سفر التكوين | 19 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
١ «فَجَاءَ ٱلْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِساً فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لٱسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ».
ص ١٨: ٢٢ ص ١٨: ٢
فَجَاءَ ٱلْمَلاَكَانِ هذا تابع النبإ وبدائته (الآية ٢٢ من ص ١٨).
كَانَ لُوطٌ جَالِساً فِي بَابِ سَدُومَ (كان الجلوس في باب المدينة مختصاً بكبراء أهلها وبمن هم وطنيوها دون الغرباء). فإذاً كان لوط حينئذ معدوداً من الوطنيين في سدوم. والمرجّح أنهم حسبوه كذلك بعد أن أنقذهم إبراهيم من ملك عيلام فأكرموه أكراماً لعمه بأن حسبوه منهم فجعله ذلك يخالط الخطأة الأشرار ويسكن المدينة بينهم ويزوج بناته أبناءهم حتى كان شديد الانفصال عن إبراهيم خارج عن عهد الختان لا نصيب له فيه.
سَجَدَ (انظر تفسير ص ١٨: ٢).
٢ «وَقَالَ: يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَٱغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا. فَقَالاَ: لاَ، بَلْ فِي ٱلسَّاحَةِ نَبِيتُ».
أيوب ٤١: ٣٢ وعبرانيين ١٣: ٢ ص ١٨: ٤ لوقا ٢٤: ٢٨
فِي ٱلسَّاحَةِ أي ساحة المدينة (قابل هذا بما في قضاة ١٩: ١٥ و٢٠) فإن المسافرين كانوا ينزلون الساحة إذا لم يجدوا منزلاً آخر. وذلك يكون في أيام الحر. وقالوا «في الساحة نبيت» إيماء إلى أنه قد فسدت أخلاقه بسكناه بين أولئك الأشرار حتى يريا الأفضل أن يبيتا في الساحة لا في بيته.
٣ «فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدّاً، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيراً فَأَكَلاَ».
ص ١٨: ٦ إلى ٨
فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدّاً أتى ذلك خوفاً عليهما من أهل سدوم لأنه كان يعرف دعارتهم وفجورهم.
فَطِيراً أي خبزاً رقيقاً لم يختمر كالخبز الذي يأكله اليهود في الفصح فإن هذا لا يشغل إعداده إلا وقتاً قصيراً. ولهذا كان ما أتته ساحرة عين دور (١صموئيل ٢٨: ٢٤).
٤ «وَقَبْلَمَا ٱضْطَجَعَا أَحَاطَ بِٱلْبَيْتِ رِجَالُ ٱلْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ ٱلْحَدَثِ إِلَى ٱلشَّيْخِ، كُلُّ ٱلشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا».
هذه الآية دليل قاطع على عموم الشر والفساد في سدوم وعدم وجود عشرة أبرار فيها.
٥ «فَنَادُوا لُوطاً وَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ ٱلرَّجُلاَنِ ٱللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ ٱللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا».
إشعياء ٣: ٩ قضاة ١٩: ٢٢ ص ٤: ١ ورومية ١: ٢٤ و٢٧ ويهوذا ٧
أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا (هذا دليل على أنه لم يكن لهم دين ولا إنسانية).
٦ «فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى ٱلْبَابِ وَأَغْلَقَ ٱلْبَابَ وَرَاءَهُ».
قضاة ١٩: ٢٣
أَغْلَقَ ٱلْبَابَ (خوفاً من أن يدخلوا. وهذا يدل أنهم لم يكونوا يهابون لوطاً).
٧ «وَقَالَ: لاَ تَفْعَلُوا شَرّاً يَا إِخْوَتِي».
يَا إِخْوَتِي (قال هذا تلطيفاً لهيجانهم وتنبيهاً لهم على أنهم يجب أن يكرموه لكونه صديقاً مقيماً بمدينتهم).
٨ «هُوَذَا لِي ٱبْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلاً. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَٱفْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هٰذَانِ ٱلرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئاً لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي».
قضاة ١٩: ٢٤ ص ١٨: ٥
ٱبْنَتَانِ يظهر من قضاة ١٩: ٢٤ إن ما أتاه لوط لم يكن في تلك الأزمنة كما هو عندنا اليوم في الفظاعة والنجاسة. قال القديس أمبروسيوس ما معناه إن لوطاً اختار أصغر الشرين. وقال القديس فم الذهب أن لوطاً كان مجبراً بمقتضى شريعة الضيافة أن يبذل كل ما في وسعه في وقاية ضيفيه لكن كان عليه بمقتضى كونه أباً أن يبذل جهده في وقاية أبنتيه ولو سُمح للناس أن يرتكبوا الخطيئة الصغرى بدلاً من الكبرى لارتكبوا كل أنواع الإثم. والصعوبة هنا في أن القديس بطرس وصف لوطاً بأحسن سجايا الكمال على ما يظهر في بادئ الرأي (٢بطرس ٢: ٧ و٨). ويُدفع هذا الإشكال بأن بر لوط كان نسبياً أي كان باراً بالنسبة إلى سائر سكان سدوم فإن نفسه التي كانت تتعذب بينهم لم تشعر بعذاب يحملها على ترك مخالطة أولئك الفجار. ولا شك في أنه أخطأ لأنه حُرم العهد وعيش الطهارة وسكن بين أرذال الأرض بغية الربح الدنيوي والتقدم العالي. (وربما أراد لوط أن يبين للقوم أنه أهون عليه أن يحمل عار ابنتيه من أن يحمل عار ضيفيه وهذا تعيير مألوف في اللغات السامية).
هٰذَانِ ٱلرَّجُلاَنِ لم يُعرف إلا أنهما رجلان حقيقيان لا ملاكان.
٩ «فَقَالُوا: ٱبْعُدْ إِلَى هُنَاكَ. ثُمَّ قَالُوا: جَاءَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْماً. ٱلآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرّاً أَكْثَرَ مِنْهُمَا. فَأَلَحُّوا عَلَى لُوطٍ جِدّاً وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا ٱلْبَابَ».
٢بطرس ٢: ٧ و٨ خروج ٢: ١٤ أمثال ٩: ٧ و٨
جَاءَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ كان سماحهم للوط أن يسكن بينهم إكراماً غير معتاد لأن القدماء كانوا يحامون عن الوطني ويعذبون الأجنبي. فمقامه بينهم دنيء وعيشه مرٌّ جداً.
وَهُوَ يَحْكُمُ هذا يدل على أنه وبخهم وحكم عليهم بأنهم ارتكبوا ما لا يجوز وذلك يوافق ما في (٢بطرس ٢: ٨).
١٠ «فَمَدَّ ٱلرَّجُلاَنِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلاَ لُوطاً إِلَيْهِمَا إِلَى ٱلْبَيْتِ وَأَغْلَقَا ٱلْبَابَ».
أَغْلَقَا ٱلْبَابَ (اتخذا وسائط المنع العادية كالناس مع ما أتياه من المعجزة ع ١١).
١١ « وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ عَلَى بَابِ ٱلْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِٱلْعَمَى مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا ٱلْبَابَ».
٢ملوك ٦: ١٨ وأعمال ١٣: ١١
بِٱلْعَمَى هذا أول ذكر لمعاقبة الملائكة للناس. والأصل العبراني (םנורים) من (םנור) رباعي أي أنار أو لمع شديداً حتى تكلّ منه العيون. و (ים) علامة الجمع. أو من سنا أي ضاء ولمع و (עיוור) أي أعمى. وهو لم يرد إلا في موضع آخر وهو ما في (٢ملوك ٦: ١٨). وفي كلا الموضعين لا تعني العمى الحقيقي لأن أهل سدوم لو ضربوا بالعمى الحقيقي ما أتعبوا أنفسهم باجتهادهم في أن يجدوا الباب بل كانوا ذهبوا عند شعورهم بالمصاب أو ظلوا يتلمسون إلى أن يجدوه لشدة قسوتهم. وكذلك الجيش السوري لم يُصب بالعمى حقيقة ولو أُصيب به حقيقة لسلم وإلا فكيف أمكن أن يُقاد جيش أعمى فيزحف من دوثان إلى السامرة على أثر عماه. والذي هو المعقول أن أهل سدوم والجيش لم يشعروا بالعمى بل إن أهل سدوم ظنوا أنهم يرون الباب والجيش ظن أنه يعرف الأرض لكن المعجزة أن كلاً من الفريقين صار إلى غير المكان المقصود بأن جعل الله نظر العين غير موافق لنظر العقل ولم يعرفوا كيف ذلك بل عرفوا أنهم ضلوا. وهذا مثال حسن لحال الخطيئة فإن الخطأة «مبصرون ولا يرون» كالذين قيل فيهم «ستنظرون نظراً ولا تبصرون» (أعمال ٢٨: ٢٦).
١٢، ١٣ «١٢ وَقَالَ ٱلرَّجُلاَنِ لِلُوطٍ: مَنْ لَكَ أَيْضاً هٰهُنَا؟ أَصْهَارَكَ وَبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَكُلَّ مَنْ لَكَ فِي ٱلْمَدِينَةِ، أَخْرِجْ مِنَ ٱلْمَكَانِ، ١٣ لأَنَّنَا مُهْلِكَانِ هٰذَا ٱلْمَكَانَ، إِذْ قَدْ عَظُمَ صُرَاخُهُمْ أَمَامَ ٱلرَّبِّ، فَأَرْسَلَنَا ٱلرَّبُّ لِنُهْلِكَهُ».
ص ٧: ١ و٢بطرس ٢: ٧ ص ١٨: ٢٠ ١أيام ٢١: ١٥
(كان أصهار لوط من الخطأة ومع ذلك قيل للوط أن يخرجهم لئلا يهلكوا وهذا إحسان عظيم).
١٤ «فَخَرَجَ لُوطٌ وَكَلَّمَ أَصْهَارَهُ ٱلآخِذِينَ بَنَاتِهِ وَقَالَ: قُومُوا ٱخْرُجُوا مِنْ هٰذَا ٱلْمَكَانِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُهْلِكٌ ٱلْمَدِينَةَ. فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ.
عدد ١٦: ٢١ و٤٥ خروج ٩: ٢١ ولوقا ١٧: ٢٨ و٢٤: ١١
ٱلآخِذِينَ بَنَاتِهِ هذا دليل قاطع على أنه كان للوط غير الابنتين المذكورتين آنفاً.
كَمَازِحٍ لأنهم لم يصدقوا الإنذار ولم يعتقدوا أن لوطاً يكذب عليهم لقصد غير المزاح.
١٥ «وَلَمَّا طَلَعَ ٱلْفَجْرُ كَانَ ٱلْمَلاَكَانِ يُعَجِّلاَنِ لُوطاً قَائِلَيْنِ: قُمْ خُذِ ٱمْرَأَتَكَ وَٱبْنَتَيْكَ ٱلْمَوْجُودَتَيْنِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ بِإِثْمِ ٱلْمَدِينَةِ».
عدد ١٦: ٢٤ و٢٦ ورؤيا ١٨: ٤ عدد ١٦: ٢٦
وَلَمَّا طَلَعَ ٱلْفَجْرُ كان الليل للوط وقت تأهب للرحيل لكنه شغل بعضه بزيارة أصهاره.
١٦ «وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ ٱلرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ ٱمْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ٱبْنَتَيْهِ لِشَفَقَةِ ٱلرَّبِّ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ».
لوقا ١٨: ١٣ ورومية ٩: ١٥ و١٦ مزمور ٣٤: ٢٢
وَلَمَّا تَوَانَى كانت علّة توانيه تعلّق قلبه بغناه فلم يستطع أن يتركه. ولم يخل الأمر من اندهاشه من القضاء الهائل الموشك أن يقع على المدينة ولذلك أخذه الرجلان أي الملاكان من سدوم بأن أمسكا بيده أي أخرجاه من المدينة على رغمه.
لِشَفَقَةِ ٱلرَّبِّ عَلَيْهِ قابل هذا بما في (إشعياء ٦٣: ٩) وهو قوله «ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة».
١٧ «وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجَاهُمْ إِلَى خَارِجٍ أَنَّهُ قَالَ: ٱهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ ٱلدَّائِرَةِ. ٱهْرُبْ إِلَى ٱلْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ».
١ملوك ١٩: ٣ ع ٢٦ ومتّى ٢٤: ١٦ إلى ١٨ ولوقا ٩: ٦٢ وفيلبي ٣: ١٣ و١٤
خَارِجٍ أي خارج المدينة. وقال في (ع ١٤) «قوموا اخرجوا» بضمير الجمع. وفي (ع ١٧) «اهرب لحياتك» بضمير المفرد. ولعل هذا قول الملاك الثالث الذي فارق إبراهم وأتى لينجي لوطاً.
لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ لم يكن هذا النفي لمجرد اعتزال ما يعيق بل كان لشيء فوق ذلك وهو قصد الله للترك الحسي والعقلي والقلبي لتلك الأرض الخاطئة.
ٱلدَّائِرَةِ أي السهل أو دائرة الأرض (انظر ع ٢٥ و٢٨ و٢٩ وتفسير ص ١٣: ١٠).
١٨ «فَقَالَ لَهُمَا لُوطٌ: لاَ يَا سَيِّدُ».
أعمال ١٠: ١٤
فَقَالَ لَهُمَا لُوطٌ: لاَ يَا سَيِّدُ (المقول لهما اثنان والسيد واحد ولهذا رأى بعضهم أنهما كانا الروح القدس والابن معاً والصحيح أنه قال لكل منهما يا سيد).
١٩ «هُوَذَا عَبْدُكَ قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، وَعَظَّمْتَ لُطْفَكَ ٱلَّذِي صَنَعْتَ إِلَيَّ بِٱسْتِبْقَاءِ نَفْسِي، وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى ٱلْجَبَلِ لَعَلَّ ٱلشَّرَّ يُدْرِكُنِي فَأَمُوتَ».
لَعَلَّ ٱلشَّرَّ يُدْرِكُنِي أي لعل بعض الشرور يلحق بي وأموت. وهذا دليل على ضعف إيمان لوط وقوبل الرب طلبه علامة الشفقة الإلهية على عبده الضعيف.
٢٠ «هُوَذَا ٱلْمَدِينَةُ هٰذِهِ قَرِيبَةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ. أَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ. (أَلَيْسَتْ هِيَ صَغِيرَةً؟) فَتَحْيَا نَفْسِي».
أَلَيْسَتْ هِيَ صَغِيرَةً (أي هي صغيرة فالعفو عنها سهل كالسماح بقليل الهبة).
٢١ «فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَفَعْتُ وَجْهَكَ فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ أَيْضاً، أَنْ لاَ أَقْلِبَ ٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي تَكَلَّمْتَ عَنْهَا».
ص ٤: ٧ و٣٢: ٢٠ وأيوب ٤٢: ٨ و٩ ومزمور ١٤٥: ١٩
رَفَعْتُ وَجْهَكَ أي أجيب سؤلك وأعززتك بذلك (انظر تفسير ص ٤: ٦ و٧).
٢٢ «أَسْرِعِ ٱهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئاً حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ. لِذٰلِكَ دُعِيَ ٱسْمُ ٱلْمَدِينَةِ «صُوغَرَ».
ص ٣٢: ٢٥ و٢٦ وخروج ٣٢: ١٠ وتثنية ٩: ١٤ ومرقس ٦: ٥ ص ١٣: ١٠ و١٤: ٢ وتثنية ٣٤: ٣
صُوغَرَ قال الدكتور ترسترم إن هذه البلد هي صِعرة على الطرف الشمالي من بحر لوط. وذكر الكتاب في غير هذا الموضع أنها على حدود بلاد موآب (إشعياء ١٥: ٥ وإرميا ٤٨: ٣٤). وقال أوسابيوس أنها كانت مقام حامية الرومانيين. والمرجّح أنه كان يذهب المذهب المتعارف وهو القول بأن المدن الخمس كانت على الجهة الجنوبية من بحر لوط.
٢٣ «وَإِذْ أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ عَلَى ٱلأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ»
وَإِذْ أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ هرب لوط عند الفجر وبين الفجر وشروق الشمس نحو ساعة فيكون بين سدوم وبين صوغر نحو أربعة أميال.
٢٤ «فَأَمْطَرَ ٱلرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتاً وَنَاراً مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ».
تثنية ٢٩: ٢٣ ولوقا ١٧: ٢٩ ويهوذا ٧
فَأَمْطَرَ ٱلرَّبُّ… مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ (الرب في الموضعين يهوه في الأصل العبراني). كثيرون من المفسرين اتبعوا مجمع سرميوم في أن تكرار اسم يهوه يدل على الثالوث الأقدس. وإن المعنى هنا إن الله الابن أمطر من عند الله الآب ناراً. وذهب كلفينس إن المقصود إن الرب الذي أظهر نفسه على الأرض بزيارة الملكين لإبراهيم أمطر من عند نفسه في السماء النار بياناً أن عمله على الأرض على وفق إرادته في السماء.
كِبْرِيتاً وَنَاراً مع أن الله اتخذ الفواعل الطبيعية لخراب مدن الدائرة فكانت بلية من الطبيعة جعلها معجزة بالنظر إلى الأحوال. ولم تكن تلك المعجزة لمجرد إجراء العدل الإلهي تقوية لإيمان إبراهيم وأنذاراً للوط بل لتكون فوق ذلك تعليماً أبدياً في سنن الآداب والدين. وإن أظهرت المباحث أن ذلك البلاء كان بالأسباب الثانية لا تمنع أنه كان لإظهار عدل الله وقاعدة للآداب الدينية. وإذا حسبنا أن تلك الحادثة على غير سنن أمثالها من الحوادث اليوم خسرنا فائدة التعليم الكتابي. وحدث مثل ذلك في أزمنة مختلفة ولكن أكثره كان لرفع الحجاب الذي بين الله والإنسان ليرى بعض صفاته وقدرته. ولم تكن تلك النازلة مجرد صاعقة ورعود بل كانت مع ذلك هيجاناً بركانياً. فإن آثار ذلك لم تزل في تلك الدائرة فلا شط في أنه قذف حينئذ من جوف الأرض بنار وكبريت فملأا البيوت وأحرقاها وقلب الزلزال كثيراً منها وانشقت الأرض وبلعت بعضها. والكبريت والنتر والحمَر لا تزال كثيرة على شواطئ بحر لوط.
٢٥ «وَقَلَبَ تِلْكَ ٱلْمُدُنَ، وَكُلَّ ٱلدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمُدُنِ، وَنَبَاتِ ٱلأَرْضِ».
إشعياء ١٣: ١٩ وإرميا ٢٠: ١٦ و٥٠: ٤ وحزقيال ١٦: ٤٩ و٥٠ وهوشع ١١: ٨ وعاموس ٤: ١١ وصفنيا ٢: ٩ و٢بطرس ٢: ٦ ص ١٤: ٣ وتثنية ٢٩: ٢٣ ومزمور ١٠٧: ٣٤
وَقَلَبَ أي هدم لا أغرق كما ظن بعضهم.
٢٦ «وَنَظَرَتِ ٱمْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ!».
لوقا ١٧: ٣٢
وَنَظَرَتِ ٱمْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ كان من عادة الشرقيين أن الزوجة تمشي وراء زوجها ولا تزال عادة كثيرين منهم اليوم أن يمشوا قدام نسائهم.
فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ رأى بعضهم أنها صارت كذلك بأن اختنقت ببخار الكبريت ثم غُطي جسدها بالملح. والمرجّح أن الزلزلة قذفت بصخور كثيرة من صخور الملح المجاورة لبحر لوط فسقط بعضها على امرأة لوط فهلكت تحتها فكانت مثل عمود فوقها وأعمدة الملح أو مخاريطه كثيرة في تلك الجهات. فبقيت امرأة لوط على ذلك «عبرة لغير المؤمنين» (حكمة ١٠: ٧). وقال الكتاب «اذكروا امرأة لوط».
٢٧ «وَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ فِي ٱلْغَدِ إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ ٱلرَّبِّ».
ص ١٨: ٢٢
وَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ فِي ٱلْغَدِ هذا كان لا بد منه لأنه كان بينه وبين المكان الذي تُرى منه سدوم حيث وقف أمام الرب في المساء السابق عدة أميال. وكان الذي حمله على ذلك رغبته في أن يرى نتيجة ما كان بينه وبين الرب من الخطاب وأن يعرف ماذا كان يصيب ابن أخيه لوط.
٢٨ «وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ ٱلدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ ٱلأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ ٱلأَتُونِ».
رؤيا ١٨: ٩
وَإِذَا دُخَانُ ٱلأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ ٱلأَتُونِ إمكان إبراهيم أن يرى ذلك يدل على أن الدائرة كانت على الجهة الشمالية من بحر لوط (انظر تفسير ص ١٨: ١٦). وكون الاتقاد شديداً يدل على أن تلك المدن لم تهبط في قلب الأرض وتغطيها بل أن اتقادها كان كاتقاد أتون الكلس (انظر تفسير ص ١٤: ٣) فهي ليست في قلب بحر لوط.
٢٩ «وَحَدَثَ لَمَّا أَخْرَبَ ٱللهُ مُدُنَ ٱلدَّائِرَةِ أَنَّ ٱللهَ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرْسَلَ لُوطاً مِنْ وَسَطِ ٱلٱنْقِلاَبِ. حِينَ قَلَبَ ٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي سَكَنَ فِيهَا لُوطٌ».
ص ١٨: ٢٣ إلى ٣٢
ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرْسَلَ لُوطاً هذا برهان قاطع على أن الله نجّى لوطاً إكراماً لإبراهيم لأن إبراهيم سار مع الله.
٣٠ «وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي ٱلْجَبَلِ، وَٱبْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي ٱلْمَغَارَةِ هُوَ وَٱبْنَتَاهُ».
ع ١٧ و١٩
خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ الخ إن هذه البلدة الصغيرة عُفي عنها فكانت ملجأ للوط ولكن كان منظر سدوم وسائر المدن منها مخيفاً فإن لوطاً كان يرى الدخان صاعداً إلى عناق السماء على القرب منه ولهذا أُمر أن يهرب إلى الجبل لكنه اختار صوغر بحجة أنه لا يقدر أن يهرب إلى الجبل. وكُور فلسطين الكلسية كثيرة الكهوف وأما لوط الذي لكثرة مقتنياته لم يستطع أن يسكن مع إبراهيم فرضي حينئذ أن يسكن كهفاً وهو شر البيوت.
٣١ «وَقَالَتِ ٱلْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي ٱلأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ ٱلأَرْضِ».
ص ١٦: ٢ و٤ و٣٨: ٨ و٩ وتثنية ٢٥: ٥
ٱلْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ رأى كثيرون من محدثي المفسرين أن هذه الحادثة علة أن اليهود كانوا يكرهون الموآبيين والعمونيين ويعيرونهم بأصلهم ولكن الذي يظهر لنا مما قيل في الأصحاح الثاني من سفر التثنية أن لا أثر لذلك الكره ولا لتلك العداوة (تثنية ٢: ٩ – ١٩) بل نرى أنه كان بين الفريقين حب وولاء. ويدلنا على ذلك أيضاً ما كان من أمر راعوث الموآبية وما كان من المودة بين ملك موآب وداود.
٣٢ «هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْراً وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً».
مرقس ١٢: ١٩
فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً كانت محبة النساء للنسل شديدة جداً في تلك الأيام وهذا كان كل عذر تينك البنتين. والخلاصة أن تاريخ لوط وأهل بيته تاريخ محزن جداً وزيادة كل الشر والفظاعة هذه الحادثة التي لم يكن كل حوادث حياته مثلها في العار والنجاسة.
٣٣ – ٣٦ « ٣٣ فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ ٱلْبِكْرُ وَٱضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِٱضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. ٣٤ وَحَدَثَ فِي ٱلْغَدِ أَنَّ ٱلْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: إِنِّي قَدِ ٱضْطَجَعْتُ ٱلْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْراً ٱللَّيْلَةَ أَيْضاً فَٱدْخُلِي ٱضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً. ٣٥ فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ أَيْضاً، وَقَامَتِ ٱلصَّغِيرَةُ وَٱضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِٱضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، ٣٦ فَحَبِلَتِ ٱبْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا».
(انظر شر الخمرة في هذه الآيات وكفى)
٣٧، ٣٨ «٣٧ فَوَلَدَتِ ٱلْبِكْرُ ٱبْناً وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «مُوآبَ» وَهُوَ أَبُو ٱلْمُوآبِيِّينَ إِلَى ٱلْيَوْمِ. ٣٨ وَٱلصَّغِيرَةُ أَيْضاً وَلَدَتِ ٱبْناً وَدَعَتِ ٱسْمَهُ «بِنْ عَمِّي» وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى ٱلْيَوْمِ».
تثنية ٢: ٩ تثنية ٢: ١٩
«مُوآبَ» «بِنْ عَمِّي» كلا الاسمين يدل على الأصل الحرام لكن دلالة الثاني أقل من دلالة الأول على ذلك لأن معناه «ابن شعبي» أي وُلد لهما من واحد من أقربائها. ومن أغرب الحوادث أن هذين الابنين بعد خسارة لوط كل ما كان له وولادتهما في كهف كانا من أهل القوة والبأس حتى أخضعا كل سكان شرقي بحر لوط وأنشأا مملكة هنالك ثم اختلط الموآبيون والعمونيون بالعرب وحُسبوا منهم.
السابق |
التالي |