سفر التكوين | 33 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ
١ – ٣ «١ وَرَفَعَ يَعْقُوبُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا عِيسُو مُقْبِلٌ وَمَعَهُ أَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ، فَقَسَمَ ٱلأَوْلاَدَ عَلَى لَيْئَةَ وَعَلَى رَاحِيلَ وَعَلَى ٱلْجَارِيَتَيْنِ، ٢ وَوَضَعَ ٱلْجَارِيَتَيْنِ وَأَوْلاَدَهُمَا أَوَّلاً، وَلَيْئَةَ وَأَوْلاَدَهَا وَرَاءَهُمْ، وَرَاحِيلَ وَيُوسُفَ أَخِيراً. ٣ وَأَمَّا هُوَ فَٱجْتَازَ قُدَّامَهُمْ وَسَجَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى ٱقْتَرَبَ إِلَى أَخِيهِ».
ص ٣٢: ٦ ص ١٨: ٢ و٤٢: ٦ و٤٣: ٢٦
ٱجْتَازَ قُدَّامَهُمْ ليترك لنسائه وأولاده فرصة يتمكنون بها من الهرب إن كان هنالك ما يخشى منه فجعل نفسه فداء عنهم. ولا ريب في أنه بذل جهده في أن يُعلن لعيسو بأنه معترف بقدرته عليه وبأنه أسمى منه سمو البكر على من بعده.
٤ «فَرَكَضَ عِيسُو لِلِقَائِهِ وَعَانَقَهُ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ. وَبَكَيَا».
ص ٣٢: ٢٨ ص ٤٥: ١٤ و١٥
فَرَكَضَ عِيسُو لِلِقَائِهِ لا ريب في أن عيسو لما رأى يعقوب بعد طول مدة الفراق رجع إلى فؤاده حنو الصبا الأخوي وثار الحب القديم. وقد عرفنا مما سبق (ص ٢٧: ٣٨) إن عيسو كان شديد الشعور والانفعال وعلى هذا لما هاج كامن الحب في فؤاده كان هيجانه شديداً.
٥ – ٧ «٥ ثُمَّ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ ٱلنِّسَاءَ وَٱلأَوْلاَدَ وَقَالَ: مَا هٰؤُلاَءِ مِنْكَ؟ فَقَالَ: ٱلأَوْلاَدُ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللهُ بِهِمْ عَلَى عَبْدِكَ. ٦ فَٱقْتَرَبَتِ ٱلْجَارِيَتَانِ هُمَا وَأَوْلاَدُهُمَا وَسَجَدَتَا، ٧ ثُمَّ ٱقْتَرَبَتْ لَيْئَةُ أَيْضاً وَأَوْلاَدُهَا وَسَجَدُوا، وَبَعْدَ ذٰلِكَ ٱقْتَرَبَ يُوسُفُ وَرَاحِيلُ وَسَجَدَا».
ص ٤٨: ٩ ومزمور ١٢٧: ٣ وإشعياء ٨: ١٨
مَا هٰؤُلاَءِ مِنْكَ رأى عيسو أنهم أهل أخيه ولكنه سأله ذلك الكمال المعرفة.
٨، ٩ «٨ فَقَالَ: مَاذَا مِنْكَ كُلُّ هٰذَا ٱلْجَيْشِ ٱلَّذِي صَادَفْتُهُ؟ فَقَالَ: لأَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي. ٩ فَقَالَ عِيسُو: لِي كَثِيرٌ. يَا أَخِي لِيَكُنْ لَكَ ٱلَّذِي لَكَ».
ص ٣٢: ١٦ ص ٣٢: ٥
مَاذَا مِنْكَ كُلُّ هٰذَا أي لماذا أرسلت إليّ كل هذه الهدايا.
١٠ – ١٢ «١٠ فَقَالَ يَعْقُوبُ: لاَ. إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ تَأْخُذْ هَدِيَّتِي مِنْ يَدِي، لأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَكَ كَمَا يُرَى وَجْهُ ٱللهِ، فَرَضِيتَ عَلَيَّ. ١١ خُذْ بَرَكَتِي ٱلَّتِي أُتِيَ بِهَا إِلَيْكَ، لأَنَّ ٱللهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ وَلِي كُلُّ شَيْءٍ. وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَأَخَذَ. ١٢ ثُمَّ قَالَ: لِنَرْحَلْ وَنَذْهَبْ، وَأَذْهَبُ أَنَا قُدَّامَكَ».
ص ٤٣: ٣ و٢صموئيل ٣: ١٣ و١٤: ٢٤ و٢٨ و٣٢ ص ٣٢: ٣٠ وأيوب ٣٣: ٢٦ ومزمور ١١: ٧ ومتّى ١٨: ١٠ ص ٣٢: ٢٠ وع ٤ قضاة ١: ١٥ و١صموئيل ٢٥: ٢٧ و٣٠: ٢٦ و٢ملوك ٥: ١٥ فيلبي ٤: ١٨ و٢ملوك ٥: ٢٣
لأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَكَ الخ كان وجه الله عند العبرانيين غير مخيف ورؤيته صالحة جداً وعلى غاية المجد. وهذا التمثيل أبان فيه يعقوب لعيسو انه استعمل الله قدرته في الإحسان إلى يعقوب كما يستعمل الله قدرته للإحسان إلى العباد. ولا ريب في أن عيسو أحسن كل الإحسان إلى يعقوب. ومن ذلك إنه أراد أن يرد إلى أخيه هداياه الوافرة ولولا الحاح يعقوب عليه في قبولها وظنه أنه إذا رفضها خاف يعقوب بقاء العداوة لم يقبلها لأن يعقوب ما أرسلها إلا استرضاء له.
١٣ « فَقَالَ لَهُ: سَيِّدِي عَالِمٌ أَنَّ ٱلأَوْلاَدَ رَخْصَةٌ، وَٱلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ ٱلَّتِي عِنْدِي مُرْضِعَةٌ. فَإِنِ ٱسْتَكَدُّوهَا يَوْماً وَاحِداً مَاتَتْ كُلُّ ٱلْغَنَم».
ٱلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ… مُرْضِعَةٌ استنتج طمسون من هذا أنه كان الشتاء وإن يعقوب اتخذ حظائر وزرائب لبهائمه في سكوت وعلى هذا يكون قد مضى على يعقوب من هربه من حاران إلى ذلك الوقت ما يزيد على ستة أشهر والمرجّح إن يعقوب اضطر أن يبقى في سكوت بسبب عرجه.
١٤ – ١٦ «١٤ لِيَجْتَزْ سَيِّدِي قُدَّامَ عَبْدِهِ، وَأَنَا أَسْتَاقُ عَلَى مَهَلِي فِي أَثَرِ ٱلأَمْلاَكِ ٱلَّتِي قُدَّامِي، وَفِي أَثَرِ ٱلأَوْلاَدِ حَتَّى أَجِيءَ إِلَى سَيِّدِي إِلَى سَعِيرَ. ١٥ فَقَالَ عِيسُو: أَتْرُكُ عِنْدَكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ مَعِي. فَقَالَ: لِمَاذَا؟ دَعْنِي أَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْ سَيِّدِي. ١٦ فَرَجَعَ عِيسُو ذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى سَعِيرَ».
ص ٣٢: ٣ ص ٣٤: ١١ و٤٧: ٢٥ وراعوث ٢: ١٣
أَثَرِ ٱلأَمْلاَكِ كان يوسف يومئذ ابن ست سنين أو سبع سنين وكان ابنا ليئة الصغيرين وابنا زلفة أيضاً لا يحتملون التعب.
إِلَى سَعِيرَ يريد أنه يزوره بعد في مقامه الجديد لأن عيسو لم يكن قد انتقل إليه وجعله مقاماً بل كان مع أبيه في حبرون.
إقامة يعقوب في أرض كنعان والإساءة إلى دينة وانتقام شمعون ولاوي (ص ٣٧: ١٧ إلى ص ٣٤).
١٧ «وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَٱرْتَحَلَ إِلَى سُكُّوتَ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ بَيْتاً، وَصَنَعَ لِمَوَاشِيهِ مِظَلاَّتٍ. لِذٰلِكَ دَعَا ٱسْمَ ٱلْمَكَانِ سُكُّوتَ».
يشوع ١٣: ٢٧ وقضاة ٨: ٥ ومزمور ٦٠: ٦
سُكُّوتَ أي مظال. يوجد مكانان يُعرف كل منهما بسكوت أحدهما في سهم شرقي الأردن على زاوية بين ذلك النهر ويبوق والآخر لم يزل يُعرف بسكوت وهو غربي الأردن على أمد عشرة أميال من متصل الأردن بيبوق.
وَبَنَى لِنَفْسِهِ بَيْتاً، وَصَنَعَ لِمَوَاشِيهِ مِظَلاَّتٍ هذا يدل على أنه أقام هنالك طويلاً وهذا مما تقتضيه أحواله فإنه قاسى أتعاباً كثيرة أتعاب السفر وأتعاب اهتمامه بالنجاة من الابن وأتعابه بمصارعة الملاك له وأتعابه باسترضاء أخيه عيسو إلى غير ذلك من المشقات فكان في غاية الحاجة إلى الاستراحة وانتظار الشفاء من عرجه ولذلك بنى البيت ولم يكتف بالخيمة وصنع المظال لمواشيه وقاية لها من البرد والحر.
١٨ «ثُمَّ أَتَى يَعْقُوبُ سَالِماً إِلَى مَدِينَةِ شَكِيمَ ٱلَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ. وَنَزَلَ أَمَامَ ٱلْمَدِينَةِ».
ص ٢٨: ٢١ يشوع ٢٤: ١ وقضاة ٩: ١
سَالِماً… شَكِيمَ أي ناجياً مما كان فيه من الألم والمشقة. وشكيم اسم مدينة سُمّيت باسم بانيها (انظر تفسير بص ١٢: ٦).
أَرْضِ كَنْعَانَ كان يعقوب حينئذ قد عبر الأردن وقرب من أرض ميلاده والمرجّح إنه زار أباه على أثر شفائه من عرجه ولكن لما كانت مقتنياته كثيرة وكان عيسو رئيس حبرون لم يكن له حينئذ موضع للإقامة هناك. وما كان ذلك مما يمكن إلا بعد موت إسحاق. وإذ عُرف إن دبورة كانت معه بعد قليل نستنتج إنه لما زار أباه وجد أن أمه ماتت فرجع بمرضعتها المحبوبة.
١٩ «وَٱبْتَاعَ قِطْعَةَ ٱلْحَقْلِ ٱلَّتِي نَصَبَ فِيهَا خَيْمَتَهُ مِنْ يَدِ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ بِمِئَةِ قَسِيطَةٍ».
يشوع ٢٤: ٣٢ ويوحنا ٤: ٥ وأيوب ٤٢: ١١
وَٱبْتَاعَ كان إبراهيم قد اضطر أن يشتري أرضاً يجعلها مدفناً ونجد هنا إن الحقل لم يزل لصاحبه ولم يزل يُنسب إليه. ورأى يعقوب بعد نحو مئة سنة أنه من الضروري أن يشتري الأرض التي كان قد ضرب فيها خيامه مع بقاء مواشيه في مراعيها وهذا يدل على أنه كان في جوار تلك المدينة. وفي هذه الأرض التي اشتراها دُفن جسد يوسف المحنط (يشوع ٢٤: ٣٢ انظر أيضاً يوحنا ٤: ٥). ومما يستحق الملاحظة هنا إن تلك الأرض بقيت له بعد طول إقامته في مصر.
بِمِئَةِ قَسِيطَةٍ القسيطة اسم لسبيكة من المعدن كثيرة القيمة بدليل أن كلاً من أصحاب أيوب أعطاه قسيطة واحدة وقرطاً من الذهب (أيوب ٤٢: ١١). ولم يُعرف اشتقاق هذه الكلمة ولا معناها الأصلي وهي معربة عبرانيتها «قشيطة». وفسرها بعضهم بالخروف وليس له من أدنى دليل على ذلك.
٢٠ «وَأَقَامَ هُنَاكَ مَذْبَحاً وَدَعَاهُ «إِيلَ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ».
ص ١٢: ٧ ص ٣٥: ٧
وَأَقَامَ هُنَاكَ مَذْبَحاً كان إبراهيم قد بنى مذبحاً في جوار الموضع الذي بنى فيه يعقوب مذبحه (ص ١٢: ٧). فيعقوب حذا حذو جده وكان بعض الغاية من بناء هذا المذبح الشكر على رجوعه سالماً وملكه تلك الأرض. وبعضها وهو الأعظم الاعتراف بإيمانه وبنسبته إلى الله. وهذا مدلول اسم المذبح «إل إلوهيم إسرائيل». ولم يستعمل هنا اسم الرب «يهوه» لأن اسم المذبح الذي بنى حينئذ يشير إلى بدل اسمه يعقوب بإسرائيل أي أمير مع «إل» أي الله.
السابق |
التالي |