سفر التكوين | 42 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ
زيارة إخوة يوسف الأولى لمصر
١، ٢ «١ فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ، قَالَ يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: لِمَاذَا تَنْظُرُونَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ ٢ إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَمْحٌ فِي مِصْرَ. ٱنْزِلُوا إِلَى هُنَاكَ وَٱشْتَرُوا لَنَا مِنْ هُنَاكَ لِنَحْيَا وَلاَ نَمُوتَ».
أعمال ٧: ١٢ ص ٤٣: ٨ ومزمور ١١٨: ١٧ وإشعياء ٣٨: ١
فَلَمَّا رَأَى يَعْقُوبُ الخ أي علم الخ. وقد رأينا إن القوافل كانت تسير من فلسطين إلى مصر وإنه كانت التجارة مشهورة بين البلادين (ص ٣٧: ٢٥) فلا شك في أن يعقوب عرف من ذلك وفرة الحنطة في مصر.
لِمَاذَا تَنْظُرُونَ كان يعقوب وأولاده أنفسهم في حاجة إلى الطعام في تلك الأيام وقد ضعفت مواشيهم من قلة المرعى (وربما مات كثير منها) وأخذ الموت يجرف كثيرين من الناس. فمعنى يعقوب لماذا ينظر بعضكم إلى بعض حيرة من الأمر ولكم أن تذهبوا إلى مصر وتأتوا بما يحييكم ويدفع عنكم الموت جوعاً.
٣، ٤ «٣ فَنَزَلَ عَشَرَةٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِيَشْتَرُوا قَمْحاً مِنْ مِصْرَ. ٤ وَأَمَّا بِنْيَامِينُ أَخُو يُوسُفَ فَلَمْ يُرْسِلْهُ يَعْقُوبُ مَعَ إِخْوَتِهِ، لأَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّهُ تُصِيبُهُ أَذِيَّةٌ».
ع ٣٨
عَشَرَةٌ مِنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لأن مواشيهم كانت قد ضعفت من الجوع أو قلّت كثيراً وإن الخدم قلّوا كذلك فاضطروا أن يسافروا هم أنفسهم ولعلهم أخذوا بعض الباقين من الخدم لمساعدتهم على حمل الحبوب ونقلها. على أن المعروف أنه كان قد بقي لهم كثير من البهائم يوم ذهبوا إلى مصر (ص ٤٧: ١) وإنه كان عندهم كثير من الخدم (ص ٤٦: ٥). ويوسف أرسل إلى بيت أبيه فوق ما أخذه إخوته اثنين وعشرين جملاً (ص ٤٥: ٢١ – ٢٣). والظاهر أن القحط لم يكن شديداً في فلسطين. ولعله نزل فيها مطر قليل كان وافياً بحفظ حياتهم وحياة بهائمهم وقتاً طويلاً لكنه لم يكن مغنياً لهم عن غلة مصر ولأن ما بقي لهم كان قليلاً جداً حتى إذا لم يأتوا بطعام من الخارج ماتوا.
٥، ٦ «٥ فَأَتَى بَنُو إِسْرَائِيلَ لِيَشْتَرُوا بَيْنَ ٱلَّذِينَ أَتَوْا، لأَنَّ ٱلْجُوعَ كَانَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. ٦ وَكَانَ يُوسُفُ هُوَ ٱلْمُسَلَّطَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْبَائِعَ لِكُلِّ شَعْبِ ٱلأَرْضِ. فَأَتَى إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى ٱلأَرْضِ».
أعمال ٧: ١١ ص ٤١: ٤١ و٤٥: ٨ ص ٤١: ٥٦ ص ٣٧: ٧ و٩ و١٠ و٤٣: ٢٦ و٢٨
فَأَتَى إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ لا ريب في أن يوسف كان قد أقام أناساً لبيع الحنطة يبيعون كما يأمرهم فكيف أتى إخوته إليه رأساً. إن علة ذلك كثرتهم لأنهم عشرة ولكل خدم وعبيد فكانوا ممن يُنظر إليهم بريبة فلما دخلوا مصر رُفع أمرهم إلى يوسف حاكمها لينظر في أمرهم كما كان الأمر مع إبراهيم يوم دخل مصر (ص ١٢: ١٤ و١٥). فكان المصريون يرتابون من كل جماعة غريبة تدخل أرضهم ولا سيما الجماعات التي تدخلها من الحدود العربية.
٧ « وَلَمَّا نَظَرَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ عَرَفَهُمْ، فَتَنَكَّرَ لَهُمْ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِجَفَاءٍ، وَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَقَالُوا: مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ لِنَشْتَرِيَ طَعَاماً».
١ملوك ١٤: ٥ و٦
تَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِجَفَاءٍ عاملهم بقسوة وما اكتفى حتى قسا على أبيه بإجباره على إرسال بنيامين. ولا ريب في أن الذي حمله على ذلك الإجبار شدة شوقه إلى أخيه ولم يخطر على باله شدة ذلك على أبيه يعقوب ومقدار محبته لبنيامين. ولكن فراق بنيامين ليعقوب كان وقتياً تمهيداً للقاء مبهج جداً على أنه كان يقصد لهؤلاء الإخوة الخائنين ما لا يستحقونه من الإحسان وإنما أتى ما أتاه امتحاناً ليعلم هل باقون هم قساة كما كانوا يوم ألقوه في الجب منذ عشرين سنة فإن كانوا كذلك تركهم لنصيبهم كيف كان. وأما قصده من أول الأمر فهو أن يأتي إليه أبوه وأخوه ليشاركاه في سعادته. ولا يبعد أنه هاج غضبه عليهم في بدء مواجهتهم إياه لكنه سكن سريعاً لما رآهم غير خالين من الشعور الحسن (انظر ع ٢٢ و٢٤).
٨ «وَعَرَفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ».
عَرَفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ تكرار هذه العبارة حمل بعضهم على القول بأن يوسف عرفهم في الآية السابقة معرفة يخامرها الشك لأنه استدل على أنهم كنعانيون من ثيابهم وظن مما بقي في خياله من ملامحهم إنهم إخوته ولكنه لما تكلموا بالعبرانية زالت كل شكوكه (ع ٢٣). وأما هم فلم يعرفوه لأنه كان يتكلم بالمصرية وكان ابن نحو سبع وثلاثين سنة وكان يوم باعوه ابن سبع عشرة سنة فتغيرت هيئته أكثر مما تغيرت هيآتهم.
٩ «فَتَذَكَّرَ يُوسُفُ ٱلأَحْلاَمَ ٱلَّتِي حَلُمَ عَنْهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! لِتَرَوْا عَوْرَةَ ٱلأَرْضِ جِئْتُمْ!».
ص ٣٧: ٥ و٩
جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ كان المصريون في تلك الأيام يرتابون في كل غريب ولا سيما الساميين وقد بنوا حصوناً كثيرة دفعاً لهجماتهم فكان لا بد من أن يرتابوا من إخوة يوسف وينظروا في أمرهم إلى أن يتحققوا غايتهم.
عَوْرَةَ ٱلأَرْضِ المرجّح أن إخوة يوسف توقعوا أن يُشكوا بذلك فإن المصريين كثيراً ما غُزوا من جهة فلسطين لقلة الحصون على حدودها وكثيراً ما التظت الحرب بينهم وبين الحثيين وإن الرعاة الذين استولوا على مصر كانوا ساميين من فلسطين وهذا كان علة الريبة من كل فلسطيني يدخل مصر. وأراد «بعورة الأرض» عدم حصونها أو قلتها.
١٠ – ١٣ «١٠ فَقَالُوا لَهُ: لاَ يَا سَيِّدِي. بَلْ عَبِيدُكَ جَاءُوا لِيَشْتَرُوا طَعَاماً. ١١ نَحْنُ جَمِيعُنَا بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ. نَحْنُ أُمَنَاءُ. لَيْسَ عَبِيدُكَ جَوَاسِيسَ. ١٢ فَقَالَ لَهُمْ: كَلاَّ! بَلْ لِتَرَوْا عَوْرَةَ ٱلأَرْضِ جِئْتُمْ. ١٣ فَقَالُوا: عَبِيدُكَ ٱثْنَا عَشَرَ أَخاً. نَحْنُ بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. وَهُوَذَا ٱلصَّغِيرُ عِنْدَ أَبِينَا ٱلْيَوْمَ، وَٱلْوَاحِدُ مَفْقُودٌ».
ص ٣٧: ٣٠ و٤٤: ٢٠ ومراثي إرميا ٥: ٧
لِيَشْتَرُوا طَعَاماً (هذا هو الواقع لكنه ليس ببرهان على أنهم ليسوا بجواسيس).
بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ الخ هذا دليل على أنهم ليسوا جواسيس لأنه لا أحد من الناس يرسل عشرة من أولاده للتجسس ويعرضهم جميعاً للهلاك فما بقي لصحة الدليل إلا أن يعرف أنهم أبناء واحدٍ. ولا ريب في أن يوسف كان مبتهجاً من إقرارهم لأنه عرف منهم سلامة أبيه وأخيه.
١٤ «فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: ذٰلِكَ مَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ قَائِلاً: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ».
ذٰلِكَ الخ أتى يوسف هذا بعد ما وقف عليه من بيانهم رغبة في أن يحصل على بنيامين ولم يكن قد استقر على طريق معامتلهم لأنه بالطبع كان قد غضب عليهم لإسائتهم السابقة ولكن يرجح أنه لم يكن مريداً الانتقام منهم ومعاقتهبم كما يستحقون.
١٥ – ١٧ «١٥ بِهٰذَا تُمْتَحَنُونَ. وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ لاَ تَخْرُجُونَ مِنْ هُنَا إِلاَّ بِمَجِيءِ أَخِيكُمُ ٱلصَّغِيرِ إِلَى هُنَا. ١٦ أَرْسِلُوا مِنْكُمْ وَاحِداً لِيَجِيءَ بِأَخِيكُمْ، وَأَنْتُمْ تُحْبَسُونَ، فَيُمْتَحَنَ كَلاَمُكُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ صِدْقٌ. وَإِلاَّ فَوَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ إِنَّكُمْ لَجَوَاسِيسُ! ١٧ فَجَمَعَهُمْ إِلَى حَبْسٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ».
ص ٤٣: ٣ و١صموئيل ١: ٢٦ و٢٨ و١٧: ٥٥ و٢صموئيل ١١: ١١ ص ٤٣: ٥ و٤٤: ٢٣
وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ كانوا في الأزمنة القديمة يحلفون «بحياة الملك» (انظر ١صموئيل ١٧: ٥٥ و٢صموئيل ١٤: ١٩) و «بحياة الرب» (٢صموئيل ١٥: ٢١ و٢ملوك ٢٢ و٤ و٦). (ولا يزالون إلى اليوم يحلفون بحياة رأس الملك). ولم يمنع هذا الحلف إلا في الإنجيل (متّى ٥: ٢٣ – ٣٧).
١٨ «ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ: ٱفْعَلُوا هٰذَا وَٱحْيُوا. أَنَا خَائِفُ ٱللهِ».
لاويين ٢٥: ٤٣ ونحميا ٥: ١٥
خَائِفُ ٱللهِ «إلوهيم». بهذا عرفوا أنه كان يعبد الإله الواحد الذي كانوا هم يعبدونه ومع إنه تكلم في اللغة المصرية دل على ذلك بما ينطبق عليه بكل اعتناء.
١٩، ٢٠ «١٩ إِنْ كُنْتُمْ أُمَنَاءَ فَلْيُحْبَسْ أَخٌ وَاحِدٌ مِنْكُمْ فِي بَيْتِ حَبْسِكُمْ، وَٱنْطَلِقُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا قَمْحاً لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ. ٢٠ وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ ٱلصَّغِيرَ إِلَيَّ، فَيَتَحَقَّقَ كَلاَمُكُمْ وَلاَ تَمُوتُوا. فَفَعَلُوا هٰكَذَا».
ع ٣٤ وص ٤٣: ٧
وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ ٱلصَّغِيرَ إن يوسف طلب هذا الأخ لشدة شوقه إليه وليجبر يعقوب على المجيء إلى مصر لعلمه أنه لا يصبر على فراق بنيامين بعد فراقه له على أنه تلطف بأن اكتفى باسترهان واحد منهم بعد أن حكم باسترهان تسعة.
٢١ «وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: حَقّاً إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إِلَى أَخِينَا ٱلَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا ٱسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذٰلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هٰذِهِ ٱلضِّيقَةُ».
أيوب ٣٦: ٨ و٩ وهوشع ٥: ١٥ أمثال ٢١: ١٣ ومتّى ٧: ٢
حَقّاً إِنَّنَا مُذْنِبُونَ كانوا يتوقعون مما أبانوه أن يُبرروا من التهمة فكانت النتيجة أن أُلقوا في السجن وبقوا فيه يفتكرون في ما كان ثلاثة أيام وعرفوا أنهم لا يطلقون إلا بأن يتركوا واحداً منهم رهناً على أن يرجعوا بأخيهم الأصغر بينامين (سلوى أبيهم الشيخ) وإذ لم يروا سبباً لذلك امتلأوا خوفاً. ووقع ذلك عليهم ظلماً ذكرهم ظلمهم لأخيهم يوسف وكان ذلك علامة أنهم ندموا على خطيئتهم وإنهم تابوا توبة حقة.
٢٢، ٢٣ «٢٢ فَأَجَابَهُمْ رَأُوبَيْنُ: أَلَمْ أُكَلِّمْكُمْ قَائِلاً: لاَ تَأْثَمُوا بِٱلْوَلَدِ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا؟ فَهُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ. ٢٣ وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يُوسُفَ فَاهِمٌ; لأَنَّ ٱلتُّرْجُمَانَ كَانَ بَيْنَهُمْ».
ص ٣٧: ٢١ ص ٩: ٥ و٦ و١ملوك ٢: ٣١ و٢أيام ٢٤: ٢٢ ومزمور ٩: ١٢ ولوقا ١١: ٥٠ و٥١
فَهُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ هذا دليل قاطع على أنهم كانوا موقنين أن يوسف قد مات. وأما قولهم عند تهمتهم بالتجسس أن الواحد مفقود ليس بكذب لأن ذلك يطلق على الميت كما يطلق على الضائع من الأحياء وقد أطلق يعقوب نفسه ذلك على الحي بقوله «يُوسُفُ مَفْقُودٌ، وَشَمْعُونُ مَفْقُودٌ» (ع ٣٦).
٢٤ « فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى. ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَكَلَّمَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ».
فَتَحَوَّلَ عَنْهُمْ وَبَكَى هذا يدل على أنه لم يكن شيء من الحقد في قلب يوسف وإن كان قد سبق فيه شيء من الحقد فلا شك في أنه زال عند سمعه أول كلمة من كلام ندامتهم فكانت عواطف الحنو قد غلبته فأبكته ولكنه تجلد وغلبها لئلا يفوته بنيامين.
وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَمْعُونَ وَقَيَّدَهُ المرجّح أنه اختار شمعون لأنه أعظمهم ذنباً في الإساءة إليه. والمرجح أنه لما ذهب سائر إخوته خفف عنه ما أمكن فإنه أمسكه رهناً لا مجرماً.
٢٥ «ثُمَّ أَمَرَ يُوسُفُ أَنْ تُمْلأَ أَوْعِيَتُهُمْ قَمْحاً، وَتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى عِدْلِهِ، وَأَنْ يُعْطَوْا زَاداً لِلطَّرِيقِ. فَفُعِلَ لَهُمْ هٰكَذَا».
متّى ٥: ٤٤ ورومية ١٢: ١٧ و٢٠ و٢١
أَنْ تُمْلأَ أَوْعِيَتُهُمْ أي كل ما يمكن أن يُنقل القمح به ولا بد من أنهم أتوا بأوعية كثيرة.
تُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى عِدْلِهِ هذا يشير إلى ان كل واحد كان آخذاً ما يحتاج إليه بيته الخاص. إن إخوة يوسف خافوا من رده الفضة لظنهم أن ذلك وسيلة إلى تخطئتهم وسجنهم هناك متى رجعوا إلى مصر بأخيهم بنيامين لكن يوسف ما فعل ذلك ليخيفهم لأن إخافته إياهم مما يحملهم على ترك شمعون وعدم رجوعهم ببنيامين بل أتى ذلك ليجرّئهم على الرجوع وليعرفوا أنه محسن لا عدو وإنه يتوقع منه ما لا يعلمون من الخير.
٢٦، ٢٧ «٢٦ فَحَمَلُوا قَمْحَهُمْ عَلَى حَمِيرِهِمْ وَمَضَوْا مِنْ هُنَاكَ. ٢٧ فَلَمَّا فَتَحَ أَحَدُهُمْ عِدْلَهُ لِيُعْطِيَ عَلِيقاً لِحِمَارِهِ فِي ٱلْمَنْزِلِ، رَأَى فِضَّتَهُ وَإِذَا هِيَ فِي فَمِ عِدْلِهِ».
ص ٤٣: ٢١
فِي ٱلْمَنْزِلِ في الخان أو مأوى للمسافرين لأن تلك الطريق سبيل القوافل فلا بد من أن كان عليها مآوٍ كثيرة لهم أنشأها الحكام أو المحسنون.
أَحَدُهُمْ جاء في التقليد أنه لاوي. وبقي في المسئلة إشكال وهو أن واحداً منهم وجد فضته في المنزل والباقون لم يجدوا فضتهم إلا بعد أن أفرغوا عدالهم في الوطن. ويدفع هذا الإشكال بأن فضة الواحد المذكور كانت فوق الحنطة في فم العدل وفِضض الباقين تحت القمح قرب الفم أو في عدول أُخر غير عدول الحبوب.
٢٨ – ٣٢ «٢٨ فَقَالَ لإِخْوَتِهِ: رُدَّتْ فِضَّتِي وَهَا هِيَ فِي عِدْلِي. فَطَارَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱرْتَعَدُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَائِلِينَ: مَا هٰذَا ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱللهُ بِنَا؟. ٢٩ فَجَاءُوا إِلَى يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ مَا أَصَابَهُمْ قَائِلِينَ: ٣٠ تَكَلَّمَ مَعَنَا ٱلرَّجُلُ سَيِّدُ ٱلأَرْضِ بِجَفَاءٍ، وَحَسِبَنَا جَوَاسِيسَ ٱلأَرْضِ. ٣١ فَقُلْنَا لَهُ: نَحْنُ أُمَنَاءُ. لَسْنَا جَوَاسِيسَ. ٣٢ نَحْنُ ٱثْنَا عَشَرَ أَخاً بَنُو أَبِينَا. ٱلْوَاحِدُ مَفْقُودٌ وَٱلصَّغِيرُ ٱلْيَوْمَ عِنْدَ أَبِينَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ».
ع ٧
فَطَارَتْ قُلُوبُهُمْ العبارة مجاز حقيقتها إنهم خافوا وفقدوا شجاعتهم حتى كأن قلوبهم فارقتهم وابتعدت عنهم كأنها طيور طارت.
٣٣ – ٣٥ «٣٣ فَقَالَ لَنَا ٱلرَّجُلُ سَيِّدُ ٱلأَرْضِ: بِهٰذَا أَعْرِفُ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ. دَعُوا أَخاً وَاحِداً مِنْكُمْ عِنْدِي، وَخُذُوا لِمَجَاعَةِ بُيُوتِكُمْ وَٱنْطَلِقُوا. ٣٤ وَأَحْضِرُوا أَخَاكُمُ ٱلصَّغِيرَ إِلَيَّ فَأَعْرِفَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَوَاسِيسَ، بَلْ أَنَّكُمْ أُمَنَاءُ، فَأُعْطِيَكُمْ أَخَاكُمْ وَتَتَّجِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ. ٣٥ وَإِذْ كَانُوا يُفَرِّغُونَ عِدَالَهُمْ إِذَا صُرَّةُ فِضَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي عِدْلِهِ. فَلَمَّا رَأَوْا صُرَرَ فِضَّتِهِمْ هُمْ وَأَبُوهُمْ خَافُوا».
ع ١٥ و١٩ و٢٠ ص ٣٤: ١٠ ص ٤٣: ٢١
دَعُوا أَخاً وَاحِداً مِنْكُمْ اقتصروا على ذلك ولم يذكروا له ما أظهره لهم سيد الأرض من الجفاء ولا تقييده شمعون لئلا يخاف فلا يرسل بنيامين معهم.
٣٦ «فَقَالَ لَهُمْ يَعْقُوبُ: أَعْدَمْتُمُونِي ٱلأَوْلاَدَ! يُوسُفُ مَفْقُودٌ، وَشَمْعُونُ مَفْقُودٌ، وَبِنْيَامِينُ تَأْخُذُونَهُ! صَارَ كُلُّ هٰذَا عَلَيَّ!».
ص ٢٧: ٤٣ و٤٣: ١٤ و١صموئيل ١٥: ٣٣
صَارَ كُلُّ هٰذَا عَلَيَّ شبّه يعقوب مصائبه بأحمال ثقيلة وُضعت عليه.
٣٧ «وَقَالَ رَأُوبَيْنُ لأَبِيهِ: ٱقْتُلِ ٱبْنَيَّ إِنْ لَمْ أَجِئْ بِهِ إِلَيْكَ. سَلِّمْهُ بِيَدِي وَأَنَا أَرُدُّهُ إِلَيْكَ».
ٱقْتُلِ ٱبْنَيَّ لم يكن رأوبين يعتقد أن يعقوب يقتل حفيده بل قال ذلك توكيداً له أنه لا يكون على بنيامين أدنى خطر لأن رأوبين كان يؤثر سلامة بنيامين على حياة ولديه وكل ما كان له.
٣٨ «فَقَالَ: لاَ يَنْزِلُ ٱبْنِي مَعَكُمْ، لأَنَّ أَخَاهُ قَدْ مَاتَ وَهُوَ وَحْدَهُ بَاقٍ. فَإِنْ أَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ».
ص ٣٧: ٣٣ وع ١٣ و٤٤: ٢٨ ع ٤ وص ٤٤: ٢٩ ص ٣٧: ٣٥ وص ٤٤: ٣١
تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ «الهاوية» ترجمة «شآول» في العبرانية (انظر تفسير ص ٣٧: ٣٥). فكلام يعقوب هنا وفي (ص ٤٧: ٩) يدل على شدة حزنه لأنه كان ينظر إلى المستقبل نظر اليأس ولا يرى فيه سوى الخوف والبلاء. والمرجّح أنه كان يومئذ قد فقد ليئة كما فقد راحيل وكان أشد النوازل عليه فقده يوسف الذي كان يسليه عن راحيل ولم يكن قد بقي له شيء من السلوان إلا بنيامين ابن راحيل وأخا يوسف وكان قائماً مقام يوسف وقد طلب إخوته أن يأخذوه إلى مصر فتأمل في أحوال يعقوب.
السابق |
التالي |