سفر التكوين | 37 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
١ «وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ غُرْبَةِ أَبِيهِ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ».
ص ١٧: ٨ و٢٣: ٤ و٢٨: ٤ و٣٦: ٧ وعبرانيين ١١: ٩
وَسَكَنَ يَعْقُوبُ الخ ذُكر في (ص ٣٦: ٦) إن عيسو مضى إلى أرض أخرى من وجه أخيه يعقوب وفي (ص ٣٦: ٨) إنه سكن في جبل سعير فاقتضى أن يذكر مسكن أخيه.
مواليد يعقوب: بيع أولاد يعقوب أخاهم يوسف
٢ «هٰذِهِ مَوَالِيدُ يَعْقُوبَ: يُوسُفُ إِذْ كَانَ ٱبْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً كَانَ يَرْعَى مَعَ إِخْوَتِهِ ٱلْغَنَمَ وَهُوَ غُلاَمٌ عِنْدَ بَنِي بَلْهَةَ وَبَنِي زِلْفَةَ ٱمْرَأَتَيْ أَبِيهِ. وَأَتَى يُوسُفُ بِنَمِيمَتِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ».
١صموئيل ٢: ٢٢ إلى ٢٤
مَوَالِيدُ يَعْقُوبَ أي تاريخ نسل يعقوب ولا سيما يوسف كما أن مواليد السموات والأرض (ص ٢: ٤) كانت تاريخ الخليقة وسقوط الإنسان. ومواليد آدم تاريخ الطوفان. ومواليد تارح تاريخ إبراهيم (انظر تفسير ص ٢٨: ١٠). فالمواليد تمتد إلى آخر سفر التكوين ومحور المواليد هنا تاريخ يوسف وانتقال آل إسرائيل بواسطته إلى مصر.
يُوسُفُ إِذْ كَانَ ٱبْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً وُلد في حاران قبل أن تركها يعقوب بسبع سنين وشغل سفره إلى وطنه سنتين على ما يرجّح فيكون قد سكن في جوار إسحاق نحو ثماني سنين ويظهر أن إسحاق عاش نحو اثنتي عشرة سنة بعد بيع يوسف وأخذه إلى مصر.
وَهُوَ غُلاَمٌ عِنْدَ بَنِي بَلْهَةَ وَبَنِي زِلْفَةَ المرجّح أن معنى ذلك أنه كان يخدمهم كما يجب على الأخ الأصغر لمن هو أكبر منه من إخوته كما كان مما وجب على داود أن يعتني بالغنم حين يذهبون إلى الولائم ويُرسل إلى المعسكر ليخدمهم (١صموئيل ١٦: ١١ و١٦: ١٧ و١٨). وكان أبناء يعقوب متفرقين في تلك الأرض الواسعة للعناية بالقطعان. والظاهر أن يوسف عند وفاة أمه وكان ابن تسع سنين نقل إلى خيمة بلهة جارية أمه فكان من الطبع أن يذهب مع أبنيها. ولم يظهر من سياق النبإ أنهما اشتركا في بيع يوسف.
بِنَمِيمَتِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ (لم يُذكر على من كانت هذه النميمة والظاهر أنها كانت على يعقوب نفسه لحبه ليوسف أكثر منهم).
٣ «وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ لأَنَّهُ ٱبْنُ شَيْخُوخَتِهِ، فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصاً مُلَوَّناً».
ص ٤٤: ٢٠ ٢صموئيل ١٣: ١٨ و١٩
ٱبْنُ شَيْخُوخَتِهِ كان يعقوب ابن إحدى وتسعين سنة لما ولد يوسف ولكنه كان ابن تسع وتسعين أو مئة حين ولد بنيامين. ومما أجمع عليه علماء الكتاب أن يعقوب أقام عشرين سنة في فدان أرام فكان أبناء الجواري الأربعة في نحو سن يوسف وابنا ليئة الصغيران أصغر منه فيكون يوسف ابن شيخوخته بالنظر إلى راحيل. وكان يعقوب يشعر بأنه سعيد به وإن كان بنيامين أصغر لأنه مسرة يعقوب بولادة يوسف كانت لم تزل قرينة حياته بخلاف بنيامين فإن ولادته كانت علة موت أمه زوجة يعقوب المحبوبة.
قَمِيصاً مُلَوَّناً أي كثير الألوان وقد ظهر من الرسوم على قبور بني حسان أن الثياب الملونة كانت من ملبوسات المكرمين من الفلسطينيين. ولم يزل بعض أهل الشرق كالهنود يستفخر الثوب المصنوع من القطع المختلفة الألوان من قرمزية وأرجوانية وغيرهما. وظن بعضهم أن يعقوب قصد بذلك الثوب أن يوسف سيكون رئيس آله وأنه سيكون كاهنهم بدلاً من البكر رأوبين. وهذا في ظلمات الشك لأن يعقوب وهب الرئاسة ليهوذا لا ليوسف.
٤ «فَلَمَّا رَأَى إِخْوَتُهُ أَنَّ أَبَاهُمْ أَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أَبْغَضُوهُ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ».
ص ٢٧: ٤١ و٤٩: ٢٣
أَبْغَضُوهُ (لم يكن أدنى حق في أن يبغضوا يوسف سواء استحق ذلك الإكرام أم لم يستحقه لأنه إن كان ذلك مما يوجب اللوم فاللوم على يعقوب لا على يوسف ولكن الحسود يندر أن لا يظلم بحكمه وعمله).
٥ «وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْماً وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ، فَٱزْدَادُوا أَيْضاً بُغْضاً لَهُ».
وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْماً إن الحلم مع كونه لا ينشأ إلا من صور الخيال من تعب الذهن بوفرة الاشتغال (جامعة ٥: ٣) طبعاً كان الله على خلاف العادة يوحي به أحياناً (عدد ١٢: ٦ – ٨ وتثنية ١٣: ١ و١صموئيل ٢٨: ١٥). وكانت الأحلام الوحيية كثيرة في تاريخ يوسف وبقيت زماناً طويلاً إلى أيام موسى ومن بعده إلى عصر المسيح (قابل هذا بما في تفسير ص ٢٦: ٢ ومتّى ١: ٢٠).
٦ «فَقَالَ لَهُمُ: ٱسْمَعُوا هٰذَا ٱلْحُلْمَ ٱلَّذِي حَلُمْتُ».
ٱسْمَعُوا هٰذَا ٱلْحُلْمَ (قصّ على إخوته الحلم كعادة الأولاد غير قاصد الافتخار عليهم وربما لم يكن يفهم شيئاً من مغزاه فما أوجب غضبهم عليه وبغضهم له سوى الحسد).
٧، ٨ «٧ فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَماً فِي ٱلْحَقْلِ، وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَٱنْتَصَبَتْ، فَٱحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي. ٨ فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكاً أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطاً؟ وَٱزْدَادُوا أَيْضاً بُغْضاً لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ».
ص ٤٢: ٦ و٩ و٤٣: ٢٦ و٤٤: ١٤
قَامَتْ الخ أي كانت بمنزلة الرئيس لحزمهم وفهم إخوته ذلك.
٩ «ثُمَّ حَلُمَ أَيْضاً حُلْماً آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ حُلْماً أَيْضاً، وَإِذَا ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً سَاجِدَةٌ لِي».
٢ملوك ٢٣: ٥
ثُمَّ حَلُمَ أَيْضاً حُلْماًكانت تتوالى الأحلام في تاريخ يوسف وتزدوج ومنها حُلما الساقي والخباز.
١٠ «وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَٱنْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هٰذَا ٱلْحُلْمُ ٱلَّذِي حَلُمْتَ! هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى ٱلأَرْضِ؟
ص ٢٧: ٢٩
فَٱنْتَهَرَهُ أَبُوهُ لأنه بذكره سجود الشمس والقمر له ظُن أنه يتيه على والديه.
أُمُّكَ أمه راحيل ماتت وهو ابن إحدى عشرة سنة وليئة لم تسجد له لأنها ماتت في حبرون (ص ٤٩: ٣١). فيكون المعنى الشمس والقمر والنجوم يعقوب ومن بقي من أزواجه وأولاده أي إن كل آله صغاراً وكباراً يسجدون لابنه يوسف فالعبارة عامة كالعبارة في (ص ٣٥: ٢٦) يراد صورة خاصة من معناها لا كل ما يراد بها حرفياً على أن الجاريتين كانتا أصغر من الاختين فيحتمل أنهما كانتا معهم في مصر والمرجّح أن يعقوب أراد بأمه بلهة لأنها قامت مقام أمه راحيل بعد موتها.
١١ «فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ ٱلأَمْرَ».
أعمال ٧: ٩ دانيال ٧: ٢٨ ولوقا ٢: ١٩ و٥١
فَحَفِظَ ٱلأَمْرَ كما حفظت مريم ما كان من أمر ابنها يسوع (لوقا ٢: ٥١).
١٢ «وَمَضَى إِخْوَتُهُ لِيَرْعَوْا غَنَمَ أَبِيهِمْ عِنْدَ شَكِيمَ».
ص ٣٣: ١٨ و٣٤: ٢٥ إلى ٢٩ و٣٥: ٥
شَكِيمَ هذا يدل على أن أبناء يعقوب ظلوا مالكين شكيم بالقوة منذ قتلهم أهلها ونهبها (ص ٣٤: ٢٥ – ٢٩). وإنهم كانوا قادرين على دفع كل من يعاديهم من أهل تلك الأرض (انظر ص ٣٤: ٢٩ وقابله بما في ص ١٧: ١٣) وفي هذا دليل على وفرة غنى يعقوب لأنه كان يشتغل بقطعانه أرضاً واسعة جداً لأن شكيم على أمد ستين ميلاً من حبرون.
١٣، ١٤ «١٣ فَقَالَ إِسْرَائِيلُ لِيُوسُفَ: أَلَيْسَ إِخْوَتُكَ يَرْعَوْنَ عِنْدَ شَكِيمَ؟ تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ لَهُ: هَئَنَذَا. ١٤ فَقَالَ لَهُ: ٱذْهَبِ ٱنْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ وَسَلاَمَةَ ٱلْغَنَمِ وَرُدَّ لِي خَبَراً. فَأَرْسَلَهُ مِنْ وَطَاءِ حَبْرُونَ فَأَتَى إِلَى شَكِيمَ».
ص ٣٥: ٢٧
ٱنْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ كان يعقوب يخشى أن يهجم الوطنيون على أولاده ويقتلون وينهبون.
وَطَاءِ حَبْرُونَ الوطاء ما انخفض من الأرض بين الأمكنة المرتفعة. فكانت المواشي والقطعان التي هي جزء من بهائم يعقوب الراعية على القرب منه تشغل الأرض من شمالي حبرون إلى مجدل عدر. ولا ريب في أن يعقوب كان ضارباً خيمته على مقربة من مقام إسحاق.
١٥ – ١٧ «١٥ فَوَجَدَهُ رَجُلٌ وَإِذَا هُوَ ضَالٌّ فِي ٱلْحَقْلِ. فَسَأَلَهُ ٱلرَّجُلُ: مَاذَا تَطْلُبُ؟ ١٦ فَقَالَ: أَنَا طَالِبٌ إِخْوَتِي. أَخْبِرْنِي أَيْنَ يَرْعَوْنَ. ١٧ فَقَالَ ٱلرَّجُلُ: قَدِ ٱرْتَحَلُوا مِنْ هُنَا، لأَنِّي سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لِنَذْهَبْ إِلَى دُوثَانَ. فَذَهَبَ يُوسُفُ وَرَاءَ إِخْوَتِهِ فَوَجَدَهُمْ فِي دُوثَانَ».
نشيد الأناشيد ١: ٧ و٢ملوك ٦: ١٣
دُوثَانَ هي مدينة على غاية اثني عشر ميلاً شمالي شكيم واشتهرت بكونها المكان الذي ضرب فيه أليشع جيش الآراميين بالعمى (٢ملوك ٦: ١٣ – ٢٣). وهي في وادٍ صغير كثير الخصب ذهب إليه أبناء يعقوب لوفرة ما فيه من المراعي.
وَرَاءَ إِخْوَتِهِ مستدلاً بآثار الغنم وغيرها من البهائم.
١٨، ١٩ «١٨ فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ، قَبْلَمَا ٱقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ، ٱحْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ. ١٩ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هُوَذَا هٰذَا صَاحِبُ ٱلأَحْلاَمِ قَادِمٌ».
١صموئيل ١٩: ١ ومزمور ٣١: ١٣ و٣٧: ١٢ و٣٢ و٩٤: ٢١ ومتّى ٢٧: ١ ومرقس ١٤: ١ ويوحنا ١١: ٥٣ وأعمال ٢٣: ١٢
صَاحِبُ ٱلأَحْلاَمِ (ذكروا ذلك استهانة به على سبيل التهكم ولأن ما قصه عليهم من أحلامه كانت من أكبر أسباب زيادة حسدهم وبغضهم له).
٢٠ «فَٱلآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى ٱلآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ».
أمثال ١: ١١ و١٦ و٦: ١٧ و٢٧: ٤
إِحْدَى ٱلآبَارِ وهي حفر تُحفر لجمع ماء المطر وإذخارها إلى حين الحاجة. وكانت هذه الآبار في البرية المحيطة بوادي دوثان وكانت تجف في بعض أيام الصيف وكان من يطرح فيها يندر أن ينجو لعقمها وضيقها عند أعلاها. قال مفسرو اليهود وكان الساعي في ذلك شمعون ولهذا قيّده يوسف وسجنه (ص ٤٢: ٢٤).
٢١ – ٢٤ «٢١ فَسَمِعَ رَأُوبَيْنُ وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ: لاَ نَقْتُلُهُ. ٢٢ وَقَالَ لَهُمْ رَأُوبَيْنُ: لاَ تَسْفِكُوا دَماً. اِطْرَحُوهُ فِي هٰذِهِ ٱلْبِئْرِ ٱلَّتِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَلاَ تَمُدُّوا إِلَيْهِ يَداً لِكَيْ يُنْقِذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِيَرُدَّهُ إِلَى أَبِيهِ. ٢٣ فَكَانَ لَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ أَنَّهُمْ خَلَعُوا عَنْهُ قَمِيصَهُ ٱلْمُلَوَّنَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٢٤ وَأَخَذُوهُ وَطَرَحُوهُ فِي ٱلْبِئْرِ. وَأَمَّا ٱلْبِئْرُ فَكَانَتْ فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ».
ص ٤٢: ٢٢ إرميا ٣٨: ٦
هٰذِهِ ٱلْبِئْرِ ٱلَّتِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ أشار رأوبين إلى بئر في البرية المحيطة بوادي دوثان. والذي علمناه من الكتاب بعد هذا إن يوسف سأل إخوته الرحمة بإلحاح فلم يسمعوا له (ص ٤٢: ٢) وينقذوه من ذلك الموت الأليم. وهذا كان رمزاً إلى المسيح الذي حسده إخوته رؤساء إسرائيل وقتلوه وكثيراً ما كرر مثل هذا الرمز في العهد القديم. وكانت عاقبة آلام يوسف وذهابه إلى مصر علة إنقاذ إخوته وغيرهم من الموت وحفظ حياتهم كما كانت آلام المسيح وموته علة حياة اليهود والأمم وإنقاذهم من الموت الأبدي.
٢٥ «ثُمَّ جَلَسُوا لِيَأْكُلُوا طَعَاماً. فَرَفَعُوا عُيُونَهُمْ وَنَظَرُوا وَإِذَا قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ مُقْبِلَةٌ مِنْ جِلْعَادَ، وَجِمَالُهُمْ حَامِلَةٌ كَثِيرَاءَ وَبَلَسَاناً وَلاَذَناً، ذَاهِبِينَ لِيَنْزِلُوا بِهَا إِلَى مِصْرَ».
أمثال ٣: ٢٠ وعاموس ٦: ٦ ع ٢٨ و٣٦ ص ٤٣: ١١ وإرميا ٨: ٢٢ و٤٦: ١ و٥١: ٨ وحزقيال ٢٧: ١٧ ص ٤٣: ١١
قَافِلَةُ إِسْمَاعِيلِيِّينَ كانت دوثان على طريق القوافل التي تحمل حاصلات الهند وآسيا الغربية إلى مصر. ولما كان شرقي كنعان بادية العرب الكبيرة فتقطع الفرات إلى تدمر ومن تدمر إلى جلعاد ومنها إلى الأردن عند بيسان وتذهب من هنالك جنوباً إلى مصر. وسمي هؤلاء الإسماعيليون في الآية الثامنة والعشرين والآية السادسة والثلاثين بالمديانيين. وجاء في الترجوم والسريانية بدل الإسماعيليين «عرب» وكان مديان ابن إبراهيم من قطورة وكان إسماعيل ابنه من هاجر. فالمرجح أن أولئك التجار كانوا خليطاً من الإسماعيليين والمديانيين الذين خضعوا للكنعانيين وصاروا قسماً منهم (انظر تفسير ص ٢٥: ٢) واجتهد مفسرو اليهود في التوفيق بين القولين فقالوا إن يوسف بيع ثلاث مرات. والحق أن الإسماعيليين والمديانيين هنا جماعة واحدة أطلق عليها الاسمان بالنظر إلى المعروف يومئذ من مصطلح السياسة.
ومما يحسن الالتفات إليه هنا ان المصريين لم يسافروا للاتجار وتركوا الأسفار التجارية في البحر الأحمر للفينيقيين والإسرائيليين والأشورين أو الآراميين مع اجتهاد بساميتيخوس وفرعون نخووابريس في أن يحلموا المصريين على ذلك.
كَثِيرَاءَ وَبَلَسَاناً وَلاَذَناً (الكثيراء صمغ يؤخذ من شوك القتاد يوجد لاصقاً به زمن الصيف وهو نوعان أبيض يؤكل وأحمر يُطلى به. والبلسان شجر يؤخذ منه دهن كثير الثمن). وقال بعض المفسرين هو الشجر الذي يؤخذ منه البلسم المعروف ببلسم جلعاد. (واللاذن جاء بدلاً منه في غير ترجمتنا العربية المر وهو غير اللاذن على ما يظهر من المفردات الطبية. وفي التذكرة أن اللاذن شيء كالصمغ طيب الرائحة يؤخذ من شجر يقارب الرمان طولاً وتفريعاً إلا أن ورقه عريض يتصل بعضه ببعض صلب دقيق له زهر إلى الحمرة يختلف كالزيتونة ينكسر عن بزر دقيق أسود). وهذه الثلاثة من حاصلات فلسطين التي كانت عند المصريين من العقاقير الثمينة. ولهذا كان من جملة ما أهداه يعقوب إلى حاكم مصر (ص ٤٣: ١١).
٢٦، ٢٧ «٢٦ فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: مَا ٱلْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ ٢٧ تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا. فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ».
ص ٤: ١٠ وأيوب ١٦: ١٨ و١صموئيل ١٨: ١٧ ص ٤٢: ٢١ ص ٢٩: ١٤
رغب يهوذا في بقاء حياة يوسف كما رغب فيها رأوبين لكن رأوبين كان يريد أن يرده إلى أبيه والظاهر إن ذلك لم يتيسر ليهوذا فرأى أن يبيعه إبقاء على حياته).
٢٨ «وَٱجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ ٱلْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ».
قضاة ٦: ١ إلى ٦ ص ٤٥: ٤ و٥ ومزمور ١٠٥: ١٧ وأعمال ٧: ٩ لاويين ٢٧: ٥
وَٱجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ (هم الإسماعيليون وسموا بذلك لاختلاطهم بالمديانيين ومصير الفريقين قسماً من الخاضعين للكنعانيين فعُرفوا عند الكنعانيين بالمديانيين تغليباً. انظر تفسير ع ٢٥).
بِعِشْرِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ أي عشرين شاقلاً من الفضة وكان هذا المقدار معدل قيمة الذكر من ابن خمس سنين إلى ابن عشرين (لاويين ٢٧: ٥) وكانت قيمة ذلك نحو ٣٤٠ غرشاً لكن كانت الفضة في تلك الأيام أثمن منها اليوم.
٢٩، ٣٠ «٢٩ وَرَجَعَ رَأُوبَيْنُ إِلَى ٱلْبِئْرِ، وَإِذَا يُوسُفُ لَيْسَ فِي ٱلْبِئْرِ، فَمَزَّقَ ثِيَابَهُ. ٣٠ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَقَالَ: ٱلْوَلَدُ لَيْسَ مَوْجُوداً، وَأَنَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ؟».
أيوب ١: ٢٠ ص ٤٢: ١٣ و٣٦ وإرميا ٣١: ١٥
رَجَعَ رَأُوبَيْنُ لم يكن رأوبين معهم حين باعوه (فكان ذنبه أنه لم يبذل كل ما في وسعه في سبيل إنقاذه وإنه وافق الذين باعوه على الكذب). ولعله غاب عن إخوته وهم مشغولون بالطعام ليتمكن من إخراج يوسف ورده لأبيه على غفلة منهم.
٣١ «فَأَخَذُوا قَمِيصَ يُوسُفَ وَذَبَحُوا تَيْساً مِنَ ٱلْمِعْزَى وَغَمَسُوا ٱلْقَمِيصَ فِي ٱلدَّمِ».
ع ٢٣
تَيْساً ظن بعضهم أن هذا هو علة تقديم التيس ذبيحة خطيئة في الشريعة اللاوية.
٣٢ «وَأَرْسَلُوا ٱلْقَمِيصَ ٱلْمُلَوَّنَ وَأَحْضَرُوهُ إِلَى أَبِيهِمْ، وَقَالُوا: وَجَدْنَا هٰذَا. حَقِّقْ أَقَمِيصُ ٱبْنِكَ هُوَ أَمْ لاَ؟».
أَحْضَرُوهُ بواسطة الرسول الذي أرسلوه معه فإنهم لم يريدوا أن يروا أول آلام أبيهم على ابن شيخوخته.
قَالُوا أي قال الرسول بالنيابة عنهم.
٣٣، ٣٤ «٣٣ فَتَحَقَّقَهُ وَقَالَ: قَمِيصُ ٱبْنِي. وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ! ٱفْتُرِسَ يُوسُفُ ٱفْتِرَاساً! ٣٤ فَمَزَّقَ يَعْقُوبُ ثِيَابَهُ، وَوَضَعَ مِسْحاً عَلَى حَقَوَيْهِ، وَنَاحَ عَلَى ٱبْنِهِ أَيَّاماً كَثِيرَةً».
ع ٢٠ وص ٤٤: ٢٨ و٢صموئيل ٣: ٣١
أَيَّاماً كَثِيرَةً أي وقتاً طويلاً أكثر من الوقت المعتاد للنواح.
٣٥ «فَقَامَ جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ لِيُعَزُّوهُ. فَأَبَى أَنْ يَتَعَزَّى وَقَالَ: إِنِّي أَنْزِلُ إِلَى ٱبْنِي نَائِحاً إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. وَبَكَى عَلَيْهِ أَبُوهُ».
٢صموئيل ١٢: ١٧ ص ٤٢: ٢٨ و٤٤: ٢٩ و٣١ عدد ١٦: ٣٠ و١صموئيل ٢: ٦ و١ملوك ٢: ٩ وأيوب ٧: ٩ ومزمور ٥٥: ١٥ وإشعياء ١٤: ٩ وحزقيال ٣١: ١٥ و١٧
جَمِيعُ بَنِيهِ وَجَمِيعُ بَنَاتِهِ المرجّح أنه كان له عدة بنات من ليئة والجاريتين ولكن لم تُذكر واحدة منهن سوى دينة. ومما يدل على شدة حزن يعقوب على يوسف وطول وقته ما جاء في (ص ٤٥: ٢٦ – ٢٨).
إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ في العبرانية «شأول» ومعناها دار الأرواح المنفصلة عن الأجساد بالموت. ولم يقل إلى قبر يوسف لأن يعقوب اعتقد أن وحشاً افترسه فلم يكن له من قبر (انظر تفسير ع ٣٣ وص ١٥: ١٥).
٣٦ «وَأَمَّا ٱلْمِدْيَانِيُّونَ فَبَاعُوهُ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ خَصِيِّ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ ٱلشُّرَطِ».
ص ٣٩: ١ ص ٣٩: ١ و٤٠: ٣ و٤١: ١٠ و٢ملوك ٢٥: ٨ وإرميا ٣٩: ١٣ و٥٢: ١٥
لِفُوطِيفَارَ فسروا هذا الاسم بالنظر إلى اللفظ المنقول عنه بثلاثة معان. ففسره بعضهم «بأبي الملك» بناء على كونه مركباً من كلمتين قبطيتين. وقال بعضهم أنه مغير عن لفظ «فوطي فارع» قليلاً والأصل واحد فيكون معناه مقدس أو موقوف لرا أو لراع وهو إله وهذا الإله هو الشمس عندهم (ص ٤١: ٥٠). وفسره غيره «بأبي البلاط» وعلى التفسيرين الأول والثالث يكون من كبراء الملك كالصدر الأعظم ونائب الملك وناظر الحرم وعلى كل حال يدل اسمه على أنه من الرؤساء العظام.
خَصِيِّ لعل ذلك لفظ لا يراد أصل معناه فأُطلق على من يكون رئيساً في البلاط وناظراً للحرم لأن الذين كانوا يُستخدمون لذلك جرت العادة أن يكونوا خصياناً ولهذا تُرجمت في بعض اللغات غير العربية بالرئيس.
رَئِيسِ ٱلشُّرَطِ تُرجمت في بعض اللغات غير العربية «برئيس الحرس». وتُرجمت في السبعينية «برئيس الذابحين» أي ذابحي الخراف وما شاكلها لتكون أطعمة للملك. وترجمها بعضهم «برئيس الطهاة» أي الطباخين. «والشرط» هنا خيار أعوان الولاة وهذه هي الترجمة الصحيحة ويريد ذلك ما في (٢ملوك ٢٥: ٨).
السابق |
التالي |