سفر التكوين

سفر التكوين | 27 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

احتيال يعقوب للحصول على بركة البكورية

١، ٢ «١ وَحَدَثَ لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَكَلَّتْ عَيْنَاهُ عَنِ ٱلنَّظَرِ، أَنَّهُ دَعَا عِيسُوَ ٱبْنَهُ ٱلأَكْبَرَ وَقَالَ لَهُ: يَا ٱبْنِي. فَقَالَ لَهُ: هَئَنَذَا. ٢ فَقَالَ: إِنَّنِي قَدْ شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ يَوْمَ وَفَاتِي».

ص ٤٨: ١٠ و١صموئيل ٣: ٢ أمثال ٢٧: ١ ويعقوب ٤: ١٤

وَحَدَثَ أهمية هذا الأصحاح أظهر من أن تبين والمماثلة بين إبراهيم وإسحاق وابنَي الأول وابنَي الثاني كذلك. فإن إسماعيل كان أكبر من إسحاق لكن إسحاق كان وارث العهد على غير قصد إبراهيم. وعيسو كان أكبر من يعقوب لأنه وُلد أولاً لكن يعقوب كان الوارث على غير قصد إسحاق. وكان إسماعيل قوياً يختار سكنى الصحراء ويولع بالصيد وكان عيسو كذلك. وكان إسحاق يحب الروحيات وكان يعقوب كذلك. وكانت وراثة كل من إسحاق ويعقوب لبركة البكورية وحرمان كل من إسماعيل وعيسو بقصد الله واختياره (رومية ١١: ١٠ – ١٣). والذي ظهر من النبإ إن عيسوا آثر الخير الجسدي على الخير الروحي ويعقوب آثر الخير الروحي على الخير الجسدي لكنه أخطأ بالاحتيال ولو ترك الأمر للرب لأتم الله قصده بغير احتياله ولذلك عوقب عليه. وكان عيسو أخيراً حزيناً جداً على أنه كان يحب أباه كثيراً وكان مع كل قوته رقيق القلب لطيفاً بأخيه حتى أنه وقع على عنقه وقبله بدموع (ص ٣٣: ٤).

ولا شك في أن يعقوب لم يكن يطلب بما أتاه الخير الأرضي ولم يطمع في ما كان يصيب أخاه من غنى أبيه فإن ذلك كله تركه لعيسو وقصد أبواب الرزق من جهة أخرى ولم يكن يوم عاد بأمواله التي حصلها في فدان آرام بمبارٍ لأخيه عيسو (ص ٣٣: ١) مع أن إسحاق كان حياً. ولما تعدى عيسو سنة إبراهيم في أسرته كان يعقوب حريصاً على مراعاة تلك السنّة. وأضاع عيسو البكورية ثانية بتزوجه امرأتين كنعانيتين لأن أولاده بذلك لم يكونوا شرعيين (عبرانيين ١٢: ١٦) فلم يكن لهم أن يرثوا العهد. فكل خطإ رفقة ويعقوب احتيالهما في تحصيل ما كان يجب أن يُترك لله. وكان غلط إسحاق أن يبطل ما أشارت إليه النبوءة من أن الميراث ليعقوب (ص ٢٥: ٢٣).

شَاخَ إِسْحَاقُ كان إسحاق يومئذ ابن ١١٧ سنة لكنه عاش ١٨٠ سنة (ص ٣٥: ٢٨) فيكون عاش ٦٣ سنة بعد ذلك ومع هذا توقّع سرعة وفاته (ع ٢) وتوقّع ذلك عيسو نفسه (ع ٤١). ولعل ضعف نظر إسحاق كان ناشئاً عن انحراف فظن أنه اقترب أجله لكنه شفي وعاش كل تلك المدة على أنه كان يضعف شيئاً فشيئاً على ما تقتضيه سنّة الشيخوخة إلى أن توفي. ولما كان يعقوب ابن ٣٠ سنة قال ما معناه أنه شيخ شائب قرب من الرمس (ص ٤٢: ٣٨ و٤٧: ٩). وكثيراً ما كان المقصود بالشيخوخة في العهد القديم التقدم في السن مطلقاً وعلى هذا وُصف صموئيل بالشيخوخة مع أنه كان في متوسط العمر (١صموئيل ٨: ١).

٣ «فَٱلآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جُعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ، وَٱخْرُجْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ وَتَصَيَّدْ لِي صَيْداً».

ص ٢٥: ٢٧ و٢٨

جُعْبَتَكَ (الجعبة ما توضع فيه السهام وهي في العبرانية «تلي» فسرت في الترجوم والنسخة السريانية بالسيف وهي مشتقة من «تلة» أي علق وكل من الجعبة والسيف مما يُعلق). وفسّرها بعضهم بالمشمل (وهو سيف صغير يوضع تحت الثياب). قال بين سمث كل ما نستطيع أن نقوله هنا أنها آلة من آلات الصيد.

تَصَيَّدْ لِي صَيْداً (معنى الصيد هنا ما يصاد لا المصدر).

٤ «وَٱصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ، وَأْتِنِي بِهَا لآكُلَ حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».

ع ٢٧ وص ٤٨: ٩ و١٥ و٤٩: ٢٨ وتثنية ٣٣: ١

أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ كانت مشايخ العرب تحرّك شهوة الطعام بالأفاوية وعلى هذا لم يكن في طاقة إسحاق الشيخ أن يميّز بين طعم لحم المعزى الأهلي وطعم لحم الأروى أي المعزى البري. والعرب يلذ لهم الوعول والغزلان كثيراً فيبغون صيده لأمرين اللذة وتوفير قطعانهم. وكان قصد إسحاق أن يبارك عيسو مباركة الميراث على أثر إعداده الوليمة له.

حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي نعرف ما كان يقصده بتلك البركة من مباركته يعقوب (ص ٢٩). وكان ذلك عملاً نبوياً اعتاده الآباء بإرشاد الروح عند توقع الموت فإنهم كانوا متى توقعوا قرب الوفاة باركوا الذي له حق الميراث. فيعقوب لما قرب من الموت بارك يهوذا (ص ٤٩: ٨ – ١٢). لكن إسحاق جرى على خلاف إعلان الروح الواضح وهو قوله «كبير يُستعبد لصغير» (ص ٢٥: ٢٣). ولعل إسحاق حمله على هذا غضبه من الأسلوب الذي اشترى به يعقوب بكورية عيسو فأصاب بغضبه ولكنه أخطأ بغفلته عن صوت الروح وعن تعدي عيسو سنة إبراهيم بتزوجه الكنعانيتين وإنه لم يبق له حق البكورية بل كان ممنوعاً منه شرعاً ولهذا كان ما كان عليه من الحيلة التي عيبت بها رفقة ويعقوب إلى الأبد وكانت لهما علة حزن مدة الحياة على الأرض. ولو حفظ يعقوب شرفه من ذلك لأخذ البركة بكرامة كما أخذها داود بدون أن يخدع والده.

٥ «وَكَانَتْ رِفْقَةُ سَامِعَةً إِذْ تَكَلَّمَ إِسْحَاقُ مَعَ عِيسُو ٱبْنِهِ. فَذَهَبَ عِيسُو إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ لِيَصْطَادَ صَيْداً لِيَأْتِيَ بِهِ».

كَانَتْ رِفْقَةُ سَامِعَةً ولعلها كانت في حضرة إسحاق وكان إسحاق يريد أنها تعرف قصده وهو أن يبارك ابنه المكرّم لكن كلامه لم يسرّها بل كان خيبة لها لأنها ولا ريب كانت تذكر النبوءة المصرّحة بأن البركة ليعقوب ورأت أن إسحاق يريد مخالفة تلك النبوءة. فلو كان إيمانها نقياً لتيقنت أن الله لا بد من أن يتم قصده أراد إسحاق أم لم يُرد بدون افتقار إلى مساعدتها إياه بالاحتيال لكن سهّل عليها ما أتت أنها تدفع به خطأ عظيماً.

٦، ٧ «٦ وَأَمَّا رِفْقَةُ فَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ ٱبْنِهَا: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَبَاكَ يُكَلِّمُ عِيسُوَ أَخَاكَ قَائِلاً: ٧ اِئْتِنِي بِصَيْدٍ وَٱصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً لآكُلَ وَأُبَارِكَكَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ قَبْلَ وَفَاتِي».

ص ٢٥: ٢٨

أَمَامَ ٱلرَّبِّ «يهوه» قالت رفقة هنا ما لم يقله إسحاق لكنها لم تخرج عن معناه.

٨ – ١٤ «٨ فَٱلآنَ يَا ٱبْنِي ٱسْمَعْ لِقَوْلِي فِي مَا أَنَا آمُرُكَ بِهِ: ٩ اِذْهَبْ إِلَى ٱلْغَنَمِ وَخُذْ لِي مِنْ هُنَاكَ جَدْيَيْنِ جَيِّدَيْنِ مِنَ ٱلْمِعْزَى، فَأَصْنَعَهُمَا أَطْعِمَةً لأَبِيكَ كَمَا يُحِبُّ، ١٠ فَتُحْضِرَهَا إِلَى أَبِيكَ لِيَأْكُلَ حَتَّى يُبَارِكَكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ. ١١ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: هُوَذَا عِيسُو أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ. ١٢ رُبَّمَا يَجُسُّنِي أَبِي فَأَكُونُ فِي عَيْنَيْهِ كَمُتَهَاوِنٍ، وَأَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لاَ بَرَكَةً. ١٣ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: لَعْنَتُكَ عَلَيَّ يَا ٱبْنِي. اِسْمَعْ لِقَوْلِي فَقَطْ وَٱذْهَبْ خُذْ لِي. ١٤ فَذَهَبَ وَأَخَذَ وَأَحْضَرَ لأُمِّهِ، فَصَنَعَتْ أُمُّهُ أَطْعِمَةً كَمَا كَانَ أَبُوهُ يُحِبُّ».

ع ١٣ ع ٤ ص ٢٥: ٢٥ ع ٢٢ ص ٩: ٢٥ وتثنية ٢٧: ١٨ ص ٤٣: ٩ و١صموئيل ٢٥: ٢٤ و٢صموئيل ١٤: ٩ ومتّى ٢٧: ٢٥ ع ٤ و٩

جَدْيَيْنِ لم يلعنهما إسحاق على ذلك بعدما عرف الحيلة بل اعترف بأن الحق كان معهما وأثبت البركة ليعقوب وقررها بالتكرار (ع ٣٣) ولكن من الغريب أن كلا من رفقة ويعقوب لم يشعرا بأن الاحتيال والخداع من الخطايا.

١٥ «وَأَخَذَتْ رِفْقَةُ ثِيَابَ عِيسُو ٱبْنِهَا ٱلأَكْبَرِ ٱلْفَاخِرَةَ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا فِي ٱلْبَيْتِ وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ٱبْنَهَا ٱلأَصْغَرَ».

ع ٢٧

ثِيَابَ عِيسُو… ٱلْفَاخِرَةَ ظن بعضهم أنه كان للابن الأكبر رتبة كاهن في البيت وأنه لما شاخ إسحاق وأظلمت عيناه كان عيسو ينوب عنه بتقديم الذبائح. والظاهر أنه كان لعيسو ثياب مختصة بذلك لأن الثياب المعتادة لا وجه لأن تُحفظ في خيمة أمه بل الوجه أن تُحفظ في خيمة عيسو أو خيمة إحدى زوجتيه.

١٦ – ١٨ «١٦ وَأَلْبَسَتْ يَدَيْهِ وَمَلاَسَةَ عُنُقِهِ جُلُودَ جَدْيَيِ ٱلْمِعْزَى. ١٧ وَأَعْطَتِ ٱلأَطْعِمَةَ وَٱلْخُبْزَ ٱلَّتِي صَنَعَتْ فِي يَدِ يَعْقُوبَ ٱبْنِهَا. ١٨ فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: يَا أَبِي. فَقَالَ: هَئَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ٱبْنِي?».

جُلُودَ جَدْيَيِ ٱلْمِعْزَى جلد الحيوانات في البلاد الحارة ألطف وأنعم من جلد الحيوانات في البلاد الباردة. ولبعض أنواع المعزى في البلاد الشرقية شعر ليّن كالحرير ولا ريب في أن الشعر الذي كان يغطي أجساد بعض الرجال لم يكن لطيفاً ناعماً. وقد شُبه شعر موصوفة سليمان في نشيد الأنشاد بقطعان معزى (نشيد الأنشاد ٤: ١).

١٩ «فَقَالَ يَعْقُوبُ لأَبِيهِ: أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ. قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ ٱجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِتُبَارِكَنِي نَفْسُكَ».

ص ٢٥: ٣٣ ع ٤

قُمِ ٱجْلِسْ وَكُلْ كان العبرانيون في ذلك الوقت وبعد قرون منه يتناولون الطعام جالسين (١صموئيل ٢٠: ٢٥) ثم أخذوا الاتكاء على المائدة عن الرومانيين كما كانت عادتهم في عصر المسيح. ومن الخطإ أن نظن إسحاق كان يومئذ شيخاً ملازماً فراشه لأن يعقوب سأله أن يقوم من تلقاء نفسه ولم يساعده على القيام مع أن نظره حينئذ كان ضعيفاً جداً ولم يلمسه إسحاق حتى اقترب إليه.

٢٠ «فَقَالَ إِسْحَاقُ لٱبْنِهِ: مَا هٰذَا ٱلَّذِي أَسْرَعْتَ لِتَجِدَ يَا ٱبْنِي؟ فَقَالَ: إِنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ قَدْ يَسَّرَ لِي».

خروج ٢: ١٨

ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ قَدْ يَسَّرَ لِي لم يعرف يعقوب أن يحكم الحيلة لأنه لم يكن من سجيّة عيسو أن يلتفت إلى العناية الإلهية في السعي وراء الصيد والنجاح فيه وهذا مما ألقى الريب في نفس إسحاق.

٢١ – ٢٦ « ٢١ فَقَالَ إِسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: تَقَدَّمْ لأَجُسَّكَ يَا ٱبْنِي. أَأَنْتَ هُوَ ٱبْنِي عِيسُو أَمْ لاَ؟ ٢٢ فَتَقَدَّمَ يَعْقُوبُ إِلَى إِسْحَاقَ أَبِيهِ، فَجَسَّهُ وَقَالَ: ٱلصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، وَلٰكِنَّ ٱلْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو. ٢٣ وَلَمْ يَعْرِفْهُ لأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ كَيَدَيْ عِيسُو أَخِيهِ. فَبَارَكَهُ. ٢٤ وَقَالَ: هَلْ أَنْتَ هُوَ ٱبْنِي عِيسُو؟ فَقَالَ: أَنَا هُوَ. ٢٥ فَقَالَ: قَدِّمْ لِي لآكُلَ مِنْ صَيْدِ ٱبْنِي حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي. فَقَدَّمَ لَهُ فَأَكَلَ، وَأَحْضَرَ لَهُ خَمْراً فَشَرِبَ. ٢٦ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: تَقَدَّمْ وَقَبِّلْنِي يَا ٱبْنِي».

ع ١٢ ع ١٦ ع ٤

تَقَدَّمْ لأَجُسَّكَ يَا ٱبْنِي لو لم يقع الريب في نفسه لم يسأله ذلك وكان له أن يشك في أنه عيسو فوق جوابه وأسلوب كلامه وأفكاره من سرعة إعداد الطعام مع بُعد مكان الصيد عن المراعي والفرق بين الصوتين. نعم إن صوتي التوأمين يتشابهان ولكن لا بد من الفرق بينهما. وقد شعر إسحاق بالفرق لكن شعر المعزى على يديه خفف الشك. ولا ريب في أن ذلك كان على غاية الإحكام حتى خُدع إسحاق به ولعله لما لمسه لم يبق في نفسه شيء من الشك في أنه عيسو.

٢٧ «فَتَقَدَّمَ وَقَبَّلَهُ. فَشَمَّ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ. وَقَالَ: ٱنْظُرْ! رَائِحَةُ ٱبْنِي كَرَائِحَةِ حَقْلٍ قَدْ بَارَكَهُ ٱلرَّبُّ».

عبرانيين ١١: ٢٠ نشيد الأنشاد ٤: ١١ وهوشع ١٤: ٦

كَرَائِحَةِ حَقْلٍ كانت حقول فلسطين طيبة الرائحة لكثرة ما فيها من الأزهار العطرة والمرجح أنه قصد الرائحة التي شمها من ثياب عيسو لأنه كان قد ألفها.

٢٨ «فَلْيُعْطِكَ ٱللهُ مِنْ نَدَى ٱلسَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ ٱلأَرْضِ وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ».

تثنية ٣٣: ١٣ و٢٨ و٢صموئيل ١: ٢١ وأيوب ٢٩: ١٩ ص ٤٥: ١٨ وتثنية ٨: ٧ إلى ٩ تثنية ٣٣: ٢٨ و٢ملوك ١٨: ٣٢ وهوشع ٢: ٨

فَلْيُعْطِكَ ٱللهُ «إلوهيم» هنا على خلاف العادة في مثل هذه الأحوال ذكر «إلوهيم» دون «يهوه» وعلى ذلك أنه ذكر البركة المتعلقة بالأمور الطبيعية من الندى والخصب والحنطة والخمر التي هي هبات إله الطبيعة. وكان يُستعمل هذا الاسم للخالق بالنسبة إلى أعمال الخلق على سنّة الكتاب واصطلاحه.

دَسَمِ ٱلأَرْضِ أي أماكنها الخصبة.

خَمْرٍ الخمر هنا ترجمة كلمة عبرانية غير الكلمة العبرانية المذكورة في (ع ٢٥) (فالتي في ع ٢٥ «يين» وهي عصير العنب المختمر. والتي في ع ٢٨ «تيرش» وهي عصير العنب غير المختمر).

٢٩ «لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ وَتَسْجُدْ لَكَ قَبَائِلُ. كُنْ سَيِّداً لإِخْوَتِكَ، وَلْيَسْجُدْ لَكَ بَنُو أُمِّكَ. لِيَكُنْ لاَعِنُوكَ مَلْعُونِينَ وَمُبَارِكُوكَ مُبَارَكِينَ».

ص ٩: ٢٥ و٢٥: ٢٣ و٢صموئيل ٨: ٢ و٦ و١٠: ١٩ ٢صموئيل ٨: ١٤ و١ملوك ١١: ١٥ و١٦ ص ٤٩: ٨ ص ١٢: ٣ وعدد ٢٤: ٩

لِيُسْتَعْبَدْ لَكَ شُعُوبٌ كانت البركة الأولى خاصة والبركة هنا عامة لنسله فإنه يستعبد الأمم وسائر نسل إبراهيم وإسحاق.

إِخْوَتِكَ بَنُو أُمِّكَ أي عيسو و نسله.

مَلْعُونِينَ… مُبَارَكِينَ هذا قسم من البركة التي كانت لإبراهيم (ص ١٢: ٣) لكن بركة إسحاق محدودة وبركة الله لإبراهيم كانت غير محدودة وعامة جداً وهي أنه بنسله تتبارك كل أمم الأرض (ص ١٢: ٣ و٢٢: ١٨ و٢٦: ٤). وعلة ذلك على ما يرجّح أن تلك البركة غير المحدودة لم تكن لأن يباركها إنسان فهي مما يختص بالله أو لعل إسحاق لم ير عيسو مستحقاً لتلك البركة لأن سلوكه لم يكن حسناً لأنه لم يراع في شأن البكورية سوى الخيرات الأرضية لكنه بارك يعقوب بركة إبراهيم إجمالاً (ع ٤) وحصل يعقوب على بركة إبراهيم من الرب «يهوه» نفسه (ع ١٤).

٣٠ – ٣٢ «٣٠ وَحَدَثَ عِنْدَمَا فَرَغَ إِسْحَاقُ مِنْ بَرَكَةِ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ قَدْ خَرَجَ مِنْ لَدُنْ إِسْحَاقَ أَبِيهِ، أَنَّ عِيسُوَ أَخَاهُ أَتَى مِنْ صَيْدِهِ، ٣١ فَصَنَعَ هُوَ أَيْضاً أَطْعِمَةً وَدَخَلَ بِهَا إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ لأَبِيهِ: لِيَقُمْ أَبِي وَيَأْكُلْ مِنْ صَيْدِ ٱبْنِهِ حَتَّى تُبَارِكَنِي نَفْسُكَ. ٣٢ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا ٱبْنُكَ بِكْرُكَ عِيسُو».

ع ٥ ع ٤

فَصَنَعَ هُوَ أَيْضاً (ع ٣١) رجع عيسو على أثر خروج يعقوب من حضرة أبيه ولا بد من أنه مرّ وقت طويل بين رجوعه بالصيد وطبخه.

٣٣ – ٣٥ «٣٣ فَٱرْتَعَدَ إِسْحَاقُ ٱرْتِعَاداً عَظِيماً جِدّاً. وَقَالَ: فَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي ٱصْطَادَ صَيْداً وَأَتَى بِهِ إِلَيَّ فَأَكَلْتُ مِنَ ٱلْكُلِّ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ وَبَارَكْتُهُ؟ نَعَمْ وَيَكُونُ مُبَارَكاً! ٣٤ فَعِنْدَمَا سَمِعَ عِيسُو كَلاَمَ أَبِيهِ صَرَخَ صَرْخَةً عَظِيمَةً وَمُرَّةً جِدّاً، وَقَالَ لأَبِيهِ: بَارِكْنِي أَنَا أَيْضاً يَا أَبِي! ٣٥ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ أَخُوكَ بِمَكْرٍ وَأَخَذَ بَرَكَتَكَ».

ص ٢٨: ٣ و٤ وعدد ٢٢: ٦ ورومية ١١: ٢٩

فَٱرْتَعَدَ إِسْحَاقُ ٱرْتِعَاداً عَظِيماً لم يرتعد إسحاق هذا الارتعاد غيظاً على أنه خُدع أو على أنه بارك يعقوب على غير إرادته بل على أنه قاوم الله بأنه لم يختر مباركة يعقوب على وفق النبوءة التي بُلغتها رفقة وبأنه قصد أن يبارك عيسو الذي لم يكترث بأمور الدين وتزوج وثنيتين على خلاف سنة إبراهيم فخاب مسعاه وبطل قصده لكن إسحاق لم يصر على خطائه بل رجع عنه خائفاً آسفاً وجدد مباركة يعقوب بقوله فيه «نعم ويكون مباركاً» ومع ذلك لم يتوقف عن الحكم بأن يعقوب أتى المكر وأشار بذلك أنه استحق اللوم على مكره (ع ٣٥).

٣٦، ٣٧ «٣٦ فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ ٱسْمَهُ دُعِيَ يَعْقُوبَ، فَقَدْ تَعَقَّبَنِي ٱلآنَ مَرَّتَيْنِ! أَخَذَ بَكُورِيَّتِي وَهُوَذَا ٱلآنَ قَدْ أَخَذَ بَرَكَتِي. ثُمَّ قَالَ: أَمَا أَبْقَيْتَ لِي بَرَكَةً؟ ٣٧ فَقَالَ إِسْحَاقُ لِعِيسُو: إِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ سَيِّداً لَكَ، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ جَمِيعَ إِخْوَتِهِ عَبِيداً، وَعَضَدْتُهُ بِحِنْطَةٍ وَخَمْرٍ. فَمَاذَا أَصْنَعُ إِلَيْكَ يَا ٱبْنِي؟».

ص ٢٥: ٢٦ ص ٢٥: ٣٣ ع ٢٩ ع ٢٨

أَلاَ إِنَّ ٱسْمَهُ دُعِيَ يَعْقُوبَ أي كان فعله على وفق معنى اسمه فهنا عيسو فسّر اسم يعقوب بمعنى رديء غير المعنى الذي قُصد به وهو أنه أتى ماسكاً بعقبه (انظر ص ٢٥: ٢٦).

٣٨ «فَقَالَ عِيسُو لأَبِيهِ: أَلَكَ بَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبِي؟ بَارِكْنِي أَنَا أَيْضاً يَا أَبِي! وَرَفَعَ عِيسُو صَوْتَهُ وَبَكَى».

عبرانيين ١٢: ١٧

أَلَكَ بَرَكَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ يَا أَبِي كانت بركة البكورية الروحية مقصورة على ابن واحد وأما البركة الأرضية وإن كانت نافعة لعيسو بعض النفع فلا تمنع من أن يكون نسله خاضعاً لنسل يعقوب.

٣٩ «فَأَجَابَ إِسْحَاقُ أَبُوهُ: هُوَذَا بِلاَ دَسَمِ ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَسْكَنُكَ، وَبِلاَ نَدَى ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ.

عبرانيين ١١: ٢٠ ع ٢٨

فَأَجَابَ إِسْحَاقُ أَبُوهُ بعدما رآه من إلحاح عيسو ودموعه تخفيفاً لحزنه الثقيل على سلب أخيه إياه البكورية والبركة فإن إسحاق رأى وجوب أن لا يبقى على طريق خطائه واحترس كل الاحتراس من أن يأتي ما ينافي إرادة الله.

هُوَذَا بِلاَ دَسَمِ ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَسْكَنُكَ، وَبِلاَ نَدَى ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ أي يسكن الصحراء لأنه لا يميل إلى الحرث والزرع. نعم إن بعض أمكنة بلاد أدوم كان خصيباً لكن أكثرها عراء وصحاري. وأما مساكن يعقوب فكانت كثيرة الخصب فكل من القسمين كان موافقاً لأحوال حياة مالكه وأعماله.

٤٠ «وَبِسَيْفِكَ تَعِيشُ، وَلأَخِيكَ تُسْتَعْبَدُ. وَلٰكِنْ يَكُونُ حِينَمَا تَجْمَحُ أَنَّكَ تُكَسِّرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ».

ص ٢٥: ٢٣ و٢صموئيل ٨: ١٤ وعوبديا ١٨ و١٩ ٢ملوك ٨: ٢٠

تُكَسِّرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ بقيت بلاد أدوم خاضعة لنسل يعقوب زماناً طويلاً فتمت النبوءة نبوءة خضوع عيسو واستعباده لأخيه. ولكن في أيام يورام الأولى وأيام أحاز تحررت تلك البلاد فتمت النبوءة نبوءة كسر النير عن عنقه. لكن كان الأدوميون مستعبدين للإسرائيليين إجمالاً.

إرسال إسحاق ورفقة ليعقوب إلى حاران

٤١ «فَحَقَدَ عِيسُو عَلَى يَعْقُوبَ مِنْ أَجْلِ ٱلْبَرَكَةِ ٱلَّتِي بَارَكَهُ بِهَا أَبُوهُ. وَقَالَ عِيسُو فِي قَلْبِهِ: قَرُبَتْ أَيَّامُ مَنَاحَةِ أَبِي، فَأَقْتُلُ يَعْقُوبَ أَخِي».

ص ٣٧: ٤ و٨ ص ٥٠: ٣ و٤ و١٠ عوبديا ١٠

قَرُبَتْ أَيَّامُ مَنَاحَةِ أَبِي كان عيسو يتوقع قرب وفاة أبيه كما توقع إسحاق نفسه (ع ٢) لكنه قوي وعاش بعد ذلك أكثر من نصف قرن. وقال بعضهم يحتمل أن معنى عيسو «قربت مناحة أبي على يعقوب لأني ساقتله» ولكن النص والقرائن لا توافق ذلك.

٤٢ « فَأُخْبِرَتْ رِفْقَةُ بِكَلاَمِ عِيسُوَ ٱبْنِهَا ٱلأَكْبَرِ، فَأَرْسَلَتْ وَدَعَتْ يَعْقُوبَ ٱبْنَهَا ٱلأَصْغَرَ وَقَالَتْ لَهُ: هُوَذَا عِيسُو أَخُوكَ مُتَسَلٍّ مِنْ جِهَتِكَ بِأَنَّهُ يَقْتُلُكَ».

مزمور ٦٤: ٥

كَلاَمِ عِيسُوَ الخ قال عيسو ذلك في قلبه (ع ٤١) فكيف عرفت رفقة فلا ريب في أن عيسو لم يستطع كتم قصده الفظيع لشدة غيظه فعرفته رفقة فعزمت أن ترسل يعقوب إلى بيت أبيها لا لمجرد وقايته بل ليأخذ زوجة منه أيضاً لأنه ثبت حينئذ أنه هو صاحب البكورية والوارث لبركة إبراهيم فوجب أن يجري على سنة أبيه ويأخذ زوجة من نسل تارح وأهل بيت ناحور. ولا ريب في أنها دعت يعقوب إلى خيمتها وأنبأته بقصد أخيه سراً.

٤٣ «فَٱلآنَ يَا ٱبْنِي ٱسْمَعْ لِقَوْلِي، وَقُمِ ٱهْرُبْ إِلَى أَخِي لاَبَانَ إِلَى حَارَان».

ص ١١: ٣١

قُمِ ٱهْرُبْ (لو لم تُشر عليه بالخداع لم تُشر إليه بهذا الهرب ولكان الله دبر الأمور بلا مشورتها).

٤٤، ٤٥ «٤٤ وَأَقِمْ عِنْدَهُ أَيَّاماً قَلِيلَةً حَتَّى يَرْتَدَّ غَضَبُ أَخِيكَ عَنْكَ، ٤٥ وَيَنْسَى مَا صَنَعْتَ بِهِ. ثُمَّ أُرْسِلُ فَآخُذُكَ مِنْ هُنَاكَ. لِمَاذَا أُعْدَمُ ٱثْنَيْكُمَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؟».

أَيَّاماً قَلِيلَةً الخ كانت رفقة تتوقع قرب وفاة إسحاق كما كان إسحاق يتوقع قرب الوفاة وكما كان عيسو يتوقعها (ع ١ و٤١) ولكن يعقوب لم يغب عنها أياماً قليلة بل غاب نحو أربعين سنة وماتت ولم تره. ولكن ذلك كان خيراً لها من أن يقتله عيسو فتفقد الاثنين الأول بموته والثاني بتيهه في الأرض كقايين.

٤٦ «وَقَالَتْ رِفْقَةُ لإِسْحَاقَ: مَلِلْتُ حَيَاتِي مِنْ أَجْلِ بَنَاتِ حِثَّ. إِنْ كَانَ يَعْقُوبُ يَأْخُذُ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ حِثَّ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ مِنْ بَنَاتِ ٱلأَرْضِ، فَلِمَاذَا لِي حَيَاةٌ؟».

ص ٢٦: ٣٥ ص ٢٤: ٣ ص ٢٥: ٢٢

وَقَالَتْ رِفْقَةُ لإِسْحَاقَ كان قصد رفقة في أول الأمر أن يهرب يعقوب خوفاً من أن يقتله عيسو وهنا رأت رأياً جديداً لإرسال يعقوب إلى حاران. وموافقة إسحاق لها على هذا الرأي بُيّنت في الأصحاح الآتي. وليس في العبرانية من فاصل من بداءة الأصحاح السابع والعشرين إلى نهاية الآية التاسعة من الأصحاح الثامن والعشرين.

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى