سفر التكوين

سفر التكوين | 06 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

١ «وَحَدَثَ لَمَّا ٱبْتَدَأَ ٱلنَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ».

ص ١: ٢٨

لَمَّا ٱبْتَدَأَ ٱلنَّاسُ يَكْثُرُونَ وفي العبرانية «لما ابتدأ آدم يكثر» فالترجمة الحرفية «لما ابتدأ الإنسان» الخ. والمرجح إن تكاثر نسل آدم كان بطيئاً لمرور سنين كثيرة على كل من الآباء قبل أو يُولد البكر. على أنه لم يكن من الضروري أن كل من ذُكر اسمه في النسب كان هو البكر في الواقع. ولعله بدل البكر بغير البكر في بعض المواليد كما بدل قايين بشيث. فنوح وُلد وأبوه في سن المئة والثانية والثمانين. واختبر لتقواه أن يكون مجدداً للجنس البشري ولعله كان له كثير من الإخوة والأخوات أكبر منه. وكان لكل من الآباء بنون وبنات. وقايين بنى مدينة ولا ريب في أنه لم يبنها إلا لأنه كان لها سكان من بنيه وبناته. والمرجّح أنّ فساد أولاد آدم أخذ يكثر من أيام أخنوخ كما ذكرنا.

٢ «أَنَّ أَبْنَاءَ ٱللهِ رَأَوْا بَنَاتِ ٱلنَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَٱتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا ٱخْتَارُوا».

تثنية ١٤: ١ ومزمور ٧٣: ١٥ ومتّى ٥: ٩ خروج ٣٤: ١٦ وتثنية ٧: ٣ و٤ ويشوع ٢٣: ١٢ و١٣ وعزراً ٩: ٢ ونحميا ١٣: ٢٣ إلى ٢٧ و٢كورنثوس ٦: ١٤ و١٥

أَبْنَاءَ ٱللهِ وفي العبرانية «بني إلوهيم» وتُرجمت بثلاثة معانٍ الأول وهو ما في التفاسير اليهودية الشرفاء أو أرباب الرتب العالية. والثاني الملائكة ويعضد هذا ما جاء في رسالتي يهوذا وبطرس (يهوذا ٦ و٢بطرس ٢: ٤) لكن ذلك مع هذا غير محقق وبعيد عن التصديق لأن الملائكة لا يتزوجون ولا يزوجون. والثالث وهو الذي عليه الجمهور إنهم أبناء شيث وإنهم تزوجوا من تزوجوا لمجرد الشهوة ففسد النسل. وإن «بنات الناس» بنات قايين. ولكن لم يبينوا كيف كان مواليد هؤلاء جبابرة. وقال مفسرو اليهود والعارفون أسرار اللغة العبرانية إنه لا يُراد بأبناء إلوهيم (على ما في الأصل العبراني) الصالحون أو الأتقياء فإن معنى إلوهيم الأقوياء وهذا المعنى لا ينفك عن هذه اللفظة (انظر خروج ١٥: ١١ وقابله بما في خروج ١٢: ١٢ و٢١: ٦ و٢٢: ٨ و ٩ و١صموئيل ٢: ٢٥) وجاء أبناء إلوهيم في سفر أيوب بمعنى الشرفاء (أيوب ١: ٦) وفي المزامير بمعنى الأقوياء أو الأشداء (مزمور ٢٩: ١).

ومن هؤلاء الأبناء الجبابرة. قال بين سمث قبل الجواب على هذه المسئلة أوجه الأفكار إلى قصد الكتاب «ببنات الناس» فأقول إنه على ما في الأصل العبراني «لما ابتدأ آدم يكثر وولد لهم بنات إن أبناء الله رأوا بنات آدم… فاتخذوا لأنفسهم نساء». وعلى قاعدة التفسير الصحيحة يكون بنات آدم في الآية الأولى هن بنات آدم في الآية الثانية وهن اللواتي اتخذهن أبناء الله زوجات ولا يُنكر أن المقصود بآدم هنا الشيثيون. وجاءت هذه العبارة على أثر بيان نسب نوح إلى آدم. والكلام على قايين كان قد انتهى حتى إن شيث ذُكر بناء على أنهم أقوياء شهوانيون وانتهى تاريخهم. فآدم الذي قيل في الآية الثالثة إن روح الله لا تدين فيه هو الشيثيون الذين مع كونهم الشعب المختار الذي صارت البكورية إليه سقطوا وسلكوا في سُبل الشر. وصاروا إلى غاية الفساد بناء على فساد نسائهم باقترانهن برجال فوقهن قوة وشجاعة ومعرفة بالحرب وصنع أدواتها. ومن هؤلاء الرجال الأقوياء إنهم هم أولاد قايين لا محالة. فإننا رأينا في (ص ٤: ١٧ – ٢٤) إن قايين مؤسس الهيئة المدنية والحياة الاجتماعية والاسم الذي سمى ابنه به يدل على إن نسله كان مدرباً فإن القايينيين تقدموا تقدماً سريعاً في الصناعة والغنى والمدنية والريع والجندية والكبرياء وأخذوا يظهرون بسالتهم وعجبهم قدام أزواجهم الشيثيات حتى تعجب بهم. وكفاك دليلاً على ذلك شعر لامك الحماسي الذي أبان فيه إن قوته أحد عشر ضعفاً من قوة جده قايين لأن قوة قايين كانت سبعة وقوته سبعة وسبعين (ص ٤: ٢٤). فخالط أبناء القايينيين أخوالهم وأولاد أخوالهم الشيثيين ففسدوا جميعاً. فخلاصة قول بين سمث إن أبناء الله هم سلالة قايين وإن أبناء الله على ما تفيد اللغة العبرانية هم الأقوياء وإن بنات الناس هم بنات سلالة شيث.

٣ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي ٱلإِنْسَانِ إِلَى ٱلأَبَدِ. لِزَيَغَانِهِ هُوَ بَشَرٌ، وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً».

نحميا ٩: ٣٠ وغلاطية ٥: ١٦ و١٧ و١بطرس ٣: ١٩ و٢٠ مزمور ٧٨: ٣٩ وإشعياء ٣١: ٣ ١بطرس ٣: ٢٠ و٢بطرس ٢: ٥

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لما سقط الشيثيون قصر ربهم يهوه أعمارهم حتى لا يستطيعوا إطالتها فوق المعدل الذي عيّنه بوسيلة من الوسائل ولا بمراعاة كل قوانين الصحة.

لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي ٱلإِنْسَانِ إِلَى ٱلأَبَدِ أي لا يتولى الروح الذي أعطيته إياه جسده زماناً طويلاً كالأبد كما تولى أجساد الذين قبل الطوفان (قابل هذا بما في تثنية ١٥: ١٧ الخ). و «الإنسان» هنا في العبرانية آدم فأكثر الإشارة فيه إلى سلالة شيث.

هُوَ بَشَرٌ أي لحم ودم أو جسد كسائر الحيوان فيناسب أن يحيا زماناً قصيراً كسائر الحيوان.

٤ «كَانَ فِي ٱلأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ أَيْضاً إِذْ دَخَلَ بَنُو ٱللهِ عَلَى بَنَاتِ ٱلنَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَداً هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلْجَبَابِرَةُ ٱلَّذِينَ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ ذَوُو ٱسْمٍ».

عدد ١٣: ٣٣ ص ١٠: ٩ ص ١١: ٤ وعدد ١٦: ٢ و١أيام ٥: ٢٤ وأيوب ٣٠: ٨

طُغَاةٌ وفي العبرانية «نفليم ونفيليم» وجاءت هذه اللفظة في سفر العدد بمعنى الجبابرة. (وهي في اللغة العبرانية جمع نفيل كنبيل في العربية وهو يقرب منه معنى كما يقرب منه لفظاً فإن من معانيه في العربية الجسيم والعبرانية تدل على أن المقصود بهم الجسام الأقوياء الأبدان).

هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلْجَبَابِرَةُ وفي العبرانية «جبريم» ومعناها الأبطال المحاربون وفي العربية العتاة المتكبرون.

٥ «وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ شَرَّ ٱلإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي ٱلأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ».

١بطرس ٣: ٢٠ ١أيام ٢٨: ٩ و٢٩: ١٨ وأمثال ٦: ١٨ ص ٨: ٢١ ومزمور ١٤: ١ إلى ٣ وإرميا ١٧: ٩ ومتّى ١٥: ١٩ ومرقس ٧: ٢١ و٢٢

تَصَوُّرِ أي أفكار وكل ما في الذهن من حركات النفس وكل ما في القلب من الأميال.

كُلَّ يَوْمٍ وفي الأصل العبراني «كل اليوم» أي من الصباح إلى المساء. أي إن كل مدة اليقظة والأعمال والأقوال والحركات. وهذا دليل على أنهم لم يتفرغوا لسوى الشر بلا شعور بشيء من توبيخ الضمير.

٦ «فَحَزِنَ ٱلرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ ٱلإِنْسَانَ فِي ٱلأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ».

مزمور ٧٨: ٤٠ وإشعياء ٦٣: ١٠ وأفسس ٤: ٣٠

فَحَزِنَ ٱلرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ ٱلإِنْسَانَ أي كان كمن يحزن على ما عمل في هدم عمله فإنه تعالى هدم ما بنى من الهيكل الإنساني بالطوفان ولولا رحمته ما أبقى أحداً. إن الله يسخط على الخاطئ لخطيئته ويتأسف على الخطيئة حباً بالخاطئ ولولا ذلك لأهلك الجميع.

إذا قصرنا النظر في علم الله السابق وقدرته على كل شيء رأينا إن كل الأشياء معيّنة منه تعالى وإذا نظرنا فقط إلى اختيار الإنسان المشهور بحرية الإرادة رأينا كل شيء راجعاً إلى إرادة الإنسان وعمله فيجب قبول الرأيين وإن قصرت عقولنا عن إدراكها.

إن اختيار الإنسان في التاريخ المقدس جلي جداً لأنه يتوقف عليه التكليف والمسؤولية. وفي هذا النبإ يُمثل لنا غرق البشر بطوفان ثم تقصير الحياة على وجه يدل أنه محزن ومؤلم لله ومخالف لإرادته الصالحة للناس غير أنهما ضروريان بالنظر إلى شر الجنس الشيثي أو الشيتي المختار.

٧ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: أَمْحُو عَنْ وَجْهِ ٱلأَرْضِ ٱلإِنْسَانَ ٱلَّذِي خَلَقْتُهُ: ٱلإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ. لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ».

٢ملوك ٢١: ١٣

أَمْحُو عَنْ وَجْهِ ٱلأَرْضِ أي أفني والأرض هنا في العبرانية «أدمه».

ٱلإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وقع مصاب الإنسان على البهائم أيضاً لأن نصيبها بنصيب الإنسان (رومية ٨: ١٩ – ٢٢). ولكن القول بهلاك كل البهائم بالطوفان ليس مما تقتضيه الآية بالضرورة فالأرجح أنّ المقصود حيوانات الأرض التي بلغها الطوفان ولم يذكر الوحوش هنا لأن الدواجن كانت أكثر مصاباً.

٨ «وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ».

ص ١٩: ١٩ وخروج ٣٣: ١٢ و١٣ و١٦ و١٧ ولوقا ١: ٣٠ وأعمال ٧: ٤٦

أَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً هذه أول آية في التوراة ذُكرت فيها النعمة وبها خُتمت مواليد آدم. فترى رحمة الله لم تفارق الإنسان مع أن العدل كان مواظباً طلب عقابه. فكان قصد الله تجديد البشر بنوح وأولاده لا قرضهم ولذلك كان ترتيب الأشياء مع نوح أحسن وأعلى منه قبله.

٣ مواليد نوح (ص ٦: ٩ إلى ص ٩: ٢٨)

وهو القسم الثالث للمواليد

٩ «هٰذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارّاً كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللهِ».

ص ٧: ١ وحزقيال ١٤: ١٤ و٢٠ وعبرانيين ١١: ٧ و٢بطرس ٢: ٥ ص ٥: ٢٢

كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارّاً كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ أي كانت أعماله مما تجيز أن يخلص من الهلاك الذي حتم على الناس يومئذ. فالبر والكمال هنا نسبي لا حقيقي لأنه لا حي يتبرر أمام الله. ولا ريب في أن نوحاً كان يرغب في الكمال الحقيقي ويسعى وراءه على قدر طاقته. ومعنى «أجياله» هنا معاصروه. وكان نوح كذلك لأنه صار مع الله (انظر تفسير ص ٥: ٢٢).

١٠ «وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَاماً، وَحَاماً، وَيَافَثَ».

ص ٥: ٣٢

وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ (انظر تفسير ص ٥: ٣٢ والتفسير).

١١ «وَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ أَمَامَ ٱللهِ، وَٱمْتَلأَتِ ٱلأَرْضُ ظُلْماً».

خروج ٣٢: ٧ وتثنية ٣٢: ٥ ص ١٠: ٩ و١٣: ١٣ ولوقا ١: ٦ ورومية ٣: ١٩ حزقيال ٨: ١٧ و٢٨: ١٦ وحبقوق ٢: ٨ و١٧

ٱلأَرْضُ ذكر الأرض في الآيات الثلاث هنا ست مرات بلفظة «أرض» في العبرانية لا بلفظة «ادمه» كما في الآية السابقة. ومن هنا يتبين إن الأرض التي فسدت ليست كل وجه الكرة بل الجزء الذي يسكنه الإنسان الذي فسد.

١٢ «وَرَأَى ٱللهُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ».

ص ١١: ٥ و١٨: ٢١ ومزمور ١٤: ٢ و٣٣: ١٣ و١٤ و٥٣: ٢

ٱلأَرْضَ… فَسَدَتْ أي استخدمها الإنسان للإفساد فصارت محل الفساد.

إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ هذا تعليل للعبارة التي قبله أي أنّ المادة لا توصف بالصلاح أو الطلاح الأدبي الذي هو الفساد لكنها فسدت بإفساد الإنسان فيها بإطلاقه لنفسه العنان في ميادين الشهوات الجسدية (انظر تفسير ع ٧).

١٣ «فَقَالَ ٱللهُ لِنُوحٍ: نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ ٱلأَرْضَ ٱمْتَلأَتْ ظُلْماً مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ ٱلأَرْضِ».

إرميا ٥١: ١٣ وحزقيال ٧: ٢ و٣ و٦ وعاموس ٨: ٢ ع ١٧

نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي العبارة من اصطلاح الملوك الأرضيين فإنهم قبل أن يأمروا بإجراء الحكم يُرفع إليهم الحكم ليرى هل هو على وفق الشريعة فإن رآه كذلك أمر بالإجراء وإلا فلا.

مُهْلِكُهُمْ لأن الحكم على مقتضى الشريعة فما تُرجم «بالإفساد» في (ع ١٢) تُرجم «بالإهلاك» هنا. ففي العبرانية المشاكلة وهو ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته فكأنه قال أفسدوا الأرض فأفسدهم أي أجازيهم على إفسادهم بالإهلاك وهذا من المحسنات في اللغة العبرانية والعربية. ومنه قول عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا


أي فنقتلهم جزاء على جهلهم.

مُهْلِكُهُمْ مَعَ ٱلأَرْضِ أي مميتهم وسائر الأحياء على الأرض.

١٤ «اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ ٱلْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ بِٱلْقَارِ».

اِصْنَعْ… فُلْكاً الفلك في العبرانية «تبت وتبه» أي تابوت والمقصود سفينة كالتابوت.

مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ وفي العبرانية «عصي جفر» (والجيم في العبرانية كالجيم المصرية ومعنى «عصي» عشب أو شجر والقريب من لفظ الجيم العبرانية من الحروف العربية الغين والكاف والقاف. فعلى ذلك يكون المعنى شجر الكفر أو شجر القفر والكفر والقفر في العربية القير والزفت) وقال بعض المفسرين معنى خشب الجفر الأشجار الزفتية كالشجر المعروف عند النباتيين باسم كبريسوس سمبر فيرنس أي السرو وهو شجر مستقيم الساق دائم الخضرة كثير البقاء كان الأقدمون يفضلونه على غيره في عمل السفن.

مَسَاكِنَ أي مخادع في ثلاث طبقات.

بِٱلْقَارِ وهو القير والزفت والحمَر. فإذاً السفينة الطوفانية صُنعت حيث يُستخرج القار بسهولة وهو كذلك في بلاد أشور حيث ينابيع الزفت في أيامنا.

١٥ «وَهٰكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ ٱلْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً عَرْضُهُ، وَثَلاَثِينَ ذِرَاعاً ٱرْتِفَاعُهُ».

ذِرَاعٍ المقصود بالذراع هنا ما طوله طول ذراع اليد من المِرفق إلى رأس الأصبع الوسطى. واعتبروا الذراع أنه ربع قامة الإنسان وذلك نحو ثماني عشرة عقدة فيكون طول السفينة على هذا التقدير ٤٥٠ قدماً وعرضها ٧٥ قدماً وعلوها ٤٥ قدماً. والسفينة المسماة «غريت أسترن» أي الشرقية الكبيرة أكبر منها فإن طولها ٦٨٠ قدماً.

ومثل هذه السفينة في تلك الأيام مما كان يصعب السفر فيها فصُنعت ليس للسير بل لأن تطفو على وجه الماء.

١٦ «وَتَصْنَعُ كَوّاً لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ ٱلْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ».

ص ٨: ٦ ص ٧: ٢٠

كَوّاً الكِوّ الكَوّة والكُوّة وهي الخرق في الحائط لدخول الضوء والهواء والأرجح إن هذه الكوّة كانت خرقاً طويلاً متصلاً حول الفلك تحت أطراف السقف بين الاضلاع على علو ذراع.

بَابَ المرجّح أنّ هذا الباب كان للطبقات الثلاث وكان غيره من المنافذ في مخادع المواشي ليخرج منها الماء عند غسلها وتنظيفها ويدخل الضوء والهواء إليها وصُنعت بترك الألواح بين الأضلاع.

١٧ «فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ ٱلْمَاءِ عَلَى ٱلأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ ٱلسَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي ٱلأَرْضِ يَمُوتُ».

ع ١٣ و ص ٧: ٤ و٢١ إلى ٢٣

بِطُوفَانِ في العبرانية «مَبوّل» وهذه اللفظة تُستعمل لسوى طوفان نوح إلا في المزمور التاسع والعشرين لكن في ذلك إشارة إلى طوفان نوح.

كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ… يَمُوتُ هذا يؤيد القول بأن الطوفان كان عاماً. ولكنا نقول إن الأرض التي ذُكرت في هذه الآية لا مانع من فهم أنها الأرض التي كان يعرفها نوح وأهل عصره.

١٨ «وَلٰكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ ٱلْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَٱمْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ».

ص ٧: ١ و٧ و١٣ و١بطرس ٣: ٢٠ و٢بطرس ٢: ٥

عَهْدِي لم يكن عهد الرب (يهوه) لآدم ولا للشيثيين إلا منذ أيام أنوش (ص ٤: ٢٦) وظهر في أمر نوح وعُرف الله «بالرب» (أي يهوه) ولكنه كان أُظهر في عصر موسى وعهوده فنسبة نوح إلى الله أن العلاقة بينه وبين الرب كانت أكثر وأشد من العلاقة بين آدم والله. والعلاقة بين موسى والرب أشد من العلاقة بين نوح والرب ولذلك صح أن تُدعى التوراة بالعهد القديم والعهد الجديد معاً. ومعنى «العهد» هنا إما الاتفاق بين أثنين وهما حيّان أو صك به يوصي الحي بتركته لمن يستولي عليها بعد موته (عبرانيين ٩: ١٦ و١٧).

١٩ – ٢٢ «١٩ وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، ٱثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَى ٱلْفُلْكِ لٱسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَراً وَأُنْثَى. ٢٠ مِنَ ٱلطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنَ ٱلْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنْ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى ٱلأَرْضِ كَأَجْنَاسِهِ. ٱثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لٱسْتِبْقَائِهَا. ٢١ وَأَنْتَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَٱجْمَعْهُ عِنْدَكَ، فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَاماً. ٢٢ فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ ٱللهُ. هٰكَذَا فَعَلَ».

ص ٧: ٨ و٩ و١٥ و١٦ ص ٧: ٨ و٩ و١٥ ص ٧: ٥ و٩ وخروج ٤٠: ١٦ وعبرانيين ١١: ٧

مِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، ٱثْنَيْنِ يظهر من هذا ومن عظم سعة الفلك إن نوحاً لم يكلف بتخليص أهل بيته والحيوانات الداجنة فقط بل كُلف أيضاً بحفظ الوحوش والطيور والزحافات أيضاً. ولا بد في ذلك كله من المعجزة لكي لا تفنى المفترسة البهائم بعد الخروج من الفلك إذا لا يكون حينئذ ما تأكله السباع. وإذا كان القادر على كل شيء هو المعتني فلا نرى شيئاً من الصعوبة في هذا الأمر. وهو ليس على الله بأصعب من حفظ نوح ومن معه. وكل الحيوانات في السفينة والذي أعد الطعام في تلك السفينة يسهل عليه أن يعده خارجها أو يحفظ الحياة بلا طعام إلى حين.

فوائد

  1. اقتران شعب الله بالزواج مع الأشرار شر عظيم فلنحذر تزوج أولادنا غير المؤمنين.
  2. فساد جنسنا يعلمنا الاتضاع لان جراثيم نفس هذه الشرور هي فينا.
  3. كانت صفات نوح صالحة وإيمانه بالله سامياً وثبت في إيمانه على رغم المعيّرين ولم يبال بتعييرهم.
  4. خير لنا أن نخلص مع القليلين ولا نهلك مع الكثيرين.

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى