سفر التكوين

سفر التكوين | 04 | السنن القويم

السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

شرح سفر التكوين 

للقس . وليم مارش

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

ترتيب الحياة البيتية والمعيشة غير الفردوسية

١ «وَعَرَفَ آدَمُ حَوَّاءَ ٱمْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: ٱقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ».

فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ وَقَالَتِ في هذا الأصحاح تاريخ بيت قايين وسلالته الشريرة الفاجرة لكنها كانت لا تنقص عن سلالة شيت في نشر المدنية فإنها اشتغلت بالحراثة وتربية الغنم والماشية واخترعت الصناعات المعدنية والموسيقى فصنعت أدوات النحاس والحديد (ع ٢٢) فسهلت بذلك مشقات الحياة.

ٱقْتَنَيْتُ رَجُلاً مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ وفي الأصل العبراني (את יהוה) (ات يهوه) فيكون المعنى اقتنيت رجلاً الذي هو الرب. و «ات» هنا لا تختلف عن «ات» التي في الآية الأولى من الأصحاح الأول. وفي هذه الآية تدل على أن حواء كانت متوقعة أن هذا الرجل الذي اقتنته هو «يهوه» عهد الفداء أي المسيح الموعود به وهذا جرثومة الدين المسيحي التي نمت وصارت شجرة عظيمة. على أن العبارة «من عند الرب» لا تقصر عن الإشارة إلى خروج المسيح من عند الله. نعم إن يهوه هو اسم الله الأزلي بقطع النظر عن الأقانيم لكن الروح القدس خصصه في العهد الجديد بالمسيح.

٢ «ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ أَخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِياً لِلْغَنَمِ، وَكَانَ قَايِينُ عَامِلاً فِي ٱلأَرْضِ».

ص ٣: ٢٣ و٩: ٢٠

هَابِيلَ ظن الدكتور أوبرت إن هابيل هو آبيل الآشوريين ومعناها ابن ولا نرى ما يحمل على إيثار الأشوري على العبراني. ومعنى هابيل غير ثابت أو زائل كالنفس والبخار ولا نظن أنها سمته بهذا لتوقعها أنه تحت عقاب الخطية بل الذي نظنه أنها لقبته بذلك على أثر قتله ولم يكن قد عاش كثيراً. وكانوا لا يسمون الأولاد إلا بعد أن يكبروا بل التسمية للأولاد لم تكن معتادة إلا بعد أن كثر الناس واحتاجوا إلى تمييز بعض الأشخاص من بعض على أنهم كانوا يغيرون الأسماء بعد زمن طويل من هذا العهد لأمر من الأمور الدينية أو الدنيوية ويلقبون بألقاب تشير إليها فليكن ما هنا من ذاك فقد لُقب عيسو بأدوم ويعقوب بإسرائيل.

وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِياً لِلْغَنَمِ، وَكَانَ قَايِينُ عَامِلاً فِي ٱلأَرْضِ كان آدم ابن مئة وثلاثين سنة حين ولد شيتاً (ص ٥: ٣) فكان الوقت كافياً لزيادة بيت آدم (ع ١٤ – ١٧) ولنشوء سجايا ولديه الأكبرين أي قايين وهابيل. وكان من طبع الأول الخشونة والقوة لما اقتضاه عمله من المشقة فقويت عضلاته واشتدت بنيته. وكان من طبع الثاني الرفق والأناة ومزاولة التفكير والتأمل وأبوه آدم كان يعتني بالبهائم في الفردوس فكان لهابيل ميل إلى ذلك وكان لآدم بنات ولقايين زوجة حين قتل أخاه (ع ١٧).

٣، ٤ «٣ وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ ٱلأَرْضِ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ، ٤ وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضاً مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ ٱلرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ».

خروج ٢٢: ٢٩ ولاويين ٢: ١٢ وعدد ١٨: ١٢ خروج ١٣: ١٢ وعدد ١٨: ١٧ وأمثال ٣: ٩ عبرانيين ١١: ٤

وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أي بعد وقت طويل غير معيّن لا أسبوع أو سنة.

قُرْبَاناً الخ وفي العبرانية تقدمة شكر أو هدية وهذا القربان غير القرابين التي كانت في عصر اللاويين ولا نعرف من أمره إلا أنه كان عملاً من أعمال العبادة. فكل من الأخوين قرّب قرباناً فقبل قربان أحدهما ورفض الآخر. ودليلنا على ذلك قول الكتاب «بِٱلإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلّٰهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ» (عبرانيين ١١: ٤). فاختلاف القربانين باختلاف القلبين. وعلى ذلك كان قربان قايين من أثمار أرضه غير الممتازة وكان قربان هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها. وفي قربان هابيل إشارة إلى الإيمان بالمنقذ الموعود به لأن قربانه ذبيحة دموية وقربان قايين ليس كذلك.

٥ «وَلٰكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَٱغْتَاظَ قَايِينُ جِدّاً وَسَقَطَ وَجْهُهُ».

أمثال ٢١: ٢٧ وإشعياء ١: ١٣ و١٥ و٦٦: ٣ وعاموس ٥: ٢٢ ص ٣١: ٢

فَٱغْتَاظَ قَايِينُ جِدّاً أي اشتعل قلبه بنار الغضب حسداً لأخيه. فالحسد من الخطايا القديمة الولود وكان أول أولاده الغضب والقتل.

سَقَطَ وَجْهُهُ وجم أي أطرق لشدة الحزن والغيظ.

٦ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِقَايِينَ: لِمَاذَا ٱغْتَظْتَ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟»

لِمَاذَا الخ الاستفهام إنكاري مقترن بالتوبيخ فكأنه تعالى يقول لا علة لغيظك وسقوط وجهك سوى شر فعلك.

٧ «إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ. وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ ٱلْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ ٱشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا».

ص ١٩: ٢١ و٣٢: ٢٠ وأيوب ١١: ١٥ و٢٢: ٢٦ و٢كورنثوس ٣: ١٨ ص ٣: ١٦

إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ أي أن تحسن بدل الإساءة التي أتيتها رُفع وجهك بالإحسان بدل سقوطه بها (ع ٦) ورفع الوجه ورفع الرأس كناية عن الفوز والرضى (انظر أيوب ١٠: ١٥ و١١: ١٥). ومعنى الإحسان هنا التوبة وعمل الصلاح.

وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ ٱلْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ أي وإن تسيء بأن لم ترجع عن الإساءة افترستك الخطيئة وأهلكتك فإنها كامنة لك على القرب منك فاحذر إذاً وتب يُرفع رأسك. وفي هذا أظهر الله رحمته للخاطئ وفتح لتوبته الباب لينجو من الهلاك الرابض عند الباب فما كمل عليه إلا أن يحسن فيباركه الله.

وَإِلَيْكَ ٱشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا مثل الخطيئة براغب في افتراسه وأبان له أنه قادر على أن يغلبها ويدفعها كما يستطيع أن يفعل السيد بالعبد أي أن الخطيئة لا تسود على الإنسان إذا لم يشأ سيادتها عليه وإنه قادر على أن يغلبها لأنه يسود عليها على أنها تشتاق أن تسود عليها وتغلبه فليحذر السيد من أن يكون عبداً لعبده. ولنا من ذلك عزاء عظيم فإن الإنسان مع سقوطه وفساد قلبه وطبيعته بذلك السقوط أعد الله له معونة يغلب بها الإثم الراصد لكل بشر. وفي هذه الآية آراء غريبة لبعض المفسرين عدلنا عن ذكرها لعدم فائدتها.

٨ «وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي ٱلْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ».

متّى ٢٣: ٣٥ و١يوحنا ٣: ١٢ ويهوذا ١١

وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ وزيد في السامرية والسبعينية والسريانية واللاتينية «لنخرج إلى الحقل» وهذه الزيادة ليست في شيء من النسخ العبرانية ولا في سوى ذلك من الترجمات والحواشي سوى حاشية في النسخة الأورشليمية. ورأى بعضهم من هذه العبارة إن قايين كان مسالماً لأخيه إلى حين. وقال بعضهم أنه أنبأه بما كان بينه وبين الرب. وذهب بعضهم إلى أن معناها غير مفهوم بلا الزيادة. والظاهر أن زيادة قوله «لنخرج إلى الحقل» تُركت من الأصل لدلالة باقي الآية عليها. وهذا كثير في اللغات السامية ويعرف في العربية بإيجاز الحذف فيكون تقدير الكلام «وقال قايين لأخيه هابيل لنخرج إلى الحقل فخرجا وحدث الخ». ومثال ذلك في العبرانية قول موسى «بِٱلْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ. عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ» (مزمور ٩٠: ٦) أي يزهر فيذبل فيبيس فيسقط فيزول ومثاله في العربية «سل سيفه فقتله» أي سل سيفه فضربه به فقتله. وقول أبي الطيّب:

أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم


أي أتيناه على الهرم فساءنا.

وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي ٱلْحَقْلِ الخ حيث كانت غنم هابيل ترعى على ما رأى بعضهم وقال إنه لا يظن قايين كان عازماً على قتل هابيل لأن قايين لم يعرف قبلاً ماذا كان موت الإنسان بل يرى كما رأى العلامة فيلبسون أنه كان خصام دائم بين الفلاحين والرعاة الذين كانت قطعانهم تأتي الزرع وترعاه ولعل قطعان هابيل أتت حقول قايين ورعت فهاج حسد قايين لأخيه وحمي غيظه السابق (ع ٥) فضربه قبل أن عرف النتيجة فسفك دمه فوقف خائفاً أمام جثة أول قتيل.

ولا نرى من حاجة إلى هذا التكلف فإن قايين كان يعرف قتل الحيوان من الذبائح كما عرف هابيل الذي ذبح من أبكار غنمه وسمانها (ع ٤) فأظهر له المودة أولاً وسأله أن يخرجا إلى الحقل للتنزه وشفى غيظه بضربه إياه بغية إيلامه شديداً فقتله بلا عمد على ما يرجّح لأنه لم يذنب إليه بشيء يحمله على قتله عمداً. وهذا يقدر أن يأتيه كثير من أحداث الناس الذين لم يشاهدوا ميتاً ولا قتيلاً ولا ذبيحاً.

٩ «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِقَايِينَ: أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟».

ص ٩: ٥ ومزمور ٩: ١٢ يوحنا ٨: ٤٤

فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِقَايِينَ: أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ سؤال الرب لقايين هنا كسؤاله لأبيه في ما مر (انظر ص ٣: ٩ والتفسير) فنبهه الله بهذا الكلام على فظاعة ما ارتكبه فإنه لما قتل أخاه ذهب غير شاعر بذلك كما يجب ولعله اعتذر لنفسه بأن الحق كان على أخيه بامتيازه عليه وهو أصغر منه. ولما نبهه الله لم يستطع أن يسكت ضميره وكان صوت الله يكرر في خياله فيسمع على توالي الدقائق «أين هابيل أخوك».

فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي ما ارتكب الإنسان إثماً إلا ولد له إثماً آخر أوآثاماً حسد قايين فغضب فقتل فكذب على الله فلامه وأنكر عليه سؤاله.

١٠ «فَقَالَ: مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ ٱلأَرْضِ».

إشعياء ٢٦: ٢١ وعبرانيين ١٢: ٢٤ ورؤيا ٦: ١٠

صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ أي كيف تنكر إثمك وأنا العالم كل شيء شاهد عليك وأثاره ظاهرة لعيني. فهذا الدم دم أخيك الذي أشاهده كمظلوم يطلب إليه أن أنتقم له منك. وهنا قايين كان بين صوتين رهيبين صوت ضميره على الأرض وصوت الله من السماء وبينهما صوت دم أخيه الذي يصرخ إلى الله بغية الانتقام والعالم كله يقول لا سلام للأشرار. وما أحسن هنا قول كاتب الرسالة إلى العبرانيين «دم رش يتكلم أفضل من هابيل» أي دم المسيح الذي يتكلم تكلماً أفضل من تكلم هابيل لأن دم هابيل كان يطلب النقمة ودم المسيح يطلب الرحمة.

١١، ١٢ «١١ فَٱلآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ! ١٢ مَتَى عَمِلْتَ ٱلأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهاً وَهَارِباً تَكُونُ فِي ٱلأَرْضِ».

ص ٣: ١٤ إشعياء ٢٦: ٢١ أيوب ٣١: ٣٩

فَٱلآنَ أي لأجل ذنبك.

مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ ٱلأَرْضِ وفي العبرانية «من الأدمة» أو من الأرض المحروثة. قايين أول إنسان لعنه الله ولعنه بلعنة تخرج من الأرض فجعل الأرض التي سلط الإنسان عليها تتسلط على قايين وتعاقبه. وكان هذا الامتياز للأرض لأن قايين دنسها. ومعنى ذلك أنه إذا حرث الأرض وزرعها لا تأتيه بالغلال كما يدل عليه الكلام الآتي.

مَتَى عَمِلْتَ ٱلأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا هذا تفسير لقوله تعالى «ملعون أنت من الأرض» ومعنى «قوتها» هنا غلتها من تسمية المسبب باسم السبب.

تَائِهاً وَهَارِباً تَكُونُ فِي ٱلأَرْضِ هذا عاقبة ما قبله ونتيجته فإنه متى انقطعت غلاله قصد أرضاً أخرى بغية أن تغل له فتكون كالتي قبلها فيهرب إلى أخرى وتوبيخ الضمير يجري وراءه فيكون فقيراً معدماً متعباً قلقاً يحيط به البلاء من كل جانب.

١٣، ١٤ «١٣ فَقَالَ قَايِينُ لِلرَّبِّ: ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ. ١٤ إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي ٱلْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ ٱلأَرْضِ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي وَأَكُونُ تَائِهاً وَهَارِباً فِي ٱلأَرْضِ، فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي».

إشعياء ٢٤: ٢٠ و٥٣: ١٢ مزمور ٥١: ١١ أيوب ١٥: ٢٠ إلى ٢٤ ص ٩: ٦ وعدد ٣٥: ١٩

ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ أي ذنبي مما لا يُغفر بالتوبة فلا أستطيع أن أحمل العقاب عليه لأن ما لا يُغفر قصاصه لا يُحتمل. وهذا لا يستلزم اليأس من الرحمة بل فرط الشعور بفظاعة الإثم. وهنا شدة اعتراف قايين تقابل شدة ذنبه ولهذا لم تُدم اللعنة عليه كما سترى.

إِنَّكَ قَدْ طَرَدْتَنِي هذا وما بعده بيان لعجزه عن احتمال العقاب الذي أوجبه عليه ذنبه الفظيع ومعنى قوله «طردتني» عاقبتني بما يستلزم طردي.

وَمِنْ وَجْهِكَ أَخْتَفِي كما اختفى أبوه (ص ٣: ٨). قال بعضهم إن قايين بقوله هذا أبان أنه لم يكن قد عرف أن الله في كل مكان. قلنا هذا ليس من اللوازم الضرورية فربما أخفى الإنسان وجهه عن نظر من يخجل منه وهو في حضرته لعجزه عن احتمال نظره إليه.

كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي أكد من قال إن قايين لم يكن قد عرف إن الله في كل مكان بأن قايين لو عرف ذلك لطلب وقايته ولكنه لما كان قد عزم على الهرب والاختفاء من وجه الله ظن إن الله لا يكون حيث يبلغ بالهرب فلا يقيه وهو استلزام غير ضروري أيضاً لاحتمال إن معنى قايين إن غضبك عليّ لا يبقى محلاً لوقايتك إياي.

ومن الناس الذين كل من وجده منهم يقتله ومن أين هم. قال بعض المفسرين إنه كان لآدم أولاد تناسلوا وكثروا وانتشروا في الأرض لم يذكرهم الكتاب ويفصل أمرهم بدليل قوله «ولد بنين وبنات» (ص ٥: ٤). وإن من أولئك البنين من كان من حزب هابيل طبعاً فينتقمون منه فإن من عادة الكتاب أن يقتصر على ذكر بعض النسل وقد جاء ذلك في مواضع كثيرة. وقال جماعة إن الله خلق أناساً غير آدم إنما كان آدم أسماهم ويدل على ذلك قوله «فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» (ص ١: ٢٧) وهذا خلق كثيرين لا خلق واحد ولا ذِكر فيه لآدم فهو ليس واحداً منهم إنما ذُكر خلقه بعد ذلك في قوله «وَجَبَلَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ ٱلأَرْضِ الخ» (ص ٢: ٧). وذهب فريق ورجحه الأكثرون إلى أن قايين قال ذلك لاعتقاده إن في الأرض أناساً كثيرين غير أسرته لعدم معرفته إن ليس سواها وكيف كان يمكنه أن يعرف إن ليس على وجه الدنيا سوى آدم ونسله. ومن الطبع أن يعتقد أنه يجد أين ذهب رجالاً ونساءً وبنين يبلغهم أنه قاتل فيخشون آذاه ويقتلونه.

١٥ «فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: لِذٰلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. وَجَعَلَ ٱلرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ».

لاويين ٢٦: ٢٨ حزقيال ٩: ٤ و٦

فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ لِذٰلِكَ وجاء في أكثر تراجم التوراة «ليس كذا». وعلى ذلك يكون المعنى لا يقع ما تخشاه. وعلى عبارة المتن يكون المعنى لأنك تخشى ذلك. أو (وهو الذي نراه) لأنك اعترفت بذنبك وسلّمت أنك لا تستحق المغفرة ولو تبت.

فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ أي انتقاماً كاملاً لأن السبعة في مصطلح الكتاب عدد كامل. وذلك لأن قايين كف عن شرّه ولم يعد يُعتبر أنه قاتل. ورأى بعضهم إن قايين كان تحت حماية الدين ويحيا الحياة الدينية وإن السبعة عدد مقدس لأنه أيام الخليقة مع يوم راحة لله. ولنا من هذا جرثومة شريعة الرحمة ببناء مدن الملجأ للقاتلين بلا عمد. ولعل قايين كان يقصد إيلام هابيل دون قتله فقتله هابيل كان على غير عمد كما ذُكر آنفاً.

وَجَعَلَ ٱلرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لم يعلق عليه علامة بل جعل له شيئاً من الأمور الطبيعية آية على أنه يقيه كما جعل قوس السحاب علامة الأمن من طوفان آخر يهلك سكان الأرض كطوفان نوح.

١٦ «فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ ٱلرَّبِّ، وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ شَرْقِيَّ عَدَنٍ».

٢ملوك ١٣: ٢٣ و٢٤: ٢٠ وإرميا ٢٣: ٣٩ و٥٢: ٣ ص ٣: ٢٤

فَخَرَجَ قَايِينُ مِنْ لَدُنِ ٱلرَّبِّ (انظر تفسير ص ٣: ٨). قال بعضهم «المرجّح إن آدم وأهل بيته كانوا يتوجهون في الصلاة إلى الفردوس فظن قايين بمهاجرته من كل أرض عدن يرى نفسه وراء رؤية الله إياه» (انظر قول هذا البعض في تفسير ع ١٤).

وَسَكَنَ فِي أَرْضِ نُودٍ ذهب نوبل إلى أنها الصين ولكنه أبعد كثيراً. وقال آخر إنها الهند. وكل ما لنا من اليقين أنه هاجر إلى أسيا الشرقية وإذ لم يذكر في بيان أصول الإيمان (ص ١٠) إن أحداً من نسل نوح ذهب شرقاً تبع كثيرون فيلبسون ونوبل إن المغل أي الصينين سلالة قايين.

قايين ونسله

١٧ «وَعَرَفَ قَايِينُ ٱمْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً، فَدَعَا ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ كَٱسْمِ ٱبْنِهِ حَنُوكَ».

مزمور ٤٩: ١١

وَعَرَفَ قَايِينُ ٱمْرَأَتَهُ هذه المرأة أخته وأجاز الله ذلك يومئذ رحمة منه لئلا ينقطع النسل وينقرض البشر. ولا ريب في أن حواء في المدة الطويلة بين ميلاد قايين وشيت كانت قد ولدت كثيرين. وهذا يستفاد من قوله «تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ» (ص ٣: ١٦) ومنج ملتهم البنات (ص ٥: ٤).

وَوَلَدَتْ حَنُوكَ لا ريب في أن هذا الاسم ذو شأن عظيم بالنسبة إلى الدلالة على سجية قايين لأن معناه «هذّب» أو «ّرب». وجاء في هذا المعنى في قول الحكيم «ربّ الولد» (أمثال ٢٢: ٦). وجاء بمعنى تدشين البيت (تثنية ٢٠: ٥) وأصل المعنى التهذيب والوقف لله. ومَن هُذّب أو عُلّم الآداب والدين ووُقف للرب عُدّ شخصاً مقدساً فتكون هذه التسمية دلالة على أن بيت قايين كان بيتاً دينياً وإن قايين كان حينئذ قد أخلص التوبة واتقى الله وإن الله رفع عنه اللعنة وصارت الأرض تعطيه قوتها وإن ذلك كان مقدمة تقدم سلالة قايين في اختراع الصناعات وتأسيس المدنية.

وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً أي آخذاً في بنائها. ولم يكن يومئذ من الناس من بلغوا أن يكونوا سكان مدينة لكن قايين رأى النسل يكثر فأخذ يعد له مدينة ليسكن معاً ولا يتفرق.

فَدَعَا ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ كَٱسْمِ ٱبْنِهِ حَنُوكَ أي مدينة تهذيب ووقف لله لسكان مهذبين مقدسين للرب ولعله بنى في وسطها معبداً ومدرسة لأن التعليم قديم جداً.

١٨ «وَوُلِدَ لِحَنُوكَ عِيرَادُ. وَعِيرَادُ وَلَدَ مَحُويَائِيلَ. وَمَحُويَائِيلُ وَلَدَ مَتُوشَائِيلَ. وَمَتُوشَائِيلُ وَلَدَ لاَمَكَ».

وَوُلِدَ لِحَنُوكَ عِيرَادُ المدينة في العبرانية «عير» وكان قايين يبني مدينة فلعل ذلك نبهه أو نبّه حنوك على أن يسمي المولود عيراد أي مدنياً على ما يظن.

مَحُويَائِيلَ… مَتُوشَائِيلَ… لاَمَكَ معنى «محويائيل» مضروب من الله و «متوشائيل» بطل الله. و «لامك» في العبرانية بلا ألف وأصله ممات ولكن يستدل على أن معناه قوي من هذه المادة في بعض اللغات السامية. وفي العربية اليلمك الشاب القوي والياء زائدة. وهذا الاسم جاء في سلالة شيت كما جاء في سلالة قايين. وسلالة قايين سلالة الحياة المدنية وسلالة شيت سلالة الحياة المقدسة. ولامك قايين كان ذا امرأتين ومن نسله جاء مخترعو الأسلحة فهو خلاف لامك شيت أبي نوح أي راحة وسلام.

١٩ – ٢١ «١٩ وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ ٱمْرَأَتَيْنِ: ٱسْمُ ٱلْوَاحِدَةِ عَادَةُ وَٱسْمُ ٱلأُخْرَى صِلَّةُ. ٢٠ فَوَلَدَتْ عَادَةُ يَابَالَ ٱلَّذِي كَانَ أَباً لِسَاكِنِي ٱلْخِيَامِ وَرُعَاةِ ٱلْمَوَاشِي. ٢١ وَٱسْمُ أَخِيهِ يُوبَالُ ٱلَّذِي كَانَ أَباً لِكُلِّ ضَارِبٍ بِٱلْعُودِ وَٱلْمِزْمَارِ. ٢٢ وَصِلَّةُ أَيْضاً وَلَدَتْ تُوبَالَ قَايِينَ ٱلضَّارِبَ كُلَّ آلَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ. وَأُخْتُ تُوبَالَ قَايِينَ نَعْمَةُ».

١صموئيل ١٦: ٢٣ وأيوب ٣٠: ٣١ ومزمور ٣٣: ٢ أيوب ٢١: ١٢ و٣٠: ٣١ ومزمور ١٥٠: ٤

وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ ٱمْرَأَتَيْنِ هل كان لامك أول من سنّ تعدد الزوجات ذلك غير محقق لكنه موافق لسجيته المنحرفة وشراسته. واسما امرأتيه يدلان على التقدم في المدنية والتهذيب في تلك العصور القديمة. ولا أظن إنا نحتاج إلى الرجوع إلى اللغة الأشورية لفهم معناهما ففي العبرانية ما هو كاف لذلك «فعادة» في الأشورية «عدهاتو» أي ظلام. و «صلّة» فيها «ظلاتو» أي ظلال الليل. و «عادة» في العبرانية زينة ولا سيما حلية الإنسان و «صلّة» ظل وهذا قريب جداً من معناها في الأشورية. وأولادها مختلفون فيابال ابن عادة الأكبر اتخذ حياة البادية أي كان بدوياً وذلك على وفق معنى اسمه فإن معناه جوّال وقبائل البادية تعده أمامها الأول. واسم أخيه وهو الأصغر يوبال أي موقّع على آلات الطرب «وكان أباً لكل ضارب بالعود والمزمار» وكان ابن صلّة أعلى من ابني عادة فإنه كان ضارب كل آلة من نحاس وحديد. إن النحاس كثيراً ما يوجد كتلاً على وجه الأرض ولذلك كان من أول المعادن التي استعملها الإنسان وهو ليّن بالنسبة إلى الحديد فينطرق بسهولة. وسبق الصرف منه الشِبهان وهو المعروف بالنحاس الأصفر لأن الأقدمين لم يعرفوه وهو خليط من النحاس والتوتيا. واكتشاف الحديد كان من علل التقدم العظيمة في الصناعة المعدنية ومعرفة سبكه جعلته من أثمن المعادن عند اليونانيين وكان يأتي إليهم قليل منه في زمان أوميروس من الشمال. وقال رولنسون إن الفضة كانت من مواد التجارة في ما بين النهرين ولكن الحديد كان لقلته يعدّ ثميناً جداً وذُكر توبال في الفارسية نحاس. ومعنى قايين في اللغات السامية القديمة حداد أو صانع معادن (وفي العربية القين الحداد ويطلق على كل صانع). فمعنى قايين هنا غير معنى اسم قايين ابن آدم. وعلى ما ذكرنا يكون معنى توبال قايين صانع نحاس وحديد أي نحّاس وحداد.

وَأُخْتُ تُوبَالَ قَايِينَ نَعْمَةُ نعمة هنا كنعمي في سفر راعوث (راعوث ١: ٢) ومعناه جمال وحب أو محبوبية. من عادة الكتاب كأكثر الناس القدماء أن لا يذكر النساء في الأنساب فذكر بعضهن هنا يراد به الدلالة على أحوال الأقدمين فدل اسمها على التقدم العظيم في التأنق وتهذيب الذوق واللغة علاوة على تقدمهم في الصناعة. ويظهر من تسمية هذه المرأة بجمال ومحبوبية إن الأقدمين كانوا يعتبرون المرأة أكثر مما يعتبرها اليوم المنحطون في المدنية وأكثر المدعين التمدن. فإن رباني اليهود احتقروا المرأة حتى جعلوها شيطاناً.

٢٣، ٢٤ «٢٣ وَقَالَ لاَمَكُ لٱمْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: ٱسْمَعَا قَوْلِي يَا ٱمْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي. ٢٤ إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ.

ع ١٥

وَقَالَ لاَمَكُ الخ قول لامك هنا شعر قاله لما حصل على الأسلحة التي صنعها له ابنه توبال قايين ففرح بها وافتخر لأنه رأى بها القوة والمنعة وهذا معرب شعره نظما

زوجتَي لامك سمعاً وأصغيا لكلامي عادتي وصلّتي
اقتل المرء الذي يجرحني والفتى النائل منه شدختي
فلقايين انتقام سبعة وليَ السبعون فوق السبعة


فكأنه يقول يا امرأتي إني صرت بهذه الأسلحة أمنع من عقاب الجو حتى انتقم للضرر الزهيد بالعظيم. وقوله «قتلت» بصيغة الماضي لتأكيد وقوع المستقبل. و «الفتى» هنا في العبرانية الولد ولكن الولد فيها يأتي بمعنى الفتى (انظر ص ٢١: ١٤). ولنا مما ذُكر أن الشعر قديم جداً وأن بني قايين بلغوا مبلغاً عظيماً من القوة والتقدم والغنى. وبهذه الأبيات ختم المؤلف تاريخ نسل قايين.

التعويض عن هابيل بشيت

٢٥ «وَعَرَفَ آدَمُ ٱمْرَأَتَهُ أَيْضاً، فَوَلَدَتِ ٱبْناً وَدَعَتِ ٱسْمَهُ شِيثاً، قَائِلَةً: لأَنَّ ٱللهَ قَدْ وَضَعَ لِي نَسْلاً آخَرَ عِوَضاً عَنْ هَابِيلَ. لأَنَّ قَايِينَ كَانَ قَدْ قَتَلَهُ».

ص ٥: ٣

عِوَضاً عَنْ هَابِيلَ لأَنَّ قَايِينَ كَانَ قَدْ قَتَلَهُ إن آدم كان قد خسر بكره قايين وتلوه هابيل فكان شيت عوضاً عنهما لأنه صار بمنزلة البكر لآدم. ولعل ذلك كان بالنبوة كما كان من أمر سليمان بن داود. ومعنى «شيت» في العبرانية عوض ومعين فإنه كان عوضاً عن هابيل وعيّن رئيساً لآل آدم.

٢٦ «وَلِشِيثَ أَيْضاً وُلِدَ ٱبْنٌ فَدَعَا ٱسْمَهُ أَنُوشَ. حِينَئِذٍ ٱبْتُدِئَ أَنْ يُدْعَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ».

ص ٥: ٦ ص ٢: ٣٢ وصفنيا ٣: ٩ ورومية ١٠: ١٣ و١كورنثوس ١: ٢

أَنُوشَ أي إنساناً. وهنا لنا دليل آخر على تقدم اللغة فقد رأينا أنه صار فيها للإنسان ثلاثة أسماء آدم وإيش (تكوين ٢: ٢٣) وأنوش. وفي اللغة السريانية والكلدانية اسم المسيح بار أنوش أي ابن الإنسان.

حِينَئِذٍ ٱبْتُدِئَ أَنْ يُدْعَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أي أخذت جماعة الله (إلوهيم) تنادي باسمه وتدعوه في عبادتها إياه بالرب (يهوه). فحواء لم تدعه قبلاً باسمه يهوه بل باسمه إلوهيم كما رأيت. وأما ما مر من أن قايين وهابيل قدما للرب (يهوه) فهو قول كاتب السفر لا قولهما. وقد صرّح ذلك الكاتب في نبإ السقوط بأن الخالق هو الرب الإله (يهوه إلوهيم) أي الله الآتي ليظهر إن إلوهيم ويهوه (أي الله والرب) واحدٌ. قد مر من ولادة قايين إلى ولادة أنوش مئتان وخمس وثلاثون سنة والناس يعتبرون قيمة الوعد الثمينة الذي وعد الله به أمهم الأولى (ص ٣: ١٥). وهي نفسها حين ولدت البكر ظنته أنه هو الذي يسحق رأس الحية ويردها إلى الفردوس الذي فقدته. ولعلهم لم يكونوا حينئذ حصلوا على التعاليم الكاملة المتعلقة بذات الله وبطبيعته فإن ذلك كان من شأن الأنبياء (عبرانيين ١: ١) لكنهم علموا أن الواجب الوجود الله وإنهم مكلفون بأن يعبدوه. ومن الخطإ أن يظن المفسرون إن حواء وأنوش وغيرهم من معاصريهما كانوا يعرفون كل ما يعرفونه هم اليوم إنما عرفوا حينئذ إن يهوه اسم الإله الخالق ولم يشع هذا الاسم كل الشيوع إلا يوم صار اسم إله العهد الإسرائيلي.

السابق
التالي

 

زر الذهاب إلى الأعلى