سفر التكوين | 39 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
مصاب يوسف في بيت فوطفار
١ «وَأَمَّا يُوسُفُ فَأُنْزِلَ إِلَى مِصْرَ، وَٱشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ خَصِيُّ فِرْعَوْنَ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ، رَجُلٌ مِصْرِيٌّ، مِنْ يَدِ ٱلإِسْمَاعِيلِيِّينَ ٱلَّذِينَ أَنْزَلُوهُ إِلَى هُنَاكَ».
ص ٣٧: ٣٦ ومزمور ١٠٥: ١٧ ص ٣٧: ٣٦
ٱشْتَرَاهُ فُوطِيفَارُ كان الكلام على تاريخ آل يهوذا لأنه تاريخ نسب المسيح لكنه جيء هنا بتاريخ يوسف لأنه كان الوسيلة إلى انتقال إسرائيل وبنيه وسائر من لهم إلى مصر. وتاريخ يوسف قسمان الأول تاريخ عبوديته والثاني تاريخ حكمه على كل مصر. ففي حال عبوديته شكته سيدته ظلماً فألقته في السجن لكن تلك الشكوى كانت سبيلاً إلى ارتقائه لأنه لما كان في السجن فسّر حلمي ساقي فرعون وخبازه وبشهادة رئيس السقاة دُعي إلى الامتثال أمام فرعون.
٢، ٣ «٢ وَكَانَ ٱلرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحاً. وَكَانَ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ ٱلْمِصْرِيِّ. ٣ وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ ٱلرَّبَّ مَعَهُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ ٱلرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ».
ص ٢١: ٢٢ و٢٦: ٢٤ و٢٨ و٢٨: ١٤ وع ٢١ و١صموئيل ١٦: ١٨ و١٨: ١٤ و٢٨ وأعمال ٧: ٩ يشوع ١: ٧ و٨ ومزمور ١: ٣
ٱلرَّبُّ في العبرانية «يهوه». في تاريخ يوسف استعمل اسم الرب قبل أوان استعماله المعتاد في شريعة موسى فهو من استعمال كاتب السفر لأنه لم يكن الله اشتهر عند الإسرائيليين باسمه يهوه ولكنه استعمله مع أن أسلوب التاريخ مصري هنا لأن الرب اسم الله الخاص في نسل إبراهيم لأنه كان لهم إله العهد إلى أن خرجوا من أرض مصر (خروج ٦: ٣). واستعمله يعقوب مرة في مباركته دان (ص ٤٩: ١٨). على أن آية الخروج لا تمنع من أن الآباء استعملوا ذلك الاسم أحياناً وكان الاسم الغالب «ال وإلوهيم» أي الله (انظر تفسير ص ٤٥: ٨ و٤٦: ٣). والمرجّح أن يوسف لم يكترث بذكر حياته الماضية الذي استعمل فيها طبعاً الاسم «الله» دون غيره ولهذا استعمل الكاتب الاسم «الرب» الذي حفظه باراً في أعظم تجاربه مخلصاً العبادة له.
نَاجِحاً فكان علة بركة ونجاح لسيده (ع ٣).
بَيْتِ كان من شأن السادة كافة أن يولوا العبيد الأتعاب الشاقة في الحقول لكن فوطيفار ولاه سهل الأعمال وهو الخدمة في البيت. ولعل الذي حمل فوطيفار على ذلك حداثة يوسف وجماله.
٤، ٥ «٤ فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَخَدَمَهُ، فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. ٥ وَكَانَ مِنْ حِينَ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ أَنَّ ٱلرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ ٱلْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ ٱلرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي ٱلْبَيْتِ وَفِي ٱلْحَقْلِ».
ص ١٨: ٣ و١٩: ١٩ ص ٢٤: ٢ ص ٣٠: ٢٧
خَدَمَهُ أي خدمة خفيفة كما يفيد الأصل العبراني ولا بد من أنه اعتنى بكل ما ولاه إياه من أمور بيته وأملاكه حق الاعتناء بأحسن أمانة.
٦ «فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئاً إِلاَّ ٱلْخُبْزَ ٱلَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ ٱلصُّورَةِ وَحَسَنَ ٱلْمَنْظَرِ».
ص ٢٩: ١٧ و١صموئيل ١٦: ١٢
إِلاَّ ٱلْخُبْزَ أي الطعام. قال ابن عزرا الخبز مستثنى من قوله «كل ما كان له» أي ترك كل ما كان له في يد يوسف إلا الخبز. قال ولم يترك طعامه في يد يوسف لأن المصريين كانوا لا يأكلون الأطعمة التي تعدها أيدي العبرانيين (انظر ص ٤٣: ٣٢). وكيف كان الأمر فالمعنى أن فوطيفار لم يهتم بسوى الأطعمة المعدة له.
حَسَنَ ٱلصُّورَةِ وَحَسَنَ ٱلْمَنْظَرِ كأمه راحيل (ص ٢٩: ١٧).
٧ «وَحَدَثَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ أَنَّ ٱمْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: ٱضْطَجِعْ مَعِي.
٢صموئيل ١٣: ١١
ٱمْرَأَةَ سَيِّدِهِ لم تكن نساء المصريين ملازمات الخباء والبراقع فكانت امرأة سيده سافرة أمامه دائماً. وقد جاء في أقوال الأمم عدة أساطير تشبه نبأ يوسف وأمرأة سيده في الامتناع عما دعته إليه ومن ذلك قصة بيليروفون وأنتيا وقصة يهبوليتوس وفدرا وقصة الأخوين التي فيها زوجة أنبو الأخ الأكبر طلبت من باتا الأصغر ما طلبته امرأة فوطيفار من يوسف فأبى.
٨ «فَأَبَى وَقَالَ لِٱمْرَأَةِ سَيِّدِهِ: هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي ٱلْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي».
أمثال ٦: ٢٥
(خلاصة هذه الآية أنه لو فُرض أن يوسف جاز له أن يرتكب ذلك الإثم شرعاً وهو باطل لأوجبت عليه المروءة والإنسانية أن يأباه بالنظر إلى أن سيده أمّنه على كل ما له).
٩ «لَيْسَ هُوَ فِي هٰذَا ٱلْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئاً غَيْرَكِ، لأَنَّكِ ٱمْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هٰذَا ٱلشَّرَّ ٱلْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى ٱللهِ؟».
أمثال ٦: ٢٩ و٣٢ ص ٢٠: ٦ ولاويين ٦: ٢ و٢صموئيل ١٢: ١٣ ومزمور ٥١: ٤
فَكَيْفَ الخ (أي لا وجه لارتكابي ما سألتنيه بل هو محرم من وجهين وجه أدبي ووجه ديني).
١٠ «وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْماً فَيَوْماً أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجِعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا».
أمثال ٦: ٢٣ و٢٤
(هذه الآية بيان لشدة جهاد يوسف ومحاربته للتجربة وفرط عفافه).
١١ – ١٣ «١١ ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هٰذَا ٱلْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ ٱلْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ ٱلْبَيْتِ هُنَاكَ فِي ٱلْبَيْتِ. ١٢ فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: ٱضْطَجِعْ مَعِي. فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ. ١٣ وَكَانَ لَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ».
أمثال ٧: ١٣
لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ أي ليقوم بما كان عليه من الأعمال باعتبار أنه وكيل البيت.
وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ الخ أي رجل. كانت علة خلو البيت من الرجال وليمة دُعوا إليها على ما يُظن ولم يكن البيت خالياً من النساء (ع ١٤).
١٤، ١٥ «١٤ أَنَّهَا نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَقَالَتْ: ٱنْظُرُوا! قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا بِرَجُلٍ عِبْرَانِيٍّ لِيُدَاعِبَنَا. دَخَلَ إِلَيَّ لِيَضْطَجِعَ مَعِي، فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. ١٥ وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ أَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ».
جَاءَ إِلَيْنَا بِرَجُلٍ عِبْرَانِيٍّ أي جاء فوطيفار الخ.
١٦ – ٢٠ «١٦ فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُهُ إِلَى بَيْتِهِ. ١٧ فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ قَائِلَةً: دَخَلَ إِلَيَّ ٱلْعَبْدُ ٱلْعِبْرَانِيُّ ٱلَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي. ١٨ وَكَانَ لَمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ. ١٩ فَكَانَ لَمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ كَلاَمَ ٱمْرَأَتِهِ ٱلَّذِي كَلَّمَتْهُ بِهِ قَائِلَةً: بِحَسَبِ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ صَنَعَ بِي عَبْدُكَ أَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ. ٢٠ فَأَخَذَ يُوسُفَ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ، ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي كَانَ أَسْرَى ٱلْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ».
خروج ٢٣: ١ ومزمور ١٢٠: ٣ أمثال ٦: ٣٤ و٣٥ مزمور ١٠٥: ١٨ و١بطرس ٢: ١٩ ص ٤٠: ٢ و٣ ص ٤٠: ٣ و١٥ و٤١: ١٤
ٱلسِّجْنِ في العبرانية «السُهَر» وهذا الكلمة لم تُذكر في الكتاب المقدس إلا هنا وفي الأصحاح الآتي ومعناه برج مستدير كان يُسجن فيه وكان جزءاً من الثكنة التي كان فيه فوطيفار بالنظر إلى كونه رئيس الشرط (ص ٤٠: ٣). ذهب مفسرو اليهود إلى أن فوطيفار لم يصدق شكوى امرأته ولو صدقها لقتل يوسف. والذي نراه نحن مما جاء في (مزمور ١٠٥: ١٨) ان يوسف عُذب في السجن كثيراً في أول الأمر ويتبين من وكله أمر رئيس السقاة ورئيس الخبازين إلى يوسف أنه عرف براءته سريعاً (انظر ع ٣ و٤).
٢١ – ٢٣ «٢١ وَلٰكِنَّ ٱلرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ لُطْفاً، وَجَعَلَ نِعْمَةً لَهُ فِي عَيْنَيْ رَئِيسِ بَيْتِ ٱلسِّجْنِ. ٢٢ فَدَفَعَ رَئِيسُ بَيْتِ ٱلسِّجْنِ إِلَى يَدِ يُوسُفَ جَمِيعَ ٱلأَسْرَى ٱلَّذِينَ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ. وَكُلُّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُنَاكَ كَانَ هُوَ ٱلْعَامِلَ. ٢٣ وَلَمْ يَكُنْ رَئِيسُ بَيْتِ ٱلسِّجْنِ يَنْظُرُ شَيْئاً ٱلْبَتَّةَ مِمَّا فِي يَدِهِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ كَانَ مَعَهُ، وَمَهْمَا صَنَعَ كَانَ ٱلرَّبُّ يُنْجِحُهُ».
خروج ٣: ٢١ و١١: ٣ و١٢: ٣٦ ومزمور ١٠٦: ٤٦ وأمثال ١٦: ٧ ودانيال ١: ٩ وأعمال ٧: ١٠ ص ٤٠: ٣ و٤ ع ٢
يظهر من هذه الآيات إن الله يثيب الأمين ولا بد من أن يرفعه سواء أظهر ذلك للأمين أم لم يظهره.
السابق |
التالي |