سفر التكوين

سفر التكوين | 22 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

تقدمة إسحاق على جبل موريّا

١ «وَحَدَثَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ أَنَّ ٱللهَ ٱمْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ: هَئَنَذَا».

تثنية ١٣: ٣ و٢أيام ٣٢: ٣١ و١كورنثوس ١٠: ١٣ وعبرانيين ١١: ١٧ ويعقوب ١: ١٢ و١بطرس ١: ٧

ٱللهَ ٱمْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ أي امتحن إيمانه وطاعته لأن هذا الأب تقضى عليه في أرض الغربة الفلسطينية خمس وعشرون سنة كان يرى فيها تأخر إتمام الوعد على توالي الأيام ومع ذلك لم يتزعزع إيمانه. ثم ولد ابنه ووريثه وحمل حزناً وألماً شديداً على فرقة إسماعيل. ثم نسي ألم فراقه بإسحاق وشعر أنه حصل على السعادة في شيخوخته. وكان في سلام مع جيرانه. وكانت مواشيه كثيرة ومراعيه واسعة. وعرف أن إسماعيل قويَ ونجح. ورأى إسحاق ينمو سريعاً ويتقدم إلى الرجولية (ع ١٢). ففي أثناء هذه الراحة والاطمئنان أتته التجربة الشديدة في إحدى الليالي وهي أمر الله إياه أن يذبح ابنه إسحاق. وكانت هذه التجربة مضاعفة لأن طبيعة الله كانت تكره الذبائح البشرية. وكان على إبراهيم أن يطيع الأمر. فكيف يصدق أن الرب «يهوه» إله العهد الصادق يأمره بذلك. ولم يكن من شيء يبرهن له أن الله يسر بذلك فإن ذبح الإنسان ولده لله يرفضه العقل والطبيعة الإلهية. نعم إن بعض الإسرائيليين المتعمقين في الدين في أيام ميخا خالوا أنهم يرضون الله بمثل ذلك لكنهم خطفوا ذلك من صور الخيال والغيرة الجهلية بلا تأمل حتى إن كلامهم لم يخل من استبعاد قبول الله إياه (ميخا ٦: ٧). بل العقل العارف صفات الله الرحيم يحكم بأن تقديم الولد ذبيحة يغيظ الله لا يسره ويجلب الدينونة عليه. ولو أتى إبراهيم ذبح إسحاق من تلقاء نفسه لوقع في هاوية الدينونة والعقاب ولكنه لما فحص وعلم اقتنع إن الأمر ليس منه بل من الله نفسه الذي خاطبه قبلاً وألف صوته ووقف حياته لطاعته. ولكن بقي عليه بعد هذا امتحان آحر وهو امتحان إيمانه. فإنه وُعد قبلاً بأنه بإسحاق يُدعى له نسل وقد أمره هنا أن يذبح ابن الموعد قبل أن يلد أحداً بيده. فحب إبراهيم لابنه وإيمانه بوعد الله وإنه لا يخلف الميعاد كما تحقق واعتقاده أن البركة متوقفة على حياة إسحاق وغير ذلك كثير كان من أمنع الحواجز بين إبراهيم وإطاعته لذلك الأمر. ولكن إبراهيم على رغم كل ذلك أطاع وكان استحقاقه على قدر عظمة التجربة. كان إيمانه قد تبين أنه قوي إلى تلك الساعة وكذا صبره واحتماله كل البلايا بالإيمان إلا أنه لم يجرب قبلاً مثل هذا التجربة هنا وهي أن يتلف ثمر سنين كثيرة تقضت عليه بالصبر والانتظار (عبرانيين ١١: ١٧ و١٩). ولما تحقق إن الأمر أمر الله لم يتقلقل فكمل بهذه التجربة الشديدة إيمانه. وان هذا بركة لإسحاق نفسه لأنه أطاع ولم يمانع فكان بذلك رمزاً إلى المسيح الذي سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه إطاعة لإرادة أبيه فأحياها لله كما أحيا ابنه. فان في هذه التجربة قصد روحي غير خير ذينك القديسين وهو الإيماء إلى الذبيحة الكفارية ذبيحة الفادي التي هي غنى الكنيسة المسيحية وركن دينها وتعليمها وسعادتها كنيسة الله التي اشتراها بدمه.

٢ «فَقَالَ: خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ ٱلَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ ٱلْجِبَالِ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ».

٢أيام ٣: ١ خروج ١٣: ٢ و١٢ و٢٢: ٢٩ وعبرانيين ١١: ١٧

ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ ٱلَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ هذه الصفات مما زادت الامتحان شدة. إن العقم في ذلك الزمان كان من الضربات التي لا تُحتمل (ص ١٥: ٢) فيكف ذبح الابن الوحيد المحبوب موضوع رجاء كل الوعد الذي سكن حبه القلب سنين وتأصل فيه وتُرك الابن الأكبر لأجله (ص ١٧: ١٨).

أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا معنى المريا إما «الرب يعلم» (انظر تفسير ص ١٢: ٦) وإما «الرب معد أو راء» ويؤيد المعنى الأول ما جاء في (إشعياء ٢: ٣). ويؤيد المعنى الثاني (ع ٨ و١٤) فإن كان المعنى الثاني هو المقصود هنا فيكون المكان سمي بالمريا من الحادثة ويكون المعنى المكان الذي فيه «الرب يعد أو يرى خروف المحرقة». ورأي كثيرون من أكابر المفسرين إن ذلك المكان هو مورة في شكيم وإن الذبيحة قُدمت في السامرة وكان المذبح طبيعياً وهو قنة جبل جرزيم. لكن إبراهيم وإسحاق وصلا المكان في اليوم الثالث ولكن كون جبل جرزيم بعيداً جداً عن بئر سبع يمنع من هذا القول فيرجح أنه قرب أورشليم لأنها تبعد نحو ثلاث مراحل أي سير نحو إحدى وعشرين ساعة. ثم إن الموضع الذي ذهب إليه إبراهيم أرض لم يكن يعهدها إذ لم يسم الله له الجبل بل قال له الجبل الذي أقول لك. وأما شكيم فكان يعرفها ويعرف أسماء جبالها لأنه سكنها.

وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً رأى هغستبرغ وآخرون أن إبراهيم لم يكن قاصداً أن يقتل إسحاق بل أن يقفه لله ويقدسه بواسطة تقديم محرقة ولكن هذا منافٍ للنبأ كله (ع ١٠) ولما يُفهم من الرسالة إلى العبرانيين ففيها ما نصه «بِٱلإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ… إِذْ حَسِبَ أَنَّ ٱللهَ قَادِرٌ عَلَى ٱلإِقَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (عبرانيين ١١: ١٧ – ١٩). فالمعنى أن الله لو ترك إبراهيم يتم عمله لكان ذبح إسحاق.

٣ «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ ٱثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ٱبْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ ٱللهُ».

فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ الخ أعدّ كل ما تقتضيه المحرقة هادئاً مطمئناً لا يهمه إلا القيام بإطاعة الله. وشقّق الحطب لا لأنه لم يكن حطب في المكان الذي عزم على تقدمة إسحاق فيه (ع ١٣) بل لكي لا يكون ما يعيقه عن العمل عند وصوله إلى المكان الذي يعينه الله فتضطرب أفكاره في ذلك فباستعداده وإعداده كان يتمكن من الشروع بلا توقف.

٤ «وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ ٱلْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ».

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ قابل شعور إبراهيم في هذه الأيام بشعور هاجر وهي تجول في البرية لا تعرف إلى أين تذهب وهي ترى الموت يقرب من ابنها على توالي الأوقات. لكن كان مصاب هاجر للحزن الصرف وأما بلاء إبراهيم فكان مقترناً بالرجاء.

مِنْ بَعِيدٍ قنّة الجبل المدعو بجبل المبيت وجبل الموريّا ما كانت تُرى للمسافر من بئر سبع إلا على أمد نحو ثلاثة أميال على ما قال ستنلي فإذاً كان دونه كثير من التلال الحاجزة. ولعل هذا هو البُعد المقصود هنا لا أكثر منه. فإن إبراهيم ترك الغلامين هنالك ووضع الحطب على إسحاق وذهبا إلى هنالك راجلين أي ماشيين على الأرجل. ولو كان الجبل جرزيم ما استطاع إسحاق أن يحمل الحطب إليه من حيث يبدو للنظر. وحمل إسحاق الحطب رمز إلى حمل المسيح صليبه (يوحنا ١٩: ١٧).

٥ «فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: ٱجْلِسَا أَنْتُمَا هٰهُنَا مَعَ ٱلْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَٱلْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا».

عبرانيين ١١: ١٩

وَأَمَّا أَنَا وَٱلْغُلاَمُ… نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا (هذا كالنص على أن إسحاق يبقى حياً) وهو بيان للرجاء المذكور في رسالة العبرانيين (عبرانيين ١١: ١٩). فالإيمان بقيامة الأموات أو معاد الجسد لم يكن من الأمور الحديثة في ذهن إبراهيم لأنه كان من عقائد الكلدانيين والمصريين.

٦ «فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ ٱلْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ٱبْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ ٱلنَّارَ وَٱلسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً».

يوحنا ١٩: ١٧

(انظر تفسير ع ٤).

٧ « وَقَالَ إِسْحَاقُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ: يَا أَبِي. فَقَالَ: هَئَنَذَا يَا ٱبْنِي. فَقَالَ: هُوَذَا ٱلنَّارُ وَٱلْحَطَبُ، وَلٰكِنْ أَيْنَ ٱلْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟»

(هذا السؤال استفهام حقيقي لا إنكاري ولا للتنبيه على الخطإ).

٨ «فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ٱللهُ يَرَى لَهُ ٱلْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ٱبْنِي. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً».

ٱللهُ يَرَى لَهُ ٱلْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ نعلم من الرسالة إلى العبرانيين (عبرانيين ١١: ١٧ – ١٩) إن إبراهيم عزم كل العزم على أن يقدم الذبيحة لتيقنه إن الله يقيم إسحاق بعد موته ويتمم وعده بإقامة النسل منه فإن هبته إسحاق له كانت خارقة العادة فلم يتزعزع إيمان إبراهيم بهذا الامتحان ولم يشك في صدق الله وإنجازه للوعد مهما كانت الأحوال فيكون قد قصد بالخروف إسحاق عينه فعنى بكلامه إن الله هو الذي عيّن إسحاق ذبيحة أو خروف محرقة. فالكلمات القليلة التي كانت بين الأب وابنه خلاصتها إن الابن لم يرَ الخروف وإن الأب أبان أنه ترك الأمر لله. وظهر منها قوة إيمان الأب ووفرة طاعة الابن. وهذه الحادثة من أشد الحوادث إحزاناً وفائدة.

٩ «فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ ٱللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ ٱلْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ ٱلْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ فَوْقَ ٱلْحَطَبِ».

عبرانيين ١١: ١٧ ويعقوب ٢: ٢١

إِبْرَاهِيمُ… رَبَطَ إِسْحَاقَ أجمع المفسرون اليهود على أن إسحاق رضي بذلك ولم يقاوم شيئاً. وهذا امتحان عظيم لإيمان ذلك الغلام كما كان امتحاناً عظيماً لأبيه. وبهذه الطاعة تقدست حياته في المستقبل وكان رمزاً إلى المسيح ابن الله الوحيد (١بطرس ٢: ٢٣).

١٠ «ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ ٱلسِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ٱبْنَهُ».

(هذه الآية دليل قاطع على أن إبراهيم عزم كل العزم على إطاعة أمر الله).

١١ «فَنَادَاهُ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ إِبْرَاهِيمُ. فَقَالَ: هَئَنَذَا».

ص ١٦: ٧

مَلاَكُ ٱلرَّبِّ كان النبأ من أوله إلى هنا إلهياً أي متعلقاً بالله «إلوهيم» لكن الذي توسط هنا ملاك الرب أي ملاك «يهوه» إله العهد (انظر ١٦: ٧).

١٢ «فَقَالَ: لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى ٱلْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً، لأَنِّي ٱلآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ ٱللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي».

١صموئيل ١٥: ٢٢ وميخا ٦: ٧ و٨ ص ٢٦: ٥ ويعقوب ٢: ٢١ و٢٢ رومية ٨: ٣٢

لاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً أي لا تذبحه ولا تجرحه،

ٱلآنَ عَلِمْتُ الخ (أي الآن تبين للناس والملائكة أنك من المتقين الطائعين الأقوياء الإيمان فالكلام مجاز متفرع عن الكتابة لأن الله لا يتوقف علمه على الامتحان والاختبار إنما يتوقف علم الناس على ذلك. فلو كان الباري تقدس وتعالى إنساناً لكان ما أتاه إبراهيم برهاناً قاطعاً له على تقواه وشدة إيمانه).

١٣ «فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكاً فِي ٱلْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ ٱلْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ ٱبْنِهِ».

خروج ١٣: ١٣ وعدد ٣: ٤٥ إلى ٤٧ و١٨: ١٥ و١٦

وَأَخَذَ ٱلْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ ٱبْنِهِ لنا هنا تعليم الفداء والنيابة في غاية الوضوح فإن الكبش ناب عن إسحاق وكان فداء له وكان موته فعلاً رمزاً إلى موت المخلص على الجلجثة. والأمر ظاهر هنا إن الرمز واضح وتام فإن إسحاق وُضع للموت بيد أبيه وقام من الأموات. وإن الكبش كان فداء لإسحاق وكذلك المسيح كان فداء لشعبه فتمام الرمز بأمرين إسحاق والكبش. (قابل سر العصفوريَن بسر التيسين في لاويين ١٤: ٤ و١٦: ٨).

١٤ «فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ ٱسْمَ ذٰلِكَ ٱلْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ ٱلْيَوْمَ: فِي جَبَلِ ٱلرَّبِّ يُرَى».

ع ٨ و٢أيام ٣: ١

يَهْوَهْ يِرْأَهْ أي الرب يرى. قال إبراهيم أولاً «اللوهيم يرأه» أي الله يره. وقال هنا «يهوه يرأى» فاستعمل «يهوه» موضع «إلوهيم» وزاد هنا إن قوله جرى مثلاً «في جبل الرب يُرى». ومعنى المثل الأمر لله أي إن الله يدبر العبد يُضرب في التوكل على الله في الأمور الصعاب. وهو أيضاً نبوءة بظهور المسيح وحمله خطايا العالم (إشعياء ٥٣: ٥). والأرجح إن المثل وضعه موسى هنا عندما رتب حوادث هذا النبإ. وقيل أنه من وضع عزرا ولم يرجّح.

١٥ «وَنَادَى مَلاَكُ ٱلرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ».

ثَانِيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ (بياناً لكون الإعلان من الله وتوكيداً لذلك).

١٦ – ١٩ «١٦ وَقَالَ: بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هٰذَا ٱلأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، ١٧ أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، ١٨ وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي. ١٩ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى غُلاَمَيْهِ، فَقَامُوا وَذَهَبُوا مَعاً إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. وَسَكَنَ إِبْرَاهِيمُ فِي بِئْرِ سَبْعٍ».

مزمور ١٠٥: ٩ ولوقا ١: ٧٣ وعبرانيين ٦: ١٣ و١٤ ص ١٥: ٥ ونحميا ٩: ٢٣ وإرميا ٣٣: ٢٢ ص ٣: ١٦ وإشعياء ٤٨: ١٩ ص ٢٤: ٦٠ ص ١٢: ٣ و١٨: ١٨ و٢٦: ٤ وأعمال ٣: ٢٥ وغلاطية ٣: ٨ و٩ غلاطية ٣: ١٦ و١٨ ع ٣ و١٠ وص ٢٦: ٥ ص ٢١: ٣١

بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ الخ «يهوه» التوسط بهذا القسم الرهيب (عبرانيين ٦: ١٧) دليل واضح على أن امتحان إيمان إبراهيم كان خارقاً للعادة وإن التعليم الرمزي فيه لا تماثل قيمته قيمة. فإنه كان لإبراهيم حينئذ أن يقول حاشا لك يا رب أن تأمر بذبح الإنسان وتقدمته محرقة وأن تأمر الأب بقتل ابنه وأن يذكر الرب بوعده المستلزم بقاء إسحاق وانتشار النسل منه ولكنه لم يلتفت إلى شيء من ذلك بل حين أمره الله أطاع وعلى خلاف الرجاء آمن بأن الوعد لا بد من أن يتم بذبح إسحاق. وما أتاه أعظم أمثلة الإيمان. وبتقديمه إسحاق ابنه تحققت الكنيسة إن ابن الله المتجسد يُقدم على ذلك الجبل عينه ذبيحة إلهية ضرورية لمغفرة الخطايا. وبركة إبراهيم هنا تمتاز عن البركة الأولى المتقدمة بثلاثة أمور:

  • الأول: إنه لم تبقَ وعداً بل صارت ميثاقاً أميناً مثبتاً بقسم.
  • الثاني: إنها صارت تأكيداً لانتصار نسل إبراهيم يحقق لإسرائيل الروحي انتصار الإنجيل إلى النهاية.
  • الثالث: عموم الوعد لنسل إبراهيم بأنه يكون بركة لكل الجنس البشري.

أولاد ناحور

٢٠ «وَحَدَثَ بَعْدَ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ أَنَّهُ قِيلَ لإِبْرَاهِيمَ: هُوَذَا مِلْكَةُ قَدْ وَلَدَتْ هِيَ أَيْضاً بَنِينَ لِنَاحُورَ أَخِيك».

ص ١١: ٢٩

لِنَاحُورَ أَخِيكَ كانت أخبار بيت أخيه نادرة لبعد المكان وقلة وسائل النقل فكان وصولها إليه ساراً ولعلها هي التي حملت إبراهيم على أن يطلب لابنه زوجة من عشيرته. وكان لناحور اثنا عشر ابناً ثمانية من زوجته الشرعية وأربعة من جاريته. وكان ليعقوب اثنا عشر ابناً ثمانية من زوجتيه الشرعيتين وأربعة من جاريتيه. وكان لإسماعيل اثنا عشر ابناً فالاتفاق عجيب ولكنه لا يخرج بالنبإ عن دائرة الواقع فإن الاتفاقات الغريبة وقعت في التواريخ المحققة والاختبارات اليومية.

٢١ «عُوصاً بِكْرَهُ، وَبُوزاً أَخَاهُ، وَقَمُوئِيلَ أَبَا أَرَامَ».

أيوب ٣٢: ٢

عُوصاً تعدد هذا الاسم في الكتاب المقدس (ص ١٠: ٢٣ و٣٦: ٢٨) ولذلك اختلفت الأقوال في أرض عوص (أيوب ١: ١ وإرميا ٢٥: ٢٠).

بُوزاً لعله سلف أليهو (أيوب ٣٢: ٢). وأما بوز في (إرميا ٢٥: ٢٣) فالظاهر أنها كورة في أدوم.

وَقَمُوئِيلَ أَبَا أَرَامَ ليس هو بسلف الأراميين بل سلف قبيلة الراميين التي منها إليهو فإن رام وأرام اسم واحد فبوز وقموئيل من قبيلة واحدة.

٢٢ «وَكَاسَدَ، وَحَزْواً، وَفِلْدَاشَ، وَيِدْلاَفَ، وَبَتُوئِيلَ».

ص ٣٤: ١٥ و٢٤ و٢٥: ٢٠ و٢٨: ٢

وَكَاسَدَ ليس هو بسلف الكسديين القدماء أو الكلدانيين وظُن أنه أبو قبيلة صغيرة من الغزاة كانت ممن نهبوا أيوب وعُرفت بالكلدانية (أيوب ١: ١٧) ولا أثر لبقيتها في التاريخ.

٢٣ «وَوَلَدَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. هٰؤُلاَءِ ٱلثَّمَانِيَةُ وَلَدَتْهُمْ مِلْكَةُ لِنَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ».

ص ٢٤: ١٥ ورومية ٩: ١٠

رِفْقَةَ (فهي حفيدة ناحور فتكون بنت ابن عم إسحاق).

٢٤ «وَأَمَّا سُرِّيَّتُهُ، وَٱسْمُهَا رَؤُومَةُ، فَوَلَدَتْ هِيَ أَيْضاً طَابَحَ وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ».

مَعْكَةَ يدل هذا الاسم على أنه من شعب آرامي صغير (تثنية ٣: ١٤ ويشوع ١٢: ٥ و٢صموئيل ١٠: ٦).

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى