سفر التكوين | 49 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ
مباركة الأسباط الاثني عشر
١، ٢ «١ وَدَعَا يَعْقُوبُ بَنِيهِ وَقَالَ: ٱجْتَمِعُوا لأُنْبِئَكُمْ بِمَا يُصِيبُكُمْ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ. ٢ اِجْتَمِعُوا وَٱسْمَعُوا يَا بَنِي يَعْقُوبَ، وَٱصْغُوا إِلَى إِسْرَائِيلَ أَبِيكُمْ».
تثنية ٣٣: ١ إلى ٢٩ عدد ٢٤: ١٤ وتثنية ٤: ٣٠ وإشعياء ٢: ٢ وإرميا ٢٣: ٢٠ ودانيال ٢: ٢٨ وأعمال ٢: ١٧ مزمور ٣٤: ١١
بِمَا يُصِيبُكُمْ هذا الإنباء قصيدة أجمع اليهود والنصارى على أنها نبوءة تكلم بها يعقوب بإلهام الروح القدس. وقبل الأخذ في تفسير هذه النبوءة نقول أنه في بداءة سكنى الأسباط أرض كنعان كان أشير على شطوط البحر الشمالية لا زبولون وجنوبي أشير نصف سبط منسى وجنوب هذا دان (قضاة ٥: ١٧). وكان زبولون في أواسط الأرض ولم يسكن سواحل البحر. وإن يهوذا بعد ترك رأوبين وشمعون ولاوي كان وارث البكورية.
آخِرِ ٱلأَيَّامِ كثيراً ما أتت هذه العبارة مقابلة لبداءة الأيام وقلما استُعملت لغير أيام المسيح. ومعناها هنا بعد غلبة الأسباط لأهل كنعان واستيلائهم على الأرض إلى أيام المسيح والأنباء بمجيئه.
٣ «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ ٱلرِّفْعَةِ وَفَضْلُ ٱلْعِزّ».
ص ٢٩: ٣٢ تثنية ٢١: ١٧ ومزمور ٧٨: ٥١ و١٠٥: ٣٦
أَوَّلُ قُدْرَتِي (كان البنون يُعدون قوة الآباء وإذ كان رأوبين بكر يعقوب كان أول قوته).
فَضْلُ ٱلرِّفْعَةِ الخ أي أفضلها لأنه أولها باعتبار أنه بكر.
٤ «فَائِراً كَٱلْمَاءِ لاَ تَتَفَضَّلُ، لأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ».
تثنية ٣٣: ٦ و١أيام ٥: ١ ص ٣٥: ٢٢ و١أيام ١: ٥ لاويين ١٨: ٨ وتثنية ٢٧: ٢٠
فَائِراً كَٱلْمَاءِ (إن الماء يرتفع بالفوران لكنه يهبط سريعاً وكان رأوبين كذلك فإنه كان البكر وأول القدرة والرفعة لكنه حرم البكورية وصار البكر يهوذا بدلاً منه). وقال بعض المفسرين أراد بذلك شدة هياج انفعالاته.
لاَ تَتَفَضَّلُ الخ أي لا تدرك ما كان يجب أن يكون لك من الفضل باعتبار أنك بكر لما أتيته من المحظور.
٥ «شَمْعُونُ وَلاَوِي أَخَوَانِ. آلاَتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا».
ص ٢٩: ٣٣ و٣٤ ص ٣٢: ٢٥ و٢٦
أَخَوَانِ الخ أي مثلان في السجايا والقصد والتدبير. والظاهر إنهما كانا أليفين وكانا أشد الظالمين لأخيهما يوسف وكان يهوذا قريباً منهما في السن. وكانت السيوف من صنع اليونان يأتي بها التجار إلى أرض كنعان.
٦ «فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لاَ تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلاَ إِنْسَاناً، وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْراً».
ص ٣٤: ١٣ وأمثال ١: ١٥ مزمور ٢٦: ٩ وأفسس ٥: ١١ ص ٣٤: ٢٥ و٢٦
مَجْلِسِهِمَا أي اتفاقهما ومعاهدتهما لأن مجلس اثنين يجلسان فيه وهما مثلان في الصفات كما ذُكر يستلزم اتفاقهما في المقاصد والمعاهدة على إجرائها.
بِمَجْمَعِهِمَا لاَ تَتَّحِدُ كَرَامَتِي أي إنهما اتحدا على ما أهانني. وأراد بالكرامة الرفعة والاستحقاق أمام الله وأمام الناس.
فِي غَضَبِهِمَا لأختهما.
قَتَلاَ إِنْسَاناً… عَرْقَبَا ثَوْراً الثور في العبارة الثانية هو الإنسان في العبارة الأولى والعبارتان مختلفتان لفظاً متفقتان معنىً. ومثل هذا كثير في الشعر العبراني. وكان القدماء يستعيرون «الثور» للرجل العظيم واستُعيرت في سفر المزامير للملوك والأمراء (مزمور ٢٢: ١٢) فيكون معنى الآية ان شمعون ولاوي في غضبهما للإساءة إلى أختهما قتلا حمور ملك شكيم وشعبه وذلك مجاوز لحدود العدل.
٧ «مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ».
عدد ٣٥: ٢ إلى ٨ ويشوع ١٩: ١ و٢١: ٣ إلى ٨
مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا لم يدن يعقوب شمعون ولاوي لغضبهما لأختهما بل لما نتج عن ذلك الغضب من الجور.
فَإِنَّهُ شَدِيدٌ يؤدي إلى شدة القسوة والجور فإنهما لما غضبا على أخيهما يوسف نفسه عزما على قتله.
أُقَسِّمُهُمَا تمت ههذ النبوءة بأنه لم يكن لأحد من سبطي شمعون ولاوي شأن في السياسة الإسرائيلية وكان سبطاهما منحطين عن إخوتهما ونسلاهما بلا قوة. وبيان أن نسلهما كان ينحط ويضعف إن الشمعونيين نقصوا في البرية فكانوا ٥٩٣٠٠ فصاروا ٢٢٢٠٠ (عدد ١: ٢٣ و٢٦: ١٤) وكان ذلك نصيب اللاويين إلا أن اللعنة تحولت بركة لأمانتهم للرب والله يرفع العقاب عن الأمناء له (خروج ٣٢: ٢٦ – ٢٨).
٨ «يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ».
ص ٢٩: ٣٥ أيوب ١٦: ١٢ ومزمور ١٨: ٤٠ ص ٢٧: ٢٩ و٢صموئيل ٥: ٢ و١أيام ٥: ٢ و٢٨: ٤
يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ سمي يهوذا بما يفيد الحمد لأن ليئة حين ولدته حمدت الرب (ص ٢٩: ٣٥). وكان من جملة بركات يهوذا ان الملوك كانوا من نسله فارتفع على رأوبين وشمعون ولاوي.
٩ «يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ٱبْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟»
رؤيا ٥: ٥ عدد ٢٣: ٢٤ و٢٤: ٩
يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ الخ قد رأينا أنه كان لكل من أولاد يعقوب خاتم كان ينوطه أي يعلقه بعنقه (ص ٣٨: ١٨) وكان على كل خاتم صورة شيء والمرجّح إن الصورة التي كانت على خاتم يهوذا صورة شبل أي جرو أسد والتي كانت على خاتم زبولون صورة نعجة والتي على خاتم يساكر صورة حمار والتي على خاتم دان صورة حية وهكذا. وأشار يعقوب بالأسد إلى القوة والشجاعة والعظمة وكان يهوذا متصفاً بذلك هو ونسله. وذكر اللبوءة مع الأسد لأنها أشد دفاعاً عن أولادها.
١٠ «لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ».
عدد ٢٤: ١٧ و٢صموئيل ٢: ٤ و٧: ١٢ إلى ١٦ مزمور ٦٠: ٧ و١٠٨: ٨ وإشعياء ٣٣: ٢٢ تثنية ٢٨: ٥٧ عبرانيين ٧: ١٤ إشعياء ١١: ١٠ و٤٢: ١ و٤٩: ٦ و٦٠: ٣ إلى ٥ ولوقا ٢: ٣١ و٣٢
لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا أي لا يزول صولجان الملك. وكان ذلك القضيب منقوشاً يعطيه الملك ابنه علامة على أنه يكون خليفته في الملك (انظر تفسير ص ٣٨: ١٨). ورجّح بعضهم إن المقصود بالقضيب هنا السبط لا الصولجان والمعنى أن ذلك السبط يبقى في مجده وعظمته.
وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ وترجمها بعض المحدثين بصولجان السلطة والمشترع هو الذي عليه الترجمات القديمة. وهو المعنى الذي للفظة في العبرانية (تثنية ٣٣: ٢١ وقضاة ٥: ١٤ وإشعياء ٣٣: ٢٢). ومعنى قوله «من بين رجليه» من نسله أو مواليده.
حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ ترجم كثيرون من المحدثين الأصل العبراني بقوله «حتى يأتي إلى شيلوه» (وهي مدينة) لكن هذه الترجمة رُفضت أولا لمخالفتها لكل الترجمات القديمة وثانياً لأنه بهذه الترجمة لا يبقى للأية من معنى. وكانت مدينة شيلوه في أرض أفرايم. ولم يُذكر قط إن سبط يهوذا أتى إليها وهُدمت قبل أن يعظم سبط يهوذا والذين هدموها الفلسطينيون. ومعنى شيلوه الذي يكون. وترجمها بعضهم بالمسالم وصانع السلام فتنطبق على لقب المسيح في سفر إشعياء (إشعياء ٩: ٦). وأشار إليه بولس الرسول بقوله «إِلَى أَنْ يَأْتِيَ ٱلنَّسْلُ ٱلَّذِي قَدْ وُعِدَ لَهُ» (غلاطية ٣: ١٩). واعتبرت هذه الآية أنها نبوءة بالمسيح ولم يعتبرها كذلك المسيحيون وحدهم بل اعتبرها كذلك اليهود أنفسهم في مؤلفات علمائهم القدماء ومنها التلمود وكلهم فسر شيلوه بالمسيح.
وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ ترجم راشي الخضوع هنا بالاجتماع وهو غير المعنى الصحيح فذلك الخضوع كما في ترجمتنا ويتبرهن ذلك من مجيء هذه اللفظة في عبارة في سفر الأمثال لا يصح غير الخضوع موضعها (أمثال ٣٠: ١٧). والمقصود «بالشعوب» هنا كل أمم الأرض. وفي ترجمة انكيلوس «وله يخضع الشعوب». وفي النسخة السامرية «وبيده الشعوب تُقاد». وفي السبعينية والسريانية والفلغاتا «وإياه تنتظر الأمم» أو «وهو يكون منتظَر الأمم».
١١ «رَابِطاً بِٱلْكَرْمَةِ جَحْشَهُ وَبِالْجَفْنَةِ ٱبْنَ أَتَانِهِ. غَسَلَ بِٱلْخَمْرِ لِبَاسَهُ وَبِدَمِ ٱلْعِنَبِ ثَوْبَهُ».
يوئيل ٣: ١٨ وعاموس ٩: ١٣ تثنية ٣٢: ١٤
رَابِطاً بِٱلْكَرْمَةِ جَحْشَهُ هذا يدل على أن أرضه تكون وافرة الخصب حتى إذا أراد الرجل أن يربط حماره لا يجد له مربطاً سوى الكرمة لكثرة أشجارها. وكانت هذه الكرمة على ما يفيد الأصل العبراني أرجوانية الثمر.
دَمِ ٱلْعِنَبِ الإشارة هنا إلى خمر العنب الأحمر وهو في الشرق أثمن من خمر العنب الأبيض. والغسل هنا يشير إلى كثرتها حتى تكون متيسرة كما يتيسر الماء.
١٢ «مُسْوَدُّ ٱلْعَيْنَيْنِ مِنَ ٱلْخَمْرِ، وَمُبْيَضُّ ٱلأَسْنَانِ مِنَ ٱللَّبَنِ».
مُسْوَدُّ ٱلْعَيْنَيْنِ مِنَ ٱلْخَمْرِ الخ (في العبرانية مظلم العينين من الخمر أو كليل العينين الخ) وقال بعضهم هذا كناية عن كثرة الخمر والخصب في أرض يهوذا. وجاء في الترجمة الإنكليزية «عيناه ستكونان حمراوين من الخمر». وفي غيرها من الترجمات «عيناه لامعتان» الخ وفي الفلغاتا «عيناه جميلتان» الخ. وقال أحد المفسرين الصواب أن تترجم الآية كلها «عيناه ستكونان أشد لمعاناً من الخمر وأسنانه أشد بياضاً من الثلج». والكلام ليس في شخص يهوذا عينه بل في نسله بياناً لنجاحه وابتهاجه لكثرة ثروته.
١٣ «زَبُولُونُ، عِنْدَ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ يَسْكُنُ، وَهُوَ عِنْدَ سَاحِلِ ٱلسُّفُنِ، وَجَانِبُهُ عِنْدَ صَيْدُونَ».
تثنية ٣٣: ١٩ ويشوع ١٩: ١١
زَبُولُونُ، عِنْدَ سَاحِلِ ٱلْبَحْرِ يَسْكُنُ الخ كانت أرض سبط زبولون عند بحر جنيسارت ولم تمتد إلى البحر المتوسط بمقتضى القسمة. ولا نعرف إتماماً لهذه النبوءة لكن موسى قال في زبولون ويساكر أنهما يأخذان ثروة البحار. والمرجّح أنهما بمجاورتهما للفينيقيين استوليا على جزء من ساحل البحر المتوسط فتكون معنى البركة أن سبط زبولون لا يكون رجاله فلاحين بل تجاراً. ومما يستحق النظر هنا إنه لا ذكر لصور في هذه الآية مع أنها أقرب المدن سهم زبولون. وكانت عاصمة المدن في عصر داود إنما ذُكرت صيدون القديمة (وهي المعروفة بصيدا اليوم).
١٤ « يَسَّاكَرُ حِمَارٌ جَسِيمٌ رَابِضٌ بَيْنَ ٱلْحَظَائِرِ».
يَسَّاكَرُ حِمَارٌ جَسِيمٌ لقب يساكر هنا له علتان الأولى علامة خاتمه فإنها كانت صورة حمار. والثانية بعض سجاياه فإنه أشبه الحمار لدأبه وصبره على الأعمال (انظر ص ١٦: ١٢) فإن إسماعيل شبه بحمار الوحش لما ذكُر وزيادة حب الحرية. لكن بقوله «جسم رابض بين الحظائر» دل على وفرة مرعاه وراحته بعد دأبه.
١٥ «فَرَأَى ٱلْمَحَلَّ أَنَّهُ حَسَنٌ، وَٱلأَرْضَ أَنَّهَا نَزِهَةٌ، فَأَحْنَى كَتِفَهُ لِلْحِمْلِ وَصَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْداً».
صَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْداً وفي العبرانية عاملاً مسخراً كأبناء الكنعانيين الذين جعلهم سليمان عبيد تسخير (١ملوك ٩: ٢١ و٢أيام ٨: ٨). وكان المسخرون يُعرفون في القرون المتوسطة بالعاملين بلا أجرة وعملهم الإجباري خدمة بلا ثواب. وذمّ إرميا النبي التسخير بقوله «وَيْلٌ لِمَنْ يَبْنِي بَيْتَهُ بِغَيْرِ عَدْلٍ وَعَلاَلِيَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، ٱلَّذِي يَسْتَخْدِمُ صَاحِبَهُ مَجَّاناً وَلاَ يُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ» (إرميا ٢٢: ١٣). وخلاصة معى الأية إن سبط يساكر يكون غنياً في الفلاحة ناجحاً فيها ويصبر على الجور لأجل ذلك النجاح.
١٦، ١٧ «١٦ دَانُ يَدِينُ شَعْبَهُ كَأَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. ١٧ يَكُونُ دَانُ حَيَّةً عَلَى ٱلطَّرِيقِ، أُفْعُواناً عَلَى ٱلسَّبِيلِ، يَلْسَعُ عَقِبَيِ ٱلْفَرَسِ فَيَسْقُطُ رَاكِبُهُ إِلَى ٱلْوَرَاءِ».
ص ٣٠: ٦ قضاة ١٤: ١٢ إلى ١٩ و١٨: ٢٧ إشعياء ١٤: ٢٩ وإرميا ٨: ١٧
دَانُ يَدِينُ (في هذه الآية نوع من البديع يُعرف في العربية بالاتفاق وهو أن يتفق للناثر أو الشاعر من الوقائع والأسماء ما يتوقع به نوع أخر من أنواع البديع كالجناس وحسن التعليل في الآية والمناسبة كقول بعضهم «دعوا بيت يعقوب من يوسف» يوم حضر الملك الناصر بيت يعقوب من حصون الشام وكلام الشاعر خطاب للإفرنج) وقال يعقوب هذا بياناً إن أبناء الجاريتين يكونون أسباطاً مستقلة بين إخوتهم ولكن كان نسله منحطاً عن نسل سائر الإخوة شيئاً فأعلن يعقوب بكلامه هنا إن دان لا يكون منحطاً. ومعنى قوله «يدين شعبه» إنه يكون مستقلاً بالحكم السبطي والسبطية. ويظهر أنه كانت سمة خاتم دان الحية. ومعنى قول يعقوب «يكون دان حية» الخ إن داناً وإن كان لضعفه لا يكون في مقدمة أبطال الحرب سيكون ذا جنود ذات شأن. وأكثر ما ظهر ذلك في أيام شمشون. ووصفه للحية هنا يدل على أنه أراد بها الحية السهمية التي تكمن في الطريق فإذا مر بها أحد اندفعت إليه كالسهم.
١٨ «لِخَلاَصِكَ ٱنْتَظَرْتُ يَا رَبُّ».
مزمور ١١٩: ١٦٦ و١٧٤
لِخَلاَصِكَ ٱنْتَظَرْتُ يَا رَبُّ هذه الآية معترضة هنا وكأنها أجنبية بالنظر إلى ما يقتضيه المقام والواقع ليس كذلك فإن يعقوب لما قال «يكون دان حية على الطريق افعواناً على السبيل يلسع عقبي الفرس ألخ» خطر في باله الحية التي ترصد عقب الإنسان ونسل المرأة الذي يسحق رأسها أي المخلص فأعلن إيمانه بذلك بقوله هذه الآية ولهذا أيضاً ذكر الرب (يهوه أي الله باعتبار كونه إله العهد) دون الله (إلوهيم أي الله باعتبار كونه إله العناية على الأرض).
١٩ «جَادُ يَزْحَمُهُ جَيْشٌ، وَلٰكِنَّهُ يَزْحَمُ مُؤَخَّرَهُ».
جَادُ يَزْحَمُهُ جَيْشٌ الخ كان سهم جاد شرقي الأردن فكان عرضة للغزاة فأنبأ يعقوب بأنه إذا غزاه الغزاة ونهبوا أرضه تأثرهم ورد النهب والسبي.
٢٠ «أَشِيرُ خُبْزُهُ سَمِينٌ وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ».
تثنية ٣٣: ٢٤
أَشِيرُ كان سهم هذا السبط ساحل البحر من جبل الكرمل إلى لبنان وكان خصباً جداً وما كان لزبولون السبط التجاري أن يصل إلى البحر إلا بالمرور في هذا السهم.
٢١ «نَفْتَالِي أَيِّلَةٌ مُسَيَّبَةٌ يُعْطِي أَقْوَالاً حَسَنَةً».
٢صموئيل ٢: ١٨ ومزمور ١٨: ٣٣
نَفْتَالِي الخ وصف جاد بأنه بطئ الحركة في الحرب ويكون عرضة لمفاجأة الغزاة ولكنه يتأهب في الحال ويتبعهم. ولكن وصف نفتالي بعكس ذلك أي بأنه يكون سريع الحركة كالأيلة المسيبة وإنه يُحسن إدارة الجيش بما يلقي عليه من الكلام الحسن المؤثر.
٢٢ – ٢٦ «٢٢ يُوسُفُ غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ عَلَى عَيْنٍ. أَغْصَانٌ قَدِ ٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ حَائِطٍ. ٢٣ فَمَرَّرَتْهُ وَرَمَتْهُ وَٱضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ ٱلسِّهَامِ. ٢٤ وَلٰكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، مِنْ هُنَاكَ مِنَ ٱلرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ، ٢٥ مِنْ إِلٰهِ أَبِيكَ ٱلَّذِي يُعِينُكَ، وَمِنَ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ٱلَّذِي يُبَارِكُكَ، تَأْتِي بَرَكَاتُ ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَبَرَكَاتُ ٱلْغَمْرِ ٱلرَّابِضِ تَحْتُ. بَرَكَاتُ ٱلثَّدْيَيْنِ وَٱلرَّحِمِ. ٢٦ بَرَكَاتُ أَبِيكَ فَاقَتْ عَلَى بَرَكَاتِ أَبَوَيَّ. إِلَى مُنْيَةِ ٱلآكَامِ ٱلدَّهْرِيَّةِ تَكُونُ عَلَى رَأْسِ يُوسُفَ وَعَلَى قِمَّةِ نَذِيرِ إِخْوَتِهِ».
مزمور ١: ٣ وإرميا ١٧: ٨ ص ٣٧: ٢٤ و٢٨ و٣٩: ٢٠ أيوب ٢٩: ٢٠ مزمور ١٣٢: ٢ و٥ ص ٤٨: ١٥ ومزمور ٨٠: ١ تثنية ٣٢: ٤ ومزمور ٧٨: ٣٥ وإشعياء ١٧: ١٠ ص ٢٨: ١٣ و٢١ و٤٣: ٢٣ ٢ ١٧: ١ و٣٥: ١١ ص ٢٧: ٢٨ و٢٩ وتثنية ٣٣: ١٣ ص ٧: ١١ وتثنية ٣٣: ١٥ وحبقوق ٣: ٦ ص ٣٧: ١٨ و٢٠ وتثنية ٣٣: ١٦
يُوسُفُ بارك يعقوب هنا يوسف مباركة ممتازة أحسن من مباركة كل من إخوته. وكان يجتهد أن يباركه بما فوق قوته لأنه كان أحب أبناءه إليه وابن زوجته المحبوبة ومخلص آل إسرائيل من الموت جوعاً وحاكم مصر فعلاً وقد وهب له نصيب البكر بأن أعطاه سبطين ولكل من إخوته سبطاً واحداً ولكنه لم يستطع أن يهب له الملك فإنه كان قد وصف يهوذا وصفاً واضحاً بأنه أسد وإن قوته وبأسه وسلطانه على انتصار آل إسرائيل وملكهم وإنه يكون له صولجان الملك ولا يزول منه حتى يأتي من له حق الملك الأبدي.
غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ وفي العبرانية أبن شجرة مثمرة فيكون المقصود بالابن هنا غصن على ما يقتضي كمال التشبيه.
عَلَى عَيْنٍ فهي لا تعطش.
أَغْصَانٌ قَدِ ٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ حَائِطٍ وفي العبرانية «بنات قد ارتفعت إلخ». ولعل المقصود بها هنا الغُصينات فيكون المعنى أن أغصانه وغُصيناته ارتفعت الخ والمعنى من ذلك أنه كثير النسل والنمو.
أَرْبَابُ ٱلسِّهَامِ (ع ٢٣) أي الرماة. ذكر يعقوب هنا أحزان يوسف في بدء التشبيه لكن على أسلوب شعري لم يجرح به إخوته ويعذب قلوبهم أو يهيج انفعال الانتقام في فؤاد يوسف.
ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ (ع ٢٤) أي إنه يغلب أعداء الرماة.
مِنْ هُنَاكَ مِنَ ٱلرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ أي تأتيه القوة والصون من السماء مكان الله الأسمى راعي إسرائيل وحصنه المتين. أي إن نصر يوسف من رب العلى ملك إسرائيل المعتني والواقي الحفيظ.
مِنْ إِلٰهِ أَبِيكَ (ع ٢٥) أي الله الذي اعتنى بأبيك وحفظه.
بَرَكَاتُ ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ المطر و الندى.
بَرَكَاتُ ٱلْغَمْرِ ٱلرَّابِضِ المياه التي تخرج من العيون وتصير أنهاراً.
بَرَكَاتُ أَبِيكَ فَاقَتْ عَلَى بَرَكَاتِ أَبَوَيَّ المعنى لتكن بركات الله عليك مني أكثر من البركات التي من أبوي إبراهيم وإسحاق. ويعني هنا كل البركات سوى بركة ولادة المسيح من نسله لأنها كانت بقضاء الله من نسل يهوذا.
إِلَى مُنْيَةِ ٱلآكَامِ ٱلدَّهْرِيَّةِ أي ما دامت الجبال. قال بعض المفسرين لما كانت هذه البركة غير البركة الروحية التي كانت ليهوذا رأى أكثر المفسرين أن يترجم الآية العبرانية بقوله «بركات أبيك أعظم من بركات الجبال القديمة وأشهى (أو أجمل) من الآكام الأبدية» وهذا موافق للنسخة السامرية والترجمة السبعينية.
نَذِيرِ إِخْوَتِهِ أي الممتاز عنهم والمفضل عليهم.
٢٧ «بِنْيَامِينُ ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ. فِي ٱلصَّبَاحِ يَأْكُلُ غَنِيمَةً وَعِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يُقَسِّمُ نَهْباً».
عدد ٢٣: ٢٤ وقضاة ٢٠: ٢١ و٢٥ وحزقيال ٢٢: ٢٧ أستير ٨: ١١ وحزقيال ٣٩: ١٠ وزكريا ١٤: ١
بِنْيَامِينُ كانت صفات نسله وسجاياه منطبقة على وصفه لأنه كان رجاله شجعاناً وأبطال حرب أكثر من سائر أسباط إسرائيل. وفي كلام يعقوب في الأسباط موافقة لكلام موسى فيهم وإشارة إلى المسيح.
٢٨ – ٣٢ «٢٨ جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ هُمْ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ ٱلِٱثْنَا عَشَرَ. وَهٰذَا مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ أَبُوهُمْ وَبَارَكَهُمْ. كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ بَرَكَتِهِ بَارَكَهُمْ. ٢٩ وَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا أَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِي. اِدْفِنُونِي عِنْدَ آبَائِي فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِي حَقْلِ عِفْرُونَ ٱلْحِثِّيِّ. ٣٠ فِي ٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِي حَقْلِ ٱلْمَكْفِيلَةِ ٱلَّتِي أَمَامَ مَمْرَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، ٱلَّتِي ٱشْتَرَاهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ ٱلْحَقْلِ مِنْ عِفْرُونَ ٱلْحِثِّيِّ مُلْكَ قَبْرٍ. ٣١ هُنَاكَ دَفَنُوا إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ ٱمْرَأَتَهُ. هُنَاكَ دَفَنُوا إِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ ٱمْرَأَتَهُ. وَهُنَاكَ دَفَنْتُ لَيْئَةَ. ٣٢ شِرَاءُ ٱلْحَقْلِ وَٱلْمَغَارَةِ ٱلَّتِي فِيهِ كَانَ مِنْ بَنِي حِثَّ».
ص ٢٥: ٨ و٣٥: ٢٩ ص ٤٧: ٣٠ و٢صموئيل ١٩: ٣٧ ص ٢٣: ١٩ و٥٠: ١٣ ص ٢٣: ١٩ و٢٥: ٩ ص ٣٥: ٢٩
جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ هُمْ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ ٱلٱثْنَا عَشَرَ وكان كل من هؤلاء الأسباط سوى لاوي مستقلاً بسياسته كالولايات الأميركية لأنه اختير للكهنوت وحل محله سبطان هما ابنا يوسف.
٣٣ «وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ بَنِيهِ ضَمَّ رِجْلَيْهِ إِلَى ٱلسَّرِيرِ، وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ».
ع ٢٩
ضَمَّ رِجْلَيْهِ إِلَى ٱلسَّرِيرِ يتبين من هذا إن ما أُنبئ به من الحوادث في (ص ٤٨ وص ٤٩) كان في ذلك الوقت عينه. وقد تبين لنا إن يعقوب بذل كل ما بقي له من القوة في الجلوس على السرير حتى نفدت قوته فضم رجليه الخ انظر ع ١٢) وانتقل إلى الراحة الأبدية.
السابق |
التالي |