سفر التكوين | 10 | السنن القويم
السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم
شرح سفر التكوين
للقس . وليم مارش
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
مواليد بني نوح ص ١٠: ١ إلى ص ١١: ٩
لم يُهتم بهذه الأنساب حق الاهتمام في أول الأمر إلا منذ سنين قليلة فإنه لما اتسعت المعرفة البشرية في الأزمنة الحديثة تبرهنت صحتها وحقيقة تفرق البشر على وجه الأرض كما جاء فيها وتبين أن نسل حام لم يقتصر على الاستيلاء على شبه جزيرة العرب بل استولى أيضاً على بلاد دجلة والفرات وأن أملاكه كانت ذات شأن. وفيها لنا قسمة الأرض حين نشأت الأمم والممالك وعينت حدود مساكنهم وتبلبلت الألسنة وكان اختلاف الألسنة العلة الكبرى لتفرق الأمم. ومما يهم ذكره ويجب هنا أن الكلام على هذه المواليد ليس بنبإ تاريخي أي جدول أنساب ولا ترجمة أفراد بل نبأ شعوب وأن الأسماء أسماء أمم لا أسماء أشخاص وأن ذلك مما يتعلق بالماضي لا بالمستقبل. والكلام على الأمم بالإجمال ثم على تقسيمها بالتفصيل. وابتدأ في التفصيل بمواليد يافث أصغر بني نوح وإنما أتى بذلك أولاً لأن الناس عند كتابة هذا السفر لم يكونوا يعرفون من أمر نسله إلا قليلاً. واقتصر على الأقسام الأولى وجعل مساكنهم بلاد البحر الأسود والبحر المتوسط. ثم أخذ في الكلام على بني حام الذي كان نسله بين سائر عشائر نوح كنسل قايين بين سائر آدم. وكانت مساكنهم في جوار النيل ودجلة والفرات وأقاموا مدناً عظيمة أيام كان الياقنيون يجولون عشائر بربرية في أوربا والساميون يرعون مواشيهم في سورية. على أنهم ما لبثوا أن أخذوا يحاربون الحاميين في الجزيرة أي ما بين النهرين للاستيلاء على أرضهم. وتاريخ الحاميين متصل إلى زمان إقامتهم بأرض كنعان. وذكره سدوم وعمورة على أسلوب يبين أنهما كانتا عامرتين يدل على أن هذا النبأ كان قبل خرابها الذي كان قبل الميلاد بنحو ١٨٠٠ سنة أو أكثر. ولما كان الكنعانيون قد سكنوا فلسطين وصاروا فيها أمما قبل عصر موسى استدل أنه كان زمن طويل بين الطوفان وميلاد إبراهيم وأنه أطول مما كان يُظن ولم يطل الكاتب الكلام على نسل سام كما أطاله على نسل حام بل وقف عند قسميه الكبيرين يقطان وفالج وتقسيم نسل الأول إلى ثلاث عشرة أمة وترك الكلام على نسل فالج إلى وقت آخر. وأسماء اليقطانيين تنبئ زمن طويل جداً لأنها من الأسماء الكثيرة بين قدماء العرب.
١ « وَهٰذِهِ مَوَالِيدُ بَنِي نُوحٍ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ. وَوُلِدَ لَهُمْ بَنُونَ بَعْدَ ٱلطُّوفَانِ».
ص ٩: ١ و٧ و١٩
سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ ذكر الثلاثة هنا على ترتيب السن (انظر تفسير ص ٩: ٢٤ و١٠: ٢١).
٢ «بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَاي وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ».
١أيام ١: ٥
بَنُو يَافَثَ عد سبعة منهم وتكلم على أولاد بعضهم.
- الأول جُومَرُ أي عشيرة جومر وكان مسكنهم الأصلي ماجوج ومادي بين السكيثيين والماديين وأقاموا زماناً عند بحر قزيين والبحر الأسود وتركوا على الآخر منها اسمهم في القرم وقسم عظيم منهم بلغ أواسط روسيا وجوار البلتيك فكان سمبري الدنيمرك (ومنه اسم كرسونيسوس سمبريكا) وسمري والس وغير ذلك وبالإجمال هم الجيل الذي سُمي بالسلتيين.
- والثاني مَاجُوجُ أي عشيرة ماجوج وهي السكيثيون الذين ملكوا البلاد التي شمالي القوقاس وجنوبيها. والروسيون من السرماتيين وهم عشيرة سكيثية مختلطة قليلاً بالماديين.
- والثالث مَادَاي أي عشيرة ماداي وهم الماديون الذين سكنوا جنوبي بحر قزيين والجنوب الغربي منه. ومعنى «مادا» في لغة الأكاديين أرض وفي بلادهم كرساك كورا (أي جبل الشرق) والأكاديون اعتقدوا إن فلك نوح استقر عليه.
- والرابع يَاوَان أي عشيرة ياوان وهم سكان أيونيا أي أرض اليونان.
- والخامس تُوبَال أي عشيرة توبال وهم التيباريني سكان الجنوب الشرقي من البحر الأسود.
- والسادس مَاشِك أي عشيرة ماشك وهم المسكي سكان كلخيس وأرمينيا.
- والسابع تِيرَاسُ أي عشيرة تيراس وهم على ما قال يوسيفوس والترجوم الثراسيون وقد قيل بأنهم قبائل أُخر والمرجّح الأول. والجيتا سلف الغوث كانوا ثراسيين وهذا يدل على أن السكندينافيين جيل الثراسيين الحديث.
فتبين مما ذُكر إن بني يافث كانوا يشغلون أسيا الصغرى وأرمينية والبلاد الغربية كبلاد بحر قزيين وسواحل البحر الأسود الشمالية وإنهم انتشروا بعد ذلك على سواحل البحر المتوسط الشمالية وكل أروبا. ولم يذكر الكاتب أنهم امتدوا أيضاً في الشرق كبرثيا وبكتريا وبنجاب والهند فهذه سكانها يافثيون كالجرمانيين واليونانيين والرومانيين. وفي الكتب السنسكريتية القديمة إن الأريان كانوا أذكياء بارعين وخلفوا أحسن الكتب ما عدا التوراة ووصفتهم التوراة السامية بأنهم أقدم وأمهر كتبة العالم.
٣ «وَبَنُو جُومَرَ: أَشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ».
وَبَنُو جُومَرَ وهم ثلاثة أقسام.
- الأول أي عشيرة أشكناز ووطنهم في جوار أرمينية (إرميا ٥١: ٢٧) واليهود اليوم يدعون إن كل الألمانيين من أشكيناز.
- والثاني رِيفَاثُ أي عشيرة ريفاث وسُميت في بعض نسخ سفر الأيام ديفاث (١أيام ١: ٦) (انظر الكلام على دودانيم في ما يأتي) والصواب ريفاث على ما يرجّح وهم سكان جبال ريفين (أو الكلدانيين) وكانوا سلتيين.
- والثالث تُوجَرْمَةُ أي عشيرة توجرمة ولا شك أنهم سكان أرمنية.
٤ «وَبَنُو يَاوَانَ: أَلِيشَةُ وَتَرْشِيشُ وَكِتِّيمُ وَدُودَانِيمُ».
يوئيل ٣: ٦
وَبَنُو يَاوَانَ وهم أربعة أقسام.
- الأول أَلِيشَةُ أي عشيرة أليشة وهم سكان جزائر اليونان ولم يزل اسمهم إلى الآن ببعض التغيير فإن اسم اليونان «الأس». ومن أسماء بعض أقسام تلك البلاد أيولس وأليس في قطيعة بيلوبونيسيس. وذُكرت جزائر أليشة في نبوءة حزقيال (حزفيال ٢٧: ٧).
- والثاني تَرْشِيشُ أي عشيرة ترشيش وهم ليسوا سكان ترتيسوس كما ظن بعضهم لأنها على ما يُظن ليست أول مساكنهم في الأزمنة القديمة فالمرجّح أنهم الترسيين أو الترهيني وهم جيل قوي في ما مضى من العصور في إيطاليا وكرسيكا وسردينيا ثم سبانيا. والمرجّح أنهم هم الذين بنوا ترتيسوس على مصب نهر كلدليفر أي الوادي الكبير في سبانيا وسموها باسمهم. وكانوا على ما ظهر في أول الأمر قبيلة صغيرة من الياوانيين ولكن لما انتشر الأليشيون على شطوط البحر واستعمروا بلاد اليونان أخذ الترشيشيون الأرضين البعيدة شمالي الدانيوب فلم يبلغوا البحر إلا بعد أن وصلوا أرض إيطاليا الشمالية.
- والثالث كِتِّيمُ أي عشيرة كتيم وكانت أمة بحرية سكنت قبرس وكانت عاصمتها كتيم والمرجّح أنها سكنت جزائر أخرى وبعض سواحل البحر المتوسط. وكان في مكدونية كتّيم أيضاً ودُعي اسكندر المكدوني ملك كتيم (امكا ١: ١).
- والرابع دُودَانِيمُ أي عشيرة دودانيم ولعل اللفظ الأصلي رودانيم على ما في كثير من النسخ وما في سفر الأيام الأول في ترجمة السبعين (١أيام ١: ٧) والنسخة السامرية. وكثيراً ما تُبدل الراء بالدال في الإعلام لشدة قرب صورة أحد الحرفين من الآخر في العبرانية فيكون الرودانيميون هم الروديون سكان جزيرة رودس.
٥ «مِنْ هٰؤُلاَءِ تَفَرَّقَتْ جَزَائِرُ ٱلأُمَمِ بِأَرَاضِيهِمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ كَلِسَانِهِ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ بِأُمَمِهِمْ».
مزمور ٧٢: ١٠ وإرميا ٢: ١٠ و٢٥: ٢٢
جَزَائِرُ ٱلأُمَمِ المقصود بالجزائر هنا أقسام البلاد البحرية أو البلاد التي على الشطوط البحرية. ومعنى الأمم هنا الأجيال أي صنوف الناس لا غير اليهود لأنه لم يكن من يهود حينئذ.
٦ «وَبَنُو حَامٍ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ».
١أيام ١: ٨ ص ٢: ١٣
حَامٍ حام في العبرانية (חם) (حم) وفي كتب اللغة العبرانية أنه منقول عن (חם) أي حرارة أو رمضاء. وفي العربية حم التنور سجره أي أحماه والماء سخنه وحم صار أسود. وقال بعض المفسرين ذهب كثيرون إلى أن هذا الاسم منقول من العبرانية ومعناه حر أو لفحان الشمس أو أغبس أو أسمر. ولما كان معنى يافث جميلاً كان معنى حام أسود وأبا سود الألوان وكان الذين لونهم زيتونياً بعض نسل سام. والمرجّح إن خيمي اسم مصر القديم أي «أرض حام» (مزمور ٧٨: ٥١) وسماها بلوترك خيميا وسُميت بذلك لسواد تربتها. والحاميون أربعة أقسام.
- الأول وبلاد بني كوش إثيوبيا لكنها ليست إثيوبيا أفريقية بل أثيوبيا أسيا فإن وطن الكوشيين أرض دجلة والفرات حيث رفعهم نمرود وعظم قوتهم ومن هنالك امتدوا إلى بلاد العرب واجتازوا البحر الأحمر ثم بنوا النوبة وبلاد الحبش. وفي التوراة إن نهر جيحون يحيط ببلاد كوش (ص ٢: ١٣). وكانت صفورة زوجة موسى بنت كاهن مديان كوشية (عدد ١٢: ١). وذُكرت عظمة الكوشيين في الألياد لأوميرس الشاعر اليوناني المشهور.
- والثاني مِصْرَايِمُ (في العبرانية مصريم أي مصرين) بصيغة التثنية ولعل في ذلك إشارة إلى قسمة مصر إلى مصر العليا ومصر السفلى. ورأى برغش بك من النظر في جماجم عدة محنطات مصرية وهيئة أبدانها أن قدماء المصريين ليسوا من سلالة افريقية بل من الصنف القوقاسي الكبير وأنهم ليسوا من الفروع البيلاسجية أو السامية بل من الصنف الكوشي وأن أصل المصريين في أواسط أسيا. وأثبت ذلك في تاريخه الحديث.
- والثالث فُوط وبنوه أهل ليبية شمالي أفريقية.
- والرابع كَنْعَانُ (انظر تفسر ع ١٥ – ١٩).
٧ «وَبَنُو كُوشَ: سَبَا وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَةُ وَرَعْمَةُ وَسَبْتَكَا. وَبَنُو رَعْمَةَ: شَبَا وَدَدَانُ».
إشعياء ٤٥: ١٤ ص ٢: ١١
بَنُو كُوشَ خمسة أقسام. قسم منهم يُقسم إلى اثنين.
- الأول سَبَا وسبا اليوم اسم قبيلة من العرب وكان بنو سبا في العربية ثم هاجروا إلى أفريقيا. وعلى ما قال يوسيفوس أنهم كانوا يُسمون بهذا الاسم في عصره. وتركوا اسمهم على جانب البحر الأحمر شمالي زقاق (بوغاز) باب المندب غير بعيد عنه.
- والثاني حَوِيلَةُ على أرض فيشون (ص ٢: ١١) ولا ريب في أن تلك الأرض كانت قسماً من بلاد العرب والمرجح أنها كانت بعض شطوط خليج العجم. وذُكر حويلة في الآية التاسعة والعشرين.
- والثالث سَبْتَةُ والمرجّح أن أرض السبتيين حضرموت في بلاد العرب (انظر تفسير ع ٢٦).
- والرابع رَعْمَةُ وكان الرعميون على بعض شطوط خليج العجم وهم قسمان شبا على الجنوب الشرقي من أرض الحويلة ومنهم نشأت حمير في بلاد العرب وددان على الجنوب الغربي منهم.
- والخامس سَبْتَكَا والظاهر أن نسله لم يزل جنوبي ددان ورأى بعضهم إن موطنهم شرقي خليج العجم. فتبين مما ذُكر في هذه المواليد أنه كان يوم كُتبت الصنف الجنوبي من بلاد العرب مسكناً للكوشيين فإن الجيل الأسمر لا يزال هنالك ولا سيما في اليمن وحضرموت فإنهم أشد سمرة من سائر العرب. وصار الكوشيون بالارتحال من مكان إلى آخر في النوبة والحبش لكن أكثرهم كان في الجزيرة إلى ما بين النهرين والكتابات الأشورية تبين إن زاحمهم الساميون.
٨ «وَكُوشُ وَلَدَ نِمْرُودَ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ».
ميخا ٥: ٦ ص ٦: ٤
وَكُوشُ وَلَدَ نِمْرُودَ ليس المعنى أن نمرود كان ابن كوش لأنه لم يُذكر بين أولاده الخمسة كما مر بك فالمعنى أن كوش كان من سلف نمرود (ومثل هذا كثير في الكتاب المقدس واللغة العربية). وكان الناس في عصر نمرود قد كثروا. وسكنت كل قبيلة أو أمة في أرض معينة. وخضعت كل قبيلة لمن عظم وقوي فيها فكانت القبائل مستقلة. وثم قوي بعضهم وساد عدة قبائل فأجبرهم على بناء المدن والقرى وجعلهم مملكة واحدة.
ٱبْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّاراً وفي العبرانية «جبر» (والجيم مصرية) أي رجل حرب (انظر تفسير ص ٦: ٤) وهو في السبعينية أوريون (أي جبار وهو عند اليونان يطلق أيضاً على صورة النجوم المعروفة عند العرب بالجبار وبالجوزاء أيضاً. والجوزاء هنا غير الجوزاء التي هي صورة التوأمين أحد الأبراج الاثني عشر) واسم نمرود في قصة الطوفان الكلدانية الجبار. وقال بعضهم إن معنى نمرود العاصي. وقال سيس «من اسمهِ أمردا مدينة الكاديين».
٩ «ٱلَّذِي كَانَ جَبَّارَ صَيْدٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. لِذٰلِكَ يُقَالُ: كَنِمْرُودَ جَبَّارُ صَيْدٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ».
ص ٦: ١١
كَانَ جَبَّارَ صَيْدٍ حين كان الناس يحيون حياة الفلاحين بالحرث وتربية المواشي كانوا مضطرين أن يحاربوا الوحوش وكان ذلك من عظيم الأخطار يومئذ. ولعل نمرود قتل يوماً بعض السباع الهائلة فاشتهر بالقوة والشجاعة وأخذ يُكثر من قتل الوحوش وصيدها كما كان من أمر روملوس (باني مدينة رومية) فصار رئيس أصحابه الرعاة وبذلك صار أميرهم وساد وملك.
أَمَامَ ٱلرَّبِّ إذا اقترنت هذه العبارة بصفة من الصفات دلت على عظمة تلك الصفة فيكون معنى «جبار صيد أمام الرب» إنه جبار عظيم في ذلك. ومعنى الخاطئ أمام الرب أنه ذو خطيئة عظيم وقس على ذلك (انظر ص ١٣: ١٣).
١٠ «وَكَانَ ٱبْتِدَاءُ مَمْلَكَتِهِ بَابِلَ وَأَرَكَ وَأَكَّدَ وَكَلْنَةَ، فِي أَرْضِ شِنْعَارَ».
ٱبْتِدَاءُ مَمْلَكَتِهِ كانت من مدن ما ذُكر في هذه الآية ثم امتّد إلى بلاد أشور كما ذكر في (ع ١١). فكانت أول أقسام مملكته «أرض شنعار» أي بابل والقسم الأسفل من الجزيرة التي هي ما بين النهرين وكانت أشور القسم الأعلى منها وسُميت في الكتابات السفينية (أي التي حروفها كهيئة السفين وهي الكتابات القديمة من أشورية وبابلية) سومر. ودُعيت بابل في سفر نبوءة ميخا «أرض نمرود» (ميخا ٥: ٦) وكانت مدنها أربعاً.
بَابِلَ قال بين سمث أي باب إلى أي باب الله وتُرجمت بهذا المعنى إلى الأشورية من اسمها الأكادي «كاديميرا» على ما في قصة التكوين الكلدانية. وبُيّن في الأصحاح الحادي عشر من هذا السفر أنها من البلبلة لأنه فيها تبلبلت الألسنة (وسيأتي الكلام على هذا الاختلاف في تفسير ص ١١: ٩).
أَرَكَ جاء في نبإ التكوين الكلداني «في بداءة قصص الجبار كانت المدينة العظيمة جنوبي بابل قد سُميت في التكوين أرك». ونهبها وهدمها كدرننخنت ملك عيلام سنة ٢٢٨٠ ق. م على ما في الكتابات أشور بانيبال (سنة ٦٧٠ ق. م) وهي على أمد ثلاثين فرسخاً من بابل في الجنوب الشرقين منها واسمها اليوم ورقة. وظهر من عاديات التلال هناك وبقايا التوابيت أنه كانت فيها مدافن الملوك الأشوريين الأقدمين (انظر أيضاً كتاب رولنسون في الملوك القدماء ص ١٨ و١٥٢).
أَكَّدَ أو أكاد. كثر دوران هذا الاسم منذ خمسين سنة إلى الآن على ألسنة الباحثين عن العاديات الأشورية لأنه وُجد في الكتابات السفينية كثيراً من الأعمال ولا سيما في مكتبة سرجون وتُرجمت من تلك اللغة المنقرضة. ولما تُرجمت وقُرئت ونُظر فيها تبين أنه قبل أن يدخل الساميون تلك الأرض سكنها الأكادييون وهم صنف أسود بنى مدنها واخترع الأحرف السفينية وأنشأوا قواعد الحراثة والزراعة والتمدن الذي أخذوه عن الساميين. وكان سرجون ملك أجاني في بابل سنة ١٨٠٠ ق. م. وسُمي ملك آخر من ملوك نينوى بسرجون (إشعياء ٢٠: ١). وهو صاحب المكتبة التي أنشأها سنة ٧٢١ ق. م. وإذ كانت لغة الأكاديين قد أُلغيت في عصره أخذ في ترجمة مكتبة سرجون الأقدم إلى لغتها التي وُجدت فيها حديثاً ولا سيما الرقوم التي كتبها الأكاديون في الفلك والتنجيم ووضعها في مكتبته في أجاني. وان الأكاديون قد ترجموا مؤلفات الساميين ووضعوها في مكتبة أرك وهي من أقدم عواصم الساميين. وورأى المستر سَيس إن الساميين استولوا على أرض شنعار قبل ميلاد المسيح بألفي سنة أو ثلاثة آلاف سنة فتكون مملكة الأكاديين قديمة العهد جداً.
كَلْنَةَ وتسمى كلنو ايضاً (إشعياء ١٠: ٩) وسُميت في ترجمة السبعين كالاني فجاء فيها «ألم أستول على البلاد التي فوق بابل وكالاني حيث بنيت البرج» فدل ذلك على أنها كانت تجاه بابل في موضع البرج المشهور وهذا على وفق ما في نبإ التكوين الكلداني.
١١، ١٢ «١٢ مِنْ تِلْكَ ٱلأَرْضِ خَرَجَ أَشُّورُ وَبَنَى نِينَوَى وَرَحُوبُوتَ عَيْرَ وَكَالَحَ ١٢ وَرَسَنَ، بَيْنَ نِينَوَى وَكَالَحَ. (هِيَ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْكَبِيرَةُ)».
ص ٢: ١٤
مِنْ تِلْكَ ٱلأَرْضِ خَرَجَ أَشُّورُ كذا في ترجمة السبعين والنسخة السريانية والفلغاتا. ولكن في الترجوم والتراجم الحديثة «من تلك الأرض خرج إلى أشور» وهي الترجمة الصحيحة فإن خرج أشور في العبرانية «يصي» «أشور» وهو فعل متعد بنفسه بمعنى وصل ولم يزل هذا الفعل في العربية يفيد معنى الوصول ففيها «وصى الشيء به يصي اتصل ووصل الشيء به وصله» فعلى هذا تكون الترجمة الصحيحة من تلك الأرض وصل أشور (أو انصل بها). نعم أتى هذا الفعل في العبرانية بمعنى «خرج» كثيراً ولكنه لا يمنع ما قلناه ولا يبعد أنه يتعدى بنفسه فيرادف ما يفيد «خرج إلى» أو إنه يتضمن معنى الانتهاء أو البلوغ فيكون المعنى من تلك الأرض بلغ أشور بالخروج منها) إذ لا موضع هنا لذكر أشور بن سام (انظر ع ٢٢). فالكلام على نمرود والحامييّن الذين بعد أن أقاموا ببابل خرجوا إلى الشمال ووصلوا أرض أشور واستولوا عليها. ويؤيد ذلك ما كُشف من الكتابات السفينية فإنه ثبت منها أن الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين كان مركز الأكاديين الأول إنهم أتوا أشور وحاربوا الساميين فأخضعوهم في كل مكان. ورجوع الضمير في «يصي» أو وصل أو خرج إلى نمرود لا يوجب أنه هو نفسه خرج كما لا يخفى على من عرف بيان العبرانية والعربية أي الفعل أسند إليه والمقصود شعبه أو قومه أو نسله. ومدن أشور هي ما يأتي:
- الأولى نِينَوَى وكانت على شاطئ دجلة فسبقت بابل القديمة حتى أخضعتها زمانا طويلاً.
- والثانية رَحُوبُوتَ عَيْرَ وكانت في ضاحية نينوى فدل ذلك على عظمة تلك المدينة (أي مدينة نينوى).
- والثالثة كَالَحَ هذه المدينة جدد بناءها أشورنصربال أبو شلمناصر وكانت إحدى المدن التي بنى فيها ملوك الأشوريين المكاتب ولم تزل أطلالها تسمى نمرود.
- والرابعة رَسَنَ أي رأس العين ولم يتحقق موقع هذه المدينة ورأى القانون رولنسون أنها كانت عند سلمية وهي قرية كبيرة على منتصف الطريق بين نينوى وكالح.
١٣، ١٤ «١٣ وَمِصْرَايِمُ وَلَدَ: لُودِيمَ وَعَنَامِيمَ وَلَهَابِيمَ وَنَفْتُوحِيمَ ١٤ وَفَتْرُوسِيمَ وَكَسْلُوحِيمَ. (ٱلَّذِينَ خَرَجَ مِنْهُمْ فِلِشْتِيمُ وَكَفْتُورِيمُ)».
١أيام ١: ١٢
مِصْرَايِمُ كان منه سبع أمم منحطة من الإفريقيين وذُكرت أسماؤها بصيغة الجمع وكان منه غيرها كما سترى.
- الأولى لُودِيمَ وذُكر في الكتاب جيلان بهذا الاسم الأول سامي تسلسل من لود بن سام (ع ٢٢). وذُكر في سفر نبوءة إشعياء (إشعياء ٦٦: ١٩) والآخر حامي خضع للفراعنة (إرميا ٤٦: ٩ وحزقيال ٣٠: ٥) فالظاهر أنه كان من سكان وادي النيل لكن مسكنه لم يعيّن تمام التعيين.
- والثانية عَنَامِيمَ رأى نوبل (أو كنوبل) لعدة أدلة أنه كان يسكن الذلتا.
- والثالثة لَهَابِيمَ والمرجّح أنه اللوبيون المذكورون في (٢أيام ١٢: ٣ و١٦: ٨ ودانيال ١١: ٤٣ وناحوم ٣: ٩). وكان وطنهم الجانب الغربي من الذلتا.
- والرابعة نَفْتُوحِيمَ قال نوبل (أو كنوبل) «هم أمة فتح الإله الذي كان يُعبد في ممفيس». فإن صح هذا فهم أمة مصرية لأن مصر هي كاج فتح (أي أرض فتح) أو على ما قال القانون كوك أي كفت (انظر الكلام على كفتوريم).
- والخامسة َفَتْرُوسِيم أي أهل فتروس أي مصر العليا فإن معنى فتروس على ما قال القانون كوك أرض الجنوب.
- والسادسة كَسْلُوحِيمَ المرجّح أنها سكان كسيوتس وهي البلاد الجبلية شرقي بلسيوم.
- والسابعة فِلِشْتِيمُ معنى فلشتيم أو فلسطين المهاجرون وتُرجمت في السبعينية بالغرباء. وقيل إنهم أتوا فلسطين كأنهم فرقة من الكسلوحيين. ولكن الذي يظهر من نبوءتي إرمياء وعاموس أنهم فرقة مهاجرة من كفتور (إرميا ٤٧: ٤ وعاموس ٩: ٧). والمرجّح أنهم أول الفلسطينيين الذين أقاموا بجرار (تكوين ٢٦: ١). وكان سكان المدن التي استولى عليها يهوذا كسلوحيين (قضاة ١: ١٨). وبعد ذلك الوقت هاجر إليها كثيرون من كريت وذلك أيام حاربوا الإسرائيليين في عصر شمشون وعالي وشاول. وكانوا يتكلمون باللغة السامية لكنهم استحسنوا لغة الكنعانيين فتعلموها لأنهم سكنوا بينهم ولا سيما الغويين (تثنية ٢: ٢٣). والاعتراض على القول بأن أصلهم مصري وهو عدم التفاتهم إلى الختان لا يعتد به لأن الإسرائيليين أنفسهم أهملوا الختان مدة طويلة (يشوع ٥: ٥). والناس الذين خرجوا من حكم الكهنة كانوا يسرون بأن يعدلوا عن الختان ولعلهم هاجروا من أجله فيكون تاريخ الختان في مصر منذ مهاجرتهم. (فهذه الأمم السبع هي المصرية والآتية ليست مصرية وفي بعضها خلاف ستقف عليه).
- والثامنة كَفْتُورِيمُ هؤلاء أتوا من كريت لكن علماء العاديات المصرية رأوا أن اسمهم مشتق من كاح فتح أي أرض فتح. وعلى هذا يكون الكفتوريين مصريين كالنفتوحيين وإن الذلتا وممفيس وطنهم الأصلي وإنهم هاجروا من هنالك إلى كريت وهاجر بعضهم من كريت إلى فلسطين. ومما يستحق الذكر هنا أنه لما استولى بنو ياوان على قبرس ورودس لم يكن من ذكر لكريت (انظر ع ٤). ويتضح مما ذُكر أن مصراييم لم يكن يومئذ قد امتد كثيراً فإن الأمم السبعة المصرية التي كانت منه كانت محصورة في قطعة صغيرة من الأرض وهي الذلتا وجزء من وادي النيل الأعلى ولم يكن شيء يدل على أن مدينة ثيبس كانت في عالم الوجود.
١٥ – ١٨ «١٥ وَكَنْعَانُ وَلَدَ: صَيْدُونَ بِكْرَهُ، وَحِثَّ ١٦ وَٱلْيَبُوسِيَّ وَٱلأَمُورِيَّ وَٱلْجِرْجَاشِيَّ ١٧ وَٱلْحِوِّيَّ وَٱلْعَرْقِيَّ وَٱلسِّينِيَّ ١٨ وَٱلأَرْوَادِيَّ وَٱلصَّمَارِيَّ وَٱلْحَمَاتِيَّ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ تَفَرَّقَتْ قَبَائِلُ ٱلْكَنْعَانِيِّ».
٢صموئيل ٨: ٩
كَنْعَانُ لم يتحقق معنى هذا الاسم لترجيح أنه كلمة حامية. وإن كان كلمة سامية فمعناه غور أي أرض منخفضة. فإن الكنعانيين تكلموا باللغة الساميّة في فلسطين ولكن الذي حققته التوراة أنهم حاميون. وأثبت ذلك أيضاً ما كتبه المؤرخون الوثنيون فإنهم قالوا إن وطن الكنعانيين الأصلي الأرض المجاورة للأوقيانوس الهندي ولعلهم هاجروا من هنالك لمضايقة الساميين لهم وكانوا قد ألفوا لغتهم. ولما أتوا فلسطين ورأوا أهلها يتكلمون بالسامية أخذوا يتكلمون بها لإلفتهم لها قبلاً كما فعل إبراهيم بتركه السريانية وتكلمه بالعبرانية (تكوين ٣١: ٤٧). وهذا وإن صفات دين الكنعانيين وأفكارهم كانت حامية. وفاق الكنعانيون يومئذ اليونانيين في التجارة والزراعة والصناعة وهم الذين أعطوا اليونان حروف الهجاء. وانقسم الكنعانيون إلى إحدى عشرة قبيلة وهي القبائل الآتية.
- الأولى قبيلة َصَيْدُون قال بعضهم ومما يستحق الاعتبار هنا أنه لم يُذكر في كل من نبإ مصرايم وكنعان إلا اسم مدينة فقط وأُريد بالأسماء الشخصية القبائل. وصيدون (وهي المعروفة بصيدا اليوم) مدينة على شاطئ البحر شمالي صور وعلى أمد نحو ثلاثين ميلاً منها واشتهرت هذه المدينة بالتجارة وصيد السمك ومن هذا اشتق اسمها.
- والثانية حِثَّ أي قبيلة حث أو الحثيين (المعروفين عند الأشوريين) بالخيطة أو الخيطا. وهم قبيلة قوية وصارت لغتهم وآثارهم في هذا العصر موضوع درس العلماء. والظاهر أنهم استولوا على سورية وجزء من أسية أو آسيا الصغرى (انظر تفسير ص ٢٣: ٣ و٥).
- والثالث ٱلْيَبُوسِيَّ أي القبيلة اليابوسية وهؤلاء استولى على أرضهم بعد ذلك سبط بنيامين وبقوا في أورشليم إلى زمان داود (٢صموئيل ٥: ٦ – ٩ انظر تفسير ص ١٤: ١٨).
- والرابع ٱلأَمُورِيَّ أي القبيلة الأمورية أي الجبلية وكان الأموريون ثاني الحثيين. وكانوا أقوى قبائل فلسطين استولوا على اليهودية الجبلية وكان لهم فيها خمسة ملوك (يشوع ١٠: ٥) وعلى قسم كبير شرقي الأردن (يشوع ٩: ١٠).
- والخامس ٱلْجِرْجَاشِيَّ أي قبيلة الجرجاشيين وهي غير معروفة تمام المعرفة وذُكرت في (يشوع ٣: ١٠).
- والسادس ٱلْحِوِّيَّ أي قبيلة الحويين في شخيم أو شكيم (ص ٣٤: ٢) وجبعون (يشوع ٩: ٧) وقرب حرمون ولبنان (يشوع ٩: ٣ وقضاة ٣: ٣).
- والسابع ٱلْعَرْقِيَّ وكان العرقيون في لبنان أيضاً.
- والثامن ٱلسِّينِيَّ وهو قبيلة صغيرة في جوار العرفي.
- والتاسع ٱلأَرْوَادِيَّ والمرجّح أنهم سكان جزيرة أرادس.
- والعاشر ٱلصَّمَارِيَّ أمة مجهولة سكنت في صاميرة أٰحد أجزاء فينيقية.
- والحادي عشر ٱلْحَمَاتِيَّ ومدينتهم حماة عاصمة الجزء الشمالي من سورية على نهر العاصي وسماها المكدونيين أبيفانيا ولم يزل يُذكر هذا الاسم في التاريخ القديم. وكانت عاصمة الحثيين مجاورة لها.
وَبَعْدَ ذٰلِكَ تَفَرَّقَتْ قَبَائِلُ ٱلْكَنْعَانِيِّ معنى هذا إما أن قبائل كنعان انتشرت في داخل البلاد أو أن كثيرين من الصوريين هاجروا إلى كثير من بلاد البحر المتوسط. ووصف البابليون والحماتيون بسواد الألوان ولكن هذا الفرع دُعي بالفينيقي لحمرة لونه تمييزاً له عن الساميين الزيتونيي الألوان. إنهم أتوا في البحر من الأوقيانوس الهندي فسكنوا السواحل أولاً ولهذا سُمي بكر حام بصيدون. ثم امتدوا من السواحل إلى قلب البلاد ومع قلة عددهم فاقوا سكان فلسطين بالمعرفة والتمدن. والمرجّح أن المقصود بتفرقهم هنا انتشارهم في داخل البلاد.
١٩، ٢٠ «١٩ وَكَانَتْ تُخُومُ ٱلْكَنْعَانِيِّ مِنْ صَيْدُونَ، حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ جَرَارَ إِلَى غَزَّةَ، وَحِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَأَدْمَةَ وَصَبُويِيمَ إِلَى لاَشَعَ. ٢٠ هٰؤُلاَءِ بَنُو حَامٍ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ كَأَلْسِنَتِهِمْ بِأَرَاضِيهِمْ وَأُمَمِهِمْ».
ص ١٣: ١٢ إلى ١٧ و١٥: ١٨ إلى ٢١ وعدد ٣٤: ٢ إلى ١٢
تُخُومُ هذه التخوم صيدون في الشمال وجرار وغزة في الجنوب والجنوب الغربي إلى البحر الميت ولا يُعرف من أماكنه اليوم إلا لاشع لشهرتها بحمّاتها أي ينابيعها الحارة وهي شرقي البحر الأحمر. ومع أن الفينيقيين سكنوا هذه المدينة وهم قادمون إلى فلسطين لم تكن من تخومهم والمرجّح أنها هُدمت مع ما هُدم من مدن السهل. ويجب أن نبين هنا أن صيدون يوم كانت تخمهم الشمالي كانت أرادس وحماة تُعتبران فوقها. وهذا يرجح أن الأرواديين والحماتيين كانوا قبيلتين من الجالة والرّحل لا مساكن معيّنة لهما يوم كُتب هذا النسب.
٢١ – ٢٣ «٢١ وَسَامٌ أَبُو كُلِّ بَنِي عَابِرَ، أَخُو يَافَثَ ٱلْكَبِيرُ، وُلِدَ لَهُ أَيْضاً بَنُونَ. ٢٢ بَنُو سَامَ: عِيلاَمُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَأَرَامُ. ٢٣ وَبَنُو أَرَامَ: عُوصُ وَحُولُ وَجَاثَرُ وَمَاشُ».
١أيام ١: ١٧
سَامٌ… أَخُو يَافَثَ ٱلْكَبِيرُ أي الأخ الأكبر ليافث ومن يأتي هم الذين نُسبوا إليه ونُسلوا منه.
- الأول عِيلاَمُ أي شعب عيلام أو أمة عيلام. ورأى المستر سيس «إن سكان عيلام القدماء أمة أكدية أو أكادية وإنهم كانوا منتشرين في البلاد التي بين بحر قزيين وخليج فراس على السواحل الجنوبية». فكما طرد الأشوريون الساميون الحاميين من أشور طرد هؤلاء الذين هم منهم العيلاميين وسكنوا أرضهم وتُسمى تلك الأرض في هذه الأيام خوزستان وكان أكثر أقسامها الشرقية مشغولاً بالساميين.
- والثاني أَشُّورُ الظاهر إن الساميين سكنوا أولاً الأرض المجاورة دجلة كما سكن الحاميون أولاً الأرض المجاورة الفرات ثم استولوا على كل البلاد كما مر في تفسير (ع ١١).
- والثالث أَرْفَكْشَادُ قال بعضهم إن الأرفكشاديين سكان الأرض المعروفة بأرفكشادية وهذا خطأ لأن اسم تلك الأرض أريفكشاتا (ومعناها الأرض المجاورة للآريين) لا أرفكشادية. والظاهر وهو الحق إن الأرفكشاديين أسلاف العرب اليقطانية.
- والرابع لُودُ ولعله الليديون الذين بعد أن جالوا كثيراً سكنوا أسيا الصغرى.
- والخامس أَرَامُ أي الآراميون ومعنى آرام جبل أو وعر فهو ضد معنى أشور فإنه سهل. وكان آرام اسماً لجبل لبنان واسماً لدمشق (٢صموئيل ٨: ٥) وامتد الآراميون إلى الجزيرة لكنها دُعيت قديماً «أرام النهرين» (تكوين ٢٤: ١٠). ومن الآراميين أربعة قبائل:
- الأولى عُوصُ وهي بلاد أوّب وهي الجزء الشمالي من صحراء العرب.
- والثانية حُولُ ولا يُعرف أين كانت.
- والثالثة جَاثَرُ وهي مجهولة المكان كحول.
- والرابعة مَاشُ وهي اسم كورة على الجانب الغربي من الفرات على ما في نبإ التكوين الكلداني فتكون هي مسكنهم سُميت باسمهم كمساكن غيرهم من القبائل.
٢٤ «وَأَرْفَكْشَادُ وَلَدَ شَالَحَ، وَشَالَحُ وَلَدَ عَابِرَ».
ص ١١: ١٢
أَرْفَكْشَادُ وَلَدَ شَالَحَ بقية هذا الأصحاح نبأ العرب اليقطانية كأنها بحسب الظاهر من أرفكشاد وهي من عابر. وكأن ذكر الكتاب أن سام أبو كل بني عابر ليدل على أنه هو سلفهم الأول فهم من عابر لا من يقطان باعتبار الأصل الأقدم. وما بقي من أمر مواليد سام في (ص ١١: ١٠ – ٢٦).
٢٥ «وَلِعَابِرَ وُلِدَ ٱبْنَانِ: ٱسْمُ ٱلْوَاحِدِ فَالَجُ لأَنَّ فِي أَيَّامِهِ قُسِمَتِ ٱلأَرْضُ. وَٱسْمُ أَخِيهِ يَقْطَانُ».
١أيام ١: ١٩
فَالَجُ لأَنَّ فِي أَيَّامِهِ قُسِمَتِ ٱلأَرْضُ لعل في هذا إشارة إلى تفرق نسل سام إلى أمم وسكناها في بلاد معيّنة تمتاز كل منها عن الأخرى. ولما سكن بنو يقطان بلاد العرب طردوا منها الحاميين وسكن الأشوريون والآراميون والفالجيون البلاد في الشمال والشمال الغربي. ولكن فالج بمقتضى الكلام على مواليد سام وُلد سنة ١٠١ للطوفان وأهل بيت نوح لم يكونوا قد كثروا يومئذ حتى يزيدوا على خمس مئة نفس. ورأى المستر سيريل غراهام أن اسم فالج يشير إلى تقسيم الجداول والقنوات التي بين دجلة والفرات ويؤيد قوله أن من معاني فالج في العبرانية مجرى ماء أو جدول أي نهر صغير (ورسمه في العبرانية «فلج» والفلج في العربية النهر الصغير).
٢٦ – ٣٢ «٢٦ وَيَقْطَانُ وَلَدَ أَلْمُودَادَ وَشَالَفَ وَحَضَرْمَوْتَ وَيَارَحَ ٢٧ وَهَدُورَامَ وَأُوزَالَ وَدِقْلَةَ ٢٨ وَعُوبَالَ وَأَبِيمَايِلَ وَشَبَا ٢٩ وَأُوفِيرَ وَحَوِيلَةَ وَيُوبَابَ. جَمِيعُ هٰؤُلاَءِ بَنُو يَقْطَانَ. ٣٠ وَكَانَ مَسْكَنُهُمْ مِنْ مِيشَا حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ سَفَارَ جَبَلِ ٱلْمَشْرِقِ. ٣١ هٰؤُلاَءِ بَنُو سَامَ حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ كَأَلْسِنَتِهِمْ بِأَرَاضِيهِمْ حَسَبَ أُمَمِهِمْ. ٣٢ هٰؤُلاَءِ قَبَائِلُ بَنِي نُوحٍ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ بِأُمَمِهِمْ. وَمِنْ هٰؤُلاَءِ تَفَرَّقَتِ ٱلأُمَمُ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ ٱلطُّوفَانِ».
ع ١ ص ٩: ١٩
يَقْطَانُ معناه صغير لأنه ابن عابر الأصغر (وسُمي في العربية قحطان) وأقسام اليقطانيين ثلاثة عشر وقليل منها ذو شأن وبعض الأسماء معجب لاقترانه بما هو من خواص اللغة العربية. وكانت بلادهم فيلكس العربية أو اليمن. وإذ كانوا رعاة لا مدن لهم لم يكن لأسماء قبائلهم ما يعتد به. وما يستحق الذكر منها «الموداد» لاقترانه بأداة التعريف العربية (أي ال) وهي في العبرانية حرف الهاء. و «حضرموت» أي حضرة الموت أي مكان حضوره سُميت بذلك لوبالة إقليمها. و «أبيمايل» أي «أبو ايل». ومن عادة العبرانيين إضافة الابن إلى الآب كابن نون وابن يشوع. ومن عادة العرب أن يضيفوا الأب إلى الابن كابي مالك وأبي زيد.
شَبَا وهي قبيلة سبا واسم بلادها وهي مشهورة بتجارة الأفاوية والحجارة الكريمة وجاء هذا الاسم في مواليد حام (انظر ع ٧).
أُوفِيرَ قبيلة وطنها أول أرض عمان في بلاد العرب ثم سُمي بهذا الاسم جزء من الهند أو سيلان.
حَوِيلَةَ أي قبيلة حويلة. رأى أحد المفسرين أن حويلة هنا هي الأرض التي سكنها الكوشيون على ما ذُكر في الآية السابعة. وقال آخر أنه حويلة آخر وهو أبو قبيلة حويلة في الجولان شمالي اليمن. ومن المحقق أن الحاميين كانوا في تلك البلاد قبل اليقطانيين.
السابق |
التالي |