سفر التكوين | 44 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ
وضع الطاس في عدل بنيامين
١، ٢ «١ ثُمَّ أَمَرَ ٱلَّذِي عَلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: ٱمْلأ عِدَالَ ٱلرِّجَالِ طَعَاماً حَسَبَ مَا يُطِيقُونَ حِمْلَهُ، وَضَعْ فِضَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي فَمِ عِدْلِهِ. ٢ وَطَاسِي، طَاسَ ٱلْفِضَّةِ، تَضَعُ فِي فَمِ عِدْلِ ٱلصَّغِيرِ، وَثَمَنَ قَمْحِهِ. فَفَعَلَ بِحَسَبِ كَلاَمِ يُوسُفَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ».
ص ٤٢: ٢٥
وَطَاسِي… تَضَعُ كان هذا الطاس ما يُصب الخمر منه في الأقداح. وما كان في غاية يوسف من ذلك أن يمسك سوى بنيامين ولكن ما قاله يهوذا في شأن أبيه يعقوب وحبه لبنيامين لأنه الباقي من ابني راحيل وما يكون من وفرة الحزن القاتل له إذا لم يرجع إليه بنيامين حمله على إظهار نفسه لهم وإطلاقهم جميعاً.
٣ – ٥ «٣ فَلَمَّا أَضَاءَ ٱلصُّبْحُ ٱنْصَرَفَ ٱلرِّجَالُ هُمْ وَحَمِيرُهُمْ. ٤ وَلَمَّا كَانُوا قَدْ خَرَجُوا مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَلَمْ يَبْتَعِدُوا، قَالَ يُوسُفُ لِلَّذِي عَلَى بَيْتِهِ: قُمِ ٱسْعَ وَرَاءَ ٱلرِّجَالِ، وَمَتَى أَدْرَكْتَهُمْ فَقُلْ لَهُمْ: لِمَاذَا جَازَيْتُمْ شَرّاً عِوَضاً عَنْ خَيْرٍ؟ ٥ أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي يَشْرَبُ سَيِّدِي فِيهِ؟ وَهُوَ يَتَفَاءَلُ بِهِ. أَسَأْتُمْ فِي مَا صَنَعْتُمْ».
ص ٣٠: ٢٧ و١ملوك ٢٠: ٣٣
يَتَفَاءَلُ بِهِ كان طاس التفاءل مما شاع في مصر في الأزمنة القديمة فكانوا يملأون الطاس ماء وينظر المتفائل في نقطة من سطح الماء لا يحول نظره عنها إلى أن يعيي ويعروه النعاس ويصير العقل إلى حال الحلم. وكان يحدث مثل ذلك من إدامة النظر إلى كرة من الزجاج وما شاكلها. وفي الآية الخامسة عشرة أبان يوسف أنه كان يمارس ذلك. ومع أن ذلك استُعمل للخداع كان في الحقيقة مشاكلاً لما يُعرف بالنوم المسمري وهو أمر طبيعي لكن الناس حسبوه يومئذ مما فوق الطبيعة لنقص العلم. وأحوال يوسف من ذكائه وتقاه وصلاحه لم ترفعه عن العناية بتلك الخرافة الشائعة في عصره.
٦ – ٨ «٦ فَأَدْرَكَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ هٰذَا ٱلْكَلاَمَ. ٧ فَقَالُوا لَهُ: لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ سَيِّدِي مِثْلَ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ؟ حَاشَا لِعَبِيدِكَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ هٰذَا ٱلأَمْرِ! ٨ هُوَذَا ٱلْفِضَّةُ ٱلَّتِي وَجَدْنَا فِي أَفْوَاهِ عِدَالِنَا رَدَدْنَاهَا إِلَيْكَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. فَكَيْفَ نَسْرِقُ مِنْ بَيْتِ سَيِّدِكَ فِضَّةً أَوْ ذَهَباً؟».
ص ٤٣: ٢١
حَاشَا الخ أي ذلك بعيد عن عبيدك.
٩ – ١٣ «٩ ٱلَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِكَ يَمُوتُ، وَنَحْنُ أَيْضاً نَكُونُ عَبِيداً لِسَيِّدِي. ١٠ فَقَالَ: نَعَمِ، ٱلآنَ بِحَسَبِ كَلاَمِكُمْ هٰكَذَا يَكُونُ. ٱلَّذِي يُوجَدُ مَعَهُ يَكُونُ لِي عَبْداً، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ. ١١ فَٱسْتَعْجَلُوا وَأَنْزَلُوا كُلُّ وَاحِدٍ عِدْلَهُ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَفَتَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عِدْلَهُ. ١٢ فَفَتَّشَ مُبْتَدِئاً مِنَ ٱلْكَبِيرِ حَتَّى ٱنْتَهَى إِلَى ٱلصَّغِيرِ. فَوُجِدَ ٱلطَّاسُ فِي عِدْلِ بِنْيَامِينَ. ١٣ فَمَزَّقُوا ثِيَابَهُمْ وَحَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِمَارِهِ وَرَجَعُوا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ».
ص ٣١: ٣٢ ص ٣٧: ٢٩ و٣٤ وعدد ١٤: ٦ و٢صموئيل ١: ١١
يَمُوتُ الخ قالوا ذلك لتحققهم أنهم أبرياء مما اتهموا به فكانوا في مثل حال يعقوب يوم أُتهم بسرقة الترافيم (ص ٣١: ٣٢). فقالوا أن المرتكب يموت وان الباقين يكونون عبيداً وأنزلوا عدالهم وأمتعتهم للفحص. وكان أمين بيت يوسف يعرف أين الطاس فقال الذي يوجد الطاس في عدله هو الذي يعاقب بأن يكون عبداً لا بأن يُقتل. وابتدأ بعدل رأوبين فوجد فيه الفضة ولكن قلما أكترث بذلك وأخذ في فحص عدل الثاني وهكذا. وكان كل منهم يرى ما لم يكن يعلم به فارتبكوا وخافوا خوفاً عظيماً وعرفوا أنهم صاروا عبيداً ولكنهم لما رأوا الطاس في عدل بنيامين قنطوا ومزقوا ثيابهم لشدة الحزن.
١٤ – ١٧ «١٤ فَدَخَلَ يَهُوذَا وَإِخْوَتُهُ إِلَى بَيْتِ يُوسُفَ وَهُوَ بَعْدُ هُنَاكَ، وَوَقَعُوا أَمَامَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ. ١٥ فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: مَا هٰذَا ٱلْفِعْلُ ٱلَّذِي فَعَلْتُمْ؟ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَجُلاً مِثْلِي يَتَفَاءَلُ؟ ١٦ فَقَالَ يَهُوذَا: مَاذَا نَقُولُ لِسَيِّدِي؟ مَاذَا نَتَكَلَّم، وَبِمَاذَا نَتَبَرَّرُ؟ ٱللهُ قَدْ وَجَدَ إِثْمَ عَبِيدِكَ. هَا نَحْنُ عَبِيدٌ لِسَيِّدِي، نَحْنُ وَٱلَّذِي وُجِدَ ٱلطَّاسُ فِي يَدِهِ جَمِيعاً. ١٧ فَقَالَ: حَاشَا لِي أَنْ أَفْعَلَ هٰذَا! ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي وُجِدَ ٱلطَّاسُ فِي يَدِهِ هُوَ يَكُونُ لِي عَبْداً، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَٱصْعَدُوا بِسَلاَمٍ إِلَى أَبِيكُمْ».
ص ٣٧: ٧ أيوب ١٠: ٦ ع ٩ ص ١٨: ٢٥ وأمثال ١٧: ١٥
حَاشَا الخ أي أنا بعيد عن ذلك أو انزه نفسي عن ذلك. لم يلتفت يوسف إلى الفضة التي أمر بوضعها في عدالهم ليستعينوا بها في ما بقي من سني المجاعة لأنه لم يكن يقصد بقاء أحد منهم سوى بنيامين ليحمل أباه إلى المجيء إلى مصر فقال لهم إن بنيامين صار عبداً له. فلو كانوا باقين على قساوتهم يوم باعوا يوسف بالفضة لتركوا بنيامين لبلائه ورجعوا بما معهم إلى عيالهم لكنهم كانوا قد تغيروا فأخذوا يبذلون كل ما في وسعهم في إنقاذه مع معرفتهم إنهم صاروا إلى حال اليأس من ذلك ولعلهم اعتقدوا أن بنيامين كان بريئاً كبراءتهم من أخذ الفضة وذكروا أن الحاكم كان قد أكرمه كثيراً فلا بد من أنهم استنتجوا من ذلك أن الحاكم أتى ذلك رغبة في إبقاء بنيامين في خدمته لأمر لم يعلموه.
١٨ «ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَهُوذَا وَقَالَ: ٱسْتَمِعْ يَا سَيِّدِي. لِيَتَكَلَّمْ عَبْدُكَ كَلِمَةً فِي أُذُنَيْ سَيِّدِي وَلاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَى عَبْدِكَ، لأَنَّكَ مِثْلُ فِرْعَوْنَ».
ص ٥٠: ٤ و١صموئيل ١٨: ٢٣ ص ١٨: ٣٠ و٣٢ وخروج ٣٢: ٢٢
ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَهُوذَا الخ وقعت كلمات يهوذا في محلها لأنها كانت عن يقين قلبه وعلى وفق الواقع فأثرت في نفس يوسف أحسن تأثير وظهر فيها شدة شعوره بحزن أبيه الشديد وما يؤدي إليه. وقد أبان يهوذا أنه لولا الاهتمام برفع الظنة وهي اتهامهم بأنهم جواسيس لم يأتوا ببنيامين ويبعدوه عن أبيه يوماً واحداً.
١٩ – ٢٨ «١٩ سَيِّدِي سَأَلَ عَبِيدَهُ: هَلْ لَكُمْ أَبٌ أَوْ أَخٌ؟ ٢٠ فَقُلْنَا لِسَيِّدِي: لَنَا أَبٌ شَيْخٌ، وَٱبْنُ شَيْخُوخَةٍ صَغِيرٌ، مَاتَ أَخُوهُ وَبَقِيَ هُوَ وَحْدَهُ لأُمِّهِ، وَأَبُوهُ يُحِبُّهُ. ٢١ فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: ٱنْزِلُوا بِهِ إِلَيَّ فَأَجْعَلَ نَظَرِي عَلَيْهِ. ٢٢ فَقُلْنَا لِسَيِّدِي: لاَ يَقْدِرُ ٱلْغُلاَمُ أَنْ يَتْرُكَ أَبَاهُ. وَإِنْ تَرَكَ أَبَاهُ يَمُوتُ. ٢٣ فَقُلْتَ لِعَبِيدِكَ: إِنْ لَمْ يَنْزِلْ أَخُوكُمُ ٱلصَّغِيرُ مَعَكُمْ لاَ تَعُودُوا تَنْظُرُونَ وَجْهِي. ٢٤ فَكَانَ لَمَّا صَعِدْنَا إِلَى عَبْدِكَ أَبِي أَنَّنَا أَخْبَرْنَاهُ بِكَلاَمِ سَيِّدِي. ٢٥ ثُمَّ قَالَ أَبُونَا: ٱرْجِعُوا ٱشْتَرُوا لَنَا قَلِيلاً مِنَ ٱلطَّعَامِ. ٢٦ فَقُلْنَا: لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَنْزِلَ. وَإِنَّمَا إِذَا كَانَ أَخُونَا ٱلصَّغِيرُ مَعَنَا نَنْزِلُ، لأَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَنْظُرَ وَجْهَ ٱلرَّجُلِ وَأَخُونَا ٱلصَّغِيرُ لَيْسَ مَعَنَا. ٢٧ فَقَالَ لَنَا عَبْدُكَ أَبِي: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱمْرَأَتِي وَلَدَتْ لِي ٱثْنَيْنِ، ٢٨ فَخَرَجَ ٱلْوَاحِدُ مِنْ عِنْدِي، وَقُلْتُ: إِنَّمَا هُوَ قَدِ ٱفْتُرِسَ ٱفْتِرَاساً. وَلَمْ أَنْظُرْهُ إِلَى ٱلآنَ».
ص ٤٣: ٧ ص ٣٧: ٣ ص ٣٧: ٢٠ ص ٤٢: ١٥ و٢٠ مزمور ٣٣: ١٨ و٣٤: ١٥ وإرميا ٣٩: ١٢ و٤٠: ٤ ص ٤٢: ٣٨ ص ٤٣: ٣ و٥ ص ٤٢: ٢٩ إلى ٣٤ و٤٣: ٣ ص ٤٣: ٢ ص ٤٦: ١٩ ص ٣٧: ٣٣
فَخَرَجَ ٱلْوَاحِدُ ذكر فقدان أحد الاثنين الذي حسبه يعقوب قد مات كان تمهيداً لبيان شدة محبة يعقوب لبنيامين. ولا بد من أن ذكر أمه راحيل أثر في قلب يوسف ولم ينتبه يهوذا لذلك.
٢٩ «فَإِذَا أَخَذْتُمْ هٰذَا أَيْضاً مِنْ أَمَامِ وَجْهِي وَأَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ، تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِشَرٍّ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ».
ص ٤٢: ٣٨
ٱلْهَاوِيَةِ دار الأموات.
٣٠ – ٣٤ «٣٠ فَٱلآنَ مَتَى جِئْتُ إِلَى عَبْدِكَ أَبِي، وَٱلْغُلاَمُ لَيْسَ مَعَنَا، وَنَفْسُهُ مُرْتَبِطَةٌ بِنَفْسِهِ، ٣١ يَكُونُ مَتَى رَأَى أَنَّ ٱلْغُلاَمَ مَفْقُودٌ، أَنَّهُ يَمُوتُ، فَيُنْزِلُ عَبِيدُكَ شَيْبَةَ عَبْدِكَ أَبِينَا بِحُزْنٍ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ، ٣٢ لأَنَّ عَبْدَكَ ضَمِنَ ٱلْغُلاَمَ لأَبِي قَائِلاً: إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ أَصِرْ مُذْنِباً إِلَى أَبِي كُلَّ ٱلأَيَّامِ. ٣٣ فَٱلآنَ لِيَمْكُثْ عَبْدُكَ عِوَضاً عَنِ ٱلْغُلاَمِ، عَبْداً لِسَيِّدِي، وَيَصْعَدِ ٱلْغُلاَمُ مَعَ إِخْوَتِهِ. ٣٤ لأَنِّي كَيْفَ أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَٱلْغُلاَمُ لَيْسَ مَعِي؟ لِئَلاَّ أَنْظُرَ ٱلشَّرَّ ٱلَّذِي يُصِيبُ أَبِي!».
١صموئيل ١٨: ١ ص ٤٣: ٩ خروج ٣٢: ٣٢
عَبْدَكَ ضَمِنَ ٱلْغُلاَم أبان يهوذا بهذا علة اجتهاده في إنقاذ بنيامين وزاد على ذلك أنه لا يحتمل أن يشاهد أباه صائراً إلى مثل ذلك الحزن العظيم. ولم يطلب يوسف مزيداً على ما قال يهوذا لأنه كان وافياً بإقناعه فرأى أن إمساك بنيامين عن يعقوب ولو مدة قصيرة قسوة شديدة وإن إخوته صاروا إلى حال استحقوا بها المحبة فضلاً عن المغفرة.
السابق |
التالي |