سفر التكوين

سفر التكوين | 25 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

تزوج إبراهيم قطورة

١ «وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةً ٱسْمُهَا قَطُورَةُ».

ص ١٦: ٣ وع ٦ و١أيام ١: ٣٢

وَعَادَ إِبْرَاهِيمُ فَأَخَذَ زَوْجَةً المفهوم أن إبراهيم تزوج قطورة بعد موت سارة ومع أن هذا هو المرجّح ولا يعترضه قوله و «عاد إبراهيم فأخذ» الخ إذ هذا القول لا يُعين الوقت وإبراهيم كان ابن ١٣٧ سنة يوم موت سارة وعاش ١٧٥ سنة وتُرك وحده بعد زواج إسحاق فتزوج قطورة وولد له منها ستة بنين. إنما الاعتراض الوحيد على ذلك قوله في (ص ١٧: ١٧) ما يفيد أنه على خلاف الطبيعة أن يولد ابن لابن مئة سنة فبالأولى أن يكون على خلاف الطبيعة أن يولد له بنون بعد نحو أربعين سنة من ذلك. والذين رأوا أنه تزوج قطورة قبل موت سارة استدلوا على ذلك بذكر أسماء حفدة إبراهيم من قطورة في (ع ٣ و٤) وإن ذلك لا يكون إلا بعد زمان طويل. ولكن هذا الدليل ضعيف لاحتمال أن الكاتب ذكرهم هنا لبيان السلالة لا لبيان أنهم كانوا حينئذ. وندفع الإشكال بأن الله لم يرجع عن هبته القوة لإبراهيم بعد موت سارة فأبقاها عليه كل تلك المدة. ودفع الإشكال مفسرو اليهود بقولهم إن قطورة هي هاجر عينها فإن إبراهيم ردها إليه بدليل قول الكتاب «وعاد» أي وعاد إبراهيم وتزوج هاجر وكان اسمها حينئذ قطورة ولكن في ع ٦ إشارة إلى أن هاجر وقطورة كانتا من جملة سراري إبراهيم. وفي سفر أخبار الأيام الأول أوضح بيان على أن هاجر غير قطورة لذكر نسل كل منهما على حدة (١أيام ١: ٣٢). ونزيد على ذلك إن إسماعيل كان ابن ١٤ سنة يوم وُلد إسحاق فكان يوم زواج إسحاق ابن أربع وخمسين سنة فتكون هاجر قد كبرت وجاوزت سن الولادة والذي ذُكر أن قطورة ولدت لإبراهيم ستة بنين.

٢ «فَوَلَدَتْ لَهُ زِمْرَانَ، وَيَقْشَانَ، وَمَدَانَ، وَمِدْيَانَ، وَيِشْبَاقَ، وَشُوحاً».

١أيام ١: ٣٢ و٣٣ ص ٣٧: ٢٨ و٣٦ خروج ٣: ١ وقضاة ٦: ١ وإشعياء ٦٠: ٦ أيوب ٢: ١١

زِمْرَانَ رأى يوسيفوس وجيروم أن و طن نسل إبراهيم من قطورة اليمن المعروفة بفيلكس العربية أي العربية السعيدة لكن ذلك لم يؤيَّد بدليل قاطع.

مَدَانَ كان من عظماء أبناء قطورة واشتهر نسله بالتجارة (ص ٣٧: ٢٨). ودعوا في (ص ٣٧: ٣٦) بالعبرانية مدانيين فالظاهر أن نسل مدان اختلط بنسل مديان وصار النسلان قبيلة واحدة. وكان من المديانيين يثرون حمو موسى (خروج ٢: ١٥ و١٦) ولنجاحهم بالتجارة غنوا وقووا وصاروا رهبة للإسرائيليين (قضاة ص ٦ و٧ و٨).

شُوحاً لعل بلدد الشوحي صديق أيوب من نسله (أيوب ٢: ١١).

٣ – ٥ «٣ وَوَلَدَ يَقْشَانُ: شَبَا وَدَدَانَ. وَكَانَ بَنُو دَدَانَ: أَشُّورِيمَ وَلَطُوشِيمَ وَلأُمِّيمَ. ٤ وَبَنُو مِدْيَانَ: عَيْفَةُ وَعِفْرُ وَحَنُوكُ وَأَبِيدَاعُ وَأَلْدَعَةُ. جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ بَنُو قَطُورَةَ. ٥ وَأَعْطَى إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ».

أيوب ١: ١٥ و٦: ١٩ إشعياء ٢١: ١٣ وإرميا ٢٥: ٢٣ و٤٩: ٨ وحزقيال ٢٥: ١٣ حزقيال ٢٧: ٢٣ إشعياء ٦٠: ٦ ص ٢٤: ٣٦

وَوَلَدَ يَقْشَانُ: شَبَا وَدَدَانَ لكن ذكر قبلاً إن شبا وددان ابنا رعمة بن كوش (ص ١٠: ٧) فلنا هنا برهان على أن هذه الجداول النسبية تشير إلى أماكن معينة وإن هذه الأماكن كانت آهلة بالحاميين ثم غلبهم الساميون واستولوا عليها وكانوا يدعون أنهم نسل إبراهيم فيرجّح كل الترجيح أن شبا وددان هنا ليسا باسمي رجلين فهما فريقان من ابني يقشان استوليا على أرص حام ودُعيا باسم سبا وددان لأنهما من نسلهما وقد بُيّن أنهما أرضان في (إرميا ٦: ٢٠ و٤٩: ٨ وحزقيال ٢٥: ١٣ و٢٧: ١٥ و٢٢ و٣٨ – ١٣ الخ).

أَشُّورِيمَ وَلَطُوشِيمَ وَلأُمِّيمَ هذه ليست بأسماء أشخاص بل هي أسماء قبائل انقسم إليها الددانيون.

٦ «وَأَمَّا بَنُو ٱلسَّرَارِيِّ ٱللَّوَاتِي كَانَتْ لإِبْرَاهِيمَ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ٱبْنِهِ شَرْقاً إِلَى أَرْضِ ٱلْمَشْرِقِ وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ».

ع ١ ص ٢١: ١٤ قضاة ٦: ٣

أَرْضِ ٱلْمَشْرِقِ أي بلاد العرب والقسم الجنوبي مما بين النهرين فقووا على أهل تلك البلاد واستولوا عليها. ولم تزل البدو إلى هذا اليوم يفعلون فعل إبراهيم فإنهم متى كبر أولادهم إعطوا كل ولد نصيبه من الأملاك أو المال (لوقا ١٥: ٢١) فيذهب كل إلى جهة ويتركون الأكبر في البيت.

٧ «وَهٰذِهِ أَيَّامُ سِنِي حَيَاةِ إِبْرَاهِيمَ ٱلَّتِي عَاشَهَا: مِئَةٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً».

مِئَةٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً كان إبراهيم ابن خمس وسبعين سنة يوم ترك حاران (ص ١٢: ٤) فسكن أرض كنعان نحو قرن كامل شغل ربعه في امتحان إيمانه الطويل قبل أن يولد له إسحاق وإذ كان عيسو ويعقوب وُلدا لإسحاق وهو ابن ستين سنة (ع ٢٦) كان كل منهما عند وفاة إبراهيم في سن الخامسة عشرة فيرجح أنهما نظرا جدهما إبراهيم مراراً كثيرة وحصلا على بركته.

٨ «وَأَسْلَمَ إِبْرَاهِيمُ رُوحَهُ وَمَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ، شَيْخاً وَشَبْعَانَ أَيَّاماً، وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ».

ص ١٥: ١٥ ص ٣٥: ٢٩ و٤٩: ٢٩ و٣٣

إِبْرَاهِيمُ… ٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ هذا يدل على الحياة الأخرى بعد انفصال النفس عن الجسد لأن قومه لم يكونوا مدفونين في أرض كنعان حيث دُفن فالمعنى إن نفسه الخالدة انضمت إلى نفوسهم (انظر تفسير ص ١٥: ١٥ وعبرانيين ١١: ١٦)

٩، ١٠ «٩ وَدَفَنَهُ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ ٱبْنَاهُ فِي مَغَارَةِ ٱلْمَكْفِيلَةِ فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ ٱلْحِثِّيِّ ٱلَّذِي أَمَامَ مَمْرَا ١٠ ٱلْحَقْلِ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بَنِي حِثٍّ. هُنَاكَ دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ ٱمْرَأَتُهُ».

ص ٣٥: ٢٩ و٥٠: ١٣ ص ٢٣: ٩ ص ٢٣: ١٧ و١٨ ص ٤٩: ٣١

إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ ٱبْنَاهُ كان إسحاق يومئذ في سن الخامسة والسبعين وإسماعيل في سن التاسعة والثمانين فتلاقى هذا الشيخان صديقين على قبر أبيهما بعد العداوة سنين كثيرة. وكان أبناء قطورة في أقصى بلاد العرب على ما يظهر وكان وطن إسماعيل فاران (ص ٢١: ٢١) غير بعيد عن وطن إسحاق الذي عند بئر لحي رُئي.

١١ «وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ٱللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ. وَسَكَنَ إِسْحَاقُ عِنْدَ بِئْرِ لَحَيْ رُئِي».

ص ١٦: ١٤ و٢٤: ٦٢

أَنَّ ٱللهَ بَارَكَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ بهذه البركة تم الكلام على مواليد تارح وهو جزء نافع ثمين من أجزاء كتاب الله وأساس تعليم الإنجيل وفيه أسلوب إتمام الوعد الذي في (ص ٣: ١٥) أو بيان أصل الجنس المختار وامتحان الإيمان وتمهيد السبيل إلى إعطاء الشريعة ونمو نور النبوءة بالقرب الذي به سار إبراهيم مع الله.

مواليد إسماعيل

١٢ «وَهٰذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ ٱلْمِصْرِيَّةُ جَارِيَةُ سَارَةَ لإِبْرَاهِيمَ».

ص ١٦: ١٥

وَهٰذِهِ مَوَالِيدُ إِسْمَاعِيلَ لم يترك الله اسم إسماعيل منسياً فذكر نسله بمقابلة نسل الذي يأتي منه المسيح حسب الجسد بياناً إن المسيح مخلص للجميع لا لليهود فقط.

١٣ – ١٥ «١٣ وَهٰذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ بِأَسْمَائِهِمْ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إِسْمَاعِيلَ، وَقِيدَارُ، وَأَدَبْئِيلُ، وَمِبْسَامُ، ١٤ وَمِشْمَاعُ، وَدُومَةُ، وَمَسَّا، ١٥ وَحَدَارُ، وَتَيْمَا، وَيَطُورُ، وَنَافِيشُ، وَقِدْمَةُ».

أيوب ١: ٢٩ إلى ٣١ ص ٢٩: ٩ و٣٦: ٣ وإشعياء ٦٠: ٧ نشيد الأنشاد ١: ٥ وإشعياء ٤٢: ١١ و٦٠: ٧ وإرميا ٤٩: ٢٨ وحزقيال ٢٧: ٢١ إشعياء ٢١: ١١ أيوب ٦: ١٩ وإشعياء ٢١: ١٤ وإرميا ٢٥: ٢٣ و١أيام ٥: ١٩ ولوقا ٣: ١ و١أيام ٥: ١٩

وَهٰذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وهم قبائل من العرب منهم «نبايوت وقيدار» وهاتان القبيلتان من الرعاة الكثيري القطعان (إشعياء ٢١: ١١). «وتيما» ووصفت هذه القبيلة بالكرم والضيافة (إشعياء ٢١: ١٤) وكانت مجتهدة في التجارة (إرميا ٢٥: ٢٣) ويطور ونافيش وغيرهما من نسل إبراهيم من هاجر المصرية حاربهم رأوبين وأحلافه وغلبهوهم (١أيام ٥: ١٩). وغُيّر اسم يطور فصار أيطورية (لوقا ٣: ١). ومن أراد الكلام على كل بني إسماعيل فعليه بمعجم الكتاب المقدس لسمث وأمثاله. وكان وطن القبائل الاثني عشرة التي من إسماعيل القسم الشمالي من بلاد العرب فامتدت هنالك على توالي الزمان وسادت اليقطانيين حتى لم يبق لهم ذكر (ص ١٠: ٢٦ – ٣٠). ودُعي أبناء إسماعيل أمراء أو رؤساء. فلنا من ذلك أنه نشأ عن إسماعيل نسل سامي كبير كان يتقدم إلى مصر فاستولى إسماعيل بهم على فاران وتركها لهم ميراثاً (ص ١٢: ١٥).

١٦ «هٰؤُلاَءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ، وَهٰذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ بِدِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ. ٱثْنَا عَشَرَ رَئِيساً حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ».

ص ١٧: ٢٠

بِدِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ كانت ديارهم قرى وخياماً فمنهم بدو ومنهم حضر (لاويين ٢٥: ٣١ ومزمور ١٠: ٨ وإشعياء ٤٢: ١١ وعدد ١٠: ١ و١أيام ٦: ٥٤ وحزقيال ٢٥: ٤).

١٧ «وَهٰذِهِ سِنُو حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ: مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَٱنْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ».

ع ٨

مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً فيكون إسحاق في سن المئة والثالثة والعشرين عند وفاة إسماعيل وتوفي إسحاق ابن مئة وثمانين فيكون قد عاش بعد وفاة إسماعيل سبعاً وخمسين سنة.

١٨ «(وَسَكَنُوا مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ ٱلَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ). أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ».

١صموئيل ١٥: ٧ ص ١٦: ١٢

حَوِيلَةَ في الجنوب عند خليج العجم (انظر ص ١٠: ٢٩).

شُورَ كانت شور تخمهم الغربي من جهة مصر وهي أرض عماليق عينها (١صموئيل ١٥: ٧).

حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ ليس المعنى أن شور كانت في الطريق إلى أشور بل أنها الحد الغربي للأرض التي سكنها بنو إسماعيل.

أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ أي شرقي أرض كل إخوته. كانت أشور شمالي فلسطين وكانت بلاد العرب إلى الشرق.

مواليد إسحاق ع ١٩ إلى ٢٩

ميلاد ابني إسحاق

١٩ «وَهٰذِهِ مَوَالِيدُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ».

متى ١: ٢

وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ لعلّه كانت مواليد إسحاق بين الناس يومئذ من سام إلى آخر ما ذُكر هنا لكن المؤرخ الملهم ذكر منها ما هو ضروري لبيان قصد الله من فداء البشر.

٢٠ «وَكَانَ إِسْحَاقُ ٱبْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ ٱلأَرَامِيِّ، أُخْتَ لاَبَانَ ٱلأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ».

ص ٢٢: ٢٣ ص ٢٤: ٢٩ ص ٢٨: ٢ و٣١: ١٨ و٣٣: ١٨

ٱلأَرَامِيِّ أي الذي هو من نسل أرام (انظر ص ١٠: ٢٢ و٢٣) واسم البلاد فدان أرام فهي ليست بأرام النهرين التي ذُكرت في (ص ٢٤: ١٠) بل هي الأرض المجاورة لحاران.

٢١ «وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى ٱلرَّبِّ لأَجْلِ ٱمْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِراً، فَٱسْتَجَابَ لَهُ ٱلرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ ٱمْرَأَتُهُ».

١أيام ٥: ٢٠ و٢أيام ٣٣: ١٣ وعزرا ٨: ٢٣ ورومية ٩: ١٠

وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى ٱلرَّبِّ (كما كان يصلي أبوه إبراهيم).

لأَجْلِ ٱمْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِراً (كأمه سارة) وبقيت عاقراً ٢٠ سنة لأنها ولدت وإسحاق ابن ستين سنة (ع ٢٦). ولا ريب في أن إسحاق كان قلقاً لذلك لكنه كان متكلاً على وعد الرب الذي فداه من الموت في جبل يهوه يرى. ولما ولدت رفقة علم الوالدان أن نسلهما يكون ممتازاً وإنهما يجب عليهما أن يعتنيا بتريبة الولدين.

٢٢ «وَتَزَاحَمَ ٱلْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ كَانَ هٰكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا؟ فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ ٱلرَّبَّ».

ص ٢٧: ٤٦ ١صموئيل ٩: ٩ و١٠: ٢٢

وَتَزَاحَمَ ٱلْوَلَدَانِ قام من إبراهيم أمتان مختلفتان من أمين مختلفتين لكن قام من إسحاق أمتان مختلفتان من أم واحدة ووقع الخصام بينهما قبل أن يولداً.

إِنْ كَانَ هٰكَذَا فَلِمَاذَا أَنَا قال بعضهم المعنى لماذا أبقى حية. وقال آخر المرجّح إن المعنى إن كان حبلي إجابة لصلاة زوجي فلماذا أنا أُعذب وأتألم على هذا الأسلوب الغريب فأرادت أن تعرف العلة فسألت الرب.

فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ ٱلرَّبَّ لم تمض إلى سام ولا إلى ملكي صادق كما ظن كثيرون ولا إلى إبراهيم الذي كان حياً يومئذ بل مضت إلى مذبح الأسرة الإبراهيمية كما قال ثيودورت. وكان لإسحاق عدة منازل والمرجح إن ذلك المذبح كان عند المنزل الذي هو بيت إيل أُقيم في أول دخول إبراهيم أرض الموعد (ص ١٢: ٧) ولذلك كان ممتازاً بالقداسة على غيره وإن كان إبراهيم قد كان هنالك يومئذ فلا ريب في أنه صلى مع رفقة.

٢٣، ٢٤ «٢٣ فَقَالَ لَهَا ٱلرَّبُّ: فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ ٢٤ فَلَمَّا كَمَلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ».

عدد ٢٤: ١٨ و٢صموئيل ٨: ١٤ ص ٢٧: ٢٩ و٤٠ وملاخي ١: ٢ و٣ ورومية ٩: ١٢ و١٣

فَقَالَ لَهَا ٱلرَّبُّ لم يقل لها بفم إبراهيم ولا في حلم بل قال لها رأساً كما كان يخاطب آدم وحواء. ولا نعلم هل ظهر لها كما ظهر لإبراهيم عند بلوطات ممرا أو على غير أسلوب ولا نقدر أن نخترع أسلوباً من أنفسنا لأن الاسلوب لم يُعلن ويكفي أن نعلم إن يهوه كان يكلم الناس قديماً.

فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ الجواب في العبرانية شعر وخلاصته إن الولدين في رحمها يختلفان في السجايا ويكون من كل منهما شعب يتعاديان ويكون الشعب من المولود أولاً عبداً للشعب من المولود ثانياً.

٢٥ «فَخَرَجَ ٱلأَوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا ٱسْمَهُ عِيسُوَ».

ص ٢٧: ١١ و٢٣

أَحْمَرَ وفي العبرانية «ادموني» وهو علة ثانية لاسم أدوم (ع ٣٠).

كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ أي كفروة ذات شعر مثل جلد المعزى.

عِيسُوَ معناه أشعر أو شعراني أي كثير الشعر طويله.

٢٦ «وَبَعْدَ ذٰلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ ٱسْمُهُ يَعْقُوبَ. وَكَانَ إِسْحَاقُ ٱبْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا».

هوشع ١٢: ٣ ص ٢٧: ٣٦

وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو يغلب أن يكون بين ولادة أحد التوأمين والآخر ساعة أو أكثر لكن هنا وُلد يعقوب على أثر عيسو بلا تأخر وهذا معنى العبارة أي وُلد كأنه ماسك بعقبه حتى لم يكن بين المولدين زمان يُذكر فهي كناية أو تمثيل.

فَدُعِيَ ٱسْمُهُ يَعْقُوبَ أي يعقب أو يتعقب أو عاقب أو متعقب وجعله عيسو اسماً رديئاً (ص ٢٧: ٣٦).

بيان سجايا كل من عيسو ويعقوب وبيع عيسو بكوريته

٢٧ «فَكَبِرَ ٱلْغُلاَمَانِ. وَكَانَ عِيسُو إِنْسَاناً يَعْرِفُ ٱلصَّيْدَ، إِنْسَانَ ٱلْبَرِّيَّةِ. وَيَعْقُوبُ إِنْسَاناً كَامِلاً يَسْكُنُ ٱلْخِيَامَ».

ص ٢٧: ٣ و٤ أيوب ١: ١ و٨ و٢: ٣ ومزمور ٣٧: ٣٧ عبرانيين ١١: ٩

فَكَبِرَ ٱلْغُلاَمَانِ فظهرت بالكبر سجايا كل منهما فكان عيسو ماهراً في الصيد بدوياً يسكن البادية غير المفلوحة (انظر ص ٤: ٨) وكان يعقوب يسعى وراء الكمال.

يَسْكُنُ ٱلْخِيَامَ وعيسو كان يسكن الخيام أيضاً لكن يعقوب كان يقيم بأرض واحدة كأهل الحضر والمدر لا كأهل الوبر والترحال يعتني بمواشيه وقطعانه ومراعيه ولهذا كان محبوباً إلى أمه. فاختلاف الولدين في السجايا أنشأ اختلاف الشعور في قلوب الولدين من جهتهما فأحب إسحاق عيسو كما أحبت رفقة يعقوب.

٢٨ «فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُوَ لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْداً، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ».

ص ٢٧: ٣ و١٩ و٢٥ و٣١ ص ٢٧: ٦

لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْداً أي لأنه كان في فم إسحاق كطعام من صيد عيسو ولحم الصيد مما يلذ لشيوخ العرب كثيراً وكان إسحاق يومئذ شيخاً.

٢٩ – ٣٣ «٢٩ وَطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخاً، فَأَتَى عِيسُو مِنَ ٱلْحَقْلِ وَهُوَ قَدْ أَعْيَا. ٣٠ فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: أَطْعِمْنِي مِنْ هٰذَا ٱلأَحْمَرِ لأَنِّي قَدْ أَعْيَيْتُ. (لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهُ أَدُومَ). ٣١ فَقَالَ يَعْقُوبُ: بِعْنِي ٱلْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ. ٣٢ فَقَالَ عِيسُو: هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى ٱلْمَوْتِ، فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟ ٣٣ فَقَالَ يَعْقُوبُ: ٱحْلِفْ لِيَ ٱلْيَوْمَ. فَحَلَفَ لَهُ. فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ».

ص ٣٦: ١ عبرانيين ١٢: ١٦

ًطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخا كان عيسو قد تعب في البرية ورجع إلى البيت جائعاً فلما شمّ رائحة الطبيخ اشتهاه كثيراً وكان ذلك الطبيخ طبيخ العدس الأحمر وكان مما يختص بيعقوب فألح عليه بأن يطعمه فرأى يعقوب فرصة حينئذ لأن يستولي على البكورية ويكون هو الوارث الوحيد للوعد الإلهي المقدس.

لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُهُ أَدُومَ أي أحمر. كان لعيسو أن يدعى أدوم قبل ذلك للونه عند ولادته لكن هنا صار ذلك اسماً مشهوراً له.

٣٤ «فَأَعْطَى يَعْقُوبُ عِيسُوَ خُبْزاً وَطَبِيخَ عَدَسٍ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى. فَٱحْتَقَرَ عِيسُو ٱلْبَكُورِيَّةَ».

جامعة ٨: ١٥ وإشعياء ٢٢: ١٣ و١كورنثوس ١٥: ٣٢

فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَقَامَ وَمَضَى أي لم يكترث بالبكورية وهي من أحسن البركات فآثر عليها أكلة من العدس وبعد ذلك لم يشعر بحزن أو ندم على ما فعل كأنه لم يخسر شيئاً. نعم إن يعقوب كان بذلك محتالاً لم يسلك سنن الحق لكنه أبان أنه كان يحسب البكورية أمراً مقدساً ذا شأن ومع ذلك جوزي على احتياله وعوقب عقاباً شديداً. نعم صار أبا شعب الموعد الجنس المختار الذي جاء المسيح منه لكنه مع هذا كانت حياته كثيرة البلايا والأخطار. فإنه هرب من أخيه ولقي ما لقي عقاباً على خداعه. لكنه رجع عن ذلك أخيراً وتاب توبة خالصة وجرى على سنن الحق حتى بُدل اسمه العالمي يعقوب باسمه الروحي إسرائيل. وقد ظهر بعد ذلك أنه كان مملوءاً من التوكل على الله والإيمان به معتزلاً حب العالم والذات ذا لطف ومحبة وحنو مطهراً من آثامه السابقة آسفاً على صدورها منه متقدماً في سنن القداسة حتى استحق الاسم الجديد الذي معناه «أمير مع الله».

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى