سفر التكوين

سفر التكوين | 09 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

١ «وَبَارَكَ ٱللهُ نُوحاً وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلأُوا ٱلأَرْضَ».

ص ١: ٢٨ وع ٧

وَبَارَكَ ٱللهُ نُوحاً (فهنا دفع وهم المنافاة (في ص ٨: ٢١) بين الرب والله أو يهوه وإلوهيم). والبركة التي كانت هنا لنوح أبي البشر الثاني هي كالتي كانت لآدم أبي البشر الأول (تكوين ١: ٢٨ و٢٩ و٢: ١٦ و١٧) مع الزيادة الوافرة الناشئة عن الأزمنة الماضية.

٢ «وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ ٱلأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ ٱلسَّمَاءِ، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاكِ ٱلْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ».

ص ١: ٢٨

خَشْيَتُكُمْ الخ هذا تكرار إعطاء السيادة للإنسان على المخلوقات وفيه زيادة الإجازة الآتية.

٣ «كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَاماً. كَٱلْعُشْبِ ٱلأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ ٱلْجَمِيعَ».

تثنية ١٢: ١٥ و١٤: ٤ و٩ و١١ ص ١: ٢٩ رومية ١٤: ١٤ و٢٠ و١كورنثوس ١٠: ٢٣ و٢٥ وكولوسي ٢: ١٦ و١تيموثاوس ٤: ٣ و٤

ًكُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَاما هذه الإجازة لم تكن منذ آدم إلى هذا الوقت.

٤ «غَيْرَ أَنَّ لَحْماً بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ».

لاويين ١٧: ١٠ إلى ١٤ و١٩: ٢٦ وتثنية ١٢: ٢٣ إلى ٢٥ و١صموئيل ١٤: ٣٣ و٣٤ وأعمال ١٥: ٢٠ و٢٩

غَيْرَ أَنَّ لَحْماً بِحَيَاتِهِ المقصود بالحياة هنا الدم لأن الحيوان لا يحيا بدونه.

٥ «وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ ٱلإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ ٱلإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ ٱلإِنْسَانِ أَخِيهِ».

خروج ٢١: ٢٨ ص ٤: ٩ و١٠ و٤٢: ٢٢ ومزمور ٩: ١٢ وأعمال ٢٨: ٤ أعمال ١٧: ٢٦

وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ الخ أي أنتقم لكم عن دمكم الذي تقوم به حياتكم الحيوانية (وفي هذا إيضاح للمعنى السابق (في ع ٤) وهو أن الدم قوام الحياة). وأطلبه من كل وحش ومن كل إنسان ومن أخي الإنسان أطلب نفس الإنسان كما طلبت نفس هابيل من أخيه قايين والمعنى أنه يُقتل القاتل بهيمة كان أو إنساناً.

٦ «سَافِكُ دَمِ ٱلإِنْسَانِ بِٱلإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ ٱللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ ٱلإِنْسَانَ».

خروج ٢١: ١٢ و١٤ ولاويين ٢٤: ١٧ ومتّى ٢٦: ٥٢ ورؤيا ١٣: ١٠ ص ١: ٢٧

بِٱلإِنْسَانِ أي الجزاء الحياة بالحياة وهذا الجزاء يحكم به الإنسان طبعاً في النظام المدني فشريعة الوحي على وفق شريعة الطبع.

٧ «فَأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَٱكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي ٱلأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا».

ص ١: ٢٨ وع ١

(تكرار معنى هذه الآية في هذا الأصحاح وبعض ما قبله للتذكير والتقرير والأهمية).

٨ «وَقَالَ ٱللهُ لِنُوحٍ وَبَنِيهِ»

(وفي هذه الآية والآية إلأولى كان خطاب الله لنوح وبنيه فنستدل من ذلك إن الوحي الخطابي كان متصلاً قبل أن سُطّر الكتاب فلم يكن الاعتماد على مجرد التواتر) المعروف بالتقليد. فالتقليد بلا أناس يوحي إليهم عرضة للتحريف والنسيان والزيادة والنقصان فبعد انقطاع الوحي لا يُعتمد عليه كما يُعتمد على الكتاب. وهذا لا يبقي قيمة لحجة التقليديين بأن الشريعة والنظام الديني كله كان بالتقليد من آدم إلى موسى لعدم انقطاع الوحي في كل تلك المدة على ما يُعرف من أنباء الآباء الأقدمين في التوراة نفسها.

٩ «وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ».

ص ٦: ١٨ وإشعياء ٥٤: ٩

وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي الخ كان الميثاق بين الله والإنسان عمل الله «إلوهيم» نفسه ولم يذكر أنه أقام ميثاقاً بينه وبين الناس الذين كانوا قبل الطوفان. وهذا دليل على أن الإنسان الذي بعد الطوفان كان أقرب إلى الله من الإنسان الذي قبل الطوفان. ولم يكن ذلك الميثاق مقصوراً على نوح وبنيه بل كان لنسلهم أيضاً. ومعنى «الميثاق» العهد والمقصود به هنا إن الله لا يهلك بعد ذلك الناس كما أهلكهم حينئذ.

١٠ «وَمَعَ كُلِّ ذَوَاتِ ٱلأَنْفُسِ ٱلْحَيَّةِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ: ٱلطُّيُورِ وَٱلْبَهَائِمِ وَكُلِّ وُحُوشِ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ جَمِيعِ ٱلْخَارِجِينَ مِنَ ٱلْفُلْكِ حَتَّى كُلُّ حَيَوَانِ ٱلأَرْضِ».

مزمور ١٤٥: ٩

فالميثاق عام للناس والبهائم والمعنى أنه لا يهلك ثانية البهائم كما أهلكها بالطوفان.

١١ « أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلاَ يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضاً بِمِيَاهِ ٱلطُّوفَانِ. وَلاَ يَكُونُ أَيْضاً طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ ٱلأَرْضَ».

هذه الآية تفسير للميثاق.

١٢ «وَقَالَ ٱللهُ: هٰذِهِ عَلاَمَةُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ ٱلأَنْفُسِ ٱلْحَيَّةِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ ٱلدَّهْرِ».

ص ١٧: ١١

هٰذِهِ عَلاَمَةُ ٱلْمِيثَاقِ الخ جاءت العلامة في الكتاب المقدس للأمور الطبيعية والأمور العملية ومنها الآيات أي المعجزات. وتُرجمت في بعض الأماكن «بالآية والدلالة» (انظر ص ١٧: ١١ وخروج ٣: ١٢ و١٣: ١٦ و٢٢: ١٣ وعدد ١٧: ١٠ ويشوع ٢: ١٢ وأيوب ٢١: ٢٩ ومزمور ٦٥: ٨ و٨٦: ١٧ و١٣٥: ٩ وإشعياء ٤٤: ٢٥).

١٣ «وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلأَرْضِ».

حزقيال ١: ٢٨

وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ مما يستحق الاعتبار هنا قوله «وضعت» لا أضع وهو نص صريح على أن قوس السحاب لم تكن حادثة جديدة في عالم الطبيعة يومئذ بل كانت مرتبة على النواميس التي خلقها الله في أيام الخلق الأصلي فكأنه تعالى قال إن القوس التي جعلتها مرتبة على نواميس انعكاس النور وانكساره في قطرات المطر أجعلها لك علامة الأمن طوفان آخر ولا يخفى ما في ذلك من رحمة الله وإحسانه. وجاء في نبإ الطوفان عند الكلدانيين ما معناه.

«رفعت الإلاهة إستار البعيدة عند قربها الأقواس العجيبة (يريد قُزح القوس أي طرائقها المختلفة الألوان) التي خلقها أنو لمجده. بلور (أي أقواس) أولئك الآلهة أمامي (الآلهة بالجمع كذا في الأصل الكلداني ولعل المقصود آلهة آخرى مع أنو الخالق وإستار الرافعة تلك الأقواس) ولا أنسى ذلك أبداً».

١٤ – ١٧ «١٤ فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَحَاباً عَلَى ٱلأَرْضِ، وَتَظْهَرِ ٱلْقَوْسُ فِي ٱلسَّحَابِ، ١٥ أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي ٱلَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ. فَلاَ تَكُونُ أَيْضاً ٱلْمِيَاهُ طُوفَاناً لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. ١٦ فَمَتَى كَانَتِ ٱلْقَوْسُ فِي ٱلسَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقاً أَبَدِيّاً بَيْنَ ٱللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى ٱلأَرْضِ. ١٧ وَقَالَ ٱللهُ لِنُوحٍ: هٰذِهِ عَلاَمَةُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى ٱلأَرْضِ».

خروج ٢٨: ١٢ ولاويين ٢٦: ٤٢ و٤٥ وحزقيال ١٦: ٦ ص ١٧: ١٣ و١٩

عَلَى ٱلأَرْضِ (ع ١٤) أي في الجو فوق الأرض).

أَنِّي أَذْكُرُ (ع ١٥) (في الكلام مجاز لأن الله لا ينسى فالمعنى أني أفي بعهدي كمن يذكر العهد برؤيته العلامة).

أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ (ع ١٦) أي أكون كمن يبصر علامة عهده فيذكره).

هٰذِهِ عَلاَمَةُ ٱلْمِيثَاقِ (ع ١٧) (هذا توكيد لما سبق).

١٨ «وَكَانَ بَنُو نُوحٍ ٱلَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ ٱلْفُلْكِ سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ».

ص ١٠: ٦

حَامٌ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ إن الحياة الإنسانية بعد الطوفان مع قيامها على قدم ثابتة لم تزل الخطيئة سائدة والتشويش عاماً. نعم إن الأخ لم يسفك دم أخيه حينئذ لكن الإثم الناشئ كان يعمل في الأُسر والأفراد وقام فيها نسل كنعان مقام نسل قايين.

١٩ «هٰؤُلاَءِ ٱلثَّلاَثَةُ هُمْ بَنُو نُوحٍ. وَمِنْ هٰؤُلاَءِ تَشَعَّبَتْ كُلُّ ٱلأَرْضِ».

ص ٥: ٣٢ و١أيام ١: ٤ ص ١٠: ٣٢

(هذه الآية نصّ صريح على أن الطوفان أغرق كل الناس سوى نوح وأهل بيته الذين كانوا معه في السفينة وإن الطوفان عمّ الأرض المسكونة يومئذ بخلاف ما ذهب إليه بعضهم).

٢٠، ٢١ «٢٠ وَٱبْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحاً وَغَرَسَ كَرْماً. ٢١ وَشَرِبَ مِنَ ٱلْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ».

ص ٣: ١٩ و٢٣ و٤: ٢ وأمثال ١٢: ١١ أمثال ٢٠: ١ و٢٣: ٣١ و٣٢

وَٱبْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحاً وَغَرَسَ كَرْماً الخ (وفي الأصل العبراني «نوح رجل حقل ( «ادمه» أو أرض معدة للزراعة) أخذ يغرس كرماً» وهذا يدل أنه كان فلاحاً من أول أمره فالأمر الجديد هو أنه غرس كرماً. ولم تزل الكروم كثيرة نامية في أرمينية. والظاهر أنه لم يكن يعرف أو يظن إن الخمر تسكر حتى شربها وصار أول السكيرين في العار. وقوله «تعرّى داخل خبائه» يدل مع مساعدة الأصل العبراني على أنه أبدي عورته عمداً لا سهواً أو إن ذلك كان اتفاقاً ولا ريب في أن الذي حمله على ذلك السكر.

٢٢، ٢٣ «٢٢ فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجاً. ٢٣ فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ ٱلرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى ٱلْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى ٱلْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا».

خروج ٢٠: ١٢ وغلاطية ٦: ١

فَأَبْصَرَ حَامٌ… وَأَخْبَرَ الخ لم يكن ذنب حام بأن رأى بل بأن أخبر ولا سيما إن كان قصده بالإخبار الهزء والاستهانة بأبيه. أما أخواه فكانا تقيين مكرمين لأبيهما فسترا عورة أبيها بالرداء بدون أن يرياها وكان على حام أن يسترها كذلك ولا يتكلم. والرداء هنا قطعة من النسيج أٰو عباءة أو ملحفة يشتمل بها أي يغطي بها بدنه.

٢٤ «فَلَمَّا ٱسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ٱبْنُهُ ٱلصَّغِيرُ».

نُوحٌ… عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ٱبْنُهُ ٱلصَّغِيرُ أي أصغر أبنائه (انظر ص ٤٢: ٣٤ و٤٣: ٢٩ و١صموئيل ١٦: ١١) ولكن حام ليس بأصغر أبناء نوح بل يافث. ونوح لم يلعن بل كنعان ابنه. فالابن الأصغر هنا ليس بحام وهو ليس بسام بالضرورة لِما ظهر من فعله فبقي أنه كنعان والمرجّح أنه كان ابن حام الأصغر. والعبرانيون يطلقون اسم الابن على الحفيد (انظر ص ٢٩: ٥ و٣١: ٥٥). وقيل أنه ابن نوح الصغير لأنه أصغر سلالة نوح. ورأى أوريجانوس إن كنعان رأى عورة جده وأخبر أباه حاماً. وقال ابن عزرا إن كنعان هزئ بجده كثيراً مع أن الكتاب لم يذكر ذنبه. والمعنى على الوجوه كلها إن نوحاً لما أفاق وعرف ما فعله ابنه الأصغر أو حفيده كنعان من العار لعنه. وهذه اللعنة على ما قال بعض المفسرين جعلت نسل حام منحطين عن كل الأنسال ولا سيما من كان منه في العصور المتوسطة من عبيد إفريقية السودان ولا يقال الظاهر أنه نسي إن نسل حام بلغ منزلة عالية في العصور الخالية وإنهم بنوا المدن العظيمة كثيبة ونينوى وبابل وأنشأوا القنوات والممالك أيام كان أولاد يافث جالة ينتقلون من مكان إلى آخر في أوربا واستعبدوا بني إسرائيل زماناً طويلاً في مصر لأن نسله انحط في إفريقية كثيراً وبقي قروناً كثيرة بضاعة النخاسة والعبودية (ولا دليل على أن هذه اللعنة أبدية).

٢٥ «فَقَالَ: مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ ٱلْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ».

تثنية ٢٧: ١٦ يشوع ٩: ٢٣ و١ملوك ٩: ٢٠ و٢١

مَلْعُونٌ كَنْعَانُ هذه النبوءة على صورة الشعر ككلام لامك الذي افتخر فيه (ص ٤). وسكت فيها عن حام كأنه لم يأت شيئاً من الإساءة على غير ما ظهر في (ع ٢٢). فكل كره نوح متعلق بكنعان ودعا عليه بالمصاب ثلاثاً لأنه هو المسيء لا حام على ما فُصّل في الآية السابقة.

عَبْدَ ٱلْعَبِيدِ أي أدنى العبيد. وتم ذلك باستيلاء يشوع على أرض كنعان لكن هذه اللعنة لم ترافق نسله دائماً فإن الحثيين عظموا بين قدماء الأمم. واشتهر الصيدونيون والفينيقيون بالتجارة لكنهم انحطوا كثيراً في الروحيات فلُعنوا بعبادتهم الأوثان فكانت لعنتهم الشرك (أي الوثنية) كما كانت بركة سام التوحيد. قال لينرمنت في كتاب تاريخ الشرق القديم «لم يبار الكنعانيين أحد في مزجهم سفك الدم بالفجور إكراماً لآلهتهم». ونُقل عن كريزر قوله «أماتت ديانة الكنعانيين أحسن عواطف الطبيعة البشرية وأفسدت أذهان البشر بالخرافات المتوالية والفسق والخلاعة ولم يسُد فيهم شيء من الفضائل».

٢٦ «وَقَالَ: مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ».

ص ١٧: ٧ و٧ و٨ ومزمور ١٤٤: ١٥ وعبرانيين ١١: ١٦

مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ سَامٍ بارك نوح سام بصورة التسبيح لله فكأنه قال ليكن نسل سام مباركاً فيبارك الرب إلهه.

وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ أي لسام ويافث. وبركة سام هي في ابنه العظيم المزمع أن يأتي فادياً للبشر.

٢٧ «لِيَفْتَحِ ٱللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُمْ».

رومية ١١: ١٧ وأفسس ٢: ١٣ و١٤ و٣: ٦

لِيَفْتَحِ ٱللهُ لِيَافَثَ ذُكر الرب «يهوه» في بركة سام و ذُكر الله «إلوهيم» في بركة يافث مع أن يهوه هو ثاوس في اليونانية وجوب أو جوبتير في اللاتينية لكنه غلب أن يكون اسم الله إله العهد عند بني سام. وفي هذه العبارة في الأصل العبراني جناس ونصّها «يفت إلوهيم يفت» فيفت الأولى يفتح ويفت الثانية يافث. فيهوه اسم الله باعتبار أنه إله العهد والنعمة. وإلوهيم اسمه باعتبار إنه إله العالمين والطبيعة ففتح لبني يافث الأرض ووسّع تخومهم وكانوا أنجح الأمم فإن كان نسل حام أرباب التمدن القديم في مصر فإنه كان معظم القوة للكلدانيين وأهل مادي وفارس واليونان والرومان والهنود وكلهم من نسل يافث ومنهم الأوروربيون رؤساء الجنس البشري في العصور الحديثة.

فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ يُقال من جهة إن نسل سام يسكن اليوم في مساكن يافث لأن اليهود الذين هم أعظم ممثل لسام يسكنون في أوروربا وآسيا وليس لهم وطن خاص لكن امتيازات دينهم منتشرة كل الانتشار في نسل يافث فكأن نسل يافث بقيامه مقامهم في الدين سكن في مساكن سام. ونقول فوق ذلك إن اليهود لم يبقوا متمسكين إلا بجزء من دين الله لم يؤمنوا بالمسيح يهوه العهد والنعمة وآمن به بنو يافث لكن نسل سام لم يفقد كل عظمته كما يُفهم مما يأتي.

وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُمْ إن ساماً وإن يكن خسر مساكنه فلم يزل أخاً بخلاف كنعان فإنه عبد.

٢٨، ٢٩ «وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ ٱلطُّوفَانِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. ٢٩ فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ نُوحٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَمَاتَ».

عاش نوح عيش الذين قبل الطوفان أي عمراً طويلاً ٩٥٠ سنة ومن ثم أخذ العمر ينقص سريعاً فعاش سام ٦٠٠ سنة وعاش فالج بعد عصور قليلة ٢٣٩ سنة وعاش بعده إنسان واحد وهو تارح ٢٠٥ ووقع شك عظيم في ذلك (انظر تفسير ص ١١: ٣٢).

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى