الرسالة الأولى إلى تسالونيكي| 04 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الأولى إلى تسالونيكي
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
هذا الأصحاح بداءة القسم الثاني وهو القسم العملي في نصائح وتعاليم تتعلق بالتقوى وطهارة السيرة (ع ١ – ٨). ووجوب المحبة الأخوية (ع ٨ و١٠) والهدوء والاجتهاد في الأعمال (ع ١١ و١٢). وتعزية الحزانى من جهة الراقدين (ع ١٣ – ١٨).
حث الرسول التسالونيكيين على الازدياد في التقوى وفي العيشة الطاهرة ع ١ إلى ٨
١ «فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا ٱللّٰهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ».
فيلبي ١: ٢٧ وكولوسي ٢: ٦ ص ٢: ١٢ كولوسي ١: ١٠
فَمِنْ ثَمَّ أي بناء على ما سبق في القسم الأول.
نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ تكرير المعنى بجملتين دليل على كون الأمر ذا شأن عظيم.
فِي ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أي باسمه وبسلطانه وبناء على الاتحاد به.
كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا يوم كنا بينكم وعلمناكم الواجبات المسيحية.
كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا مثل الحياة المسيحية بالسير في الطريق وهذا مثل في (رومية ٦: ٤ و٨: ١ و١كورنثوس ٥: ٧ وغلاطية ٦: ١٦ وأفسس ٥: ١).
وَتُرْضُوا ٱللّٰهَ هذا يجب أن يكون غاية الإنسان العظمى في صغار الأمور وكبارها في كل يوم ساعة في القيام بالواجبات وحمل الصليب وهذا أول شروط السعادة في الدنيا وفي الآخرة.
تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ هذا خبر أنّ والمعنى نسألكم أن تبذلوا الجهد في جعل سلوككم على وفق نصائحنا أكثر من ذي قبل.
٢ «لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا أَعْطَيْنَاكُمْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ».
لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَيَّةَ وَصَايَا كان بولس عندهم منذ زمن قصير فكانوا قادرين على أن يذكروا بسهولة ما قاله في شأن الواجبات المتعلقة بسلوك المسيحيين. والمرجّح أنه كرر بعض ذلك القول في ما يأتي.
بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ أي بوحيه وإرشاده وأمره.
٣ «لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلزِّنَا».
رومية ١٢: ٢ وأفسس ٥: ١٧ ورمية ٦: ١٩ وأفسس ٥: ٢٧ و١كورنثوس ٦: ١٥ و١٨ وأفسس ٥: ٣ وكولوسي ٣: ٥
لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ المعلنة في كلمته بالأوامر والمواعيد والإنذارات.
قَدَاسَتُكُمْ هذا بدل من «إرادة الله» أو عطف بيان لها. ومعنى «القداسة» هنا طهارة القلب والسيرة وهي إرادة الله وقصده من عبيده على الأرض كما هي بين جنود السماء بدليل أنهم مختارون للقداسة وأن هذا غاية عمل الفداء وهو حال أورشليم الجديدة وكل من يدخلها (رومية ٦: ١٩ وأفسس ١: ٤ وكولوسي ١: ٢٢ و٣: ١٢ وعبرانيين ١٢: ١٤ ورؤيا ٢١: ٢٤ و٢٧). وهي كلها على وفق قول بطرس «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (١بطرس ١: ١٥ و١٦).
أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلزِّنَا هذا أخص ما أمرهم به من القداسة وخلاصته الامتناع عن الشهوات المحرمة. إن مؤمني تسالونيكي كانوا من الأمم معرضين للتجربة مما اعتادوه منذ الصغر ومما شاهدوه ممن حولهم لأنه كان الزناء عندهم من أصغر الخطايا.
٤ «أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ».
لوقا ١٨: ١٢ رومية ٦: ١٩ و١كورنثوس ٦: ١٥ و١٨
أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أي أن يعتاد ضبط نفسه حتى يسلط عقله على شهواته.
أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ معنى هذه العبارة بمقتضى اصطلاح الناس في عصر الرسول أمران الأول أن الإنسان لكي لا يتعدى سنن العفاف يجب أن يتزوج على وفق قوله «لِسَبَبِ ٱلزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ ٱمْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا» (١كورنثوس ٧: ٢). والثاني أنه يجب على المتزوجين أن يجتنبوا القبائح التي اعتادها بعض الأمم بدليل قوله في (رومية ١: ٢٤ – ٢٧).
إن الله رسم الزيجة في عدن لنفع الإنسان (تكوين ٢: ١٨ و٢١ – ٢٤) وحكم بكتابه بأن «لِيَكُنِ ٱلزَّوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَٱلْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ» (عبرانيين ١٣: ٤) والتصرف بموجب نظام الله هو الوسيلة إلى التحفظ من التجربة والخطيئة في ما ذُكر. فإذاً المتزوجون زيجة شرعية «يقتنون آنيتهم بقداسة وكرامة».
ذهب بعض المفسرين على أن المراد «بالإناء» هنا «الجسد» لكن هذا لا يترك معنى لقوله «يقتني» لأن الإنسان لا يقتني ما هو له. وذهب أكثرهم أن المراد به «الزوجة» بدليل قول بطرس «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ ٱلْفِطْنَةِ مَعَ ٱلإِنَاءِ ٱلنِّسَائِيِّ» (١بطرس ٣: ٧). وليس من الضرورة أن نجد معنىً خاصاً لكل كلمة في الآية بل أن نعتبر المراد الواضح من الآية كلها.
وليس في قول الرسول هنا ما يوجب الزيجة على كل إنسان بل فيه تسليم بوجود شهوة طبيعية في الإنسان ليست إثماً بالذات وبأنها تعرض غير المتزوج للتجربة التي هي تعدي سنة العفة وبيان طريق أمينة شريفة قدسها الله وصدقتها شرائع الناس وبأنه يحترس بها من التجربة والخطيئة.
٥ «لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ».
رومية ١: ٢٤ و٢٦ وكولوسي ٣: ٥ أفسس ٤: ١٧ و١٨ و١كورنثوس ٥: ٣٤ وغلاطية ٤: ٨ وأفسس ٢: ١٢ و٤: ١٨ و٢تسالونيكي ١: ٨
لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ أي بخضوع لشهواته كالبهيمة بدون التفات إلى حكم ضميره أو عقله.
كَٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ إن الذين كتب بولس لهم من مؤمني الأمم عرفوا الله ورجعوا عن السلوك في هوى شهوة فآلهة الأمم ليسوا إلا شهوات الّهوها ونُسب إليها أفظع الرذائل والمؤمنون تعلموا من تبشير بولس إن الله قدوس وأنه يطلب القداسة من كل تابعيه. وكُتب القدماء والمحدثين تشهد على الأمم مثل شهادة بولس عليهم وما صدق على عبدة الأوثان في عصره يصدق عليهم في هذا العصر.
٦ «أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهٰذِهِ كُلِّهَا كَمَا قُلْنَا لَكُمْ قَبْلاً وَشَهِدْنَا».
ع ٤ و٢تسالونيكي ١: ٨
هذه الآية تفسير لما قاله في الآية الثالثة من أن إرادة الله القداسة.
لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ أي لا يطلق عنان شهواته ويتعدى على أخيه في حقوقه كما يفعل كل زان. وهذا ما قصد الله أن ينهي عنه بقوله «لا تزن» (خروج ٢٠: ١٤). وعلى هذه الخطيئة وبخ ناثان النبي داود الملك ويوحنا المعمدان هيرودس أنتيباس.
فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ أي في حقوق الزوج.
لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهٰذِهِ كُلِّهَا لمثل هذه الخطيئة. والمعنى أنه إذا كان الزوج جاهلاً التعدي عليه أو غير قادر أن ينتقم لنفسه أو يعاقب المعتدي بواسطة الحاكم فالله ليس بغافل ولا عاجز ولا يترك المعتدي بلا عقاب. وبذا صرّح ناثان لداود مع أن داود تاب توبة قبلها الله (٢صموئيل ١٢: ٧ – ١٤). وفي هذا الأمر قال الله بلسان موسى «لا تشته امرأة قريبك» (خروج ٢٠: ١٧). وقال بلسان الرسول «أَمَّا ٱلْعَاهِرُونَ وَٱلزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ ٱللّٰهُ» (عبرانيين ١٣: ٤).
كَمَا قُلْنَا الخ ونحن بينكم.
٧ «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي ٱلْقَدَاسَةِ».
لاويين ١١: ٤٤ و١٩: ٢ و١كورنثوس ١: ٢ وعبرانيين ١٢: ١٤ و١بطرس ١: ١٤ و١٥
لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ حين دعانا لنكون عبيداً له. إن الله لم يرد أن يعيش خدمه خدمة النجاسة بل عيشة الطهارة فيليق بكل إنسان أن يعيش بمقتضى دعوته الإلهية. وقد أوضح ما قصده «بالنجاسة» في (رومية ١: ٢٤ و٦: ١٩ و٢كورثنوس ١٢: ٢١ وغلاطية ٥: ١٩ وكولوسي ٣: ٥).
٨ «إِذاً مَنْ يَرْذُلُ لاَ يَرْذُلُ إِنْسَاناً، بَلِ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً رُوحَهُ ٱلْقُدُّوسَ».
لوقا ١٠: ١٦ و١كورنثوس ٢: ١٠ و٧: ٤٠ و١يوحنا ٣: ٢٤
مَنْ يَرْذُلُ أي من استهان بالأوامر المبينة وجوب القداسة في السيرة والامتناع عن النجاسة.
لاَ يَرْذُلُ إِنْسَاناً، بَلِ ٱللّٰهَ أي يعصي أوامر الله ويرفض سلطانه لأن تلك الوصايا وإن كانت بلسان بولس ليست بوصايا بشرية لا فرق إن حفظناها أو لم نحفظها بل هي أوامر إلهية أُعلنت لبولس بالروح القدس فالذي يرذلها يعرّض نفسه لشديد العقاب.
ٱلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً رُوحَهُ ٱلْقُدُّوسَ إنه قال «إن جسد المؤمن هيكل الروح القدس» ولذلك هو يغتاظ من تدنيس هيكله بتعدي شريعة العفاف (١كورنثوس ٣: ١٦ و١٧).
وجوب المحبة الأخوية وتعاطي الأعمال بهدوء واجتهاد ع ٩ إلى ١٢
٩ «وَأَمَّا ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ ٱللّٰهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً».
ص ٥: ١ إرميا ٣١: ٣٤ ويوحنا ٦: ٤٥ و١٤: ٢٦ عبرانيين ٨: ١١١ و١يوحنا ٢: ٢٠ و٢٧ متّى ٢٢: ٣٩ ويوحنا ١٣: ٣٤ و١٥: ١٢ وأفسس ٥: ٢ و١بطرس ٤: ٨ و١يوحنا ٣: ١١ و٢٣ و٤: ٢١
وَأَمَّا ٱلْمَحَبَّةُ ٱلأَخَوِيَّةُ أي نوع المحبة الذي يجب على كل مؤمن للآخر (انظر تفسير يوحنا ١٣: ٢٤) وهم مكلفون بها لأنهم أولاد الله بالتبني (غلاطية ٤: ٢٦) وأهل بيت الإيمان (غلاطية ٦: ١٠). والظاهر أن قصد بولس مما قيل هنا أن يحثهم على إظهار محبتهم الأخوبة بجمع الصدقات لفقراء الكنيسة بدليل قوله «تفعلون ذلك» في الآية الآتية وهذا يشير إلى أعمال لا مجرد انفعال فقط.
فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا كما كتبت على أمور أُخر بالتفصيل. اتخذ بولس وسيلة لطيفة ليحثهم على زيادة السخاء إذ مدحهم أولاً على ما أظهروه من معرفة ما يجب عليهم. ولمح لهم إن عملهم غير موازن لعلومهم. وأتى الرسول مثل ذلك في كورنثوس (٢كورنثوس ٩: ١ وفليمون ١٩ وص ٥: ١).
مُتَعَلِّمُونَ مِنَ ٱللّٰهِ بواسطة روحه القدوس (١يوحنا ٢: ٢٧). عندما تحقق الرسول أن الله كان يعلمهم بروحه رأى أنه من اللائق أن يسكت. إن تعليم الله يقنع العقل وينير الضمير ويرشد الإرادة ويحث اليد على العمل.
١٠ «فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذٰلِكَ أَيْضاً لِجَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي مَكِدُونِيَّةَ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ».
ص ١: ٧ ص ٣: ١٢
فَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذٰلِكَ أي تظهرون بأعمالكم محبتكم لإخوتكم في فيلبي وبيرية وغيرهما من بلادكم والمواساة لهم ومشاركتهم في ضيقاتهم واحتياجاتهم وبذلك تثبتون صحة قولي أنكم «متعلمون من الله الخ».
إِنَّمَا أَطْلُبُ…. أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ بإظهار تلك المحبة (ص ٣: ١٢ و١يوحنا ٣: ٤).
١١ «وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ».
٢تسالونيكي ٣: ١١ و١بطرس ٤: ١٥ أعمال ٢: ٣٥ وأفسس ٤: ٢٨ و٢تسالونيكي ٣: ٧ و٨ و١٢
أَنْ تَحْرِصُوا أي أن تجتهدوا اجتهاداً خاصاً لإدراك الغاية. وهذا يشير إلى أنهم كانوا عرضة للقلق والاضطراب وهذا موافق لقوله لهم «ثُمَّ نُوصِيكُمْ… أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ، وَلَيْسَ حَسَبَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي أَخَذَهُ مِنَّا… لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْماً يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلاَ تَرْتِيبٍ، لاَ يَشْتَغِلُونَ شَيْئاً بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ» (٢تسالونيكي ٣: ٦ و١١). ويتبين من هذا أن المكدونيين الذين هم منهم مائلون إلى الاضطراب والكسل وبهذا شهد مؤرخو ذلك العصر.
أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ كما أوجب بطرس بمدحه «ٱلرُّوحِ ٱلْوَدِيعِ ٱلْهَادِئِ، ٱلَّذِي هُوَ قُدَّامَ ٱللّٰهِ كَثِيرُ ٱلثَّمَنِ» (١بطرس ٣: ٤).
تُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ بلا مداخلة لغيركم في أموره (١بطرس ٤: ١٢٥ وانظر تفسير فيلبي ٢٤).
تَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ هذا أفضل وسائط الاحتراس من التجارب وتقدير الإنسان على فعل الخير لغيره فيكون مثالاً حسنا له. ولنا من ذلك أن أكثر مؤمني تسالونيكي كانوا من الصناع لا الأغنياء. إن الأمر بعمل ستة أيام في الأسبوع من الله كالأمر بالراحة في اليوم السابع (خروج ٢٠: ٩ وأعمال ٢٠: ٢٤ و٣٥ وأفسس ٤: ٢٨).
كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ مدة كنا بينكم. إن ما شاهده الرسول يومئذ حمله على أن يرى الحاجة إلى مثل ذلك النصح والمرجّح أن ما سمعه من تيموثاوس جعله يوصيه ثانية هنا بأن يشتغلوا بأيديهم.
١٢ «لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ عِنْدَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، وَلاَ تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ».
رومية ١٣: ١٣ و٢كورنثوس ٨: ٢١ وكولوسي ٤: ٥ و١بطرس ٢: ١٢
لِكَيْ تَسْلُكُوا بِلِيَاقَةٍ هذا كقوله في (رومية ١٣: ١٣ و١كورنثوس ١٤: ٤٠). وهو يوجب عليهم السلوك بالاستقامة والأمانة في وعودهم والرفق واللطف في أقوالهم وأعمالهم.
ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ أي غير أهل الكنيسة (كولوسي ٤: ٥).
وَلاَ تَكُونَ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ أي اشتغلوا بأيدكم لكي لا تكونوا عرضة للسلوك بعدم لياقة لشدة الفاقة أو عرضة للتسول لأنه إذا احتاج الإنسان إلى مساعدة غيره لمرض أو مصيبة من الله لا من ذنبه لم يُلم على التسول. ولكنه إذا احتاج إلى ذلك لكسل أو لإسراف أو لعدم التفاته إلى عمله أو لمداخلته لغيره في أموره كان عاراً عليه وعلى الدين المسيحي أن يتسول فإن الله قال في كتابه «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ» (جامعة ٩: ١٠) و «غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي ٱلاجْتِهَادِ» (رومية ١٢: ١١).
تعاليم وتعزيات في شأن موتى المؤمنين ع ١٣ إلى ١٨
١٣ «ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ».
لاويين ١٩: ٢٨ وتثنية ١٤: ١ و٢ و٢صموئيل ١٢: ٢٠ أفسس ٢: ١٢
بشّرهم بولس وهو بينهم بمجيء المسيح ثانية لكي يملك (أعمال ١٧: ٣ و٧). والظاهر أنه كان قد دخل بينهم ضلالات في شأن أحوال الذين توفوا منهم فنشأ عنها حزن شديد لا داعي إليه وأن تيموثاوس أنبأه على أثر رجوعه بذلك (ص ٣: ٦). ومما كتبه بولس هنا لدفع تلك الأوهام نستنتج أنهم حسبوا أن الذين ماتوا والذين سيموتون قبل مجيء المسيح ثانية ليملك ويدين لا يشاهدونه كالأحياء يومئذ ولا يشتركون معهم في الأمجاد التي يتمتعون بها. ومن المحتمل أنه كان في الكنيسة جماعة يشكّون في القيامة كما كان في كنيسة كورنثوس (١كورنثوس ١٥: ١٢). ولا عجب من أن ينشأ بينهم ضلالات في ذلك الأمر لأنهم كانوا أمماً قبل ذلك بزمن وجيز ولم يسمعوا وعظ بولس إلا وقتاً قصيراً. ولم يكن بين أيديهم من كتب الدين الصحيحة في ذلك الموضوع سوى قليل. وكان الوثنيون المحيطون بهم حتى فلاسفتهم ينكرون القيامة ويسخرون بمن يعتقدها وينادي بها كما نرى من جيرانهم في أثينا (أعمال ١٧: ١٨ و٣٢).
لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا لأن الجهل في هذا الأمر ينشئ حزناً وضلالاً.
مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ أي الموتى على الإيمان شبههم «بالراقدين» كما في (يوحنا ١١: ١١ و١كورنثوس ١١: ٣٠ و١٥: ٥ انظر أيضاً تفسير ما ذُكر وانظر أيضاً رؤيا ١٤: ١١). ووجوه الشبه المقصودة بين النوم وموت المؤمن ثلاثة:
الأول: إن كلاً منهما وقتي لا أبدي.
الثاني: إن الحال في كل منهما حال الراحة بعد التعب.
الثالث: إنه يلي كلاً منهما اليقظة مع تجدد القوة والسرور.
لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ الخ لم ينهَ الأحياء عن كل حزن على خسارتهم بالموت إنما نهى عن الإفراط في الحزن عليها لأنه في غير محله ولأنه نشأ عن سوء فهم في أمر الموتى. ولا يليق بالمؤمنين أن يحزنوا هذا الحزن لأنه من شأن الأمم الذين لا رجاء لهم من جهة موتاهم. ومراده «بالباقين» غير المسيحيين. ومعنى قوله «الذين لا رجاء لهم» الأحياء من أهل الموتى وأصدقائهم الذين لا تعزية لهم بتحقق أن أرواح أمواتهم باقية في سعادة وسيستيقظون من رقاد الموت ويلبسون أجسادهم وأنهم يشاهدونهم أيضاً. وتدل كتب الوثنيين حتى كتب أكابر علمائهم أن أفكارهم وآمالهم من جهة الموتى مبهمة تائهة في ظلمات الريب.
إن الديانة المسيحية لا تأمر بإماتة الانفعالات الطبيعية ولا بتصلب القلب كتعليم فلاسفة اليونان الرواقيين الذين قالوا بأن الحزن على ما قدر على جميع الناس عبث لكنها تخفف أحزان الثاكلين وتعزيهم بمواعيدها وآمالها التي تنزع مرارة الفراق.
١٤ «لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذٰلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَهُ».
١كورنثوس ١٥: ١٣ و١كورنثوس ١٥: ١٨ و٢٣ وص ٣: ١٣
لأَنَّهُ هذا تعليل وبيان أن التسالونيكيين لو عرفوا الحق من جهة موتاهم وصدقوه لم يحزنوا كما حزنوا.
إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أي لأننا نؤمن كشأن كل المسيحيين حقاً.
أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ لم يتكفل بولس هنا أن يبرهن صحة موت المسيح وقيامته بل ذكرهما باعتبار أنهما أمران مسلم بهما كل التسليم وبنى على ذلك تيقن قيامة من ماتوا من الأصدقاء (وبرهان الأمرين في ١كورنثوس ص ١٥). والمبدأ الذي بنى كلامه عليه هنا هو أن المسيح هو رأس شعبه ونائبه وأنه يستحيل أن ينفصل الأعضاء عن الرأس في أمر جوهري كهذا فالذين رقدوا في يسوع لا بد من أن يقوموا.
فَكَذٰلِكَ أي كما أننا نؤمن بقيامة المسيح يجب أن نؤمن بقيامة شعبه.
ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ أي الذين ماتوا وهم مؤمنون به واستودعوا أرواحهم في يديه. فهؤلاء الآن في راحة متوقعين القيامة وبناء على موعد المسيح ولم يزالوا وهم راقدون متحدين به. كانوا مؤمنين به في حياتهم (أعمال ٣: ١٦) وشاكرين لله به (رومية ٥: ١) وكثيري التعزية به (٢كورنثوس ١: ٥) وصاروا بالموت راقدين به رقاداً كرقاده في قبر يوسف الرامي. والذي يستحق الملاحظة هنا أمران:
الأول أنه عبّر عن انفصال روح المسيح عن جسده «بالموت» وعن انفصال أرواح تابعيه «بالرقاد» لأن المسيح ذاق لعنة الموت الذي هو أجرة الخطيئة عن كل مؤمن (عبرانيين ٢: ٩). وأما المؤمنون فاعتراهم الموت منزوع الشوكة ونزلوا القبر مسلوب الغلبة (١كورنثوس ١٥: ٥٥).
الثاني: إن الرسول لما أراد أن يتكلم على موت مخلصنا استعمل اسم يسوع الذي سُمي به باعتبار ناسوته القابل الموت لا اسم الذي يشير إلى لاهوته أكثر من إشارة اسم يسوع إليه.
سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَه أي مع يسوع عند مجيئه لكي يشتركوا في أمجاد استعلانه. إذاً لا داعي إلى توهم التسالونيكيين عدم اشتراك موتاهم في تلك الأمجاد.
إن إحضار الله أصدقاء التسالونيكيين مع يسوع يستلزم قيامتهم أولاً أي الإتيان بأرواحهم من الفردوس الذي كانوا فيه مع المسيح والإتيان بأجسادهم من القبور التي قامت منها ولذلك أخذ بولس يتكلم بالتفصيل على ترتيب الحوادث التي ستحدث عند مجيء المسيح ثانية.
١٥ «فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ ٱلرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ».
١ملوك ١٣: ١٧ و١٨ و٢٠: ٣٥ و١كورنثوس ١٥: ٥١
فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ لم يرد بولس أن يظن التسالونيكيين في أمر ذي شأن كهذا أنه يتكلم بمقتضى آرائه ولذلك صرّح لهم أن ما يكتبه هنا إنما كتبه بإعلان يسوع المسيح نفسه. وهذا مثل ما في (١كورنثوس ١١: ٢٣ و٢كورنثوس ١٢: ٤ وغلاطية ١: ١٢ وأفسس ٣: ٣).
نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ ٱلرَّبِّ قصد «بالأحياء» كل المؤمنين بالمسيح الذين يكونون في الجسد عند مجيء المسيح للدينونة (انظر تفسير ١كورنثوس ١٥: ٥١). و «الأحياء» في هذه الآية الأحياء من المؤمنين كما أن «الراقدين» فيها الموتى منهم. ولا يلزم من العبارة أن بولس توقع أنه يبقى حياً مع بعض التسالونيكيين إلى مجيء المسيح لأنه قصد أن يترك وقت ذلك المجيء غير معين كما تركه المسيح نفسه بغية أن نكون مستعدين أبداً لقبوله. وذكر في العبارة القسمين العظيمين اللذين يُقسم إليهما كل البشر أي الأحياء والأموات فلزم بالطبع أن يذكر أنه واحد من أفراد الأحياء. لكن إيراد كلامه على هذا الأسلوب جعل التسالونيكيين يخطئون معناه وظنوا أنه يتوقع مجيء الرب بسرعة فاضطر أن يكتب الرسالة الثانية لردهم عن خطاياهم فقال فيها «لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ» (٢تسالونيكي ٢: ٢).
لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ أي لا ندخل حضرة الرب ونتمتع ببركات مجيئه وأمجادها قبل الموتى. وقال ذلك ليزيل توهم التسالونيكيين أن موتاهم يخسرون بعض الفوائد التي يحصل عليها الأحياء.
١٦ «لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ ٱللّٰهِ، وَٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً».
متّى ٢٤: ٣٠ و٣١ وأعمال ١: ١١ و٢تسالونيكي ١: ٧ و١كورنثوس ١٥: ٥٢ و١كورنثوس ١٥: ٢٣ و٥٢
في هذه الآية برهان على أن الأحياء لا يسبقون الراقدين.
لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ أي إن أول نبإ بمجيء المسيح يُعلن للراقدين كما يُعلن للأحياء. قال المسيح لا يجتمعون إليه حيث هو بل هو ينزل إليهم حيث هم (رؤيا ١٩: ١١ – ١٦). و «الهتاف» هنا صوت كالصوت الذي اعتاد القائد أن يدعو به جيشه. ولا نعلم ما معنى ذلك الهتاف ومن الذي يهتفه فهل هو الرب نفسه حين يدعو الأحياء والأموات إلى الحضور أمامه. كما نستنتج من قوله «تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا ٥: ٢٥) ومما يؤيد هذا ما في (خروج ١٩: ١٦ – ١٩ و٢٠: ١٨ و١٩ وتثنية ٤: ١٢ و١٥ و٣٣ و٥: ٤ و٢٢ – ٢٦ ويوحنا ٥: ٢٨ و٢٩ وعبرانيين ١٢: ١٩ و٢٦) أو هو رئيس الملائكة المرافق للرب. وذهب بعضهم أن تفسير ذلك كالهتاف في باقي الآية وهو قوله «بصوت رئيس ملائكة وبوق الله».
بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ أي قائد الجند السماوي الذي يحيط بالمسيح عند مجيئه بدليل قوله «وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ» (متّى ٢٥: ٣١). وغاية هذا الصوت إما دعوة سائر الملائكة الذين شاهدوا خليقة العالم (أيوب ٣٨: ٧) واشتركوا في إعطاء الشريعة (أعمال ٧: ٥٣ وغلاطية ٣: ١٠) ولهم خدمة في إجراء الدينونة (متّى ١٣: ٤١ و٢٤: ٣١). وإما دعوة الأحياء والأموات إلى الامتثال في حضرة المسيح.
بُوقِ ٱللّٰه أي البوق المختص بالله في العالم الروحي أو البوق الذي يأمر الله أن يبوق به. اعتاد اليهود استعمال الأبواق لدعوة الشعب إلى الاحتفالات العظمى وإلى الحرب (عدد ١٠: ٩ و١٠ و٣١: ٦ ويؤيل ٢: ١) وذُكر البوق مع بعض الإعلانات الإلهية كإعطاء الشريعة على طور سينا (خروج ١٩: ١٦ ومزمور ٤٧: ٥ وإشعياء ٢٧: ١٣ وزكريا ٩: ١٤ ومتّى ٢٤: ٣١ و١كورنثوس ١٥: ٢٥ ورؤيا ص ٨).
سَوْفَ يَنْزِلُ كما جاء في (أعمال ١: ١١) وهذا النزول يكون ظاهراً ومجيداً (رؤيا ١: ٧).
ٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ أي الذين ماتوا مؤمنين بالمسيح وبقوا متحدين به اتحاداً روحياً.
سَيَقُومُونَ أَوَّلاً أي قبل أن يتغير المؤمنون الأحياء ويُخطفوا في السحب. وهذا على ترتيب الواقعات المذكورة في (١كورنثوس ١٥: ٥٢). وكلام الرسول هنا على مجرد قيامة المؤمنين كالكلام في بشارة لوقا على قيامة الأبرار (لوقا ١٤: ١٤). وقول بولس نفسه «الذين للمسيح عند مجيئه» (١كورنثوس ١٥: ٢٣). وقول يوحنا في الذين يموتون في الرب (رومية ١٤: ١٣). ولم يتعرض للكلام على قيامة غير المؤمنين شيئاً لأن ذلك ذُكر في أماكن أُخر (يوحنا ٥: ٢٩). وليس في العبارة من إشارة إلى «القيامة الأولى» المذكورة في (رؤيا ٢٠: ٥ و٦).
١٧ «ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ، وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ».
١كورنثوس ١٥: ٥١ أعمال ١: ٩ رؤيا ١١: ١٢ يوحنا ١٢: ٢٦ و١٤: ٣ و١٧: ٢٤
ثُمَّ أي بعد قيامة الموتى من المؤمنين.
نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ المذكورين في (ع ١٥).
سَنُخْطَفُ بقوة الله. وقال «سنُخطف» إشارة إلى سرعة النقل الموافقة لرغبة المشتاقين إلى أن يكونوا مع المسيح.
جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ أي الأحياء والأموات جماعة واحدة فالأحياء يتغيرون بلا موت ويلبسون جسداً روحياً بدل الجسد الطبيعي (١كورنثوس ١٥: ٥١ و٥٢ و٢كورنثوس ٥: ١ وفيلبي ٣: ٢١). ويصيرون بذلك التغيير قابلين أن يصعدوا مع المقامين من الموت وأن تحملهم السحب والهواء. وقوله «سنُخطف في السحب» مثل ما قيل في المسيح يوم صعوده (أعمال ١: ٩) ومثل ما قيل في رجوعه (متّى ٢٤: ٣٠ ورؤيا ١: ٧) وما قيل في مركبات الله (مزمور ١٠٤: ٣ ودانيال ٧: ١٣ قابل بهذا ما في متّى ٢٦: ٦٤ ورؤيا ١١: ١٢ و١٤: ١٤).
لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ وهو نازل من السماء كما اعتاد شرفاء المدينة أن يلاقوا ملكهم وهو راجع من الحرب منتصراً ويرحبوا به. وعبر في غير هذا الموضع عن «ملاقاة الرب» بالاجتماع إليه (٢تسالونيكي ٢: ١).
فِي ٱلْهَوَاءِ أي فوق الأرض لا في سماء المجد. وهو محل للاجتماع مع المسيح استعداداً للذهاب إلى حيث يشاء.
وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ لم يعيّن الرسول محل الكون مع الرب دائماً لكن يعبر عنه غالباً «بالسماء» وعبر عنه بالمنازل الكثيرة في بيت الآب (يوحنا ١٤: ٢ و٣) و «بملكوت السماء» (متّى ٢٥: ٣٤ و١تيموثاوس ٣: ١٨). و «بوليمة العرس» (رؤيا ١٩: ٧ – ٩). والذي يحققه الرسول في العبارة شدة الاتحاد بين المسيح وشعبه والحياة الخالدة والسعادة التامة وعدم الافتراق أبداً. والوجود مع الرب أعظم مسرّات السماء فمسرّة الأصحاب الأرضيين المجتمعين في السماء تكاد لا تكون شيئاً إلا باجتماع الرب معهم وتمتعهم معاً بمشاهدتهم ومخالطتهم إياه. ولم يتعرض بولس هنا للكلام على أحوال النفوس بين الموت والقيامة ولا لكل الحوادث المتعلقة بمجيء المسيح إذ لا غاية له هنا إلى أن يعزي المؤمنين من جهة موتاهم بأنهم ليسوا بأقل من غيرهم سعادة يوم مجيء المسيح. وترك ذكر قيامة الأموات والدينونة نفسها ومشاركة المؤمنين المسيح فيها كما ذُكر في (١كورنثوس ٦: ٢ و٣) وتوزيع الجزاء وملك المسيح وتمجيده مع المفديين.
١٨ «لِذٰلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ».
ص ٥: ١١
لِذٰلِكَ أي بناء على ما سبق.
عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً في ما أنتم في ريب وحزن منه (ع ١٣). فإنهم كانوا يتوهمون أن موتاهم خسروا كثيراً بموتهم قبل مجيء المسيح. ولكي يزيل عنهم هذا الوهم ويقوي رجاءهم ورجاء سائر المؤمنين في شأن أنفسهم وموتاهم قال ما قاله هنا في شأن موت المسيح وقيامته وأن اتحاد المسيح بالموتى المؤمنين مثله بالأحياء منهم وأن الموتى لا يبقون في القبر إلى الأبد بل يقومون للحياة الأبدية ليشاركوا المسيح وسائر شعبه في المجد.
بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ الذي كلمتكم به بمقتضى إعلان الله. إن كل أقوال الله في هذا الشأن تعزية لهم ولكل مؤمن ولا سيما ما ورد هنا في أمر مجيء المسيح ثانية وطريق اشتراكهم فيه وفي المجد المقترن به. وفي قوله «عزوا بعضكم بعضاً» إشارة إلى أن الذين ثكلوا أصحابهم لا يستطيعون بشدة حزنهم أن يتعزوا من أنفسهم بهذا الكلام بل بمساعدة غيرهم لهم بأن يدلوهم على ما فيه من التعزية.
ولنا مما قيل هنا أن الله أعد لقديسيه الذين يدعوهم إلى ترك هذا العالم والحضور أمامه كل ما يحتاجون إليه لراحتهم وسعادتهم ولا حاجة لهم إلى الاهتمام بمستقبلهم ولا إلى أن يهتم الأحياء بهم الاهتمام الزائد أو يفعلوا شيئاً من أجلهم. فلم يقل الإنجيل شيئاً من أمر الصلاة من أجل الموتى ولا في تقديم القداديس عنهم ولا شيئاً من التطهير في موضع للعذاب. وقول الرسول إن الموتى المؤمنين «راقدون في المسيح» يبطل كل ذلك.
وما قيل في شأن اجتماع الأصدقاء في السماء وكونهم مع المسيح إلى الأبد مقيّد بكونهم مؤمنين متحدين بالمسيح قبل موتهم أو تغيرهم. فيجب أن نكون مستعدين لكي نثبت صحة إيماننا وأن تكون سيرتنا كما يليق بالمؤمنين.
السابق |
التالي |