سفر التكوين | 40 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ
تفسير يوسف حلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين
١ «وَحَدَثَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ أَنَّ سَاقِيَ مَلِكِ مِصْرَ وَٱلْخَبَّازَ أَذْنَبَا إِلَى سَيِّدِهِمَا مَلِكِ مِصْرَ، ٢ فَسَخَطَ فِرْعَوْنُ عَلَى خَصِيَّيْهِ: رَئِيسِ ٱلسُّقَاةِ وَرَئِيسِ ٱلْخَبَّازِينَ».
نحميا ١: ١١ و٢: ١ أمثال ١٦: ١٤
سَاقِيَ مَلِكِ مِصْرَ أي الذي يسقي الملك الخمر وكانت هذه الخمر من العنب (ع ١١) ولهذا رأى بعضهم إن كاتب هذا الأصحاح غير موسى بدليل قول هيرودوتس إن المصريين كانوا يستخرجون الخمر من الشعير لأنه لم يكن في بلادهم عنب. وكان هيرودوتس بعد ثلاثة عشر قرناً من عصر يوسف وقالوا إن العنب لم يُزرع في مصر إلا بعد هيرودوتس بزمان طويل فلم يكن في زمان يوسف ولكن هيرودوتس نفسه أتى بما ينافي ذلك في كتابه المنقول عنه عينه وهو قوله «إن كهنة المصريين أذنوا في شرب خمرة العنب» وقوله «إنهم يسكبون خمر العنب على الذبيحة». وينفي ذلك أيضاً ما وُجد على القبور عن بني حسان التي هي أقدم من زمان يوسف وعلى القبور عند ثيبة (أو تيبة أو طيبة) وعلى الأهرام من رسوم الكرم المثمر وصور العناقيد مما دل على أن العنب كان في أماكن كثيرة في مصر. ومن تلك الرسوم عناقيد عنب في سلال وصورة عصره وصنع العصير خمراً. (هذا وإذا سلمنا بغير الواقع وقلنا أنه لم يكن من عنب يومئذ في مزارع مصر وان المصريين كانوا يستخرجون المزر أي خمر الشعير لم يستلزم ذلك أنه لم يكن في مصر شيء من خمر العنب فإن التجار كانوا يأتون مصر من كل قطر فأي مانع من أنهم حملوا إليها الأعناب والزبيب والخمر. والخلاصة أننا لم نر أوهن من هذا الاعتراض على أن موسى كاتب هذا السفر أو الاستدلال على أن نبأ الساقي كذب فليتأمل المتأملون).
ٱلْخَبَّازَ أبان ولكنسن في كتابه «المصريون القدماء» إنهم أحسنوا عمل الخبز وأحكموا خبزه حسناً.
٣، ٤ «٣ فَوَضَعَهُمَا فِي حَبْسِ بَيْتِ رَئِيسِ ٱلشُّرَطِ، فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ، ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي كَانَ يُوسُفُ مَحْبُوساً فِيهِ. ٤ فَأَقَامَ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ يُوسُفَ عِنْدَهُمَا فَخَدَمَهُمَا. وَكَانَا أَيَّاماً فِي ٱلْحَبْسِ».
ص ٣٩: ٢٠ و٢٣
رَئِيسِ ٱلشُّرَطِ أي فوطيفار.
فَأَقَامَ… يُوسُفَ وكلُهُ أمر ذينك الرجلين العظيمين إلى يوسف يدل على أنه اعتقد أن ما اُتهم به باطل (ولكن بقي هنا أن يُقال إن كان فوطيفار قد عرف براءة يوسف فلا بد من أنه تيقن ذنب امراته فلماذا أبقاها عنده ولماذا أبقى يوسف في السجن. فنقول إنه أبقاها عنده لأن كان للمرأة عند المصريين أن تستولي على كل ما يملكه الرجل إذا تركها كما عُلم مما نُشر من أخبارهم على ما قال الدكتور بين سمث. على أنه هنالك أمور كثيرة مما تحمل على السكوت على أمرها كالسمعة الرديئة وتداول الناس القصة ونسبة العلة إلى فوطيفار وتفضيل زوجته العبد عليه وهو من العظماء. وربما كانت زوجته بنت من هو أقرب منه إلى الملك أو غير ذلك من الأمور التي أجبرته على كتم البلوى. وأما إبقاؤه يوسف في السجن فله أيضاً دواع كثيرة منها أنه كان يحمل عنه تعب العناية بالسجن والقيام بأمر الساقي والخباز والخوف على تعلق امرأته به ووصولها إليه ثانية وخوف يوسف من مخالفتها ثانية لئلا يُقتل أو يُعاد إلى عذاب السجن. والكاتب لم يتعرض لشيء من ذلك إذ لا فائدة منه في مقصده من تسطير هذا النبإ).
فَخَدَمَهُمَا خدمة خفيفة (انظر تفسير ص ٣٩: ٤).
٥ – ٨ «٥ وَحَلُمَا كِلاَهُمَا حُلْماً فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ حُلْمَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ: سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَخَبَّازُهُ ٱلْمَحْبُوسَانِ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ. ٦ فَدَخَلَ يُوسُفُ إِلَيْهِمَا فِي ٱلصَّبَاحِ وَنَظَرَهُمَا، وَإِذَا هُمَا مُغْتَمَّانِ. ٧ فَسَأَلَ خَصِيَّيْ فِرْعَوْنَ ٱللَّذَيْنِ مَعَهُ فِي حَبْسِ بَيْتِ سَيِّدِهِ: لِمَاذَا وَجْهَاكُمَا مُكْمَدَّانِ ٱلْيَوْمَ؟ ٨ فَقَالاَ لَهُ: حَلُمْنَا حُلْماً وَلَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ. فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: أَلَيْسَتْ لِلّٰهِ ٱلتَّعَابِيرُ؟ قُصَّا عَلَيَّ».
نحميا ٢: ٢ ص ٤١: ١٥ ص ٤١: ١٦ ودانيال ٢: ١١ و٢٨ و٤٧
لَيْسَ مَنْ يُعَبِّرُهُ الخ كان في ذلك العصر رجال يُعلمون تفسير الأحلام ويتخذون ذلك عملاً خاصاً وكانوا يُسمون سحرة وحكماء (ص ٤١: ٨). ولم يكن أحد منهم في السجن ليفسر حلمي الساقي والخباز. ولكن يوسف نفى قدرة الناس على تفسير الأحلام وأثبت أن ذلك لا يعلمه إلا الله.
٩ – ١١ «٩ فَقَصَّ رَئِيسُ ٱلسُّقَاةِ حُلْمَهُ عَلَى يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: كُنْتُ فِي حُلْمِي وَإِذَا كَرْمَةٌ أَمَامِي. ١٠ وَفِي ٱلْكَرْمَةِ ثَلاَثَةُ قُضْبَانٍ. وَهِيَ إِذْ أَفْرَخَتْ طَلَعَ زَهْرُهَا وَأَنْضَجَتْ عَنَاقِيدُهَا عِنَباً. ١١ وَكَانَتْ كَأْسُ فِرْعَوْنَ فِي يَدِي. فَأَخَذْتُ ٱلْعِنَبَ وَعَصَرْتُهُ فِي كَأْسِ فِرْعَوْنَ، وَأَعْطَيْتُ ٱلْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ».
عَصَرْتُهُ قال بلوترك إن المصريين لم يشربوا الخمر قبل عصر بساميتيخوس ولم يقدموها أو يسكبوها لآلهتهم وقد علمت بطلانه مما مر من الكلام على الأية الأولى والآية الثانية. ولعل الذي حمل بلوترك على هذا القول ما عهده في بعض بلاد مصر فقاس عليه سائر البلاد فأخطأ. على أن شراب الملك هنا لم يكن خمراً بل عصير العنب وهو شراب منعش لم يزل معتاداً في الشرق على أنهم كثيراً ما كانوا يبقون العصير إلى أن يأخذ في الاختمار ثم يشربونه فينبه الأعصاب شيئاً ويطيب النفس وها ما يُعرف عند عامة السوريين بالجلاب.
أَعْطَيْتُ ٱلْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ أي أعطيت فرعون الكأس واضعاً إياها في يده فالظاهر أن الكأس كانت عريضة الأسفل توضع على الكف وتقر عليها.
١٢ – ١٥ «١٢ فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ: هٰذَا تَعْبِيرُهُ: ٱلثَّلاَثَةُ ٱلْقُضْبَانِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. ١٣ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضاً يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ وَيَرُدُّكَ إِلَى مَقَامِكَ، فَتُعْطِي كَأْسَ فِرْعَوْنَ فِي يَدِهِ كَٱلْعَادَةِ ٱلأُولَى حِينَ كُنْتَ سَاقِيَهُ. ١٤ وَإِنَّمَا إِذَا ذَكَرْتَنِي عِنْدَكَ حِينَمَا يَصِيرُ لَكَ خَيْرٌ، تَصْنَعُ إِلَيَّ إِحْسَاناً وَتَذْكُرُنِي لِفِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُنِي مِنْ هٰذَا ٱلْبَيْتِ. ١٥ لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ. وَهُنَا أَيْضاً لَمْ أَفْعَلْ شَيْئاً حَتَّى وَضَعُونِي فِي ٱلسِّجْنِ».
ع ١٨ وص ٤١٣: ١٢ و٢٥ وقضاة ٧: ١٤ ودانيال ٢: ٣٦ و٤: ١٩ ص ٤١: ٢٦ و٢ملوك ٢٥: ٢٧ ومزمور ٣: ٣ وإرميا ٥٢: ٣١ لوقا ٢٣: ٤٢ يشوع ٢: ١٢ و١صموئيل ٢٠: ١٤ و١٥ و٢صموئيل ٩: ١ و١ملوك ٢: ٧ ص ٣٧: ٢٨ ص ٤١: ١٤ وخروج ١٢: ٢٩
سُرِقْتُ أنبأ يوسف هنا بقصته إجمالاً ليهيج شفقة المصري عليه بأنه مولود حراً وصار عبداً بالخيانة والخداع ولعله لم يرد أن ينبئه بأمره بالتفصيل كراهة أن يظهر قباحة إخوته وشرهم شأن شرفاء النفوس فإنهم يأبون أن يأتوا ما يوجب العار على أقربائهم.
ٱلْعِبْرَانِيِّينَ كان يعقوب ونسله قد ملكوا مساكن وحقولاً من أرض كنعان في حبرون وشكيم بئر سبع. وسُمي إبراهيم ونسله بالعبرانيين وهذه التسمية قديمة منذ غزوة كدرلعومر لفلسطين فإن فيها دُعي إبراهيم «بالعبراني» (ص ١٤: ١٣). لكن يوسف لم يرد أن أرض كنعان كانت ملك العبرانيين بل أراد أنه سُرق من أرض كنعان التي سكنها العبرانيون منذ هاجر إليها إبراهيم.
١٦، ١٧ «١٦ فَلَمَّا رَأَى رَئِيسُ ٱلْخَبَّازِينَ أَنَّهُ عَبَّرَ جَيِّداً، قَالَ لِيُوسُفَ: كُنْتُ أَنَا أَيْضاً فِي حُلْمِي وَإِذَا ثَلاَثَةُ سِلاَلِ بَيْضَاءَ عَلَى رَأْسِي. ١٧ وَفِي ٱلسَّلِّ ٱلأَعْلَى مِنْ جَمِيعِ طَعَامِ فِرْعَوْنَ مِنْ صَنْعَةِ ٱلْخَبَّازِ. وَٱلطُّيُورُ تَأْكُلُهُ مِنَ ٱلسَّلِّ عَنْ رَأْسِي».
عاموس ٨: ١
عَلَى رَأْسِي كان الرجال المصريون يحملون أحمالهم على الرؤوس وكانت النساء المصريات تحمل أحمالها على الأكتاف على ما أفاد هيرودوتس.
صَنْعَةِ ٱلْخَبَّازِ أي ما يصنعه الخباز لفرعون من الأطعمة.
١٨، ١٩ «١٨ فَأَجَابَ يُوسُفُ وَقَالَ: هٰذَا تَعْبِيرُهُ: ٱلثَّلاَثَةُ ٱلسِّلاَلِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. ١٩ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضاً يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ عَنْكَ، وَيُعَلِّقُكَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَتَأْكُلُ ٱلطُّيُورُ لَحْمَكَ عَنْكَ».
ع ١٢ ع ١٣ تثنية ٢١: ٢٢ ويشوع ١٠: ٢٦ و٢صموئيل ٤: ١٢
يَرْفَعُ رَأْسَكَ أي يقطعه.
٢٠ «فَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، يَوْمِ مِيلاَدِ فِرْعَوْنَ، أَنَّهُ صَنَعَ وَلِيمَةً لِجَمِيعِ عَبِيدِهِ، وَرَفَعَ رَأْسَ رَئِيسِ ٱلسُّقَاةِ وَرَأْسَ رَئِيسِ ٱلْخَبَّازِينَ بَيْنَ عَبِيدِهِ.
متّى ١٤: ٦ مرقس ٦: ٢١
رَفَعَ رَأْسَ رَئِيسِ ٱلسُّقَاةِ وَرَأْسَ رَئِيسِ ٱلْخَبَّازِينَ رفع الرأس الأول كناية عن إعلاء الشأن ورفع الرأس الثاني كناية عن القطع والفرق بين المعنيين حرف الجر الذي هو «عن» في الثاني على ما في الآية التاسعة عشرة.
٢١ – ٢٣ «٢١ وَرَدَّ رَئِيسَ ٱلسُّقَاةِ إِلَى سَقْيِهِ. فَأَعْطَى ٱلْكَأْسَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ. ٢٢ وَأَمَّا رَئِيسُ ٱلْخَبَّازِينَ فَعَلَّقَهُ كَمَا عَبَّرَ لَهُمَا يُوسُفُ. ٢٣ وَلٰكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ ٱلسُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ».
ع ١٣ نحميا ٢: ١ ع ١٩ أيوب ١٩: ١٤ ومزمور ٣١: ١٢ وجامعة ٩: ١٥ و١٦ وعاموس ٦: ٦
أي تم ما قاله يوسف.
نَسِيَهُ كثيراً ما ينسى الناس خالقهم في أيام الرخاء والرغد فلا عجب من أن نسي الساقي المصري يوسف العبراني العبد السجين.
السابق |
التالي |