً وَعَشَرَ سِنِينَ. ٢٣ وَرَأَى يُوسُفُ لأَفْرَايِمَ أَوْلاَدَ ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ. وَأَوْلاَدُ مَاكِيرَ بْنِ مَنَسَّى أَيْضاً وُلِدُوا عَلَى رُكْبَتَيْ يُوسُفَ».

أيوب ٤٢: ١٦ عدد ٣٢: ٣٩ ص ٣٠: ٣

ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ فإن عيران بن شوتالح بن أفرايم وُلد يوسف حي (عدد ٢٦: ٣٥ و٣٦).

وُلِدُوا عَلَى رُكْبَتَيْ يُوسُفَ أي تبناهم (انظر تفسير ص ٣٠: ٣) وهؤلاء لم يكونوا أسباطاً لأن ذلك كان من خواص أبناء يعقوب (ص ٤٨: ٥) بل حسبوا أبناء يوسف (ص ٤٨: ٦) وكانوا عشائر.

٢٤ «وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: أَنَا أَمُوتُ، وَلٰكِنَّ ٱللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ».

ص ١٥: ١٤ و٤٦: ٤ و٤٨: ٢١ وخروج ٣: ١٦ وعبرانيين ١١: ٢٢ ص ١٥: ١٨ و٢٦: ٣ و٣٥: ١٢ و٤٦: ٤

ٱللهَ… يُصْعِدُكُمْ مِنْ هٰذِهِ ٱلأَرْضِ في هذا أمران الأول البرهان على إيمان يوسف وذُكر في (عبرانيين ١١: ٢٢). والثاني تمهيد للسفر الآتي أي سفر الخروج.

٢٥، ٢٦ «٢٥ وَٱسْتَحْلَفَ يُوسُفُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: ٱللهُ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا. ٢٦ ثُمَّ مَاتَ يُوسُفُ وَهُوَ ٱبْنُ مِئَةٍ وَعَشَرِ سِنِينَ، فَحَنَّطُوهُ وَوُضِعَ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ».

ص ٤٧: ٣٠ وخروج ١٣: ١٩ ويشوع ٢٤: ٣٢ وأعمال ٧: ١٦ ع ٢

تَابُوتٍ معنى الكلمة في العبرانية صندوق من خشب وكان تابوت الميت يُصنع من خشب الجميز والظاهر أنه لم يكن للإسرائيليين يومئذ أن يحملوا جثة يوسف إلى حبرون لأن الذي كانوا يقدرون به على مثل ذلك قد مات فلم يكن لهم إلا أن يدفنوه في جاسان دفناً يسهل به عليهم نقله متى أرادوا فإن موسى أخذ عظام يوسف معه (خروج ١٣: ١٩) ودفنها يشوع في شكيم في الأرض التي أعطاه إياه يعقوب (يشوع ٢٤: ٣٢).

انتهى بموت يوسف الإعداد لتأليف الشعب المختار أو النسل المنتخب. دُعي إبراهيم من مدينة بعيدة على خليج العجم إلى فلسطين وجال فيها غريباً واقتفاه إسحاق ويعقوب لكن نسلهم لم يكثر في فلسطين كثيراً لأنه كان في الأرض أمم وقفوا في سبيل نموهم ونجاحهم إلى الحد المطلوب. واضطر إبراهيم ولوط وعيسو ويعقوب أن يفارق كل منهم الأخر لكنهم كثروا في أيام يوسف وصاروا سكان بلاد. وكان السكان هنالك من النسل السامي وكثرت مهاجرته إليها في أيام إسرائيل واتحدوا جميعاً وصاروا أمة واحدة تحت رئيس واحد وكثروا جداً في تلك الأرض حتى خشي المصريون بأسهم.

فوائد

  1. الاعتراض – اعترض كثيرون على امتحان آدم وعلى سقوط نسله بسقوطه. وندفع هذا الاعتراض بأن آدم كان حراً مختاراً قادراً على الثبات في الحال الأولى لو اجتهد في ذلك. والامتحان ضروري لبيان القداسة والاختيار أي حرية الإرادة ضروري لذلك فلا قداسة بدون اختيار لأن المجبر على الصلاح لا يعرف أباختياره يعمل الصلاح وحبه إياه أم بمجرد أنه مجبر عليه. وأما سقوط نسله به فكان من الضروري أيضاً لأن الينبوع المر لا يجري منه سوى ماء مر. فإن قال أحد أنا لا أرضى بالشرط الذي رضي منه آدم فلم يحكم علي بما حُكم عليه قلنا لا نسلم بذلك لأنه لو قال أحد الملوك الكبراء لأحد منا وليتك كل أملاكي من العقار بشرط أن تترك لي شجرة واحدة وإن لم تتركها قتلتك ما توقف عن قبول الشرط طرفة عين فلو كان هذا المعترض موضع آدم لما قل رضاه بذلك الشرط. هذا وإن الله الرحمان لم يترك الإنسان إلى الهلاك الأبدي الذي استحقه بل عيّن له مخلصاً فما أوفر رحمة الله للبشر. وإن قيل إن آدم لم يكن يعرف الخير من الشر قلنا ذلك لا يدل على عدم معرفته بل على أنه لم يكن شر ليعرف الفرق بينه وبين الخير لأنه بضدها نتبين الأشياء ويدلك على معرفته إدراكه أن يعرف حواء ويسميها بما معناه موافق لها أي حياة وتمييزه إياها بعلامة التأنيث فدل على أنه كان نبيهاً في اللغة.
  2. اسم الباري – إن الباري تعالى دُعي في خلقه العالم «الله» وهذا الاسم في كثير من اللغات الشرقية وفي كل من العبرانية والسريانية والكلدانية. فهو في السريانية «آللوهو». وفي الكلدانية «إلاه». وفي العبرانية «إيلوه». وله المنزلة العظمى واللفظ القوي في الشعر العبراني كما في قول المرنم «مَنْ هُوَ إِلٰهٌ غَيْرُ ٱلرَّبِّ» (مزمور ١٨: ٣١). وأكثر ما جاء في العبرانية بصيغة الجمع أي «إيلوهيم» أو «إلوهيم». قالوا ومعنى «الله» في الأصل السامي القوي والقدير. واسمه الذي يميزه عن كل شيء سواه «يهوه» أي الذي يكون ويهوه في العهد القديم هو يسوع في العهد الجديد.
  3. مدة بقاء آدم في الفردوس – رأى أحد الربانيين إن آدم وحواء بقيا في حال البر ست ساعات فقط. وذهب آخر إلى أنهما بقيا كذلك أربعاً وعشرين ساعة. ولكن من يذكر إن الله خلق العالم بالترتيب والتوالي وإنه لم يخلقه دفعة وإن آدم كان يزرع الفردوس وإن الزرع يقتضي وقتاً طويلاً للنمو والنضج إلى غير ذلك يرى إن آدم أقام بالفردوس أكثر من ذلك فإن ذلك الوقت لم يكن كافياً لتسمية آدم الحيوانات وغيرها من المخلوقات.
  4. كاتب سفر التكوين – إن كاتب سفر التكوين موسى بإجماع علماء أهل الكتاب الأقدمين. لكن اعترض بعض المحدثين إن فيه أنباء لم تكن في زمن موسى كالطوفان. قلنا ذلك لا ينفي أن موسى كاتبه كما لا ينفي أن كاتب التاريخ المعروف بخلاصة الأثر ابن الأثير ما ذكره من أخبار من لم يكونوا في عصره أو أخبار من كانوا قبله بألوف من السنين. على أن موسى كتب بالوحي والإلهام ووصل إليه نبأ الطوفان وغيره من الآباء عن آبائهم إلى آدم.
  5. عيلام وغزوة كدرلعومر – لا نعرف من أمر عيلام يومئذ إلا أنها بلاد سُميت باسم ابن سام وما في التوراة من نبإ انتصار العيلاميين على الكنعانيين. والمكتشفات الحديثة أثبتت لنا أن النبأ تاريخي صحيح فإنا وقفنا في الآثار الكلدانية على موضع تلك البلاد وإن لم نقف على اسم كدرلعومر. فتبين لنا من نتائج المكتشفات إن عيلام بلاد هضاب واسعة غربي دجلة في جوار بابل. ومن تلك الأثار ما وُجد من تاريخ أشورنيبال بن أسرحدون ملك أشور ففيه أنه غلب عيلام واستولى على مدينة سوسا (سنة ٦٤٥ ق. م) وإنه رجع بتمثال نانا الذي كان قد نهبه كدرناخنتي من بابل قبل ذلك بنحو ١٦٣٥ سنة فيكون ذلك سنة ٢٢٨٠ ق. م والظاهر إن معنى كدر عبد وإن نانا وناخنتي اسما إلاهتين من إلاهات الكلدانيين فيكون معنى كدرلعومر عبد لعومر. ونستنتج من ذلك إن لعومر إله عيلامي. وقصة غزوة كدرلعومر ذكر في تكوين (ص ١٤).
  6. ملاك العهد – هذا الملاك هو الرب على ما ظهر في أماكن كثيرة من سفر التكوين وهو الرب يسوع المسيح كان يظهر في هيئة ملاك لأنه لم يكن قد تجسد.
  7. حياة يعقوب – اتفق أكثر مفسري اليهود والمسيحيين على أنه كان كل من عيسو ويعقوب يوم رجع يعقوب من حاران في سن السابعة والسبعين وإن أباهما أسحاق كان في سن المئة والسابعة والثلاثين. وكان يعقوب يوم دخل مصر في سن المئة والثلاثين (ص ٤٧: ٩). وكان يوسف يوم وقف أمام فرعون ابن ثلاثين سنة (ص ٤١: ٤٦). ولما كانت سنو الخصب سبعاً وكان قد مر سنتان من سني المجاعة يوم أعلن نفسه لإخوته فكان ابن نحو أربعين سنة يوم التقى بأبيه في مصر. وكان ابن سبع عشرة سنة يوم بيع وأُخذ إلى مصر (ص ٣٧: ٢). وإذا كان قد وُلد يوم طلب يعقوب من لابان الانصراف (ص ٣٠: ٢٥) وكان قد خدمه ست سنين فوق الأربع عشرة سنة (ص ٣١: ٤١) ينتج أن يوسف كان ابن سبع سنين يوم رجع يعقوب إلى أرض كنعان واستلزم ذلك إن يعقوب كان في سن الحادية والتسعين يوم وُلد له يوسف فبهذا تكون سنو إقامته في فدان أرام عشرين. وللعلماء في ذلك مناقشات وأقوال لا محل لها هنا.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى