غلاطية

الرسالة إلى غلاطيّة| المقدمة | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى غلاطيّة

للدكتور . وليم إدي

مقدمة الرسالة إلى أهل غلاطية

كاتب هذه الرسالة بولس الرسول بدليل قوله في بدء الرسالة «بُولُسُ، رَسُولٌ… إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ» (غلاطية ١: ١ و٢). ومما يؤيد ذلك أن أسلوبها كأسلوب سائر رسائله المعلومة واتفاق مؤرخي الكنيسة على ذلك من أول قرونها ونستبهم ما اقتسبوه منها إليه. مضمون هذه الرسالة أمران الأول محاماة الرسول عن سلطته الرسولية والثاني إثبات تعليمه الإنجيلي وإبطال تعليم متنصري اليهود القائلين بوجوب القيام بالرسوم الموسوية. وتنفسم هذه الرسالة إلى ثلاثة أقسام: الأول: تاريخي شخصي يثبت فيه الرسول دعوة المسيح إياه ليكون رسولاً ومختصر تصرفّه منذ آمن وذلك نحو عشرين سنة وإعلانه له التعليم الإنجيلي وشهادة سائر الرسل له في المجمع الأورشليمي (ص ١: ١-ص ٣: ٤). الثاني: تعليمي احتجاجي وفيه يثبت تعليم الإنجيل أن التبرير مجاني بواسطة الإيمان الحي بالمسيح وإبطال التعليم الكاذب الذي يوجب القيام بالرسوم الناموسية وأن أصحاب هذا التعليم يبدلون المسيح بموسى. الثالث: عملي يحثهم فيه على الثبوت في الحرية المسيحية وعلى إظهار المحبة الأخوية والاتحاد والتواضع وطول الأناة ويختم الرسالة بالبركة الرسولية. وخلاصة هذه الرسالة كخلاصة الرسالة إلى رومية وهي إثبات التبرير بالإيمان بدون أعمال الناموس. وتختلف الرسالة إلى الغلاطيين عن الرسالة إلى الرومانيين بأمرين: الأول: إن تعليم التبرير بالإيمان في الأولى على طريق المناظرة وفي الثانية على سبيل التعليم البسيط. الثاني: إن الرسول في الأولى يبطل الاتكال للتبرير على أعمال الناموس الموسوية وفي الثانية يبطل الاتكال لذلك على أعمال الناموس مطلقاً وأثبت في كليهما أن التبرير بالإيمان بالمسيح.

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً – وهو صاحب حقوق الطبع – بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو           

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

الرسالة إلى أهل غلاطية

المقدمة وفيها ستة فصول

الفصل الأول: في الكاتب

كاتب هذه الرسالة بولس الرسول بدليل قوله في بدء الرسالة «بُولُسُ، رَسُولٌ… إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ» (غلاطية ١: ١ و٢). ومما يؤيد ذلك أن أسلوبها كأسلوب سائر رسائله المعلومة واتفاق مؤرخي الكنيسة على ذلك من أول قرونها ونسبتهم ما اقتسبوه منها إليه.

الفصل الثاني: في من كتبت الرسالة إليهم

إن الذين كُتبت إليهم هذه الرسالة هم أهل كنائس غلاطية (ص ١: ٢). وغلاطية بلاد وفي وسط آسيا الصغرى وهي من أكبر أقسامها طولها نحو مئتي ميل ومعظم عرضها مئة وخمسون ميلاً وحدها من الشرق كبدوكية وبنفس ومن الجنوب بمفيلية وكيليكية ومن الغرب فريجية وليدية وميسية (وهذه الأقسام الثلاثة كاتت تسمى عند الرومانيين «أسية» وكانت عاصمتها أفسس) ومن الشمال بيثينية وبنتس تارة والبحر الأسود أخرى. فإن حدودها كانت تتغير كثيراً بالنظر إلى كونها غالبة أو مغلوبة.

وسميّت غلاطية نسبة إلى غالية (أي فرنسا) غربي أوربا لأن الغاليين استولوا عليها وسكنوها. وكانوا مشهورين بالغزو ونهبوا مدينة رومية في القرن الرابع قبل المسيح وبلغوا بغزواتهم إلى بلاد اليونان وقطعوا البوصفور من أوربا إلى أسيا سنة ٢٨٠ ق. م بطلب نيكوميديس ملك بيثينية ليساعدوه على حروبه فأقاموا ببلاده وكانوا هولاً وعذاباً لكل أسيا الصغرى. ولتضيق الوطنيين من أضرارهم تحالف عليهم من جاورهم من الملوك وأجبروهم على انحصارهم في قسم واحد من البلاد وهي القسم الذي سُمي غلاطية. وكان الغلاطيون في أيام بولس خليطاً من الغاليين والفريجين سكان البلاد الأصليين وكثيرين من اليونانيين (الذي غلبت لغتهم سواها هنا فكانت لغة البلاد). وكان فيها كثيرون من اليهود الذين سُبوا إليها أو جاءوا للتجارة وأقاموا بها. وكان أكثرهم قبل أن تنصروا وثنيين. وكانوا شديدي العبادة للأوثان يمارسون في رسومهم أموراً وحشية مؤلمة كتجريح أبدانهم وقطع بعض أعضائهم وما أشبه ذلك. وفي سنة ١٨٩ ق. م كسر الرومانيين شوكتهم حتى لم يبق لهم إلا بعض الاستقلال. وصارت غلاطية ولاية رومانية محضة في أيام أوغسطس قيصر سنة ٢٦ ق. م عند وفاة أمنتاس آخر ملوكها. واشتهر الغلاطيون بالشجاعة والنباهة والمهارة وكانوا من محبي الافتخار والخصومات كثيري التقلب سريعي التغير يحبون قريبهم اليوم ويبغضونه غداً كما كان من تصرفهم مع بولس أنهم رحبوا به كثيراً في زيارته الأولى لهم وكانوا مستعدين أن يقلعوا عيونهم ويعطوه إياها ولكن تغيروا حالاً وتركوا تعليمه واستخفوا بسلطته.

وتنصروا بواسطة بولس أيام سفره الثاني في نحو سنة ٥١ ب. م وكان مرافقاً سيلا وتيموثاوس (أعمال ١٦: ٦ وغلاطية ١: ٦ – ٨ و٤: ٤ – ١٣) وكان يومئذ متألماً من التعب والمرض (غلاطية ٤: ١٣). فقبلوه مع ما هو عليه من الضعف كملاك الله أو كيسوع المسيح نفسه (غلاطية ٤: ١٤ و١٥) ولا بد من أنه فرح بذلك كثيراً كما حزن من سرعة انقلابهم عنه. وزارهم ثانية في سفره الثالث للتبشير سنة ٥٤ أو ٥٥ وثبتهم في الإيمان بالمسيح (أعمال ١٨: ٢٣).

وكان أكثر مسيحيي غلاطية من متنصري الوثنيين كما يتبين من (ص ٤: ٨ و٩ و٦: ١٢) وبعضهم من متنصري اليهود كما يظهر من (ص ٢: ١٥ و٣: ١٣ و٢٣ – ٢٥ و٤: ٣).

وكنائس غلاطية التي كُتبت هذه الرسالة إليها ينبغي أن تكون في أمهات مدنها وما جاورها ومنها (Ancyra) أنسيرا المشهورة بمنسوجات شعر الماعز و(Tavium) تافيوم و(Pessinus) بسينوس وكانت مركز العبادة العشقية لسبيلي (Cybele) «إلاهة الأرض كلها».

الفصل الثالث: في مكان كتابة هذه الرسالة وزمانها

كُتبت هذه الرسالة في كورنثوس سنة ٥٧ أو٥٨ قرب سفره الأخير إلى أورشليم بعد أن كتب في مكدونية رسالته الثانية إلى كورنثوس وفي نحو الوقت الذي كتب فيه رسالته إلى رومية في كورنثوس نفسها.

الفصل الرابع: في الداعي إلى كتابة هذه الرسالة

دخل كنائس غلاطية بعد ما أسسها بولس معلمون من متنصري اليهود كانوا يبذلون الجهد في استمالة المسيحيين إلى حفظ الرسوم الموسوية واستخفوا بتعليم بولس وسطلته (ص ١: ١ و١١). وعلموا أن الاختتان ضروري للخلاص (ص ٥: ٢ و١١ و١٢ و٦: ١٢). ونفوا إمكان الخلاص بالنعمة دون أعمال الناموس. وكان بولس قد حذرهم شفاهاً من هؤلاء المعلمين (ص ١: ٩ و٤: ١٦ وأعمال ١٨: ٢٣). ولما لم يستفيدوا من ذلك كما يجب كتب هذه الرسالة لكي يبطل تعليم أولئك الكذبة.

الفصل الخامس: في مضمون هذه الرسالة

مضمون هذه الرسالة أمران الأول محاماة الرسول عن سلطته الرسولية والثاني إثبات تعليمه الإنجيلي وإبطال تعليم متنصري اليهود القائلين بوجوب القيام بالرسوم الموسوية.

وتنفسم هذه الرسالة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: تاريخي شخصي يثبت فيه الرسول دعوة المسيح إياه ليكون رسولاً ومختصر تصرفّه منذ آمن وذلك نحو عشرين سنة وإعلانه له التعليم الإنجيلي وشهادة سائر الرسل له في المجمع الأورشليمي (ص ١: ١ – ص ٣: ٤).

الثاني: تعليمي احتجاجي وفيه يثبت تعليم الإنجيل أن التبرير مجاني بواسطة الإيمان الحي بالمسيح وإبطال التعليم الكاذب الذي يوجب القيام بالرسوم الناموسية وأن أصحاب هذا التعليم يبدلون المسيح بموسى.

الثالث: عملي يحثهم فيه على الثبوت في الحرية المسيحية وعلى إظهار المحبة الأخوية والاتحاد والتواضع وطول الأناة ويختم الرسالة بالبركة الرسولية. وخلاصة هذه الرسالة كخلاصة الرسالة إلى رومية وهي إثبات التبرير بالإيمان بدون أعمال الناموس.

وتختلف الرسالة إلى الغلاطيين عن الرسالة إلى الرومانيين بأمرين:

الأول: إن تعليم التبرير بالإيمان في الأولى على طريق المناظرة وفي الثانية على سبيل التعليم البسيط.

الثاني: إن الرسول في الأولى يبطل الاتكال للتبرير على أعمال الناموس الموسوية وفي الثانية يبطل الاتكال لذلك على أعمال الناموس مطلقاً وأثبت في كليهما أن التبرير بالإيمان بالمسيح.

الفصل السادس: في فوائد هذه الرسالة

إن فوائد هذه الرسالة غير مقصورة على كنائس غلاطية بل هي لإفادة الكنيسة كلها في كل مكان وزمان. ومن أهم فوائدها ضرورية موت المسيح ليكون كفارة عنا إثباتاً لعدل الله وحقه وقداسته مع تخليصه للخاطئ. وبيان قيمة الإيمان في أمر خلاص الأثيم وتبيين نسبة الناموس إلى الإنجيل وإظهار حقيقة الحرية المسيحية والتمييز بينهما وبين الاستخفاف بالشريعة الأدبية الأبدية وأن الحر هو الذي يحرره الحق وكل من سواه عبد على حد قول الشاعر:

الحر من حرره الحق                       وغيره من ساده الرق

التالي
زر الذهاب إلى الأعلى